تكييف الوقائع في الحكم المدني وفقاً للاستدلال المنطقي

Adapting Facts in Civil Judgment According to Logical Reasoning

م.م. حسنين علي هادي1

1 جامعة الفرات الاوسط التقنية، معهد التقني ديوانية، العراق.

بريد الكتروني: Hassanain.hadi@atu.edu.iq

DOI: https://doi.org/10.53796/hnsj66/10

المعرف العلمي العربي للأبحاث: https://arsri.org/10000/66/10

المجلد (6) العدد (6). الصفحات: 138 - 148

تاريخ الاستقبال: 2025-05-07 | تاريخ القبول: 2025-05-15 | تاريخ النشر: 2025-06-01

Download PDF

المستخلص: يهدف هذا البحث إلى الكشف عن العلاقة بين الاستدلال المنطقي وحلّ المشكلات في بناء الحكم المدني لدى القضاة عن طريق التكييف الصحيح للوقائع الدعوى المدنية، إذ يقوم الاستدلال المنطقي في مجال التكييف القانوني الى اكتساب الأحكام صفة الصدق والحق يتأسس على كونه مبنياً على الاستدلال المنطقي، فالمنازعات المعروضة على القاضي تتضمن في طياتها خليطاً من الواقع والقانون، والقاضي في قيامه بوظيفته عن طريق التكييف القانوني يقوم بتحديد القاعدة القانونية، ومن ثم يقوم بتفسيرها وتطبيقها على الواقعة المعروضة امامه، وهو يقوم بذلك وفقاً للاستدلال المنطقي الذي يساعد كثيراً في حسم الأحكام وعدم تأخيرها.

الكلمات المفتاحية: الوقائع، الحكم المدني، الاستدلال المنطقي، التكييف القانوني.

Abstract: This research aims to reveal the relationship between logical reasoning and problem-solving in constructing civil judgments by judges through the correct adaptation of the facts of the civil caseـ as logical reasoning is based in the field of legal adaptation The acquisition of the judgments of truth and right is based on the fact that they are built on logical reasoning. The disputes presented to the judge contain within them a mixture of reality and law. The judgeـ in carrying out his function through legal classificationـ determines the legal ruleـ and then interprets and applies it to the incident presented before him. He does this in accordance with logical reasoningـ which greatly helps in deciding judgments and not delaying them.

Keywords: Factsـ civil judgmentـ logical reasoningـ legal qualification.

المقدمة

تعد القدرة على التفكير باستعمال الاستدلال المنطقي مهارة مهمة ومساراً ذهنياً يسلكه القاضي عند التصدي للفصل في الخصومة المعروضة أمامه واصدار الاحكام القضائيةـ وان فن صياغة الأحكام المدنية (كتابة الحكم وصياغته) تعد محصلة النشاط الذهني للقاضي وهو بمثابة اختبار لاستنباط القاضي قوة الحكم القضائي تكمن في بنائه على اساس الاستدلال المنطقيـ ويعد التكييف القانوني للوقائع من أدق واصعب المشكلات التي تعترض القاضي المدني عند نظر النزاع في الدعوى المدنية على أساس ان الدعوى المدنية تخضع لعدة تكييفات قانونيةـ ويؤدي التكييف دوراً مهماً في معرفة القاعدة القانونية الواجبة التطبيقـ حيث ان القاضي بعد ان يفهم الوقائع التي عرضت عليهـ يبدأ بالبحث عن القاعدة القانونية النموذجية لكي يطبقها من اجل اصدار الحكم المدنيـ وعليه سوف نقسم هذا البحث إلى مطلبينـ خصصنا الاول لماهية التكييف القانوني للوقائع أما الثاني فكان لمناط التكييف القانوني للوقائع وكالاتي:

المطلب الأول: ماهية تكييف الوقائع وفقاً للاستدلال المنطقي

من اجل الوقوف على معرفة ماهية تكييف الوقائع وفقاً للاستدلال المنطقي، لابد من معرفه تعريف التكييف القانوني للوقائع، وكذلك مراحل تكييف الوقائع وهذا ما سوف نتطرق له وفقاً للاتي:

الفرع الأول: تعريف تكييف القانوني للوقائع

أهم الموضوعات التي تثار امام القاضي المدني هي مسألة التكييف للوقائع في الدعوى المدنيةـ ومن أجل اعطاء معنى واضحاً للتكييف الوقائع في الدعوى المدنيةـ لابد من بحث هذا المصطلح في الفقه والتشريع والقضاءـ للوصول إلى تحديد دقيق لمفهوم التكييف وفقاً للاستدلال المنطقي في الدعوى المدنيةـ ففي الفقه على الرغم من اختلاف التعبير عن مفهوم التكييف، لكنها اجمعت على معنى موحداً، فبعض الفقه يعرف التكييف بأبه ( الحاق حالة واقعية بمبدأ قانوني وذلك بتصنيف هذه الواقعة وردها إلى الفئة القانونية التي تتضمنها وتنطبق عليها (كيرةـ1992: ص77)، أو “هو مواجهة بين عناصر الواقع الثابتة مع قاعدة القانون المختارة للبحثـ في حين يعرفه الآخرون بأنه “الحاق عمل أو واقعة أو وضع واقعي بمجموعة أو بمفهوم أو بمجموعة قانونية موجودة سلفاً. في حين عرفه الاستاذ Moutulsky بأنه” الترجمة القانونية لواقع اجتماعي، أو هو اعطاء واقعة محددة مصطلحاً يمثل قيمتها القانونية (القصاصـ1994: ص354).

