الرشوة الجنسية بين الانحطاط الأخلاقي والمساس بنزاهة العمل الوظيفي

Sexual Bribery: Between Moral Degradation and Undermining the Integrity of Public Office

د. إيلي رباح منصور

1 دكتوراه في القانون العام.

DOI: https://doi.org/10.53796/hnsj66/30

المعرف العلمي العربي للأبحاث: https://arsri.org/10000/66/30

المجلد (6) العدد (6). الصفحات: 433 - 459

تاريخ الاستقبال: 2025-05-07 | تاريخ القبول: 2025-05-15 | تاريخ النشر: 2025-06-01

Download PDF

المستخلص: يتناول البحث جريمة الرشوة الجنسية بوصفها من أخطر الجرائم التي تمس نزاهة الوظيفة العامة في الدولة، إذ يستغل الموظف العام نفوذه لتحقيق مصلحة خاصة، ويطلب مقابلاً جنسياً لأداء مهام وظيفته أو الامتناع عنها. تبرز خطورة هذه الجريمة في كونها تقوّض هيبة الوظيفة العامة، وتؤثر سلباً في ثقة الأفراد بالدولة، كما تصعّب عملية الإثبات بسبب سرية وقوعها. يعزو البحث أسباب هذه الجريمة إلى مشكلات نفسية وتربوية، إضافة إلى فجوات تشريعية تساهم في انتشارها. ويدعو البحث إلى وضع نصوص قانونية صارمة وتجريم هذه الظاهرة بشكل مستقل لحماية المجتمع وضمان نزاهة الوظيفة العامة.

الكلمات المفتاحية: الرشوة الجنسية، الوظيفة العامة، فساد، التشريع، الإثبات.

Abstract: The study addresses the crime of sexual bribery as one of the most serious offenses undermining the integrity of public office, where a public official exploits his authority for personal gain by demanding sexual favors in exchange for performing or refraining from performing his duties. The gravity of this crime lies in its potential to erode public trust and the difficulty of proving it due to its secretive nature. The research attributes the causes to psychological and educational issues, as well as legislative gaps that facilitate its spread. The study calls for clear and strict legal provisions to independently criminalize sexual bribery, thereby protecting society and ensuring the integrity of public service.

Keywords: Sexual bribery, public office, corruption, legislation, evidence.

مقدمة

إن وظيفة الدولة لا تقتصر على مجرد منع الفعل الضار والمحافظة على النظام العام والسكينة والصحة العامة، بل تتعداها أيضاً إلى التدخل الإيجابي بالاضطلاع على صلاحية تنفيذ خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية، سعياً لتطوير المجتمع وتحقيق أهدافه من الكفاية والعدل، وفق ما تقتضيه المواثيق الدولية وكذلك القوانين الوطنية الخاصة بحماية الحقوق والحريات الأساسية للإنسان. ولقد اعتبرت المرافق العامة في نظر الدولة الحديثة الأداة القانونية المثلى لتجسيد حقوق الإنسان وضمانها، وهذا من خلال ما تقدمه هذه المرافق من خدمات للصالح العام في جل مجالات الحياة، وعلى قدم المساواة دون أي تمييز يعود سببه إلى الجنس أو العرق أو المال أو النفوذ وغيره.

وتمنح الوظيفة العامة الموظف سلطات لا يمتلكها غيره، ونفوذاً أوسع في نطاق اختصاصه وخارجه، وتعدّ هذه السلطة وهذا النفوذ أمانة بين يديه، وعليه أن يستعملهما ويحسن توجيههما في أداء المصالح العامة والخاصة التي وكل أمرها إليه، فعليه أن يفعل هذا في نزاهة وحيدة، لا يتوخى غير الحق والقيام بالواجب، دون مطامع في مغنم لنفسه أو لغيره أو إشباع لشهوة أو سعي إلى غاية أخرى غير تحقيق المصلحة التي يهدف إليها القانون، فإذا سولت له نفسه العبث بهذه الأمانة واستغلالها لصالحه الخاص، كان الضرر جسيماً وكانت خيانته لهذه الأمانة جرماً خطيراً، ومن أخطر ضروب هذا العبث أن يجعل الموظف من سلطته ومن نفوذه تجارة يفيد من ورائها مادياً أو أدبياً، فيقوم بما يطلب إليه أو يمتنع عما يجب عليه، في حق أو في غير حق، لقاء أجر يتقاضاه أو فائدة يحصل عليها لنفسه أو لغيره، أو بعبارة أخرى يجعل الرشوة ثمناً لأداء واجبه أو الامتناع عن أدائه.

وفي الآونة الأخيرة، أبرزت الأخبار ومواضيع الساعة شكلاً معيناً من أشكال الفساد، يتمثل في الرشوة الجنسية. وتحدث الرشوة الجنسية عندما يكون لصاحب الحاجة حق يُفترض به أنه مجاني ولكن هذا الحق يقترن أو يشترط بنشاط جنسي غير مشروع لكي يتم تنفيذه أو إعطاؤه لصاحب الحاجة، ويمكن لأي شخص بصرف النظر عن جنسه، أن يكون ضحية لمثل هذه الممارسات، غير أن الشائع هو أن أغلب الضحايا من النساء، كما تُبين ذلك وسائل الإعلام وما يروج فيها من أخبار حول هذه الآفة.

فالموظف العام أو من في حكمه والذي يطلب أو يقبل بإقامة علاقة جنسية غير مشروعة مقابل تأدية عمل من أعمال وظيفته أو امتناعه عن القيام بهذا العمل، لا يعبث فقط بنزاهة الوظيفة العامة بل ينم سلوكه هذا عن انحطاط أخلاقي ومشاكل تربوية ونفسية.

وعلى الرغم من انتشاره، فإن هذا الجانب الجنسي من الرشوة لايزال غير معروف ويصعب تحديده والتصدي له، لأنه نادراً ما يتم الكشف عنه وتناوله من قبل الهيئات المتعارف عليها في مجال المراقبة ومكافحة الفساد، إضافة إلى أن الرشوة الجنسية لا يتم فضحها، وقلّما تكون موضوعاً للشكايات نظراً لخشية الضحايا من الوصم والعار وخاصة في مجتمعاتنا العربية، أو لأن العديد منهن يجهلن سبل الانصاف المتاحة. أما فيما يتعلق بالإطار القانوني وآليات مكافحة الفساد في لبنان، فهي لا تتناول الرشوة الجنسية تحديداً ولا تأخذ النوع الاجتماعي بعين الاعتبار. وهذا النقص في الوضوح يجعل من القانون اللبناني عرضة لمختلف التأويلات.

أهمية البحث

تبرز أهمية البحث محل الدراسة في كونه يمس نقطة من الأهمية بمكان، ألا وهي الرشوة التي تعد أخطر الجرائم التي تصيب الوظائف العامة اللبنانية، وأشرس أنواع الفساد الذي ينخر جهاز الحكم ويعيب القائمين بتسيير مصالح الناس وتدبير شؤونهم، ولهذا قضت الأديان بتحريمها، واستمطرت اللعنات على الراشي والمرتشي ومن يسعى بينهما، وأجمعت القوانين الوضعية منذ قديم العهد على معاقبتها، ونادى المصلحون من رجال الاجتماع بوجوب العمل على معالجة أسباب هذا الداء الاجتماعي الوبيل، وكبح الدوافع التي تدعو له وتمهد الطريق إليه.

ومما زاد الأمر سوءاً وجعل من الضروري تسليط الضوء على هذه الظاهرة، هو دخول العلاقات الجنسية كبديل للعملة، إذ يحصل صاحب الحاجة على مبتغاه مقابل إقامة علاقة جنسية مع الموظف العام الذي يستغل السلطة التي يخولها القانون له ويخون الأمانة الوظيفية ساعياً وراء المتعة الجنسية مقابل تأدية عمل من أعمال وظيفته أو امتناعه عن تأدية ذلك العمل الذي يخل بواجبات الوظيفة.

أما الدوافع الشخصية التي كان لها دورٌ فاعلٌ في انتقاء البحث فيمكن إجمالها بما يأتي:

  • الاهتمام بالدراسات القانونية المرتبطة بالرشوة الجنسية، التي لا يقتصر تأثيرها على الجانب الاقتصادي فحسب، وإنما تشمل الجانب الأخلاقي والتربوي.
  • الكشف عن مواطن الضعف والقوة في الإجراءات المتخذة لمواجهة الرشوة عموماً والرشوة الجنسية خصوصاً سواء ما تعلق منه بالجانب الوقائي أو العلاجي.
  • إثراء المكتبة القانونية خاصة أمام ما تعيشه من نقص في مجال الرشوة الجنسية.

الإشكالية

تكمن مشكلة البحث في أن نصوص الرشوة الجنسية في القوانين الوضعية اتسمت بالتعقيد والغموض (إن وجدت) على نحو يصعب معه تحديد حقيقة النظام الذي يتبناه المشرع، كما أن جريمة الرشوة الجنسية أضحت في الآونة الأخيرة منتشرة في كافة إدارات ومؤسسات الدولة اللبنانية بحيث أصبحت وباءً يهدد كيان المجتمع اللبناني ويحتاج إلى الوقاية منه، فالرشوة الجنسية يصعب ضبطها، حيث يتم الاتفاق عليها في الخفاء بين الموظف العام وصاحب أو صاحبة المصلحة، فهي تحاط بالسرية عند ارتكابها، الأمر الذي يصعّب على السلطات الوصول إليها وكشفها، ما لم يعترف بها أحد أطراف جريمة الرشوة، فالإشكالية الأساسية في هذه الجريمة، تتمثل في أنها جريمة أخلاقية ونفسية من جهة، ومن جهة أخرى تهدر ثقة المواطنين الأسوياء في نزاهة السلطة، وتدخل في روع المواطنين غير الأسوياء اعتقاداً بقدرتهم على شراء ذمة السلطة من خلال موظفيها، وهو الأمر الذي من شأنه النيل من هيبة الحكومة في أعين الناس.

ومن هنا تتمحور إشكالية البحث الأساسية في النحو الآتي:

في ظل الانحطاط الأخلاقي والتربوي لبعض الموظفين العاملين في الإدارات والمؤسسات العامة اللبنانية من جهة، وخوف صاحب المصلحة من العار والفضيحة في كشف المستور من جهة ثانية وقلة وانعدام التشريعات والقوانين العربية عموماً واللبنانية خصوصاً التي تجرم وتحمي الرشوة الجنسية من جهة ثالثة، هل يمكن لهذه الظاهرة أن تصبح أمراً طبيعياً نتيجة تعود المجتمع على هذا النوع من الجرائم؟ ويتفرع عن هذه الإشكالية الأساسية عدة تساؤلات قانونية تندرج وفق الآتي:

  • ماهي الأسباب وراء قيام بعض الموظفين العامين بطلب علاقة جنسية عابرة مقابل القيام بعمل من أعمال وظيفته أو امتناعه عن القيام به؟
  • ما هي الأركان المطلوبة لقيام جريمة الرشوة الجنسية؟
  • ما مدى فعالية الإجراءات الوقائية والعلاجية وكذلك التشريعات والقوانين في الحد من ظاهرة الرشوة الجنسية؟

منهج الدراسة

لتحقيق الهدف المرجو من البحث والذي يتمثل في تسليط الضوء على الرشوة الجنسية، استخدمنا جملةً من المناهج العلمية متمثلةً بالآتي:

  • المنهج التحليلي: وهو المنهج الأكثر استخداماً في هذه الدراسة، والذي ينطلق من المعطيات الأولية للرشوة الجنسية، ومن ثمّ تحليلها ومحاولة تطبيقها على الإدارات والمؤسسات العامة كي نتمكن من التوصل إلى النتائج المرجوة وذلك باستعراض النصوص التشريعية والقانونية المتواجدة في هذا المجال.
  • المنهج الاستنباطي: ويقوم على مبدأ محاولة استخلاص النتائج التي يتم التوصل إليها من الدراسة وكذلك من التشريعات القانونية المختلفة.

هيكلية البحث

بهدف تجسيد أهمية ما تقدم تم تقسيم البحث إلى مطلبين

المطلب الأول: ماهية الرشوة الجنسية من خلال تقسيم هذا المطلب إلى فرعين

  • الفرع الأول: التعريف بجريمة الرشوة الجنسية.
  • الفرع الثاني: طبيعة الرشوة الجنسية وتمييزها عما يشبهها من جرائم.

المطلب الثاني: أركان جريمة الرشوة الجنسية والعقبات التي تعيق تجريمها من خلال تقسيم هذا المطلب إلى فرعين

  • الفرع الأول: أركان جريمة الرشوة الجنسية.
  • الفرع الثاني: المشاكل الاخلاقية والقانونية التي تعيق تجريم الرشوة الجنسية.

تمهيد

إن جريمة الرشوة سواءً أكانت عادية أم جنسية لا تختلف كثيراً في التأثير عن مظاهر الفساد الأخرى، إلا أن الواقع يؤكّد أن هذه الجريمة هي أسرع مظاهر الفساد انتشاراً وأكثرها تأييداً من جانب الموظفين، وذلك لقدرتها على تحقيق أغراض الكسب غير المشروع، لذلك هدفت الكثير من الدراسات إلى الحد من آثارها ومنع انتشارها.

وللإضاءة أكثر على الموضوع سوف يتم تقسيم هذا البحث إلى مطلبين وفق الآتي:

المطلب الأول: ماهية الرشوة الجنسية

المطلب الثاني: أركان جريمة الرشوة الجنسية والعقبات التي تعيق تجريمها

المطلب الأول

ماهية الرشوة الجنسية

ولا ريب أن الرشوة قديمة قدم الإنسان، فهي موجودة ما دام هناك قوي وضعيف، غني وفقير، وهي واضحة عند الجميع يعرفها المتعلم وغير المتعلم، والبدوي والحضري، والحاكم والمحكوم، فهي ممارسة قبيحة وفعل مشين ومستهجن، لما لها من خطر كبير على الأفراد والمجتمعات والدول، حيث تنطوي على أخطار كبيرة تهدد كيان المجتمع، فإذا ما انتشرت في مجتمع ما فإنها توحي بانهياره، فكيف إذا ما اقترنت بفعل جنسي غير أخلاقي ومنافٍ للعادات والتقاليد. وانطلاقاً من ذلك سوف نتناول تعريف جريمة الرشوة الجنسية وطبيعتها القانونية وتمييزها عن غيرها من الجرائم المشابهة لها، من خلال ما يأتي:

الفرع الأول

التعريف بجريمة الرشوة الجنسية

للإحاطة بمضمون هذا الفرع، لا بد من التطرق إلى تعريف جريمة الرشوة الجنسية، ومن ثم البحث في أهم المجالات التي تنتشر فيها الرشوة الجنسية. وذلك من خلال ما يأتي:

أولاً: تعريف الرشوة الجنسية

بداية لا بد من تعريف الرشوة بشكل عام ثم نتطرق بعد ذلك إلى تعريف الرشوة الجنسية، فقد عرف المشرع اللبناني جريمة الرشوة في المادتين 351 و 352 من قانون العقوبات، حيث نصت المادة 351 على أنه “كل موظف، وكل شخص نُدب إلى خدمة عامة، سواء بالانتخاب أو بالتعيين، وكل امرئ كلف بمهمة رسمية كالحَكَم والخبير والسنديك التمس أو قبل لنفسه أو لغيرة هدية أو وعداً أو أي منفعة أخرى، ليقوم بعمل شرعي من أعمال وظيفته عوقب بالحبس من 3 أشهر إلى 3 سنوات وبغرامة أقلها ضعفا قيمة ما أخذ أو قبل به” أما المادة 352 فقد نصت على “كل شخص من الأشخاص السابق ذكرهم التمس أو قبل لنفسه أو لغيره هدية أو وعداً أو أي منفعة أخرى ليعمل عملاً منافياً لوظيفته أو يدعي أنه داخل في وظيفته أو ليهمل أو يؤخر ما كان عمله واجباً عليه عوقب بالأشغال الشاقة المؤقتة وبغرامة لا تقل عن 3 أضعاف قيمة ما أخذ أو قبل به”. ومن خلال استعراض أغلب التعاريف التي أعطيت لجريمة الرشوة من جانب الفقه، نجد أن معظمها اجتمع على أنها “فعل غير مشروع يرتكبه موظف عام للحصول على منفعة معينة مستغلاً السلطة التي يخولها القانون له، متعسفاً في استعمالها، خائناً للأمانة ساعياً وراء الإثراء غير المشروع فيطلب شيئاً لنفسه أو يأخذ مقابل تأدية عمل من أعمال وظيفته أو امتناعه عن تأدية ذلك العمل الذي يخل بواجبات الوظيفة([1]).

فالرشوة بشكل عام علاقة تستلزم وجود شخصين، الأول المرتشي وهو الموظف الذي يقبل أو يطلب مقابلاً لقيامه بعمل أو امتناعه عن عمل من أعمال وظيفته، والثاني الراشي وهو صاحب المصلحة الذي يقبل طلب الموظف للرشوة أو يعرضها فيقبلها الموظف، والعبرة في جريمة الرشوة هي لسلوك الموظف وليس لسلوك صاحب المصلحة، لأن أعمال الوظيفة توجد بين يدي الموظف الذي يستطيع استغلالها والعبث بها، وقد يتواجد في هذه العلاقة شخص ثالث بين الراشي والمرتشي يؤدي دور الوسيط بين الاثنين بتكليف من أحدهما أو دون تكليف، فيقوم بعرض وساطته على أي منهما([2]).

وعادة ما يكون المقابل في جريمة الرشوة مادي أو عيني، ولكن عندما يكون هذا المقابل الذي يطلبه الموظف العام لقيامه بمهام وظيفته أو امتناعه عن القيام به هو مقابل جنسي هنا نكون أمام رشوة جنسية، إذاً فجريمة الرشوة لا تختلف في ماهيتها عن جريمة الرشوة الجنسية إلا في طبيعة المقابل طالما أن أركان جريمة الرشوة وأطرافها هي نفسها.

انطلاقاً من ذلك يمكننا أن نعرف الرشوة الجنسية على أنها، طلب الموظف أو المكلف بخدمة عامة أو قبوله لنفسه أو لغيره عرضاً بمنفعة أو ميزة جنسية لقاء قيامه بالمهام والاختصاصات الموكلة اليه بحكم وظيفته، أو الامتناع عن القيام بها أو الإخلال بأعمال الوظيفة العامة المناطة به.

ويجرنا الحديث عن الرشوة الجنسية إلى التساؤل عن أسبابها، وهل هي مشاكل في سلوك الشخص أم هي مشاكل عقلية؟ وفي الإجابة عن هذا التساؤل نقول: إن الرشوة الجنسية هي في الأساس سلوك لا أخلاقي يتمثل في استغلال السلطة أو النفود من جهة، وسلوك منحرف يتمثل في طلب جنسي لقاء خدمة من جهة أخرى، لكن السبب الرئيس وراء الرشوة الجنسية هو مشاكل عقلية، تخول لمرتكبها السماح لنفسه بالقيام بأي تصرف أو سلوك مادام يتمتع بسلطة معينة، ومشاكل تربوية أو ظاهرة اجتماعية تتلخص في كون الرجل مهما ارتكب من أخطاء يبقى رجلاً وتتحمل المرأة اللوم كلما تعلق الأمر بمشكلة ذات طابع جنسي، فكل هذه التصورات النمطية والأحكام المسبقة تساهم بطريقة أو بأخرى ليس فقط في تفشي ظاهرة الرشوة الجنسية لكن أيضاً في التستر عليها خوفاً من العار([3]).

ثانياً: أهم المجالات التي تنتشر فيها الرشوة الجنسية

كما ذكرنا سابقاً إنّ الرشوة الجنسية هي سوء استخدام شخص ما للسلطة التي تخولها له وظيفته، ويشترط هذا الاستخدام السيء للسلطة أن يوافق /توافق المُطالب/ المُطالبة بخدمة يُفترض أنها مجانية على تلبية رغبة جنسية مقابل ذلك، فالإكراه في هذه الحالة له طبيعة نفسية ومعنوية، وليست جسدية ومادية، كما تتمثل إساءة استخدام السلطة في الخلل الذي يعتري موازين القوة بين المذنب والضحية، وتكتسي مكافحة هذه الظاهرة أهمية بالغة، بحيث إذا كان من الممكن أن يقع أي شخص ضحية للفساد، فغالباً ما تقع النساء ضحايا للفساد الجنسي في الواقع، فالنساء يعشن في ظروف هشة (التبعية الاقتصادية، التمييز، الأمية..). لذا يصبحن أولى ضحايا الرشوة الجنسية. ويمكن لأي شخص، بصرف النظر عن جنسه، أن يكون عرضة للفساد الجنسي، غير أنه في السياق الحالي، تقع النساء من دون شك ضحايا لهذا الابتزاز، نظراً لعدة أسباب. وبغض النظر عن الجنس يمتنع الضحايا عن التبليغ عن هذا النوع من الحالات بسبب طابع الطابو الذي يكتسيه هذا الموضوع في المجتمع، والخوف من وصمة العار ومن الانتقام ([4]).

وتنتشر ظاهرة الرشوة الجنسية في جميع النواحي التي تمارس فيها علاقات السلطة أو النفوذ، إلا أنها تكثر في المجالات التالية ([5]):

  1. في الوسط المدرسي أو الجامعي:
  • الجنس مقابل العلامات.
  • الجنس مقابل التسجيل في سلك الماجستير والدكتوراه.
  1. في أماكن العمل:
  • الجنس مقابل التوظيف.
  • الجنس مقابل الترقية.
  1. في الإدارات والمرافق العمومية:
  • الجنس مقابل الحق في خدمة عمومية أو الاستفادة منها.
  • الجنس مقابل مرتبة متميزة على لائحة انتخابية.

الفرع الثاني

طبيعة الرشوة الجنسية وتمييزها عما يشبهها من جرائم

عندما تنتشر الرشوة الجنسية في المؤسسات والإدارات العامة فإنها تؤثر سلباً على أداء الوظيفة العامة وتقل ثقة المواطنين بهذه المؤسسات والإدارات، فتفقد نزاهتها وتصبح متداولة كأيّة سلعة، لذا كان من الواجب على المشرع التدخل من أجل تجريم أطراف هذه الجريمة، فبعض التشريعات أخذت بنظام وحدة التجريم، فيما أخذت تشريعات أخرى بنظام الازدواج في التجريم، ولبيان ما سبق ذكره سوف نلقي الضوء على الطبيعة القانونية لجريمة الرشوة ومن ثم سوف نبين الاختلاف بينها وبين الجرائم المشابهة لها، وفقاً للآتي.

أولاً: الطبيعة القانونية لجريمة الرشوة الجنسية

اختلفت التشريعات وكذلك آراء الفقهاء في تكييف جريمة الرشوة، فبعضها يعتبر العرض والقبول مكونين لجريمة واحدة مركبة تقع من الراشي والمرتشي وتخضع لقواعد المساهمة الجنائية، بينما ذهب اتجاه آخر إلى اعتبار فعل كل من الراشي والمرتشي جريمة على حدة، فلا يتوقف قيام المسؤولية أو مقدار العقاب في إحداهما على قيام المسؤولية ومقدار العقاب في الأخرى.

الفقرة الأولى: نظام الازدواج في التجريم

هذا النظام ينظر إلى جريمة الرشوة باعتبارها جريمة مزدوجة أي أنّها تتكون من جريمتين منفصلتين هما:

  1. جريمة المرتشي (الجريمة السلبية): وهي تمثل الجانب السلبي في فعل الرشوة، وهو فعل الموظف الذي يطلب أو يقبل الرشوة مستغلاً سلطات وظيفته التي خولها له القانون سواء كانت في صورة عطية أو هدية أو مجرد وعد، ويطلق الفقه على هذه الجريمة الرشوة السلبية ([6]).
  2. جريمة الراشي (الجريمة الإيجابية): وهي تمثل الجانب الإيجابي في فعل الرشوة، وهي تقع من قبل صاحب الحاجة، بإعطاء المقابل للموظف أو بالعرض عليه أو وعده به، ويطلق الفقه على هذه الجريمة الرشوة الإيجابية ([7]).

وتستقل كل من الجريمتين عن الأخرى في المسؤولية والعقاب بمعنى أنه يمكن أن تتوافر أركان إحداهما دون أركان الأخرى، لأن الراشي لا يعد مساهماً في عمل المرتشي بل فاعلاً لعمل مستقل عن عمله وتبعاً لذلك تسري على كل جريمة مستقلة عن الأخرى قواعد الاشتراك والشروع. كما أن هذا النظام لا يشترط الاتفاق بين طرفي الرشوة فكل من الجريمتين تقع بمجرد ارتكاب أحدهما فعلاً يتجه به نحو إتمام معنى الرشوة وهو مجرد الطلب من جانب المرتشي أو مجرد العرض من جانب الراشي، وإن لم يؤد الفعل من أحدهما إلى اتفاق بينهما.

ومن التشريعات التي أخذت بنظام ازدواجية الرشوة، فرنسا في المواد (432/11 و433/11) من قانون العقوبات الفرنسي، وكذلك القانون الألماني (م331-350)، والقانون الروسي (م 117-119)، والقانون السوداني (م 128-134)، والقانون العراقي (م 90-97).

الفقرة الثانية: نظام الوحدة في التجريم:

وفقاً لهذا المذهب الذي تأخذ به بعض التشريعات الجنائية تعتبر الرشوة جريمة واحدة فاعلها الأصلي هو الموظف المرتشي، أما صاحب الحاجة (الراشي) فليس إلا شريكاً في هذه الجريمة الأصلية، وتقوم هذه النظرية على أن جوهر الرشوة إنما يتمثل في الاتجار بأعمال الوظيفة والمساس بنزاهتها وهو ما لا يتصور وقوعه إلا من جانب الموظف الذي وضعت فيه السلطة العامة ثقتها. فالمرتشي إذن هو المعول عليه في مشروع الرشوة فهو أكثر إجراماً من الراشي لأنه يخل بواجبات الأمانة التي تلقيها الوظيفة على عاتقه وهي واجبات لا تقيد الراشي في شيء، وبالتالي فمؤدى مذهب وحدة جريمة الرشوة هو اعتبار الموظف هو الفاعل الوحيد للجريمة، أما الأشخاص الآخرون مثل الراشي أو الوسيط بين الراشي والمرتشي(الرائش)، فيعتبرون شركاء إذا توفرت فيهم شروط الاشتراك. وفي ظل هذا المذهب ينعدم التمييز والتفرقة بين كل من الرشوة الإيجابية والسلبية، إذ لا توجد عندئذ سوى رشوة واحدة هي التي يرتكبها الموظف العام ([8]).

وقد أخذ القانون اللبناني بنظام وحدة الجريمة، فهو لم يميز داخل جريمة الرشوة بين جريمة الراشي وجريمة المرتشي، بل ينظر إلى الجريمة بوصفها عملية واحدة ذات فاعلين ضروريين هما الراشي والمرتشي، والدليل على ذلك أن القانون عاقب الراشي في المادة 353 بذات العقوبة المقررة للمرتشي في المادتين 351 و352، أي اعتبر كل منهما فاعلاً ضرورياً للآخر في جريمة الرشوة المتكاملة الأركان، وهذا لا يعني أن هناك جريمة خاصة بالراشي هي عرض الرشوة دون أن تلقى قبولاً من الموظف (م 355 عقوبات)، إذ تجريم الراشي تقرر في هذه الحالة لخطورة هذا العرض، والذي يعتبر تحريضاً للموظف على الإتجار بأعمال الوظيفة والعبث بنزاهتها، فالراشي هو الفاعل الأصلي لهذه الجريمة الأخيرة، ولا يوجد معه فاعل آخر وإنما مجني عليه هو الموظف أو الوظيفة العامة([9]).

ثانياً: تمييز الرشوة الجنسية عن غيرها من الجرائم المشابهة لها

هنالك بعض السلوكيات الإجرامية التي يعتقد البعض أنها رشوة جنسية أو على العكس قد يرى أنها ليست كذلك، ومن أبرز تلك السلوكيات التحرش الجنسي وكذلك الابتزاز المقترن بطلبات ذات طبيعة جنسية، وسنوضح الفرق بين كل منها:

الفقرة الأولى: التحرش الجنسي والرشوة الجنسية: يخلط البعض بين التحرش الجنسي وبين الرشوة الجنسية إلا أنهما مصطلحان مختلفان من حيث توفر معيار المقايضة، أي الخدمة المقابلة، فالتحرش الجنسي شكل من أشكال الإيذاء، ويتمثل في مضايقات سواء كانت في شكل أقوال أو أفعال أو حتى تلميحات ذات صبغة جنسية أو إباحية، وسواء مورست تلك المضايقات داخل الفضاءات العمومية أو الخاصة، وتعد الرشوة الجنسية استغلالاً أو استعمالاً لمعيار المقايضة بين الحصول على فائدة أو خدمة خاصة مقابل ممارسة جنسية على اختلاف الشكل الذي تمارس من خلاله، سواء من خلال الاتصال المباشر بين الطرفين أو بشكل سطحي([10])، فالرشوة الجنسية هي جريمة مركبة تقوم على أساس مكونين هما: سلوك جنسي يتجلى في طلب الانخراط في نشاط جنسي غير مرغوب به، وسلوك الفساد الذي يعني إساءة استعمال السلطة الموكلة لتحقيق مكاسب خاصة وهو يقوم بدوره على ثلاثة مكونات وهي إساءة استعمال السلطة واستغلالها، والمقايضة، والإكراه النفسي بدل العنف البدني([11]).

الفقرة الثانية: الابتزاز الجنسي والرشوة الجنسية: الابتزاز الجنسي هو نوع من أنواع التحرش الجنسي، ويمكن أن يعّرف على أنه أي عرض جنسي غير مرغوب به، أو طلب خدمة جنسية، أو أي تصرف آخر له طبيعة جنسية سواء كان شفوياً أو جسدياً، موجهاً نحو فرد بسبب نوعه (ذكر أو أنثى) أو مثليته (ذكر تجاه ذكر/ أنثى لأنثى)، بحيث يكون التعرض لمثل هذا التصرف يبني فهماً ضمنياً أو صريحاً لدى المتلقي على أنه شرط ومرتكز لقضاء حوائج الناس كمدخل مباشر دون تعقيدات النظام([12])، كتوظيف الأفراد أو ارتفاع منزلة الطلاب أو إنجاز المعاملات أو التغاضي عن الأخطاء، وبمعنى آخر شيء مقابل شيء، وأن يكون خيار الرفض أو الاستسلام لمثل هذا التصرف محدد هام لاتخاذ قرارات تؤثر على ذلك الفرد فيما يتعلق بالتوظيف (زيادات، حصول على عمل، مهام عمل، انضباط، الخ.) أو في منزلة الطالب (درجات، امتياز، واجبات، الخ.)([13])، وبمعنى آخر، الرفض هو النتيجة المضادة، وأن يكون عدم قبول مثل هذا التصرف له أبعاد هجومية أو معادية أو تخويفية تلحق بالفرد في بيئة العمل أو المدرسة أو دائرة المراجعة، وتؤثر بشكل غير معقول في أداء عمله أو في تجربته التربوية، وبمعنى آخر، عدم الخضوع يخلف البيئة العدائية وقد تكون هذه البيئة هي قاعة الدرس أو الأماكن الطبية، أو مواقع السكن أو برامج النشاطات أو المكاتب، وذلك من خلال نشر الشائعات والتعرض والتهكم وتحفيز الآخرين على كره الشخص، وذلك فقط بسبب رفضه للعرض الجنسي.