وعلى ضوء تلك التعريفات فإن التكييف لا يعدو أن يكون تمهيداً واجباً لتحديد قاعدة قانونية تتطبق على النزاع المعروض، وعرف ايضاً تكييف لوقائع الدعوى المدنية بأنه ” وصفها بالوصف الذي نص عليه القانونـ فالقاضي يتوخى معاني القانون من حاصل فهم الوقائع في الدعوىـ ورد هذه الوقائع إلى حكم القانون”ـ ويوخذ على هذا التعريف بأن التكييف لا يعني توخي معاني القانونـ لأن توخي معاني القانون من حاصل فهم القاضي للوقائع الدعوى ما هو الا فهم القانون (تفسيره) ويأتي بعد فهم الواقعـ فهو مرحلة واحدة من التكييفـ وخلط بين فهم الواقائع وتكييف هذا الفهمـ وان رد الواقع إلى حكم القانون ما هو الا تطبيق للقانون الذي يأتي بعد التكييف وبهذا خلط بين التكييف والتطبيق وبدون التكييف لا نستطيع تطبيق القانون (الاطرقجيـ2000: ص28).

وعرفه آخرون بأنه (عمل قانوني الزامي يقوم به القاضي بمناسبة طرح دعوى عليه بتجسد في التسبب، جوهره فهم واقع الدعوى والقانون المنطبق عليها بتجريدها تجريداً قضائياً، وذلك من خلال قياس منطقي فيما بين مقدمات تعتمد على قواعد وأصول ثابتة)، ونرجح هذا التعريف لأنه يقوم على التحليل والفهم للواقع والقانون والمطابقة بينهماـ فالقاضي المدني يتوصل إلى التكييف الذي يعتقد أنه صائب من عملية ذهنية يقوم منها بربط الوقائع المعروضة عليه والتي تضمنها عريضة الدعوى المدنية ليتوصل إلى استنباط القاعدة القانونية التي تنطبق على وقائع النزاع المعروض عليهـ وهو عندما يقوم بذلك يستعمل السلطة التقديرية الممنوحة من المشرع وهذه السلطة ليست اعتباطية وانما تخضع لقواعد الاستدلال المنطقي.

أما إذا بحثنا في القانون العراقي نجد أن المشرع لم يورد مصطلح التكييف في قانون المرافعات المدنيةـ وانما ذكر مصطلح التكييف في القانون المدني العراقيـ حيث نص المشرع في المادة ۱۷ من القانون المذكور (القانون العراقي هو المرجع في تكييف العلاقات عندما يطلب تحديد نوع هذه العلاقات في قضية تتنازع فيها القوانين لمعرفة القانون الواجب تطبيقه من بينها). ويلاحظ على هذه المادة أنه يتكلم عن حالة تنازع القوانين وليس عن التكييف بشكل عام، وأن قانون العقوبات وقانون أصول المحاكمات الجزائية لم يستعمل مصطلح التكييف وانما استعمل مصطلح (الوصف القانوني) (المادة 141ـ 142ـ 143).

والسند القانوني في القانون العراقي الذي يجعل القاضي المدني هو المسؤول عن تكييف الدعوى وفقاً للاستدلال المنطقي كما يرى بعض الفقه (خطابـ1982: ص15) هو نص المادة الأولى من قانون الإثبات العراقي رقم 107 لسنة 1979 التي نصت على (توسیع سلطة القاضي في توجيه الدعوى وما يتعلق بها من أدلة بما يكفل التطبيق السليم لأحكام القانون وصولاً إلى الحكم العادل في القضية المنظورة )ـ والمادة الثانية من القانون نفسه التي نصت على ( الزام القاضي بتحري الوقائع لاستكمال قناعته ) ومما لا شك فيه أن من ضمن سلطة القاضي المدني هو سلطته في تكييف وقائع الدعوى وإعطائها الوصف الملائم لها وفقاً للاستدلال المنطقي.

أما المشرع المصري فإنه لا يختلف عن التشريع العراقي؛ إذ يخلو قانون المرافعات المصري من نص على تكييف الدعوى باستثناء نص المادة (10) من القانون المدني المصري التي نصت على( أن القانون المصري هو المرجع في تكييف العلاقات عندما يطلب تحديد نوع هذه العلاقة في قضية تتنازع فيها القوانين لمعرفة القانون الواجب تطبيقه من بينها)، وهذا النص يخضع التكييف للقانون المصريـ إذا وجد في العلاقة عنصراً أجنبياً مما يعني أن هذا النص يدخل في نطاق القانون الدولي الخاص الذي يعالج منازعات الأفرادـ إذا انطوت على عنصر أجنبي، ومن ثم فالمشرع المصري قد ترك مسالة تكييف الدعوى للسلطة التقديرية للقاضي المدني وفقاً للقواعد المنطقية في التكييف، ومن ثم تنفرد محكمة الموضوع بتقديرها وهي بذلك غير ملزمة بأقوال وادعاءات الخصوم إذ لقاضي الموضوع وحده سلطة تكييف وقائع الدعوى وفقاً لما يبدو له من تقدير وتحليل وقائع النزاع (الداقوقي، ص412).