وعليه يمكن القول إن الابتزاز الجنسي يختلف عن الرشوة الجنسية لأنه غالباً يكون من يقوم بالابتزاز قد استخدم بعض الوثائق أو الصور أو مقاطع الفيديو إضافة إلى مركزه للوصول إلى غاياته الجنسية وإرغام الضحية على الاستسلام. أما الرشوة الجنسية فقد تكون من الطرف الذي يقدمها وتعرض على المرتشي.

إلا أن هناك من يرى أن الابتزاز الجنسي صورة من صور الرشوة الجنسية حيث عرفت الجمعية الدولية للقاضيات الرشوة الجنسية بأنها “شكل من أشكال الاستغلال الجنسي والفساد الذي يصدر عن أشخاص لديهم مراكز سلطة أو نفوذ، إذ يتحول الجنس ليصبح هو العملة بدلاً من رشوة المال”([14]).

المطلب الثاني

أركان جريمة الرشوة الجنسية والعقبات التي تعيق تجريمها

اشترط قانون العُقوبات توافر أركانٍ لأيّة جريمة كي تكون واجبة العقاب، فبانتفاء أي من هذه الأركان لا تتحقق الجريمة. وجريمة الرشوة الجنسية كغيرها من الجرائم تتطلب أركاناً لقيامها، وسوف نستعرض هذه الأركان وفقاً لما يلي:

الفرع الأول

أركان جريمة الرشوة الجنسية

إن جريمة الرشوة كما عرضنا سابقاً هي جريمة الموظف العام الذي يأخذ أو يقبل أو يطلب مقابلاً لقاء قيامه بعمل من أعمال وظيفته أو امتناعه عنه. ويتبين من هذا التعريف قيام الرشوة على ثلاثة أركان هي:

أولاً: الركن المفترض: صفة الجاني (المرتشي):

الرشوة إحدى جرائم الاعتداء على الوظيفة العامة، لأن جوهرها هو الاتجار بها، ولذلك فهي لا تقع إلا ممن يملك سلطاتها أي من الموظف العام أو من في حكمه. والجريمة بهذا المعنى تدخل في طائفة “جرائم ذوي الصفة” التي تخضع لأحكام خاصة لعل أهمها، أنه من غير الممكن تصور أن يعد فاعلاً رئيسياً لها إلا من يحمل الصفة التي يشترطها القانون، أما من لا يحمل هذه الصفة فيجوز أن يكون شريكاً فيها أو فاعلاً ضرورياً مع من يحمل تلك الصفة ([15]).

ويتفق غالبية الفقه الإداري على تعريف الموظف العام بأنه “كل شخص يعمل بصورة دائمة في خدمة مرفق عام أو مصلحة عامة، سواء أكان يتبع مباشرة للإدارة المركزية أم تابعاً لإحدى السلطات أو الهيئات اللامركزية كالمحافظات والأقضية والبلديات”([16]). ونلاحظ هنا أن الفكرة الإدارية للموظف العام اعتمدت على اعتبارات ترتد أساساً إلى الصلة القانونية بين الموظف والدولة، وتهدف إلى تحديد الحقوق والالتزامات التي تربط بينهما، والموظف وفق هذه الاعتبارات ينبغي أن تكون علاقته بالدولة ذات مصدر صحيح قانوناً كي تكون في ذاتها صلة قانونية، وهو يخضع في الغالب للسلطة التأديبية للدولة وتسأل عن أعماله، ويعني ذلك أن النظرية الإدارية نظرية عضوية تركز أغلب اهتمامها على الوضع القانوني للموظف داخل الجهاز الإداري. ولكن المشرع يقيم نظريته على أساس مختلف، فهو يهدف من خلال تجريم الرشوة إلى حماية نزاهة الوظيفة العامة، أي ثقة جمهور الناس في عدالة الدولة وحيادها وشرعية أعمالها، ومن ثم كانت العبرة لديه في كون الموظف يتصدى في مواجهة الناس للعمل باسم الدولة ولحسابها، أي أنه يمارس في مواجهتهم بعض اختصاصات الدولة، أو حتى واحداً فقط من هذه الاختصاصات فإذا هو انحرف في ممارسته اهتزت ثقة الناس في الدولة وقامت تبعاً لذلك الحاجة إلى تجريم هذا التصرف. والنتيجة الحتمية لذلك أن صفة الموظف العام لا تتأثر بالعيوب التي تشوب علاقته بالدولة، طالما أنها لا تجرده في نظر جمهور الناس من صفته كعامل باسم الدولة ولحسابها، ومن ناحية ثانية فإنه لا أهمية لكونه يمارس العمل الوظيفي على نحو عارض ومؤقت، ويعني ذلك أن النظرية الجنائية للموظف العام تهتم بالعلاقة بين الدولة وجمهور الناس وتجتهد في صيانة نقاء هذه العلاقة ([17]). وفي ضوء هذه الاعتبارات نجد أن معظم المشرعين اعتمدوا تعريف الموظف وفقاً للمدلول الجنائي، فمثلاً قانون العقوبات اللبناني “وتحديداً في المادة 350 عقوبات لبنانية” لم يقتصر على المدلول الإداري للموظف العام، بل اعتبر بموجب التعديل الحاصل عام 1983، وفي مستهل الجرائم الواقعة على الإدارة العامة، بأنه يقصد بالموظف العام “كل موظف في الإدارات العامة والمؤسسات العامة والبلديات والجيش والقضاء، وكل عامل أو مستخدم في الدولة، وكل شخص عيّن أو انتخب لأداء خدمة عامة ببدل أو بغير بدل”. وبذلك غدا مفهوم الموظف العام أكثر شمولاً واتساعاً من مفهومه في القانون الإداري، وذلك بغية كفالة النزاهة التامة لأعمال الوظائف العامة في كافة جزئياتها.

ولا يكفي لتوافر الصفة الخاصة في جريمة الرشوة أن يكون المرتشي موظفاً عاماً وشخصاً ممن يعدون في حكم الموظف العام، وإنما يشترط فوق ذلك أن يكون مختصاً بالعمل أو الامتناع المطلوب تحقيقه نظير ما تلقاه من مقابل، ومثلما توسع المشرع في مدلول الموظف العام، فإنه توسع أيضاً في مدلول الاختصاص الوظيفي، ولم يتطلب المشرع أن يكون الموظف مختصاً حقيقة بالعمل الوظيفي، وإنما اكتفى في هذا الخصوص بالاختصاص الظاهر، ويعني ذلك أن الاختصاص الوظيفي قد يكون:

  1. اختصاص حقيقي: يقصد بالاختصاص سلطة مباشرة العمل، أو الصلاحية للقيام بعمل معين، وتحدد القوانين واللوائح المنظمة للوظائف العامة، الأعمال التي تدخل في اختصاص كل موظف، كما أن هذه اللوائح قد تفوض الرؤساء الإداريين تحديد اختصاص الموظفين الذين يتبعونهم، أي أن المشرع قد يحدد الاختصاص بالعمل بصورة مباشرة أو غير مباشرة ([18]). وقد توسع المشرع اللبناني في تحديد نطاق الاختصاص الوظيفي في مفهوم جريمة الرشوة، ليحيط بكل صور الاتجار بالوظيفة واستغلالها على أي نحو كان، ويتضح هذا التوسع في مظاهر عدة هي:
  2. الاختصاص الجزئي بالعمل: إن تعقيد الأعمال الإدارية وتشعبها يقتضي توزيع الاختصاص بالعمل الواحد بين عدة موظفين، يؤدي كل واحد منهم جزءاً من هذا العمل، إذ يندر أن يختص موظف واحد بعمل وظيفي في جميع مراحله، لذا فالموظف المرتشي لا يلزم أن يكون هو المختص وحده بكل العمل الوظيفي، بل يكفي لتوافر شرط الاختصاص بالعمل أن يكون للموظف صلاحية القيام بجزء من العمل([19]). ولا أهمية لحجم الجزء من العمل الذي يختص به الموظف، فقد يكون كبيراً كما قد يكون محدوداً، كما أنه لا يلزم أن يكون العمل الذي يطلب من الموظف القيام به داخلاً بشكل مباشر في حدود وظيفته، بحيث يكون له إصدار القرار اللازم بشأنه، وإنما يكفي أن تكون له علاقة بالقرار ولو كانت غير مباشرة، كما لو اقتصر دوره على إبداء رأي استشاري يحتمل أن يؤثر على من بيده اتخاذ هذا القرار ([20]).
  3. عدم الاعتداد بمصدر الاختصاص: لا أهمية لمصدر اختصاص الموظف بالعمل أو الامتناع، فقد يتحدد الاختصاص بالقانون أو بمقتضى أوامر الرؤساء أو تعليماتهم، أي أن الاختصاص يتحدد بالقانون مباشرة أو بناء على قانون، فالأصل أن المناصب الكبرى يتحدد الاختصاص بأعمالها بالقانون مباشرة، أو بلائحة تصدرها السلطة الإدارية بناء على تفويض صريح أو ضمني من القانون. ولكن تحديد الاختصاص قد يكون بأوامر يصدرها الرؤساء في حدود السلطة المخولة لهم، وذلك عن طريق تكليف الموظف بأعمال معينة تكليفاً صحيحاً، يستوي بعد ذلك أن يكون هذا التكليف شفوياً أو مكتوباً، صريحاً أو ضمنياً، كما لو مارس الموظف عملاً معيناً خلال فترة طويلة بموافقة ضمنية من رؤسائه، فإن الإقرار لهذا الوضع وانتظام العمل في الإدارة على هذا النحو يعد مصدراً لاختصاص الموظف بالعمل ([21]).
  4. اختصاص حكمي: ساوى المشرع اللبناني بين الاختصاص الحقيقي للموظف وبين مجرد الزعم بالاختصاص من جانبه أو اعتقاده الخاطئ بالاختصاص، وقد كان توسيع مدلول الاختصاص ضرورة لا غنى عنها، للإحاطة بكل صور الاتجار بالوظيفة واستغلالها لتحقيق الإثراء غير المشروع، ونجد أن المشرع قد اكتفى لقيام جريمة الرشوة في حق الموظف بتوافر الاختصاص الحكمي، الذي يتخذ واحدة من الصورتين الآتيتين وهما: زعم الاختصاص والاعتقاد الخاطئ بثبوته.
  5. زعم الاختصاص: سوى المشرع اللبناني في المادة 352 عقوبات بين الاختصاص الفعلي ومجرد الزعم به، فالمقصود بالزعم بالاختصاص، ادعاء الموظف أو من في حكمه للمستفيد بأن له السلطة أو الصلاحية التي تؤهله القيام بعمل معين أو الامتناع عنه خلافاً للواقع ([22]). والزعم بالاختصاص من قبل الموظف أو من في حكمه، يفترض ابتداءً انتفاء الاختصاص، فالموظف المرتشي ليس مختصاً بالعمل الذي يتلقى مقابلاً له من أجل القيام به أو الامتناع عنه، لكنه يدعي أنه مختص به، لذا فإن فكرة الاتجار في أعمال الوظيفة العامة تعد منتفية وتنتفي تبعاً لذلك جريمة الرشوة، وذلك لانتفاء أهم عنصر تقوم عليه هذه الجريمة ألا وهو عنصر الاختصاص، انطلاقاً من أنه لا وجود لعمل وظيفي معين يتصرف فيه المتهم لكي يتجر بأعمال الوظيفة العامة، فالصورة هنا أقرب إلى جريمة الاحتيال منها إلى جريمة الرشوة، ولكن المشرع لم يغب عن فكره أن مثل هذا الموظف وإن لم يتجر في عمل وظيفي معين إلا أنّه قد أتجر في الوظيفة ذاتها، فاستغل الثقة التي يضعها الناس فيمن يمارسون أعمال الوظيفة، مما دفع المستفيد الى الاعتقاد أو تصديق الجاني “الموظف” بأنه مختص بأداء العمل الذي يسعى إليه، في حين أن الموظف لا يختص به، ولا يمكنه القيام به، فهو بذلك لا يقل في إجرامه -إن لم يزد- عن الموظف الذي يتجر في أعمال الوظيفة العامة والتي يختص بها فعلاً، إذ إنه بذلك جمع بين الإتجار بأعمال الوظيفة العامة وجريمة الاحتيال([23]).
  6. الاعتقاد الخاطئ بالاختصاص: في بعض الأحيان قد يلتبس الأمر على الموظف، فلا يعرف حدود اختصاصه الحقيقي بالضبط، نتيجة لغموض التعليمات والأنظمة التي تحدد اختصاصات وواجبات الموظفين وكيفية تقسيم العمل الوظيفي بينهم، أو بسبب إهمال ذلك الموظف الاطلاع على هذه الأنظمة وتلك التعليمات، فيفترض نفسه أحياناً ونتيجة لذلك أنه مختص في عمل ما هو في الأصل ليس من اختصاصه، بل من اختصاص غيره من الموظفين إما الأعلى منه درجة، أو المختلفين عنه في التخصص الوظيفي، فهل يعد قيام ذلك الموظف بطلب منفعة من صاحب الحاجة اتجاراً بأعمال الوظيفة العامة وبالتالي مرتكباً لجريمة الرشوة؟، إن الموظف الذي يعتقد خطأ أنه مختص بالعمل فيقبل أو يطلب فائدة لقاء القيام به أو الامتناع عنه تتحقق بسلوكه هذا جريمة الرشوة، لأن هذا الموظف قد توافرت لديه نية الإتجار بأعمال الوظيفة العامة تحقيقاً لمكاسب شخصية على خلاف ما تمثله تلك الوظيفة من قيمة عليا في نظر أفراد المجتمع، والتي تفرض قيام من يتقلدونها بتقديم خدماتهم باسم الدولة ولمصلحة الجمهور على الوجه السليم، وطبقاً لما نصت عليه القوانين والأنظمة والتعليمات، فلا شك أن الموظف الذي أعطى نفسه اختصاصاً مفقوداً نتيجة لوقوعه في غلط أو وهم في معرفة حدود اختصاصه، قد أفسد العلاقة التي تربط أفراد المجتمع بالدولة نتيجة لقيامه بالإتجار بأعمال الوظيفة العامة، مما أفقد الوظيفة العامة الهيبة والوقار والاحترام في أعين الجمهور، وساهم في الحط من قدرها وقدر من يتقلدونها بالرغم من أن من قام بإفساد تلك العلاقة قد يكون موظفاً واحداً، ومثل هذا الموظف ينطوي سلوكه على نفسية إجرامية خطيرة من خلال ما يقوم به من الإتجار بأعمال الوظيفة العامة على الرغم من أنه غير مختص بالعمل، فلنا أن نتصور حجم الخطورة الجرمية التي سيتفاقم تأثيرها فيما لو كان الموظف مختصاً بالعمل الوظيفي بالفعل، ولذلك ذهب جانب من الفقه إلى اعتبار الاعتقاد الخاطئ أقرب إلى طبيعة الرشوة من حالة الزعم بالاختصاص([24]). ويجب إثبات الاعتقاد الخاطئ لدى الموظف المرتشي، ولا يصح نسبته إليه لمجرد تلقيه العطية أو المنفعة، فلا بد من إقامة الدليل على الاعتقاد الخاطئ، ويستدل عليه من اعتراف المتهم أو من المظاهر المادية التي يؤديها إضافة إلى تلقيه الرشوة.

لقد أغفل المشرع اللبناني النص على ملاحقة الموظف الذي يعتقد خطأ بالاختصاص، في حين أن المشرع المصري نص على هذه الحالة، لأن الموظف الذي يعتقد خطأ أنه مختص في العمل الذي توهم أنه مختص به، إنما يأتي تصرفاً ماساً بالثقة في نزاهة الدولة. وأمام هذا القصور من المشرع اللبناني لا نملك إلا حثه على تبني هذه الحالة، لأن مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات يحول دون ملاحقة هذا الفرض.

ثانياً: الركن المادي لجريمة الرشوة: يتألف الركن المادي لجريمة الرشوة من ثلاثة عناصر هي:

الفقرة الأولى: السلوك الجرمي: وفقاً لما جاء في قانون العقوبات اللبناني وتحديداً في المادتين 351 و352، فإن صور السلوك الجرمي التي تصدر عن الموظف تتمثل في صورتي الطلب والقبول، وكل صورة من هاتين الصورتين تكفي لتحقيق الفعل المادي المكون لجريمة الرشوة، ومن البديهي أن الرشوة تقوم باجتماع هاتين الصورتين. وسوف نوضح هاتين الصورتين وفقاً للآتي:

1: الطلب: يقصد بالطلب أن يطلب الموظف من صاحب/صاحبة الحاجة علاقة جنسية، وبمجرد طلب الموظف ذلك من صاحب الحاجة تتكون جريمة رشوة تامة دون الحاجة إلى انتظار موافقة صاحب الحاجة أو رفضه/رفضها لذلك الطلب، وترجع العلة في أن مجرد طلب الموظف من صاحب الحاجة علاقة جنسية تكون جريمة الرشوة تامة، إلا أن هذا المسلك من الموظف إنما يدل على إتجاره بأعمال الوظيفة العامة أو الخدمة العامة وجعلها سلعة تباع، الأمر الذي يعد مساساً خطيراً بنزاهة الوظيفة العامة أو الخدمة العامة، وهو أخطر صورة من صور الركن المادي لجريمة الرشوة، حيث يمثل أقصى درجات العبث بالوظيفة العامة([25]).

2: القبول: هذه الصورة تفترض أن المبادرة في الرشوة قد أتت من صاحبة/صاحب المصلحة الذي يعرض الرشوة الجنسية فيقبلها الموظف، وليس المقصود هنا حصول العلاقة الجنسية لتقوم جريمة الرشوة، بل بمجرد القبول بالوعد تقوم الرشوة، بمعنى متى لقي عرض الرشوة من قبل صاحب المصلحة قبولاً من الموظف تحقق السلوك الجرمي للرشوة، ولا أهمية بعد ذلك لأن يكون الموظف قد قام فعلاً بالعمل المطلوب إنجازه أو لم يقم به، أو بتنفيذ صاحبة/ صاحب المصلحة وعده بالعلاقة أو إخلاله بوعده لأي سبب كان ([26]). وتطبيقاً لذلك تتحقق الرشوة إذا رفض صاحب المصلحة قيام العلاقة الجنسية بعد أن قام الموظف بالعمل المطلوب إنجازه، وتتحقق أيضاً ولو رفض الموظف إنجاز العمل المطلوب منه انتقاماً من نكول صاحب المصلحة عن قيام العلاقة موضوع الرشوة، ما دام قد ثبت أن رفضه قد حدث بعد قبوله الرشوة التي عرضها عليه صاحب المصلحة.

الفقرة الثانية: موضوع النشاط الجرمي في الرشوة: جاء في المواد (351/352) من قانون العقوبات اللبناني جاء في المواد (351/352) من قانون العقوبات اللبناني، أن كل موظف أو كل من يعمل بالدولة “التمس أو قبل لنفسه أو لغيره… هدية أو وعداً أو أية منفعة أخرى…”، نجد أن المشرع في هذه المواد ربط جريمة الرشوة وجوداً أو عدماً بهذه المنفعة، أي أن انتفاء المنفعة يؤدي إلى انتفاء الرشوة، فلو أحل الموظف بواجبات وظيفته شفقة على صاحب المصلحة، لكبر سنه أو لمرضه أو لفقره أو لأي سبب كان، فلا تقوم في حقه جريمة الرشوة لانتفاء عنصر المنفعة أو المقابل. فالمشرع لم يحدد المنفعة أو المقابل التي يجنيها الموظف باسمها أو بنوعها، بل قام بتوسيعها سواء من حيث طبيعتها أو من حيث الشخص المستفيد منها. وقد توسع المشرع اللبناني في تحديد المنفعة (العطية) موضوع السلوك الجرمي في الرشوة العادية، ولهذا التوسع ما يبرره، لأن العرف الاجتماعي يطبق على الرشوة الحقيقية أوصافاً وتسميات لا يظهر فيها صراحة تعبير الرشوة، فلو اقتصر المشرع على صورة معينة للعطية التي يصدق عليها صورة الرشوة، لكان مؤدى ذلك أن تفلت من العقاب الغالبية العظمى ممن يتجرون بوظائفهم تحت مسميات مختلفة. وقد تكون المنفعة من الرشوة ذات طبيعة مادية أو معنوية، والمنفعة المادية أمثلتها عديدة لا تحصى فقد تكون نقوداً أو ثياباً، وقد تكون شيكاً أو كمبيالة أو دفعاً مصرفياً أو فتح اعتماد لمصلحة المرتشي أو سداد دين في ذمته أو منحه مهلة غير محددة الأجل لدفع ثمن أو سداد دين أياً كان. وقد تكون المنفعة ذات طبيعة معنوية، وهي تكون كذلك في كل حالة يصير فيها وضع المرتشي أفضل من ذي قبل نتيجة لسعي الراشي، ومن أمثلة ذلك حصول الموظف على ترقية أحد أقاربه أو السعي في ترقيته أو إعارته أو أي شيء يستفيد منه ويرده بعد ذلك إلى الراشي بعد استعمال طويل الأجل كإعارته سيارة مثلاً.

أما فيما خص الرشوة الجنسية فإن المنفعة تكون لقاءً جنسياً، حيث اعتبر غالبية المشرعين (المصري -السوري- اللبناني) أن اللقاء الجنسي بمثابة الفائدة غير المادية، وإن كان الأمر قد أثار خلافاً لدى الفقه الغربي في شأن كون اللقاء الجنسي كمقابل للإتجار بأعمال الوظيفة أو الخدمة العامة يُعدّ من قبيل الفائدة أو لا؟، فذهب البعض إلى القول بأن مواقعة الموظف لامرأة لكي يؤدي لها عملاً من الأعمال الداخلة في نطاق وظيفته، لا تعد فائدة يمكن تقييمها مادياً، إذ إنه بالإمكان أن يصاب بضرر من جراء تلك المواقعة الجنسية لا سيما إذا كانت هذه المرأة مريضة بمرض تناسلي، وإذا سلمنا بأن هذه المواقعة تشتمل على فائدة تتمثل في المتعة الجنسية، إلا أن هذه المتعة مشتركة بين الاثنين، ولهذا فهي ليست فائدة ينفرد بها الموظف وحده، والتي تقتضي طبيعة الأمور أن تكون الفائدة هي المقصودة من وراء تجريم الرشوة، وينتهي هذا الرأي إلى القول بأن المواقعة الجنسية لا تحقق الرشوة في حق الموظف إلا إذا كان بالإمكان تقدير قيمة مادية ما كما لو حدثت مع امرأة من الساقطات وتنازلت له عن ثمن اللقاء مقابل أداء عمل لها يقع ضمن اختصاصه الوظيفي. بينما يذهب رأي آخر إلى القول، بأن المواقعة الجنسية تعد من قبيل الفائدة ومن ثم تتحقق بها عناصر الركن المادي للرشوة، وذلك لأن المشرع قد جعل الفائدة ركناً في جريمة الرشوة وترك النص عليها عاماً بغير تخصيص، الأمر الذي يترتب عليه أنه لا يجوز معه تحديد نوع هذه الفائدة دون أساس من القانون، ونحن نرجح هذا الرأي إذ إنه ليس هناك من مبرر معقول للتفرقة بين الالتقاء الجنسي بامرأة من الساقطات أو من غيرهن، وذلك ما يتفق مع حكمة تجريم الرشوة والتي تتمثل في الإتجار بأعمال الوظيفة العامة أو الخدمة العامة، مهما كان المقابل الذي يحصل عليه الموظف مقابل القيام أو الإخلال بواجبات وظيفته([27]).

الفقرة الثالثة: الغرض من الرشوة: لا يكفي لقيام الركن المادي لجريمة الرشوة توافر الطلب والقبول فقط، وإنما يجب أن يتوافر التقابل بين العلاقة الجنسية أو الوعد بها وبين العمل الوظيفي المتمثل في قيام الموظف بعمل من أعمال وظيفته، أو امتناعه عن أدائه أو إخلاله بواجبات وظيفته.

1: القيام بعمل من أعمال الوظيفة: المقصود بأعمال الوظيفة هي كافة الأفعال والإجراءات التي تتم ممارستها أثناء الوظيفة أو بمناسبتها، وتحدد القوانين واللوائح والتعليمات والأوامر الصادرة من الرؤساء الإداريين أعمال كل وظيفة، ولا يعد من أعمال الوظيفة تلك الأعمال التي يباشرها الموظف استعمالاً لحق من الحقوق الثابتة له بمقتضى القانون المنظم لوظيفته (كالإجازة، الاستقالة، وطلب النقل..) ([28]). ويستوي أن يكون العمل المطلوب القيام به مشروعاً أو غير مشروع، فالعمل الوظيفي قد يكون مشروعاً لما تفرضه الوظيفة على الموظف من واجبات، وعلى ذلك تقوم به جريمة الرشوة، ما دام أنه تقاضى مقابلاً لا يقرره القانون من أجل القيام به، ولا يستطيع الموظف المرتشي الاحتجاج بأنه أدى عملاً مطابقاً للقوانين واللوائح التي تنظم وظيفته([29]). أما العمل المخالف للوظيفة هو نقيض العمل المشروع من أعمال الوظيفة، وهو الذي يخالف نظامها وواجباتها المحددة والمعددة في التشريعات والأنظمة وأوامر التعيين والتكليف والانتداب الشرعية المتعلقة بها، ويعني أن ما قام به الموظف يشكل خرقاً فاضحاً لاختصاصات هذه الوظيفة ومستلزماتها، وعليه أن يمتنع عنها لتنافي ذلك مع قواعدها السليمة، ولا يمكن حصر حالات الأعمال المنافية للوظيفة، وإنما تبقى لتقدير القضاء بعد دراسة تفصيلات كل حالة على حدة وظروفها. وقد اعتبر بعض المشرعين كالمشرع السوري واللبناني مثلاً أن الموظف الذي يتلقى مقابلاً للقيام بعمل مخالف لواجبات وظيفته، هو أشد جرماً من ذلك الذي يحصل على مقابل لقاء القيام بعمل مطابق للقانون، ولهذا السبب اعتبر المشرع الرشوة جناية في هذه الحالة ([30]).

2: الامتناع عن عمل من أعمال وظيفته: يتحقق مقابل الرشوة في صورة الامتناع عن أحد أعمال الوظيفة الذي يتعين عليه القيام بها حسب مقتضيات وظيفته، ومثال ذلك أن يقدم شخص عطية إلى ضابط شرطة من أجل عدم تحرير محضر في جريمة وقعت. وليس من الضروري أن يكون الامتناع تاماً، بل يكفي مجرد التأخّر في تأدية العمل أي عدم القيام به في الوقت المحدد، وقد يقع العمل مكان الامتناع في صورة كتابية أو قول شفوي أو القيام بعمل تنفيذي. ولا يهم إذا كان العمل داخلاً في حدود سلطة الموظف التقديرية أو مخالفاً للقانون، أي قد يكون امتناع الموظف عن عمل يتعين عليه الامتناع عنه، كما لو قدمت عطية إلى أحد أعضاء الضبط القضائي كي لا يقوم بتحرير محضر ليست هناك ضرورة لتحريره، أو إذا قدمت عطية إلى قاضي كي يحكم بالبراءة حيث يجب الحكم بها لعدم علاقة المتهم بالجريمة، وقد يكون الامتناع مخالفاً للقانون ومثال ذلك عندما يمتنع الموظف عن القيام بعمل وجب عليه القيام به.

ومن الجدير بالذكر أن الامتناع يختلط في أغلب حدوده مع الإخلال بواجبات الوظيفة باعتبار أن هذا الامتناع يشكل على الدوام إخلالاً بواجبات الوظيفة العامة.

3: الإخلال بواجبات الوظيفة (إهمال أو تأخير العمل الواجب): ويتحقق ذلك الإخلال في أن يؤدي الموظف العام عمله ولكن ليس طبقاً لما يتطلبه القانون في شكل معين أو إجراءات معينة، بحيث يؤدي ذلك الإخلال إلى بطلان العمل الذي يقوم به الموظف وبالتالي يستفيد الراشي من مخالفة القانون. وقد يتبادر إلى الذهن للوهلة الأولى أن إهمال أو تأخير الموظف للعمل الواجب عليه يعني قيام الموظف بعمل غير مشروع، أي منافٍ لواجبات وظيفته، لكن هذا التفسير يجعل من إيراد عبارة الإهمال أو التأخير ضمن النص زيادة لا مبرر لها ويفرغ مضمون ما قصده المشرع من إيرادها من محتواه، ويجعل هذه الصورة محض تكرار للصورتين السابقتين، فلقد رأينا سابقاً أن جريمة الرشوة تتحقق بالعمل أو الامتناع سواء كان مشروعاً أو غير مشروع، ومن ثم فإن إيراد عبارة إهمال العمل الواجب أو تأخيره كصورة مستقلة من صور الرشوة قد قصد منه المشرع كل عبث بالوظيفة ينطوي على خيانة الثقة والأمانة الواجب توافرهما في الموظف، ولو لم يدخل فعله ضمن الصورتين السابقتين، فهذه الصورة تفترض ألا ينصب العبث على أعمال الوظيفة فقط بل على أمانة الوظيفة ذاتها، فكل انحراف عن واجب من واجبات الوظيفة أو الامتناع عن القيام به يندرج ضمن هذه الصورة، ، لذا يمكننا القول بأن الإخلال بواجبات الوظيفة يمكن تحقيقه من خلال عدة أوجه على النحو التالي([31]):

  1. مباشرة العمل على نحو مخالف للقانون: دون اعتبار لما إذا كانت هذه المخالفة قد انصبت في شكل جوهري ممكن تؤدي إلى بطلان العمل، أو شكل تنظيمي غير جوهري لتفويت مصلحة معينة دون أن تؤدي إلى البطلان.
  2. الانحراف في استعمال السلطة التقديرية المخولة للموظف العام: مثال ذلك أن يرتشي رئيس الدائرة مقابل تعيين أحد المرشحين للوظيفة على حساب مرشحين آخرين.
  3. مخالفة الاختصاص: لا شك أن الموظف الذي ينحرف عن نطاق اختصاصه يخالف ما تمليه عليه وظيفته من واجب أداء أعماله في حدود الاختصاص المرسوم له قانوناً، وواقع الأمر أن جميع ضروب مخالفة الاختصاص تعتبر إخلالاً بواجبات الوظيفة، بشرط ألا تصل إلى حد انتحال صفة وظيفية أخرى الأمر الذي يعتبر نصباً.
  4. مخالفة أمانة الوظيفة أو الخدمة العامة: استهدف المشرع مدلولاً أوسع من أعمال الوظيفة أو الخدمة العامة التي تنص عليها القوانين واللوائح أو التعليمات بحيث تشمل أمانة الوظيفة العامة ذاتها، ومثال ذلك أن الموظف ملزم بحكم وظيفته أن يحافظ على المعلومات التي تنتهي إليه بسبب تأدية وظيفته وبحكم أنه يشغل الوظيفة، وكذلك دس مخدر في منزل الشخص الذي يتم تفتيشه بعد عمل تحريات ملفقة له، يعتبر إخلالاً بواجبات الأمانة في أداء الوظيفة العامة.