أما في قانون المرافعات المدنية الفرنسيـ فإنه يختلف عن التشريعين العراقي والمصري إذ خول المشرع الفرنسي القاضي صلاحية تكييف الدعوى المدنيةـ إذ إن نص المادة ۱۲ من قانون المرافعات الفرنسي يشير إلى أن القاضي ملزم بحسم النزاع طبقاً للقواعد القانونية القابلة للتطبيق وتنص الفقرة( 2) بأنه( ينبغي على القاضي إرساء التكييف القانوني المنطبق تماماً على الوقائع المنتجة في النزاع دون أن يعتد بمعطيات الخصوم أو مقترحاتهم)، إذ نلاحظ من هذه الفقرة أن المشرع الفرنسي قد ألزم القاضي بأن يعتد بالوقائع المنتجة في الدعوى وفقاً للقواعد الاستدلال المنطقي، أما الفقرة (4) فنصت على أن القاضي لا يستطيع أن يغير الأساس القانوني للدعوى إذا قيده الخصوم بذلك نتيجة اتفاق صريح فيما بينهم، فالقاضي في هذه الحالة يكون ملزماً بالتكييف القانوني الذي يرسيه الخصوم على وقائعهم في حدود الاتفاق المبرم صراحة بينهمـ وفيما يخص الحقوق التي جعلها الخصوم موضوعا لهذا الاتفاق (نص المادة (12) من قانون المرافعات المدنية الفرنسي الفقرات(1ـ2ـ4))ـ واذا رجعنا للمادة ١٢ / ف 4 من قانون المرافعات الفرنسي نجد أن هذه المادة أعطت للخصوم الحق الحسم الدعوى استناداً إلى قواعد قانونية يحددها الخصوم حتى وان كانت هذه الأوصاف غير واجبة التطبيق من وجهة نظر القانونـ إلا أن هناك من يرى أن إعطاء الخصوم الحق بمخالفة القانونـ عن طريق السماح لهم بتطبيق نصوص غير صحيحة أو الاتفاق على تكييف لا يطابق نصوص القانون يؤدي إلى تطبيق زائف للقانونـ لذلك املت هذه السلطة المصرحة للأفراد عملياً في يؤدي إلى تطبيق زائف للقانونـ لذلك أهملت هذه السلطة الممنوحة للأفراد عملياً بمرور الوقت (Miguenetـ1981:539).

أما موقف القضاء من تكييف الدعوى وفقاً للاستدلال المنطقيـ فإذا نظرنا في قرارات محكمة التمييز العراقية نجد أن هذه القرارات نادرة في تحديد مفهوم التكييف القانوني للدعوى وانما تكتفي بذكر القاعدة القانونية وأن التكييف واجب على القاضي معرفته من خلال إعمال قواعد الاستدلال المنطقيـ لكن مع ذلك توجد بعض الأحكام التي أشارت إلى مسألة تكييف الدعوى المدنيةـ فاذا بحثنا في قرارات محكمة التمييز نجدها قد أشارت إلى تكييف الدعوى المدنية، فقد جاء في قرار محكمة التمييز بأن ( تكييف واقعة الدعوى مسألة قانونية لا يتقيد فيها القاضي بتكييف المدعي لدعواه، ولا بما يرتبه على هذا التكييف من آثار قانونية لأن المدعي قد يخطأ في تكييف دعواه عن جهل أو يتعمد تكييف دعواه تكييفاً خاطئاً للوصول إلى غرض يريده، فعلى القاضي أن يصل إلى حقيقة دعوى المدعي فإذا وصل اليها كيفها التكييف القانوني الصحيح ثم أصدر حكمه في الدعوى على مقتضى هذا لتكييف (قرار محكمة التمييز المرقم ٢٢١)ـ وبناء على ما جاء في قرار محكمة التمييز الاتحادية فالقاضي المدني غير ملزم بالتكييف القانوني الذي يطرحه الأطراف عليه بل هو يقوم بتكييف الدعوى في ضوء الوقائع التي تطرح عليه مستنداً على مناهج الاستدلال المنطقي، ومن ثم فالتكييف عملية لأزمة ينبغي على القاضي القيام بها سواء طلب منه الخصوم ذلك أم لاـ لأنها من مقتضيات العمل القضائي (محكمة التمييز الاتحادية لدعواه بالقرار ذو رقم 248/الهيأة الموسعة المدنية/2017 / في21/11/2017).

أما محكمة النقض المصرية فقد قامت بوضع مبادئ وقواعد يجدر بالمشرع أن يأخذها ويصوغها في قواعد قانونية وضمها إلى قانون المرافعات وفيما يتعلق بوجهة نظر هذه المحكمة إلى التكييف فقد قضت في حكم لها ( ومن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن القاضي الموضوع السلطة التامة في تحصيل فهم الواقع في الدعوى ومن وزن هذه الأدلة وتقديرها إلا أنه يخضع لرقابة محكمة النقص في تكييف هذا الفهم يحكم القانون وفي تطبيق ما ينبغي تطبيقه من أحكام القانون )۔ وكذلك قضت بأن ( محكمة الموضوع ملزمة بأعطاء الدعوى وصف الحق وتكييفها القانوني الصحيح دون ان تتقيد في ذلك بتكييف الخصوم لها متى التزمت بالوقائع والطلبات المطروحة عليها فإن خرجت عنها خضع تكييفها في هذا الخصوص لرقابة محكمة النقض (قرار محكمة النقض المصرية / الدوائر المدنية طعن رقم ١٠٩٧٦)ـ وكذلك ما قضت به من أن ( المقرر في قضاء محكمة النقض – أن تكييف المدعي لدعواه تكييفاً خاطئاً لا ينطبق على واقعتها التي ذكرها في صحيفتها أو تمسك بها في دفاعه لا يقيد القاضي ولا يمنعه من إعطاء الدعوى وصفها الحق وتكييفها القانوني الصحيح (نقض مدني رقم10976ـسنة 84).