ويستوي أن تقع مخالفات واجبات الوظيفة بالنسبة إلى واجب عام يقع على عاتق الموظف كأمانة الوظيفة، أو واجب خاص يتعلق ببعض الأعمال المكلف بها، كما يستوي أن تعتبر أن هذه المخالفة في حد ذاتها جريمة جنائية أو مخالفة تأديبية. ويعتبر من قبيل الإخلال بواجبات الوظيفة أن يفتعل الموظف العام واقعة تبرر اختصاصه بالعمل أو الامتناع من أجل الحصول على الرشوة، ومثال ذلك أن يوهم مأمور الضرائب أحد الممولين بأنه مدين بمبلغ معين لمصلحة الضرائب ويطلب رشوة منه مقابل اعفائه من هذا المبلغ.

فالإخلال بواجبات الوظيفة إنما هو شيء آخر يختلف عن أداء العمل أو الامتناع عنه، لأن جوهره ليس في العمل ذاته ومدى تجاوبه أو تنافره مع النظم القانونية واللائحية التي تحكم العمل أو الامتناع، وإنما جوهر هذا الإخلال يكمن في كيفية التصرف الذي صدر عن الموظف ومدى تنافر هذه الكيفية مع واجب مراعاة الأمانة والمسؤولية والمصلحة العامة الملقى على عاتقه ([32]).

ثالثاً: الركن المعنوي لجريمة الرشوة: لقيام الجريمة قانوناً لا يكفي مجرد توافر الركن المادي، وإنما يجب أن توجد رابطة نفسية بين النشاط الإجرامي ونتائجه وبين الجاني الذي صدر عنه هذا النشاط، وهذه الرابطة هي التي يعبر عنها بالركن المعنوي، فالقاعدة أن لا جريمة دون ركن معنوي، فإذا ثبت لدى القاضي توافر الركن المادي للجريمة ينتقل البحث إلى الركن المعنوي لكي يكتمل البناء القانوني للجريمة اللازم لنشوء المسؤولية الجنائية.

الفقرة الأولى: نوع القصد الجنائي المتطلب في جريمة الرشوة الجنسية:

يُعد الركن المعنوي من الأركان الجوهرية التي لا تقوم الجريمة بدونها، إذ إنه يُعبّر عن النية الجنائية أو ما يُعرف بـ”القصد الجرمي” الذي يجب أن يتوافر في نفس الجاني عند ارتكابه الفعل المكوِّن للجريمة. وفي الرشوة الجنسية، لا يختلف الأمر كثيرًا عن الرشوة التقليدية من حيث المتطلبات القانونية، إلا أن الطبيعة الخاصة للمنفعة الجنسية تضفي على الركن المعنوي طابعًا دقيقًا ومعقّدًا يستحق التحليل والتمحيص. ويثار التساؤل هنا عما إذا كان القصد الجنائي في جريمة الرشوة هو قصد عام أو قصد خاص؟ وللإجابة على هذا التساؤل لا بد لنا من تبيان معنى كل من القصد العام والقصد الخاص بصورة عامة. فالقصد العام هو توجيه الإرادة نحو ارتكاب جريمة مع العلم بكافة عناصرها القانونية، فهو يقوم على عنصري الإرادة والعلم ويستلزم القانون وجوده في جميع الجرائم العمدية وقد يكتفي به في أغلب الجرائم ([33])، وبالتالي فإن عناصر القصد العام هي عناصر القصد الجنائي أي أن يكون الجاني عالماً بأن فعله المادي مجرم قانوناً وأنه يعتدي على الحقوق التي يحميها القانون، وهو حر باختياره التام للنتيجة الاجرامية ([34]). أما القصد الخاص فهو الغاية التي يسعى الجاني إلى تحقيقها في الجريمة، وهذا القصد يتطلبه القانون في بعض الجرائم إلى جانب القصد العام، ففي بعض الجرائم لا يكفي لقيام الجريمة إثبات القصد العام وهو إرادة إتيان السلوك والعلم بعدم المشروعية، بل يستوجب إثبات توافر نية إحداث النتيجة وهو ما يعني توافر القصد الخاص ([35]). ويلاحظ أنه ليس هنالك فرقاً نوعياً بين صورة القصد العام وصورة القصد الخاص، فكلاهما علم وعمد وعصيان، وإنما يتجلى الفارق بينهما بامتداد عنصري العلم والعمد إلى وقائع ليست في ذاتها من ماديات الجريمة، أي أن القصد الخاص لا يكتفي بالقصد العام وإنما يتطلب عنصراً يضاف إليه، ويعني ذلك أنه لا قيام للقصد الخاص بغير قصد عام ([36]).

أما فيما خص القصد اللازم توافره لقيام جريمة الرشوة، فقد انقسم الفقهاء حول هذا الموضوع، فذهب رأي من الفقه إلى أن القصد المتطلب لقيام هذه الجريمة هو قصد خاص إلى جانب القصد العام، ولكن هذا الرأي تعرض لانتقادات عديدة.

فالرأي الغالب في الفقه يذهب إلى أن القصد الجنائي في جريمة الرشوة يتمثل في القصد العام وحده الذي يكفي لقيامها، ومن ثم لا يلزم توافر قصد خاص في هذه الجريمة، إذ لا يعتد المشرع بالغاية من سلوك الجاني، ولا يجعل من نية الإتجار بالوظيفة واستغلالها غرضاً ينبغي أن يستهدفه الجاني، وإنما نية الإتجار تقتضيها طبيعة الجريمة وجوهرها، وتمثل علة التجريم في الرشوة، دون أن تدخل في تكوينها القانوني، وقد رأينا أن قيام الموظف بالعمل الوظيفي الذي يلتزم به في مقابل الفائدة أو العطية التي يحصل عليها من صاحب المصلحة ليس من ماديات الرشوة، بيد أن اتجاه إرادة الموظف إلى القيام بهذا العمل هو القصد الخاص في الرشوة، وهو أمر لا يتطلبه المشرع لقيام الجريمة، بل إن اتجاه إرادة الموظف إلى عدم تنفيذ العمل الوظيفي الذي التزم به لا يؤثر بصريح النص في قيام الجريمة، وهو ما يقطع بأن القصد الذي ينبغي توافره هو القصد العام وحده([37]).

ومما يدعم هذا الرأي أن المشرع قرر معاقبة الموظف بعقوبة الرشوة حتى ولو كان يقصد عدم القيام بالعمل أو الامتناع عنه أو عدم الإخلال بواجبات الوظيفة، أي أن الجريمة تقع سواء توافرت نية الإتجار بأعمال الوظيفة أم لم تتوافر. أو كون جريمة الرشوة لا تقوم إذا تظاهر الموظف بقبول الرشوة المقدمة إليه، لتمكين السلطات من القبض على الراشي متلبساً بالجريمة، فإن ذلك لا يرجع إلى انتفاء نية الإتجار ونية الاستغلال عنده، وانتفاء القصد الجنائي بالتالي، بل يرجع عدم قيام الجريمة في هذا الغرض إلى انتفاء مادياتها، فمن المقرر أنه ينبغي أن يكون قبول الموظف لعرض صاحب المصلحة جدياً، أي أن يصدر عن إرادة جادة وصحيحة، ويترتب على ذلك أنّ تظاهر الموظف بالقبول للإيقاع بصاحب المصلحة ينفي هذا القبول ذاته، باعتباره سلوك الموظف الذي يحقق ماديات الجريمة، ومن ثم لا تقوم جريمة الرشوة أصلاً لعدم توافر ركنها المادي([38]).

نخلص مما تقدم إلى أن القصد الجنائي في جريمة الرشوة هو قصد عام، يقوم على العلم والإرادة المنصرفين إلى أركان الجريمة ولا شأن لنية الإتجار بأعمال الوظيفة أو استغلالها بالركن المعنوي في جريمة الرشوة، فهذه النية لا تدخل في النموذج القانوني لجريمة الرشوة، التي تتحقق ولو لم يقصد الموظف الإتجار بأعمال الوظيفة.

وفي جريمة الرشوة الجنسية، يجب أن يتوفر لدى الجاني قصد عام يتمثل في: علم الجاني بصفته الوظيفية أو مركزه المؤثر: أي أنه يدرك أنه يشغل وظيفة عامة أو موقعًا يمكنه من التأثير في منح خدمة أو اتخاذ قرار. وعلم الجاني بأن ما يتلقاه هو مقابل لفعل مرتبط بعمله الوظيفي، سواء أكان هذا الفعل مشروعًا أم غير مشروع، واجبًا عليه أم مخالفًا للقانون.

الفقرة الثانية: عناصر القصد الجرمي في جريمة الرشوة الجنسية: إن جريمة الرشوة الجنسية من الجرائم العمدية يتخذ الركن المعنوي فيها صورة القصد الجنائي، ويقوم على عنصرين أساسيين هما: العلم والإرادة، ويقوم هذا القصد تجاه إرادة الفاعل طلب الرشوة أو قبولها أو قبول الوعد بها، ويجب أن يعلم بأنها ستكون مقابل لما يؤديه وهو عمل من أعمال وظيفته أو الامتناع عنه أو الإخلال بواجبات وظيفته أو لقاء ما يزعم أو يعتقد خطأً أنه مختص به.

العنصر الأول: العلم بكافة أركان الجريمة: ويقصد بالعلم في جريمة الرشوة، أي أن يعلم المرتشي بتوافر جميع أركان الجريمة، فيجب أن يعلم بصفته الوظيفية أي كونه موظفاً عاماً أو من في حكمه، أو أن يعلم أن المقابل الذي يقدمه له طلباً أو قبولاً هو نظير الاتجار بالعمل الوظيفي الذي يقوم به، فإذا انتفى العلم بأحد هذه العناصر انتفى الركن المعنوي للجريمة ([39]). وتطبيقاً لذلك ينتفي العلم بالصفة في حالة أخذ شخص لرشوة عن وظيفة لم يتبلغ بعد قرار تعيينه فيها بالرغم من أن قرار التعيين قد صدر وقت ارتكاب الفعل بالقبول أو الطلب، وينتفي العلم أيضاً لدى الموظف الذي فصل من الخدمة ثم أعيد إليها وطلب أو قبل رشوة قبل أن يعلم بصدور قرار إعادته ([40]).

وإذا كان العلم بصفة الموظف ضرورياً لتوافر القصد الجنائي في حقه، فإن علمه باختصاصه الوظيفي ليس متطلباً لقيام القصد الجنائي، فيستوي أن يتوافر لديه هذا العلم أو أن ينتفي أو يعتقد خطأ أنه مختص بالعمل بينما الحقيقة أنه من اختصاص زميل له، فالواقع أن المشرع يسوي بين الاختصاص الفعلي وبين الاعتقاد الخطأ بالاختصاص أو زعم الاختصاص، ومن ثم فالعلم بالاختصاص أو الجهل به لا يؤثر في قيام القصد الجنائي طالما توافر علم الموظف بصفته كموظف عام ما زال يمارس وظيفته ([41]).

يجب أن يعلم المرتشي بأن الرشوة التي تلقاها هي مقابل لقيامه بعمل وظيفي، وهذا يتطلب أن ينصب عمله على وجود المقابل من جهة، وعلى صلة هذا المقابل بالعمل الوظيفي أي الغرض منه من جهة أخرى، فإذا انتفى أحد هذين الأمرين انتفى الركن المعنوي ([42]).

العنصر الثاني: إرادة تحقيق السلوك الذي تقوم به الجريمة: تعتبر الإرادة العنصر الثاني للقصد الجنائي، وهي عبارة عن قوة نفسية أو نشاط نفسي يوجه كل أعضاء الجسم أو بعضها نحو تحقيق غرض غير مشروع أي نحو المساس بحق أو مصلحة يحميها القانون الجنائي ([43]). فلإرادة قوة ذات غرض تتجه إليه وهي تدرك الوسيلة إلى بلوغ هذا الغرض، فهي تصدر عن وعي وإدراك. ففي جريمة الرشوة لا يكفي العلم وحده لقيام القصد الجرمي، بل لا بد من اكتمال عناصر القصد بالإرادة، والإرادة يجب أن تتوجه إلى الفعل وإلى النتيجة.

فيجب أن تنصب الإرادة على النشاط الجرمي المشكل لجريمة الرشوة، وهذا النشاط يتمثل في الطلب أو القبول المنصب على علاقة جنسية يصدق عليها وصف المقابل في جريمة الرشوة. ويجب أن تنصب الإرادة على النتيجة الجرمية لجريمة الرشوة، أي أن تتجه إلى الإتجار بالوظيفة العامة من خلال الانتفاع بالمقابل المعنوي المتمثل بإقامة علاقة جنسية غير مشروعة.

تنقسم الجرائم من حيث طبيعتها الزمنية إلى جرائم وقتية ويطلق عليها مصطلح الجرائم الفورية أو الجرائم الآنية التي تقع وينتهي تحقيق عناصرها في لحظة زمنية قصيرة دون أن يكون ذلك التنفيذ قابلاً للامتداد في الزمن إلى ما بعد هذه اللحظة. وجرائم أخرى مستمرة أي يطول فيها زمن ارتكاب الفعل الجرمي، أو يستمر حدوثه مدة من الزمن ([44]). ولا يتم البحث في وقت الاعتداد بتوافر القصد الجنائي بمعزل عن طبيعة الجريمة المطروحة، فمن المسلم به في القانون الجنائي أن القصد الجرمي يجب أن يعاصر الفعل الجرمي المكون للركن المادي للجريمة، وفي حال توافر هذا القصد بصورة لاحقة لا يعتد به ([45]).

ولما كانت جريمة الرشوة من الجرائم الوقتية، فإن العبرة بتوافر القصد الجنائي يكمن في وقت اقتراف الجاني للنشاط المكون لجريمة الرشوة وهو الطلب أو القبول الذي ينصب على علاقة جنسية غير مشروعة، إذ إنّه في حالة الطلب يجب أن يثبت في حق المرتشي وقت طلبه العلاقة علمه بأنه مقابل الإتجار بوظيفته أو عمله. ولكن نجد أن مبدأ معاصرة القصد الجنائي لماديات الجريمة من شأنه أن يضيق من نطاق جريمة الرشوة، وبالتالي يتنافى مع السياسة التشريعية التي تهدف إلى الإحاطة بكل صور العبث بالوظيفة العامة، هذا بالإضافة إلى صعوبة إثبات القصد الحقيقي للموظف واللحظة التي توافر فيها على وجه التأكيد.

ولا شك أن القصد الجرمي في هذه الحالة -تطبيقاً للقواعد العامة- يكون لاحقاً للركن المادي وتبعاً لذلك لا يعتد به، ولكن في رأينا أنه ليس من المنطق والمعقول عدم قيام الجريمة في حق هذا الموظف، وذلك لأن قاعدة ضرورة توافر القصد الجنائي لحظة ارتكاب السلوك المادي للجريمة لا يجب أن يقتصر مفهومها على اللحظة التي يتم فيها الفعل، بل ينبغي أن يكون مستمراً وممتداً إلى وقت علم المرتشي بالسبب الذي دفع الراشي إلى تقديم المقابل، خاصة وأنه غالباً ما يلجأ صاحب المصلحة إلى التعجيل بتقديم المقابل إلى الموظف دون أن يبين له الغرض منها ثم يظهر هذا الغرض بعد فترة قد تطول أو تقصر([46]). ولما كانت العبرة في وقت توافر القصد الجنائي هي وقت إتيان الجاني للسلوك الإجرامي المكون للركن المادي للجريمة باعتباره الوقت الذي يتحقق فيه الاعتداء على الحق أو المصلحة التي يحميها القانون، طالما أن الجاني اتجهت إرادته إلى السلوك ونتيجته مع العلم بذلك، فإن التوبة والندم اللاحقين لا ينفيان القصد الجنائي ([47]).

الفرع الثاني

المشاكل الأخلاقية والقانونية التي تعيق تجريم الرشوة الجنسية

هنالك العديد من المشاكل التي تعيق تجريم الرشوة الجنسية، سواء تعلقت هذه المشاكل بعدم القدرة على الشكوى خوفاً من العار، أو كانت تتعلق بقلة النصوص التشريعية التي تجرم هذا النوع من الجرائم. وسوف نوضح هذه العقبات بشيء من التفصيل وفق الآتي:

أولاً: مشكلتي الشكوى والإثبات في جريمة الرشوة الجنسية

إن مشكلة الإثبات في قضايا الرشوة الجنسية تعتبر من التحديات القانونية الكبرى التي تعاني منها العديد من الأنظمة القانونية، فهذه الظاهرة ما زالت تخضع لقانون الصمت حالها حال باقي أشكال الاستغلال الجنسي الذي تتعرض له النساء، والسبب في ذلك أن النساء في الغالب لا يبلغن، فالرشوة الجنسية غالباً ما تتم في ظروف سرية أو في أماكن غير علنية، مما يجعل من الصعب جمع أدلة مباشرة، مثل شهادات شهود أو تسجيلات مرئية أو صوتية. وتأكيداً على ذلك فإن غالبية مراكز الدعم القانوني في الأردن المعنية بحقوق الإنسان، لم توثق أي حالة رسمية لرشوة جنسية، بل رصدت “شكاوٍ شفويةً وصلت اليها إما وجهاً لوجه أو عبر الخط الساخن، معتبرة هذه القضايا “خطاً أحمر وسرياً للغاية بالنسبة للمرأة، وفي المقابل لم تسمح هؤلاء النسوة للجمعية بأن تقوم بتوثيق شكواهم الشفوية ضمن شكوى رسمية، إضافة إلى أن غالبيتهم يتكلمون بأسماء مستعارة.

ومن الأسباب التي قد تدفع بعض الضحايا إلى التكتم عن حوادث الرشوة الجنسية، هو الشعور بالخوف من الانتقام أو من وصمة العار الاجتماعية، مما يمنعهن من الإبلاغ عن الحادثة أو حتى التفكير في اتخاذ الإجراءات القانونية. كما أن الخوف من فقدان الوظيفة أو التسبب في تدمير الحياة المهنية، قد يدفع الضحايا إلى عدم الإبلاغ عن الرشوة الجنسية. وفي المقابل، اعتبرت بعض القاضيات والمسؤولات رفيعات المستوى في الحكومة المغربية، أن المرأة هي من “تتحمل مسؤولية فعل الرشوة الجنسية”، بحجة أنها ظلت صامتة، ولم تتقدم بشكوى رسمية إلى الجهات المعنية من أجل متابعتها ومن ثم اتخاذ الإجراءات الرسمية بحق المسؤول الجاني إن ثبتت التهمة عليه.

وحتى في الحالات التي تتجرّأ فيها الضحية على تقديم الشكوى، تبقى عقبة الإثبات من أكبر المعضلات التي تواجه التحقيق والمحاكمة في لبنان:

  1. الطابع السري للجريمة: تتم غالبية أفعال الرشوة الجنسية في أماكن مغلقة، بين الجاني والضحية فقط، دون شهود أو توثيق. وهذا ما يجعل الإثبات التقليدي (الشهادة، الوثيقة، التسجيل) غير متوفر في كثير من الحالات، ما يصعّب على النيابة العامة إقامة الدليل القاطع.
  2. غياب الرسائل أو القرائن الكتابية: لأن الجريمة تتم بالترغيب أو الإغراء أو الضغط غير المباشر، وغالبًا ما تكون وسيلتها الإيحاء لا التصريح، والشفاهة لا الكتابة. وبالتالي، يصعب على الضحية تقديم رسائل إلكترونية أو تسجيلات تدين الجاني صراحة.
  3. إمكانية التلاعب بسياق الوقائع: في ظل غياب دليل مباشر، قد يدفع الجاني بأن العلاقة تمت “برضا الطرفين”، أو أنها مجرد تقارب شخصي لا علاقة له بالوظيفة، مما يصعّب مهمة الإدعاء العام ويُضعف موقف الضحية.
  4. ضعف البنية القانونية لتقييم الأدلة: لا يتيح القانون اللبناني مرونة كافية في اعتماد القرائن الظرفية أو التقنية، ولا توجد اجتهادات قضائية مستقرة تتعلق بالرشى الجنسية. كما أن غياب تعريف قانوني دقيق للجريمة يجعل التكييف مترددًا بين “التحرش الجنسي”، أو “استغلال الوظيفة”، أو “الفساد”، دون وضوح تام في الأساس القانوني للملاحقة.

وقد كشف تقرير “الشفافية الدولية” أنّ 28% فقط من مواطني الدول المشمولة في الدراسة (لبنان، فلسطين، الأردن، تونس، السودان والمغرب) يرون أن أداء حكومتهم جيد في مجال محاسبة الفساد، فيما يرى مواطنان من أصل ثلاثة مواطنين في هذه الدول (65%) أن الفساد قد تفاقم في السنة الأخيرة. وللمرة الأولى في هذا التقرير يطرح الاستطلاع على المواطنين في لبنان وفلسطين والأردن، سؤالاً عن تجربتهم مع الابتزاز الجنسي، وهو شكل من أشكال الفساد الذي يقع فيه استخدام الجنس بدل العملة النقدية في عمليات الرشوة، وبحسب الاستطلاع، فإن واحداً أو واحدة من بين خمسة أشخاص قالوا بأنهم تعرضوا إلى الابتزاز الجنسي لدى محاولتهم الحصول على خدمة من إدارة عامة، أو أنهم يعرفون أحداً تعرض لذلك. وكان لافتاً في التقرير تفوق لبنان على الدول الخمس الأخرى في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التي شملها الإصدار العاشر من مقياس الفساد العالمي الصادر عن منظمة الشفافية الدولية على مستوى الرشوة الجنسية، بحيث أن (23%) من الأشخاص الذين تعاملوا مع الإدارات العامة في لبنان تعرضوا للرشوة الجنسية أو يعرفون شخصاً قد تعرض لها مقابل تسيير معاملاتهم أو طلباتهم خلال الأشهر ال 12 الماضية ([48]).

ثانياً: الفجوات التشريعية في جريمة الرشوة الجنسية

بشكل عام، كان تشريع مكافحة الفساد موجهاً نحو معالجة الرشوة المالية، على الرغم من أنه يمكن القول إن اللغة المستخدمة في التشريع تميل إلى أن تكون واسعة بما يكفي للسماح بتفسير يغطي جميع أشكال الرشوة غير المالية، من خلال التركيز على مفهوم “الميزة غير المستحقة”. ولقد كان الوضع الراهن لفترة طويلة عبارة عن تفسير ضيق لقوانين مكافحة الفساد الحالية، وتكشف الأبحاث المنشورة في عام 2020 أن أحد الأسباب الشائعة وراء فشل القضاة والمدعين العامين في تفسير قوانين مكافحة الفساد لتشمل الجنس كشكل من أشكال الرشوة هو أنها “لم تحدث لهم”([49]). فالرشوة الجنسية تُعد من الظواهر المعقدة التي تثير إشكاليات أخلاقية وقانونية على السواء، ورغم وضوح الانحراف الأخلاقي في هذا النوع من السلوك، فإن تجريمه يواجه عددًا من التحديات في النظم القانونية المختلفة، ومن بينها القانون اللبناني.

وتُعدّ الثغرات التشريعية في قضايا الرشوة الجنسية من أبرز التحديات التي تواجه الأنظمة القانونية العالمية عموماً والعربية خصوصاً. وتؤثر هذه الثغرات على قدرة النظام القضائي بشكل كبير في مكافحة هذه الظاهرة. وسنوضح أهم هذه الثغرات وفقاً للآتي:

  1. عدم وجود تعريف دقيق للرشوة الجنسية: إن العديد من الأنظمة القانونية بما فيها الأنظمة القانونية اللبنانية لا توضح ولا تعطي تعريفاً دقيقاً لمفهوم “الرشوة الجنسية” أو كيفية تصنيفها، وغالباً ما يتم التعامل مع الرشوة بشكل عام كقضية فساد مالي أو خداع، مما يتجاهل الطابع الجنسي الذي يميز هذه الجرائم.
  2. النقص الواضح في النصوص القانونية التي تحمي ضحايا الرشوة الجنسية: إن العديد من التشريعات (ومنها اللبناني) لا تنص صراحةً على الرشوة الجنسية كصورة مستقلة من صور الرشوة، هذا الغياب يجعل من الصعب تكييف العلاقة الجنسية على أنها “منفعة” تخضع لأحكام الرشوة، وتفتقر العديد من التشريعات إلى النصوص القانونية التي تصون وتحمي ضحايا هذه الظاهرة بشكل فعال، فعلى سبيل المثال، لا يتم توفير حماية كافية للضحايا من الانتقام أو التشهير، مما قد يمنعهن من التقدم بشكاوٍ. كما أن بعض القوانين لا تضمن الحماية القانونية أو النفسية للضحايا الذين يخافون من إبلاغ السلطات بسبب الخوف من الاضطهاد أو فقدان مكانتهم الاجتماعية أو الوظيفية.
  3. الغموض في إجراءات الإبلاغ: يُعد الغموض في إجراءات الإبلاغ عن الرشوة الجنسية من العوائق الأساسية التي تُضعف من فعالية مكافحتها، وتُسهم في إفلات مرتكبيها من العقاب. فغياب آليات واضحة، شفافة، وآمنة للإبلاغ، يجعل الضحية أمام طريق ملتبس ومحفوف بالمخاطر، ويزيد من التردد في اتخاذ الخطوة القانونية. في العديد من الدول، ومن بينها لبنان، لا توجد وحدات متخصصة أو قنوات مستقلة لاستقبال شكاوى تتعلق بالرشوة الجنسية تحديدًا، وإنما تُحال الشكاوى إلى إدارات عامة أو دوائر مكافحة الفساد غير المتخصصة، وهذا الغياب يُفقد الضحية الثقة في جدية المعالجة ويجعل الإبلاغ خطوة مُحبِطة. لا توجد في كثير من الأنظمة دليلٌ عمليّ يوضح خطوات الإبلاغ بالتفصيل، والجهة المعنية، والحقوق المكفولة للمبلّغ([50]).
  4. تشابك مفهوم الرشوة الجنسية مع مفهوم الجرائم المشابهة لها: يُعد تشابك مفهوم الرشوة الجنسية مع عدد من الجرائم المشابهة من الإشكالات القانونية المعقّدة التي تعيق توصيفها بدقة وتجريمها بوضوح. فبسبب غياب تعريف صريح ومستقل للرشوة الجنسية في معظم التشريعات، ومنها القانون اللبناني، فغالبًا ما يتم الخلط بين هذه الجريمة وغيرها من الأفعال ذات الطبيعة المشابهة، مثل التحرش الجنسي، استغلال النفوذ، الإكراه الجنسي، أو الإتجار بالبشر، وهو ما يؤدي إلى نتائج قانونية غير دقيقة، وضعف في التطبيق القضائي.
  5. عدم كفاية العقوبات المفروضة على مثل هذه الجرائم الخطرة: إن بعض التشريعات تنص على عقوبات تفرض على جريمة الرشوة الجنسية، إلا أن هذه العقوبات قد تكون غير كافية لردع مرتكبي هذه الجرائم. فالعقوبة يجب أن تكون صارمة بحيث تتناسب مع خطورة الجريمة، فظاهرة “الرشوة الجنسية” تعد من الجرائم الخطرة كونها تمس هيبة الدولة ونزاهتها من جهة، ومن جهة أخرى تشكل اعتداء على الطرف الضعيف والمحتاج، ناهيك عن أنها تعكس أخلاق المجتمع من خلال تصرفات أفراده، وبالتالي فضعف العقوبة يقلل من فعالية التشريع في محاربة هذه الظاهرة. فالقانون اللبناني ينص في المادتين 352 و353 من قانون العقوبات على عقوبة الأشغال الشاقة المؤقتة لمن يرتكب جريمة الرشوة، تتراوح من 3 إلى 12 سنة حسب جسامة الفعل، لكن في الممارسة القضائية، قد يتم تخفيف العقوبة أو استبدالها بعقوبة مخففة إذا توفر ما يسمى “العذر المخفف” أو إذا وُجدت مبررات شخصية للموظف المدان، وفي حالة الرشوة الجنسية، لا توجد عقوبة محددة أو مشددة، مما يؤدي إلى إفلات بعض الموظفين من العقاب أو صدور أحكام غير رادعة.
  6. نقص الوعي الثقافي والتعليمي: إن القيم الثقافية والتعليمية السائدة في بعض المجتمعات تؤدي دوراً بارزاً في ترسيخ ظاهرة الفساد، فقد تقلل هذه المجتمعات من أهمية قضايا الرشوة الجنسية أو تعتقد أنها حالات فردية وليست ظاهرة تحتاج إلى معالجة قانونية شاملة، وهذا ما يؤدي إلى عدم وجود ضغط كافٍ على المشرعين لإقرار قوانين شاملة وصارمة، إضافة إلى أن نقص الوعي داخل هذه المجتمعات حول الحقوق القانونية قد يؤدي إلى عدم الإبلاغ عن الحالات أو التغطية على الجريمة خوفًا من العواقب الاجتماعية أو الاقتصادية.

وتكشف نتائج البحوث التي توصلت إليها الرابطة الدولية للقاضيات في المغرب عن ضعف مهم في استخدام قوانين مكافحة الفساد في القضايا حيث يكون الجنس عملة للفساد، إذ تميل معظم قوانين مكافحة الفساد إلى تجريم عرض الرشوة وتقديمها، وبالتالي يحتمل أن تجرم الضحية. وهذا يسلط الضوء على الحاجة إلى المشاركة النشطة لجميع أصحاب المصلحة في وضع تشريعات تتناول القضايا التي تشمل تقاطعاً بين الفساد والاعتداء الجنسي وتحمي الضحايا ولا تجرمهم ([51]).