أما القضاء في فرنسا فقد استعمل في الكثير من قرارته مصطلح الوصف القانوني والتكييف القانوني معاً أو أحدهما دون الآخر (cass crimeـ1982:178)ـ وكذلك فإن محكمة النقض الفرنسية قد أكدت في قراراتها العديدة بأن مهمتها هي آن تراقب مدى علاقة الواقعة بالقانون حيث تتحدد سلطتها فيما إذا كانت الوقائع بحسب ما أثبتها القاضي هي تدخل تحت هذا النص أو ذاك (Pierre Bouzatـ1978:1447).

الفرع الثاني: مراحل التكييف القانوني للوقائع

إن مسالة التكييف للوقائع هي مسألة ينفرد بها القاضي عموماً والقاضي المدني على وجه الخصوص لفهم النص القانوني من أجل تطبيقه على الوقائع الثابتة بالدعوى المدنية، حيث أجمع الفقهاء على أن تقدير القاضي للواقعة وفهمه لحقيقتها يسبق نشاطه في تقدير التكييف القانوني الصحيح لهذه الواقعة. ويمر التكييف القانوني كنشاط ذهني عقلي بعدة مراحل هي الاتي:

أولاً: المرحلة الأولى

مرحلة التكييف الأولى وتتعلق هذه المرحلة بفهمه للقاعدة القانونية سواء في جانب مجموع العناصر التي تخيلها المشرع وصاغها في نموذج القاعدة القانونية أو في فهمه للأثر المترتب عليهاـ فهي مرحلة تساعد القاضي المدني على التقريب بين الوقع والقانونـ ويتحدد نطاق بحثها في الواقعة محل الدعوى المدنية دون ان يسبغ عليها وصفاً قانونياً (حسينـ2011: ص272)ـ بمعنى أن القاضي المدني يبحث عن القاعدة القانونية المحتملة من مجموع التكييفات الموجودة في القانون المدني التي تكون في بعض الأحيان متماثلة، ويسمى التكييف في هذه المرحلة المبدئية بالتكييف الاحتمالي. وفي هذه المرحلة ما زال القاضي المدني في دائرة الواقعة البحتة محل الدعوى المدنية دون أن يعطي لها وصفاً قانونياً، فلن تتعدى هذه المرحلة سوى التقريب بين الواقع والقانون.

ثانيا: المرحلة الثانية

تتمثل المرحلة الثانية في فهمه للقاعدة القانونية وفقاً لقواعد الاستدلال المنطقي بغية التعرف على مكوناتها بالنظر إلى وقائع الدعوى المدنية، فالقاضي هنا يقوم بعملية تصفية بين أكثر من قاعدة قانونية، وتسمى هذه المرحلة بمرحلة التكييف القانوني الأولي، بمعنى لم يبق سوى إجراء المطابقة المادية المنطقية بإنزال حكم القانون على الوقائع محل الدعوى المدنية لإعطاء الوصف القانوني وهي المرحلة الثالثة والأخيرة.

ثالثا: المرحلة الثالثة والنهائية

تتمثل هذه المرحلة بالمطابقة المادية المنطقيةـ إذ يمنح القاضي المدني اسماً أو وصفاً قانونياً للوقائع المثبتة في الدعوى المدنية، بإجراء المطابقة المادية بين حكم القانون أو القاعدة على الواقعة ومن ثّم يصبح للواقعة وصف قانوني (حسينـ2011: ص273).

ولأجل القيام بعملية المطابقة المادية ينبغي على القاضي المدني أن يفهم حقيقة الواقعة محل النزاع المدني؛ وذلك من البحث عن ماهيتها ضمن النصوص المدنية حتى تستقر في ذهنه، ثم يطابقها مع النص القانوني وفق عملية القياس القضائي؛ لينتهي بعد هذا الاستدلال المنطقي إلى تكييف قانوني يعبر تعبيراً صادقاً عن حقيقة الواقعة، وبهذا يعد القياس أداة الاستدلال القضائي التي تنقل القاعدة من المرحلة البدائية الاحتمالية إلى القاعدة الواجبة التطبيق، فالنشاط الذهني للقاضي مؤسس على مناهج الاستدلال المنطقي، وهو ما يفرض أن تتسم عملية المطابقة بين المقدمتين ( النص والواقعة ) بالمنطقية (عادلـ2011: ص125).

واذا كانت سلطة القاضي المدني في مجال التكييف تتحدد بالواقع والقانون، فإن الواقع يتحدد بما يرسمه النموذج القانوني وفقا لمبدأ الشرعية، ويجب على القاضي أن لا يقبل من الوقائع الا ما ثبت لديه بدليل معقول، أما القانون فيتحدد بالنصوص التشريعية التي تحدد النموذج القانوني للواقعه محل الدعوى المدنية؛ ولأجل أن تصل إلى الوصف القانوني الصحيح لابد ان نبين عناصر الواقعة وعناصر النموذج القانوني من فهم كل منهما وفقاً للاستدلال المنطقي، ثم تقوم بإجراء المطابقة بينهما للوصول إلى النتيجة النهائية بالحكم المدني، ومن هنا تظهر علاقة الواقع بالقانون، فالواقعة لا يمكن فهمها إلا من خلال إعمال النصوص (هجيج ووكاظمـ ص76).

ويظهر لنا مما ذكر أنفاً، أن عملية التكييف القانوني مرتبطة بمناهج الاستدلال المنطقي ابتداء وانتهاء، إذ إن التكييف يتطلب من القاضي أن يفهم تفاصيل الواقعة، ثم يحدد النص المناسب لها، وهو ما لا يصل إليه إلا باستعمال مناهج الاستقراء والاستنباط والقياس على حد سواء، إذ يستعمل الاستقراء ليفهم الواقعة في ضوء الأدلة المتوافرة، ثم يستنبط في ضوء فهمه لها النص الملائم، ثم يستعمل قواعد القياس ليطبق عناصر النص القانوني الذي حدده على الواقعة المعروضة.

المطلب الثاني: مناط التكييف القانوني للوقائع

فيما سبق ذكره تبين أن الاستدلال المنطقيـ يعتمد على كثير من العناصر والضوابط؛ وتتمثل بمقدمة أو مقدمات يستدل بهاـ على صحة النّتيجة ونتيجة تكون لازمة عن هذه المقدمة، وعلاقة منطقية تربط بين المقدمات في حالة تعددها، ويعتمد المبادئ والقوانين الأساسية التي يعتمد عليها العقل في حركته وانتقاله من المقدمة إلى النّتيجةـ وهذه لا يستطيع الوصول اليها الا من التكييف بوصفه عملاً قضائياً يقوم به القاضي في الدعوى المدنيةـ وعليه قسمنا هذا المطلب على فرعينـ الاول كان لتأسيس تكييف الوقائع على الاستدلال المنطقيـ في حين الثاني كان لبيان اثر التكييف على مراحل الحكم القضائي وهي الاتي:

الفرع الأول: تأسيس تكييف الوقائع على الاستدلال المنطقي

يعتمد القاضي المدني على ملكاته الذهنية المقرونة بجهد قوي مبني على مناهج الاستدلال المنطقي من أجل استخلاص الخصائص القانونية من الوقائع ومطابقتها مع الأركان والعناصر القانونية للدعوى المكونة لهذه الوقائع المدنية، وكل هذا بغرض تكييف هذه الوقائع وإخضاعها لحكم القانون المدني وهذه العملية معروفة بالمطابقة، هذه المطابقة تجعلها عملاً إجرائياً يقوم به القاضي المدني وتهدف لضمان سلامة الحكم المدني (https://aljarida24.ma/p/actualites/222736/).

فالقاضي المدني عند القيام بإجراءات عملية التكييف القانوني للوقائع في الدعوى المدنية، فإنه يقوم بالبحث عن جوهر الوقائع قانونياً ضمن النصوص المدنية للقانون المدني للفعل محل النزاع بالدعوى تمهيداً لعملية المطابقة بينهمـ وذلك ببذل جهد ذهني للاستدلال على الوقائع حتى تثبت في ذهن القاضي المدنيـ بالإعتماد على الأدلة الموجودة والثابتة في أوراق الدعوى المدنية ومطابقتها مع النص المدني الذي تم اختياره بإستعمال عملية القياس المنطقي القضائي على وفق قاعدة مقدمة كبرى وهي النص المدني النموذجي والمقدمة الصغرى التي تفيد الواقعة الثابتة من أوراق الدعوى المدنية، كل هذا من أجل الوصول في النهاية بالإستناد إلى عملية تطابق بين المقدمتين الكبرى والصغرى إلى إفراغ في تكوين قناعتها من جميع وسائل الإثبات المتاحة لها قانوناً بما فيها القرينة القضائيةـ فإن هذه القرائن ينبغي أن تكون قوية وخالية من اللبس ومستنبطة من وقائع ثابتة ومعلومة بيقين ومنتجة في الدعوى (محكمة التمييز الاتحادية في قرارها بالعدد 11683/ هيئة الاحوال الشخصية والمواد الشخصية /2021 / في 6/9/ 2021).

وفي هذا الخصوص فقد ذهبت محكمة التمييز إلى أنه ( إذا كان السند مصدقاً من الكاتب العدل ومسجلاً في سجله ولكن السجل خالياً من توقيع المـدين وموقعان من كاتب العدل والشاهدين فيعد وجـود السند المصدق بيد الدائن وشهادة أحد الموقعين على صحته وشهادة أخرى على سماعهم إقرار المتوفى بمديونته كاملة بمبلغ السند قرائن قضائية تستطيع المحكمة الركون إليها في الإثبات (قرار محكمة التمييز رقم 164/ هيئة العامة /1971/ في 8/4/). فبرغم عدم وجود توقيع المدين في السجل فقد عدت تلك الوقائع ثابتة، وأنها دليل مقبول يسوغ التكييف منها للقرائن والدلالات الموجودة بالدعوى.

وذهب محكمة النقض المصرية إلى أن ( مفاد نص المادة 100 من قانون الانبات رقم ٢٥ سنة ١٩٦٨ أن لقاضي الموضوع السلطة المطلقة في استنباط القرائن التي يعتمد عليها في تكوين عقيدته غير مقيد في ذلك بالقاعدة التي تفرض عليه أن لا يبني أقتناعه على وقائع لم تثبت بالطرق القانونية أو على وثائق لم تكن محل مناقشة الخصوم، فله أن يعتمد على القرينة المستفادة من تحقيقات أجريت بغيبة الخصوم أو من محضر استدلالات أجرته الشرطة أو من شهادة شاهد لم يود اليمين (نقض مدنيـ الطعن 758 لسنة 49قـ29/1/ 1985)ـ وفي قرار آخر قضت انه ( من المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه ليس ثمـة مـا يمنع القانون من أن تستند المحكمة في حكمها إلى ما قضى به في قضية أخرى لم يكن الخصم طرفاً فيهـا اذا كان ذلك لمجرد تدعيم الأدلة التي سردتها فيه لأن ذلك لا يعدو أن يكون استنباط لقرينة رأت فيها المحكمـة مـا يـؤدي وجهة نظرها (نقض 25/2/ 1976ـ طعن 131 لسنة 40 قضائيةـ مج س27ـ ص464).