وتُعد تنزانيا من أولى الدول التي نصت صراحة على الرشوة الجنسية في قانون مكافحة الفساد. إذ نصت المادة 25 قانون مكافحة الفساد رقم 11 لسنة 2007 (Prevention and Combating of Corruption Act – PCCA): على أن أي شخص في موقع سلطة يطلب أو يفرض خدمات جنسية أو أي مصلحة أخرى كشرط للحصول على وظيفة أو ترقية أو حق أو امتياز، يُعتبر مرتكبًا لجريمة فساد. أما عقوبتها فهي الغرامة التي قد تصل إلى 5 ملايين شلن تنزاني أو السجن لمدة تصل إلى 3 سنوات أو كليهما. كما جرمت المادة 130(3) من قانون العقوبات التنزاني الاعتداءات الجنسية التي يرتكبها أشخاص في مواقع السلطة، مثل المدرسين أو رجال الدين أو موظفي المؤسسات الصحية، وأنزلت فيهم عقوبة السجن لمدة تصل إلى 30 سنة مع الجلد وتعويض الضحية.

فموضوع الرشوة الجنسية بدأ يطرح بإلحاح في الآونة الأخيرة بعدما أصبحت الصحافة الوطنية والدولية تتناقل عدة قضايا تتعلق بفضائح الرشوة الجنسية من قبيل “الجنس مقابل النقاط، الجنس مقابل العمل، الجنس مقابل الترقية، الجنس مقابل الغذاء، الخدمة الجنسية مقابل أي خدمة عمومية أخرى. وعلى الرغم من تفشي ظاهرة الرشوة الجنسية، إلا أننا نرى أن المواطنين العاديين يمكن لهم التأثير في عملية مكافحة الفساد، على أن يتم الضغط على السلطات المعنية لاتخاذ خطوات في مجال تعزيز النزاهة الانتخابية لضمان انتخابات عادلة وديمقراطية، وتمكين وحماية كاشفي الفساد والمجتمع المدني والإعلام، والحد من الواسطة وردعها، وتعزيز استقلالية القضاء وتكريس الفصل بين السلطات الثلاث، والإقرار بأشكال معينة من الفساد تقوم على النوع الاجتماعي والتصدي لها، وتعزيز الشفافية والحق في الحصول على المعلومات، والعمل على سن قوانين تكافح الرشوة الجنسية بمعزل عن الرشوة العادية.

الخاتمة

بعد دراستنا لجريمة الرشوة الجنسية، نخلص إلى القول إنّ هذه الجريمة كانت ولا تزال أكبر المشكلات والعقبات الرئيسية أمام الإصلاح والتنمية والاستثمار وذلك لتأثيرها السلبي على الاقتصاد الوطني، كما أنها تشكل تهديداً للجوانب الاجتماعية والأخلاقية في المجتمع من خلال انتشار الفسق وانحلال الروابط الأسرية، وسنعرض جملة من النتائج والاقتراحات وفق الشكل الآتي:

أولاً: النتائج:

  1. تستلزم الرشوة لقيامها وجود علاقة بين شخصين، الأول المرتشي وهو الموظف الذي يقبل أو يطلب مقابلاً لقيامه بعمل أو امتناعه عن عمل من أعمال وظيفته، والثاني الراشي وهو صاحب المصلحة الذي يقبل طلب الموظف للرشوة أو يعرضها فيقبلها الموظف.
  2. إن الرشوة الجنسية لا تختلف عن الرشوة العادية سوى في المنفعة التي يحصل عليها الموظف العام، ففي الرشوة العادية تكون المنفعة إما مادية أو عينية، أما في الرشوة الجنسية فالمنفعة تكون جنسية حصراً.
  3. إن أسباب قيام الرشوة الجنسية ليست أسباب مادية كما هي في الرشوة العادية وإنما هي مشاكل نفسية وعقلية أو مشاكل تربوية يعاني منها الموظف العام.
  4. تنتشر الرشوة الجنسية في مجالات كثيرة وعديدة، ولكن أهم هذه المجالات هي الجامعات وذلك من أجل الحصول على العلامات والنجاح في بعض المواد، كما تنتشر أيضاً في الإدارات والمرافق العامة للحصول على ترقية أو استلام بعض المناصب الحساسة.
  5. اختلفت المشرعين والفقهاء في تكييف جريمة الرشوة، فالبعض اعتبر جريمة الرشوة جريمة واحدة تقع من الراشي والمرتشي معاً، بينما البعض الآخر اعتبر أن فعل كل من الراشي والمرتشي جريمة على حدة، فلا يتوقف قيام المسؤولية أو مقدار العقاب في احديهما على قيام المسؤولية ومقدار العقاب في الأخرى.
  6. إن الاختلاف بين التحرش الجنسي والرشوة الجنسية يكون من حيث توفر معيار المقايضة، فالتحرش الجنسي لا يشترط أن يكون هنالك خدمة مقابلة، بل هو عبارة عن مضايقات عن طريق الأقوال أو الأفعال تحمل طابعاً جنسياً أو إباحياً، أما الرشوة الجنسية فتكون استغلالاً أو استعمالاً لمعيار المقايضة بين الحصول على فائدة أو خدمة خاصة مقابل ممارسة جنسية.
  7. هناك تشابه كبير بين الرشوة الجنسية والابتزاز الجنسي إلى حد أن البعض اعتبر الرشوة الجنسية صورة من صور الابتزاز الجنسي، إلا أن الابتزاز الجنسي يختلف عن الرشوة الجنسية لأنه في الابتزاز الجنسي يكون من يقوم بالابتزاز قد حصل على بعض الوثائق أو الصور أو مقاطع الفيديو التي يستخدمها إضافة إلى استغلال مركزه للوصول إلى غاياته الجنسية وإرغام الضحية على الاستسلام. أما الرشوة الجنسية فقد تكون من الطرف الذي يقدمها وتعرض على المرتشي.
  8. إن جريمة الرشوة الجنسية هي من جرائم الاعتداء على الوظيفة العامة، ولذلك فهي لا تقع إلا من قبل الموظف العام أو من في حكمه.
  9. لقيام جريمة الرشوة الجنسية لا يشترط المشرع من الموظف العام أو من في حكمه أن يكون مختصاً حقيقة بالعمل الوظيفي فحسب، بل يعتبر أن الزعم بالاختصاص من قبله أو الاعتقاد الخاطئ منه بالاختصاص كافيين لتجريمه.
  10. إن صور السلوك الجرمي التي تصدر عن الموظف العام تتمثل في صورتي الطلب والقبول وكل صورة من هاتين الصورتين تكفي لتحقيق الفعل المادي المكون لجريمة الرشوة، وتقوم الرشوة من باب أولى باجتماع هاتين الصورتين.
  11. إن جريمة الرشوة الجنسية تتطلب توافر التقابل بين العلاقة الجنسية أو الوعد بها، وبين العمل الوظيفي المتمثل في قيام الموظف بعمل من أعمال وظيفته، أو امتناعه عن أدائه أو إخلاله بواجبات وظيفته.
  12. إن القصد اللازم توافره لقيام جريمة الرشوة الجنسية هو القصد العام، أي توافر عنصري العلم والإرادة.
  13. إن انتشار الرشوة الجنسية في مجتمعاتنا العربية أصبح مصدر قلق كبير للحكومات وخوفاً من أن تتحول هذه الجريمة إلى ظاهرة اجتماعية يتقبلها الناس ويمارسونها مثل الرشوة العادية.
  14. هنالك تخوف كبيرة خاصة من قبل المرأة صاحبة الحاجة من التقدم بشكوى ضد الموظف العام الذي طلب منها إقامة العلاقة الجنسية، لأنه في مجتمعاتنا سوف تكون هي المتهمة وليست الضحية، مما يسبب لها العار والذل.
  15. هنالك قلة في التشريعات والقوانين التي تجرم الرشوة الجنسية، وتعتبرها رشوة عادية، فهي تقاضي الطرفين معاً (الموظف العام وصاحب الحاجة الذي تمت إقامة العلاقة الجنسية معه)، بدلاً من مقاضاة الموظف العام وحده لما يعانيه من مشاكل أخلاقية ونفسية وتربوية.

ثانياً: التوصيات

  1. اتخاذ تدابير احترازية من شأنها التصدي لهذه الظاهرة في جميع الإدارات والمؤسسات العمومية والخاصة واعتماد آليات آمنة للاستماع والتظلم وعدم إفلات مرتكبيها من العقاب.
  2. رصد وتتبع ظاهرة جرائم الرشوة الجنسية وجرائم العنف المبنية على النوع الاجتماعي وتحليلها والتعريف بها من طرف المراصد العامة والخاصة.
  3. تفعيل دور السلطات العامة عن طريق إنجاز دراسات وأبحاث ميدانية وتعزيز المنظومة الإحصائية بمعطيات حول الظاهرة بغية حصرها والوقوف على مسبباتها، واقتراح تدابير من أجل مكافحتها والوقاية منها.
  4. إذكاء ثقافة التبليغ عن جرائم الرشوة الجنسية، بجميع الوسائل الممكنة، وتوفير الحماية للضحايا وخاصة النساء منهم للكشف عن الانتهاكات التي يتعرضن لها.
  5. تدريب المرأة على تطوير أدواتها في توثيق استغلالها في أماكن العمل، من خلال كاميرات أو تسجيلات صوتية، أو خدمة الرسائل الهاتفية، أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وخدمة “الدردشة الهاتفية (الواتس أب).
  6. إنشاء مراكز تمكن الجمعيات الحقوقية من تشخيص ظاهرة الرشوة الجنسية وتجميع المعطيات الدقيقة وشهادة الضحايا، حيث تعتبر هذه الشهادات مادة هامة للترافع لدى صناع القرار، مؤكدة على أهمية تشجيع التبليغ، ودعم الضحايا وحماية خصوصيتهن، وتؤدي هذه المراكز العديد من الأدوار، أهمها: الاستقبال، والاستماع، والدعم القانوني والنفسي، والإرشاد والتوجيه، والتكفل ومتابعة الملفات من داخل المحاكم، والتتبع والمواكبة، والتوثيق، والتحسيس والتعبئة، والترافع.
  7. ضرورة تمييز الرشوة الجنسية عن باقي الجرائم المشابهة لها كالتحرش أو استغلال النفوذ أو هتك العرض أو الفساد، أو الاغتصاب، من خلال الاعتراف بمصطلح الرشوة الجنسية وإدراج نصوص قانونية تجرم هذه الظاهرة تحديداً.
  8. يجب مراجعة بعض المقتضيات حتى تكون صالحة لمناهضة هذا النوع من الرشوة، ولكن في انتظار ذلك يجب تحسيس وتكوين رجال القانون والقضاء حتى يستثمروا على الأقل النصوص القائمة لتكييفها كرشوة جنسية أثناء معالجتهم للقضايا المعروضة عليهم.
  9. إقرار قوانين خاصة بتجريم الرشوة الجنسية، على أن تتضمن هذه القوانين عقوبات صارمة ورادعة تتناسب وحجم الجريمة، مع ضمان تطبيقها بشكل فعال.

المصادر

أولاً: القوانين:

  1. قانون العقوبات العام السوري 148 لعام 1949 (المعدّل بــ المرسوم التشريعي 1 لعام 2011)
  2. قانون العقوبات اللبناني الصادر بموجب المرسوم الاشتراعي رقم 340 تاريخ 1 آذار 1943.

ثانياً: الاجتهادات:

  1. مجموعة أحكام محكمة النقض المصرية.
  2. موسوعة قانون العقوبات السوري والقوانين المتممة له، الجزء الأول، 1999.

ثالثاً: الكتب:

  1. أحمد رفعت خفاجي، جرائم الرشوة في التشريع المصري والقانون المقارن، القاهرة، بدون دار نشر، 1957.
  2. أحمد فتحي سرور، الوسيط في قانون العقوبات المصري- القسم الخاص، القاهرة، دار النهضة العربية، 1980.
  3. أسامة محمد عجب نور، جريمة الرشوة في النظام السعودي، الرياض، معهد الإدارة العامة، 1997.
  4. حاتم الشحات، القانون العقابي، القاهرة، دار النهضة العربية، 2011.
  5. حامد سيد محمد حامد، العنف الجنسي ضد المرأة في القانون الدولي، إطلالة موجزة عن مكافحته لأحكام الشريعة الإسلامية، المركز القومي للإصدارات القانونية، القاهرة، الطبعة الأولى، سنة 2016.
  6. سامح السيد جاد، جرائم الاعتداء على المصلحة العامة- الرشوة- التزوير- اختلاس المال العام، بدون دار نشر، 2003.
  7. سليمان عبد المنعم، قانون العقوبات الخاص، الجرائم الماسة بالمصلحة العامة، الإسكندرية، الجامعة الجديدة للنشر، 1993.
  8. سمير عالية، الوافي في شرح جرائم القسم الخاص، لبنان، منشورات الحلبي الحقوقية، الطبعة الأولى، 2020.
  9. صفاء أوناني ومنال المنجد، قانون العقوبات الخاص- الجرائم الواقعة على الإدارة العامة والجرائم المخلة بالثقة العامة، دمشق، منشورات جامعة دمشق، 2007.
  10. عبد الرحمن خلفي، محاضرات في القانون الجنائي العام، الجزائر، دار الهدى للطباعة والنشر والتوزيع، 2013.
  11. عبد الله سليمان، شرح قانون العقوبات الجزائري- القسم العام، الجزائر، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزء الأول، الطبعة السادسة، 2005.
  12. عبود السراج، الوجيز في علم الاجرام وعلم العقاب، دمشق، مطبعة جامعة دمشق، الطبعة الأولى، 1990.
  13. علي عبد القادر قهوجي، شرح قانون العقوبات القسم العام نظرية الجريمة، لبنان، منشورات الحلبي الحقوقية، 2008.
  14. عماد عبيد، قانون العقوبات الخاص 2، سوريا، منشورات الجامعة الافتراضية السورية، 2018.
  15. غازي حنون خلف الدراجي، استظهار القصد الجنائي في جريمة القصد العمد، لبنان، منشورات الحلبي الحقوقية، 2012.
  16. فتوح عبد الله الشاذلي، شرح قانون العقوبات- القسم الخاص، الإسكندرية، دار المطبوعات الجامعية، 2014.
  17. فريحة حسين، شرح قانون العقوبات الجزائري، الجزائر، ديوان المطبوعات الجامعية، الطبعة الثالثة، 2005.
  18. فوزية عبد الستار، شرح قانون العقوبات القسم الخاص، مصر، دار النهضة العربية، 1982.
  19. ماهر عبد شويش الدرة، شرح قانون العقوبات القسم الخاص، العراق، المكتبة القانونية، الطبعة الثانية، 1997.
  20. محمد زكي أبو عامر، قانون العقوبات القسم الخاص، الإسكندرية، دار الجامعة الجديدة، الطبعة الخامسة، 2005.
  21. محمود نجيب حسني، شرح قانون العقوبات-القسم الخاص وفقاً لأحدث التعديلات التشريعية، الإسكندرية، دار المطبوعات الجديدة، الطبعة السادسة، 2019.
  22. محمود نصر، الوسيط في الجرائم المضرة بالمصلحة العامة، الإسكندرية، منشأة المعارف، 2004.
  23. مليكة هنان، جرائم الفساد: الرشوة والاختلاس وتكسب الموظف العام من وراء وظيفته في الفقه الإسلامي وقانون مكافحة الفساد الجزائري مقارنا ببعض التشريعات العربية، الجزائر، دار الجامعة الجديدة، 2010.
  24. منتصر النوايسة، جريمة الرشوة في قانون العقوبات- دراسة مقارنة، الأردن، دار الحامد للنشر والتوزيع، 2012.