أما القضاء الفرنسي يتم مطابقة الوقائع المعروضة في الدعوى مع القاعدة القانونية، وقد يقوم بالمطابقة شخص غير القاضي، إلا أن مطابقته تكون غير ملزمة قانوناً، ويستند القاضي المدني في عملية المطابقة على قدرته على وصف الوقائع وتحليلها إلى عناصرها، وعلى القاضي أن يقوم بعملية الاستدلال الاستقرائي والاستدلال الاستنباطي، بشكل دقيق في حالة كون الأدلة المقدمة من الأدلة غير المباشرة، كما في القرائن كي لا يخالف الاستنتاج المبني على هذا الاستدلال قواعد العقل والمنطقـ ولكي يفرز الوقائع المفيدة في عملية التكييف، عن الوقائع غير المفيدة، فالقاضي المدني يفلتر الوقائع لأن بعضها لا يصلح أن يكون محلاً لوصف المحكمة، وذلك أن كثيراً من الوقائع التي أدلى بها أطراف الدعوى المدنية تكون غير منتجة أو غير متعلقة بموضوع النزاع، أي يقتصر عمله على الوقائع التي أثارها الخصوم وتمسكوا بها، وهذا ما سارت عليه محكمة النقض الفرنسية في كثير من قراراتها، ومنها القرا، الذي أيدت فيه محكمة الموضوع في ذلك، ففي ( طلب تعويض بناء على مضار الجوار غير المألوفة رفضته المحكمة، ولم تبحث امكان الحكم لصالح المدعي على أساس مسوؤلية حارس البناء لأن الوقائع اللازمة لتحديد صفة حارس البناء لم يطرحها الخصوم ويعد اثارتها من تلقاء نفس المحكمة تغييراً للوقائع لا تملكه المحكمة من تلقاء نفسها. وقـد أيـدت محكمة النقض هذا القضاء(نقض مدني 22/2/ 1964ـ مج 1964ـ ص72-62).

الفرع الثاني: اثر تكييف الوقائع على مراحل الحكم

يمر الحكم القضائي المدني بمراحل عدة يؤثر التكييف فيها؛ تتمثل المرحلة الأولى بتحديد القاعدة القانونية الواجبة التطبيق، أما المرحلة الثانية هي مرحلة تكييف الواقعة وفقاً للقانون، أما المرحلة الثالثة فتبدأ عند استنباط الحكم القانوني وفقاً للاستدلال المنطقي (خطابـص59).

أول هذه المراحل هي تحديد القاعدة القانونية الواجبة التطبيقـ إذ يلزم القاضي عند وضع الادعاء بين يديه عن طريق الدعوى المدنية أن يقوم بأول عملية وهي عملية التقدير القانوني وذلك من أجل ان يتأكد من الوضع المبدئي للوقائع موضوع الدعوىـ فيتأكد من صحة اتصاله بالواقعة وهي ما تسمى بمسألة الاختصاص والتقدير الذي يقوم بها القاضي وهي تقدير تحكمه القواعد المنظمة للاختصاص وهو حكم أما بالتطابق أو عدم التطابق بين المفهوم المجرد للقاعدة المدنية المعنية وبين الواقع المعروض عليه والخطأ الذي يقع فيه القاضي أما أن ينتج عن مفهوم خاطئ للمعنى المجرد للقاعدة القانونية أو الفصل في الامساك بين المفهوم المجرد والواقع المعروض عليه (أبو عامرـ2011: ص314).

وبعد أن ينتهي القاضي المدني من عملية التقدير القانونيـ فإنه يقوم بتطبيق حكم القانون على الوقائع، فمثلاً قد يثبت قيام عقد ما بالتزام إطراف الدعوى لكن لا يكفي مجرد إثبات العقد بل لابد من معرفة نوع هذا العقد هل يعد عقد بيع أو هبة أو اي نوع أخر وضع له القانون أحكام خاصة حتى يستطيع أن يطبق حكم نص المادة القانونية على هذا العقد (العشماوي والعشماويـ2006: ص995).

ولم يرسم القانون للقاضي كيفية ممارسة عملية التفكير المنطقية أو تشكيل معادلاته الذهنية وانما وضع أسس محددة ونتائج تترتب عليها، فالتقدير الذي يقوم به القاضي في إثباته للوقائع في الدعوى المدنيةـ يقوم على مجموعة من الأحكام الفرعية والمركبةـ تشكل في الأخير الحكم الواقعي الذي يستنتجه القاضي من أجل بناء الحكم المدنيـ والخطأ في هذا القرار هو خطأ في الواقع أو قد يقع الخطأ في سوء التقدير المنطقيـ والاستخلاص العقلي وفقاً للاستدلال وذلك عندما ينتهي القاضي المدني في الدعوى إلى استنتاجات لا تتناسب لهذا التقديرـ وخطأ القاضي في هذا الاستدلال هو خطأ خارج نطاق فكرة الخطأ في القانون لعدم تناقض عمل القاضي مع أي قاعدة قانونية (القيسيـ2001: ض163).

ولأجل معرفة ماذا تشكل الوقائع المعروضة في الدعوى على القاضي المدنيـ لابد من تكييفهاـ إذ يعد التكييف العملية الثانية التي يقوم بها القاضي في حل النزاع المعروض عليه ـ إذ تعد مرحلة تكييف التصرفات والوقائع القانونية من أهم وأدق المراحل التي يواجها القاضي المدني من حيث ان جميع مقتضيات سريان العملية القضائية تعتمد على التكييفـ إذ انه من المتعذر الشروع بأي اجراء ما لم يقع الاختيار على تكييف معين للواقعه (الأطرقجي، ص40)، وأنه من الضروريات التي لا يمكن إهمالها وذلك لتوقف فكرتي العدالة والمساواة على هذا التكييف، كما أنه المقدمات الضرورية لحل النزاع المطروح على القضاء، كذلك فإن القاضي المدني من جهة أخرى لا يستطيع أن يحدد النص القانوني الواجب التطبيق في الدعوى محل النزاع مالم يحدد مقدماً الصفة القانونية للموضوع سواء تصرفاً قانونياً أم واقعة قانونية (الزلميـ2008: 33).

إذ إن أحكام القانون المدني عبارة عن عموميات ومطلقات تتناول أعداداً من الحوادث المعينة ولكل منها خصوصية معينةـ ومن ثم فلا سبيل لتطبيق حكم القانون على هذه الحوادث إلا بعد معرفة أن ذلك الحادث المحدد وبما يشمله من حكم المطلق أو العام وأن القيام بهذا الأمر إما أن يكون سهلاً لا صعوبة فيه أو قد يكون معقداً، والأمر كله وهو ما أطلق عليه علماء القانون تكييف لواقع في الدعوى (صادقـ1974: ص112)، وفي هذا الصدد قضت محكمة النقض المصرية ( إذا كان البين من الحكم المطعون فيه أنه قد أعرض عن قول كلمة الفصل فيما أثير من نزاع حول تكييف العقد في صدد القضاء بصحته ونفاذه مأخوذاً باتساع التركة لنفاذ التصرف سواء بعّده بيعاً أو وصية وكانت المحكمة لا تستطيع البت في أمر صحة العقد ونفاذه بأعتباره وصية الا بعد تكييفهـ إذ يتوقف على هذا التكييف معرفة الأحكام القانونية التي تطبق عليه من حيث الصحة والنفاذ…) (طعن 261 س39 ق. بتاريخ 29 /4/ 1974)، إذ يتوضح لنا من هذا الحكم مدى أهمية تكييف الوقائع المعروضة على القاضي المدني وبدون التكييف الا يمكن انزال الحكم القانوني على هذه الوقائع ومن ثم فإن الخطأ في التكييف يؤدي الي انزال حكم قانوني يختلف مما هو لازم لحكم الواقعة المعروضة على القاضي.

إذ إن عدم قيام القاضي بعملية التكييف يؤدي إلى عدم قدرته على استيعاب ما طرح عليه من وقائع، لأنه ليس كل ما يطرح عليه ينبغي الحكم بهـ والا ذهبت الحقيقة في الدعوى لاتساع واقعها دون تحديدهـ ولصعب انزال حكم القانون على الواقع؛ لأن القاضي في هذه الحالة سيطبق القاعدة القانونية على أي من الطلبات التي يعتقدها تشكل موضوع النزاع في الدعوى المدنية محل الحكم المدنيـ في حين أنه طبقاً لمعايير التكييف أن موضوع الدعوى الحقيقي ينطوي في الطلب المنتج في الدعوى وليس جميع الطلبات.

أما المرحلة الثالثة وهي مرحلة استنباط الحكم القانوني على الوقائع وفقاً للاستدلال المنطقيـ إذ يقتصر نشاط القاضي المدني على تطبيق النتائج القانونية المترتبة في القانون على التكييف الذي اختاره وترتبط هذه المرحلة بالمرحلة السابقة أي مرحلة التكييف وكل خطأ في التكييف يقود القاضي إلى الوقوع في خطأ آخر وهو خطأ في تطبيق القاعدة القانونية (ابو عامرـ ص347). ذلك أن عمل القاضي يقوم على استنباط منطقي يتكون من المقدمة كبرى تمثل القاعدة القانونية الواجبة التطبيق ومقدمة صغرى هي إثبات الوقائع أما النتيجة فهي ما يستخلصه القاضي من تطبيق المقدمة الكبرى على وقائع المقدمة الصغرى.

وعند قيام القاضي بتقدير الوقائع واثباتها يقوم بذلك وفق المنهج والطريق الذي رسمه له القانون والإجراءات التي حددت فيه وهي تمثل مجموعة من القيود اللازمة للإثبات فمخالفة القاضي لهذه القيود تشكل مخالفة للقانون (القيسيـ ص164)ـ ومن ثم فإن كل خطأ في التكييف يؤدي إلى خطأ في تطبيق القانون ولا بد من الإشارة إلى أن الخطأ الذي يصيب الحكم يعتبر خطا في التكييف لا في تطبيق القانون على الوقائع (الأمينـ2017: ض110).

مما تقدم نلاحظ مدى تأثير التكييف على المراحل الحكم المدنيـ إذ نجد ان خطأ القاضي سواء في مرحلة التكييف الوقائع في الدعوى المدنية أو مرحلة تطبيق القانون على الوقائعـ يعد خطأ في القانون يعرض الحكم المدني للطعن فضلاً عن خضوعه لرقابة محكمة التمييزـ فبعد أن يستنفذ القاضي المدني جميع مراحل التكييف للحكم المدني الذي استعمل فيه ملكاته الذهنية بشكل منظم ووصوله إلى تكوين اقتناعه الوجداني ليصل لليقين القضائي في حالة المعروضه امامه، فإنه يصل إلى مرحلة مهمة وأساسية تتعلق بكتابة الحكم وصياغته القانونية التي تعبر عن محصلة جميع المراحل التي استخدم فيها القاضي المدني جميع ملكاته الفكرية .