رابعاً: المجلات والبحوث والتقارير:

  1. أحمد عبد العزيز الألفي، صور الرشوة في القانون المصري، المجلة الجنائية القومية، المركز القومي للبحوث الاجتماعية الجنائية، العدد الأول، المجلد الثامن والعشرون، 1985.
  2. أسامة حسين محي الدين عبد العال، جريمة الرشوة دراسة تحليلية، مجلة العلوم القانونية والاقتصادية، جامعة عين شمس، كلية القانون، مصر، العدد الأول، الجزء الثاني، السنة الثامنة والخمسون، 2017.
  3. التسمية والفضح وإنهاء الابتزاز الجنسي، الرابطة الدولية للقاضيات، 2012.
  4. جايا موهان، حان الوقت معالجة الابعاد الجنسانية للفساد، مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، فيينا، 2020.
  5. دليل لمكافحة الرشوة الجنسية، جمعية ترانسبرانسي المغرب، بالاشتراك مع منظمة الشفافية الدولية والجمعية الدولية للقاضيات.
  6. فتحي علي فتحي العبدلي وهاشم محمد أحمد الجحيشي، المسؤولية القانونية الناشئة عن الرشوة الجنسية “دراسة مجتمعية”، مجلة النزاهة للبحوث والدراسات، العراق، بدون سنة نشر.
  7. مناهضة الاستغلال والاعتداء والتحرش الجنسي في عمليات التنمية البشرية، مذكر الممارسات الجيدة، إصدار البنك الدولي، 9/9/2022.
  8. منظمة الشفافية الدولية (2020) كسر حاجز الصمت بشأن الابتزاز الجنسي، الروابط بين السلطة والجنس والفساد، 2020.
  9. وضع حد لإساءة استعمال السلطة واستغلالها من خلال الاستغلال الجنسي “تسمية وفضح وانهاء الابتزاز الجنسي”، الجمعية الدولية للقاضيات، 2021.
  10. وليد محمد حجاج، دروس في قانون العقوبات القسم الخاص (لطلاب الفرقة الثالثة)، كلية الحقوق جامعة الفيوم، مصر، 2020.

خامساً: الاطروحات:

  1. نورة هارون، جريمة الرشوة في التشريع الجزائي-دراسة في ضوء اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، أطروحة أعدت لنيل شهادة الدكتوراه في العلوم تخصص قانون، جامعة مولود معمري تيزي وزو، كلية الحقوق والعلوم السياسية، الجزائر، 2017.

سادساً: المواقع الإلكترونية:

  1. بيان الابتزاز الجنسي مقابل النقط “عنف مبني على النوع الاجتماعي ونوع الرشوة وإساءة استعمال السلطة”، جمعية ترانسبرانسي المغرب، مقال منشور بتاريخ 6 يناير 2022، على الموقع الالكتروني الآتي: http://www.transparencymaroc.ma/.
  2. حسين مهدي، استطلاع رأي” الشفافية الدولية“: لبنان الأول عربيا في دفع الرشى والواسطة!، موقع بنت جبيل، مقال منشور بدون تاريخ نشر، على الموقع الالكتروني الآتي: https://bintjbeil.org/post/14409/.

Margins::

  1. () أحمد رفعت خفاجي، جرائم الرشوة في التشريع المصري والقانون المقارن، القاهرة، بدون دار نشر، 1957، ص 15.

  2. () عماد عبيد، قانون العقوبات الخاص 2، سوريا، منشورات الجامعة الافتراضية السورية، 2018، ص 178.

  3. () فتحي علي فتحي العبدلي وهاشم محمد أحمد الجحيشي، المسؤولية القانونية الناشئة عن الرشوة الجنسية “دراسة مجتمعية”، مجلة النزاهة للبحوث والدراسات، العراق، بدون سنة نشر، ص 91.

  4. () دليل لمكافحة الرشوة الجنسية، جمعية ترانسبرانسي المغرب، بالاشتراك مع منظمة الشفافية الدولية والجمعية الدولية للقاضيات، ص 9.

  5. () دليل لمكافحة الرشوة الجنسية، مرجع سابق، ص 9.

  6. () محمد زكي أبو عامر، قانون العقوبات القسم الخاص، الإسكندرية، دار الجامعة الجديدة، الطبعة الخامسة، 2005، ص 38.

  7. () أحمد فتحي سرور، الوسيط في قانون العقوبات المصري- القسم الخاص، القاهرة، دار النهضة العربية، 1980، ص 126.

  8. () منتصر النوايسة، جريمة الرشوة في قانون العقوبات- دراسة مقارنة، الأردن، دار الحامد للنشر والتوزيع، 2012، ص 20.

  9. () سمير عالية، الوافي في شرح جرائم القسم الخاص، لبنان، منشورات الحلبي الحقوقية، الطبعة الأولى، 2020، ص (23-24).

  10. () حامد سيد محمد حامد، العنف الجنسي ضد المرأة في القانون الدولي، إطلالة موجزة عن مكافحته لأحكام الشريعة الإسلامية، المركز القومي للإصدارات القانونية، القاهرة، الطبعة الأولى، سنة 2016، ص 56.

  11. () فتحي علي فتحي العبدلي وهاشم محمد أحمد الجحيشي، المسؤولية القانونية الناشئة عن الرشوة الجنسية “دراسة مجتمعية”، مرجع سابق، ص 90.

  12. () مناهضة الاستغلال والاعتداء والتحرش الجنسي في عمليات التنمية البشرية، مذكر الممارسات الجيدة، إصدار البنك الدولي، 9/9/2022، ص (10-11).

  13. () وضع حد لإساءة استعمال السلطة واستغلالها من خلال الاستغلال الجنسي “تسمية وفضح وانهاء الابتزاز الجنسي”، الجمعية الدولية للقاضيات، 2021، ص 11.

  14. () بيان الابتزاز الجنسي مقابل النقط “عنف مبني على النوع الاجتماعي ونوع الرشوة وإساءة استعمال السلطة”، جمعية ترانسبرانسي المغرب، مقال منشور بتاريخ 6 يناير 2022، على الموقع الالكتروني الآتي: http://www.transparencymaroc.ma/ تاريخ الزيارة: 22/12/2024.

  15. () محمد زكي أبو عامر، قانون العقوبات القسم الخاص، مرجع سابق، ص 41.

  16. () سمير عالية، الوافي في شرح جرائم القسم الخاص، مرجع سابق، ص 26.

  17. () محمود نجيب حسني، شرح قانون العقوبات-القسم الخاص وفقاً لأحدث التعديلات التشريعية، الإسكندرية، دار المطبوعات الجديدة، الطبعة السادسة، 2019، ص 20.

  18. () عماد عبيد، قانون العقوبات الخاص 2، مرجع سابق، ص 185.

  19. () ذهبت محكمة النقض المصرية “إن القول بموجب اختصاص الموظف بكل العمل دون أن يساهم فيه غيره يجر إلى إباحة الرشوة، إذ المعلوم أن إدارة الأعمال تتطلب لحسن سيرها توزيع كل مسألة على عدة عمال، فيختص كل منهم بأداء جزء معين منها، وقد لا توجد مسألة واحدة بذاتها يتمها كلها موظف واحد. على أن القانون لم يشترط سوى أن يكون العمل من أعمال الوظيفة، وما دامت كلمة (عمل) جاءت مطلقة لا تقيد بقدر معين من العمل ولا بنوع خاص منه”. مجموعة أحكام محكمة النقض، نقض رقم 412، 7/5/1951، ص 1128.

  20. () وليد محمد حجاج، دروس في قانون العقوبات القسم الخاص (لطلاب الفرقة الثالثة)، كلية الحقوق جامعة الفيوم، مصر، 2020، ص 23.

  21. () أسامة حسين محي الدين عبد العال، جريمة الرشوة دراسة تحليلية، مجلة العلوم القانونية والاقتصادية، جامعة عين شمس، كلية القانون، مصر، العدد الأول، الجزء الثاني، السنة الثامنة والخمسون، 2017، ص 910.

  22. () أحمد عبد العزيز الألفي، صور الرشوة في القانون المصري، المجلة الجنائية القومية، المركز القومي للبحوث الاجتماعية الجنائية، العدد الأول، المجلد الثامن والعشرون، 1985، ص 16.

  23. () محمود نجيب حسني، شرح قانون العقوبات-القسم الخاص وفقاً لأحدث التعديلات التشريعية، مرجع سابق، ص 33.

  24. () فوزية عبد الستار، شرح قانون العقوبات القسم الخاص، مصر، دار النهضة العربية، 1982، ص 37.

  25. () سامح السيد جاد، جرائم الاعتداء على المصلحة العامة- الرشوة- التزوير- اختلاس المال العام، بدون دار نشر، 2003، ص 15.

  26. () نقض سوري، جناية أساس 611، قرار رقم 613 تاريخ 10/11/1963، موسوعة قانون العقوبات السوري والقوانين المتممة له، الجزء الأول، 1999، محمد أديب استانبولي، قاعدة 762.

  27. () سامح السيد جاد، جرائم الاعتداء على المصلحة العامة- الرشوة- التزوير- اختلاس المال العام، مرجع سابق، ص (16-17)

  28. () محمود نصر، الوسيط في الجرائم المضرة بالمصلحة العامة، الإسكندرية، منشأة المعارف، 2004، ص 48.

  29. () فتوح عبد الله الشاذلي، شرح قانون العقوبات- القسم الخاص، الإسكندرية، دار المطبوعات الجامعية، 2014، ص 90.

  30. () المادة 342 من قانون العقوبات السوري ” كل شخص من الأشخاص السابق ذكرهم التمس أو قبل لنفسه أو لغيره هدية أو وعداً أو أية منفعة أخرى ليعمل عملاً منافياً لوظيفته أو يدعي أنه داخل في وظيفته أو ليهمل أو يؤخر ما كان عمله واجباً عليه عوقب بالأشغال الشاقة المؤقتة وبغرامة لا تنقص عن ثلاثة أضعاف ما أخد أو قبل به”

  31. () أسامة حسين محي الدين عبد العال، جريمة الرشوة دراسة تحليلية، مرجع سابق، ص 919.

  32. () وينبغي أن ينظر للفعل المخل بواجبات الوظيفة على ضوء الظروف التي لابسته فقد يتحقق معنى الاخلال ولو كان الفعل في حقيقته استعمالا لحق كالاستقالة مثلاً، وبناء على ذلك حكم في إيطاليا بتوافر الرشوة في حق مدير بالنيابة للمؤسسات الحكومية للتأمين قبل مبلغاً من النقود نظير أن يقدم استقالته من هذه المؤسسة في وقت متفق عليه تكون الصحف قد أوسعت المؤسسة نقداً وتشهيراً، فيكون للاستقالة في تلك اللحظة صدى خطيراً في الرأي العام يؤكد ما نشرته الصحف من فضائح مزعومة، إذ رأت محكمة النقض الإيطالية أن الواقعة رشوة وأن الفعل الذي قدمت الفائدة في سبيله وإن كان يبدو في الظاهر مشروعاً بوصفه مباشرة للحق في الاستقالة، إلا أنه بالنظر إلى ملابساته كان إخلالاً خطيراً بواجب الأمانة نحو الوظيفة العامة. ينظر: محمد زكي أبو عامر، قانون العقوبات القسم الخاص، مرجع سابق، ص (72-73).

  33. () عبد الله سليمان، شرح قانون العقوبات الجزائري- القسم العام، الجزائر، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزء الأول، الطبعة السادسة، 2005، ص 47.

  34. () فريحة حسين، شرح قانون العقوبات الجزائري، الجزائر، ديوان المطبوعات الجامعية، الطبعة الثالثة، 2005، ص 47.

  35. () غازي حنون خلف الدراجي، استظهار القصد الجنائي في جريمة القصد العمد، لبنان، منشورات الحلبي الحقوقية، 2012، ص 93.

  36. () عبد الرحمن خلفي، محاضرات في القانون الجنائي العام، الجزائر، دار الهدى للطباعة والنشر والتوزيع، 2013، ص 180.

  37. () فتوح عبد الله الشاذلي، شرح قانون العقوبات- القسم الخاص، مرجع سابق، ص (92-93).

  38. () ماهر عبد شويش الدرة، شرح قانون العقوبات القسم الخاص، العراق، المكتبة القانونية، الطبعة الثانية، 1997، ص (72-73).

  39. () مليكة هنان، جرائم الفساد: الرشوة والاختلاس وتكسب الموظف العام من وراء وظيفته في الفقه الإسلامي وقانون مكافحة الفساد الجزائري مقارنا ببعض التشريعات العربية، الجزائر، دار الجامعة الجديدة، 2010، ص 63.

  40. () نورة هارون، جريمة الرشوة في التشريع الجزائي-دراسة في ضوء اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، أطروحة أعدت لنيل شهادة الدكتوراه في العلوم تخصص قانون، جامعة مولود معمري تيزي وزو، كلية الحقوق والعلوم السياسية، الجزائر، 2017، ص 175.

  41. () حاتم الشحات، القانون العقابي، القاهرة، دار النهضة العربية، 2011، ص 32.

  42. () سليمان عبد المنعم، قانون العقوبات الخاص، الجرائم الماسة بالمصلحة العامة، الإسكندرية، الجامعة الجديدة للنشر، 1993، ص 144.

  43. () علي عبد القادر قهوجي، شرح قانون العقوبات القسم العام نظرية الجريمة، لبنان، منشورات الحلبي الحقوقية، 2008، ص (408-409).

  44. () عبود السراج، الوجيز في علم الاجرام وعلم العقاب، دمشق، مطبعة جامعة دمشق، الطبعة الأولى، 1990، ص 244.

  45. () صفاء أوناني ومنال المنجد، قانون العقوبات الخاص- الجرائم الواقعة على الإدارة العامة والجرائم المخلة بالثقة العامة، دمشق، منشورات جامعة دمشق، 2007، ص 40.

  46. () أسامة محمد عجب نور، جريمة الرشوة في النظام السعودي، الرياض، معهد الإدارة العامة، 1997، ص (126-127).

  47. () علي عبد القادر قهوجي، شرح قانون العقوبات القسم العام نظرية الجريمة، مرجع سابق، ص 419.

  48. () حسين مهدي، استطلاع رأي” الشفافية الدولية“: لبنان الأول عربيا في دفع الرشى والواسطة!، موقع بنت جبيل، مقال منشور بدون تاريخ، على الموقع الالكتروني الآتي: https://bintjbeil.org/post/14409/ تاريخ الزيارة: 27/12/2024.

  49. () منظمة الشفافية الدولية (2020) كسر حاجز الصمت بشأن الابتزاز الجنسي، الروابط بين السلطة والجنس والفساد، 2020.

  50. () جايا موهان، حان الوقت معالجة الابعاد الجنسانية للفساد، مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، فيينا، 2020، ص (45-46).

  51. () التسمية والفضح وإنهاء الابتزاز الجنسي، الرابطة الدولية للقاضيات، 2012.