الخاتمة

بعد أن وصلنا إلى خاتمة أطروحتنا لابد لنا أن نوضح أهم النتائج والتوصيات التي تم

التوصل إليها وهي الاتي.

اولاً: الاستنتاجات

  1. توصلنا إلى أن الاستدلال المنطقي في تكييف الوقائع وفقاً للاستدلال المنطقي بأنه( محصله علمية عملية جازمه عن طريق نشاط القاضي الفكري القائم على مناهج الاستدلال لاستخراج شيء مجهول من شيء معلوم طيلة نظره للدعوى المدنية وحتى اصدار الحكم فيها).
  2. إن القاضي يستخلص وقائع الدعوى من أقوال الخصوم ومذكراتهم ومستنداتهم من المصادر الموجود فعلاً في أوراق الدعوى وتؤدي تحليلاً عملياً ومنطقياً لتلك الوقائع متبع في ذلك مناهج الاستدلال المنطقي.
  3. وصلنا إلى أن التكييف عملية قانونية تقتضى جهداً قانونياً ومنطقياً من القائم بها وفهم دقيق لوقائعها ومن ثم الخطأ في التكييف يعد خطأ في مسائل القانون يخضع للرقابة ويعرض الحكم الصادر نتيجة الخطأ في التكييف للطعن وهو ما أكدته التطبيقات القضائية في العراق ومصر وفرنسا.
  4. للتكييف القانوني للوقائع أثر على مراحل إصدار الحكمـ فمن المعلوم أن القاضي قبل إصدار الحكم يقوم بتحديد القاعدة القانونية ثم تكييف الواقعة والمرحلة الأخيرة هي تطبيق القاعدة القانونية على الواقعة المعروضة عليه ومن ثم اتضح لنا أن خطأ القاضي في المرحلتين الأخيرتين يشكل خطأ تطبيق القانون مما يعرض الحكم القضائي المدني للنقض.

ثانياً: المقترحات

1- نلاحظ أن المشرع العراقي حــدد عنصـر الواقـع فـي الـدعوى المدنيـة وفـق المـادة ( 46 ) مـن قانون المرافعات المدنيـة مـع وقـائـع الـدعوى وأدلتهـا وطلبـات المـدعي وأسانيده، وقـد أهمـل الوقائع التي يقدمها المدعى عليـه التـي تمـثـل جـزء مـن عنصـر الواقـع الـذي بنـي عليـه القاضـي المدني قناعتـه، لذا ندعو المشرع العراقـي إلى أضـافة الوقائع التي يقدمها المدعى عليـه إلى عنصـر الواقـع علـى غـرار القانون الفرنسي، الذي ينص على أن العنصـر الواقع يشمل عليه في المادة(4) من قانون المرافعات الفرنسي وقائع المدعي والمدعى عليه.

2- نقترح ان يضاف إلى قانون المرافعات النص الاتي( يجوز للقاضي ان يستند في حكمه على الوقائع الواردة في الدعوى حتى وان لم يتمسك بها الخصوم لتأييد طلباتهم أو دفوعهم ) ذلك دعماً للدور الايجابي للقاضي.

3- تحديد الإطار القانوني العام لنطاق حرية القاضي المدني في تكوين قناعته وفقاً للاستدلال المنطقي وبالشكل الذي لا يؤثر على حرية القاضي في تكوين قناعتـه للوصول إلى التكييف القانوني الصحيح للواقعة محل الدعوى المدنية بعد استقراء العناصر المعروضة عليه ليصل إلى الصورة الحقيقية للواقعة التي تتمخض عنها واخضاعها للنموذج القانوني الذي ينطبق عليها.

4- ضرورة دراسة امكانية درج الاستدلال المنطقي ضمن المناهج الدراسية في الدراسات المتخصصة للقضاة وأعضاء الادعاء العام لأهمية القصوى في مسألة بناء الحكم القضائي المدني.

المصادر والمراجع

  1. الإصدار المدنيـ عام2005ـ ج1ـ مركز الحسني للدراسات والاستشارات القانونية والمحاماةـ بلا مكان نشرـ بلا سنة نشرـ
  2. د . حسون عبيد هجيج ومنتظر فيصل كاظمـ سلطة المحكمة في التكييف القانوني للدعوى الجزائية، ط1ـ مكتبة السنهوريـ بغدادـ 2015ـ.
  3. د. عيد محمد القصاص، التزام القاضي باحترام مبدأ المواجهةـ دار النهضة العربيةـ بالقاهرةـ 1994ـ.
  4. د. فايز محمد حسينـ دور المنطق القانوني في تكوين القانون وتطبيقهـ بلا طبعةـ دار المطبوعات الجامعيةـ الاسكندريةـ 2011ـ
  5. د. محمد أحمد الامينـ الاحكام القضائية المدنيةـ بلا طبعةـ مطبعة العانيـ بغدادـ 2017ـ
  6. د. محمد زكي أبو عامرـ شائبة الخطأ في الحكم الجنائيـ بلا طبعةـ دار الجامعة الجديدةـ الاسكندريةـ 2011ـ
  7. د. مصطفى أبراهيم الزلميـ معين القضاة لتحقيق العدل والمساواةـ ط1ـ منظمة نشر الثقافة القانونيةـ أربيلـ 2008ـ
  8. د. مصطفى كيرةـ التكييف القانونيـ بحث منشور في المجلة العربية للفقه والقضاءـ العدد11ـ ابريل نيسانـ 1992ـ.
  9. د. منصور حاتم محسن ود.هادي حسين الكعبيـ لأثر الإجرائي للواقع والقانون في تحديد وصف محكمة التمييزـ بحث منشور في مجلة المحقق الحليـ جامعة بابلـ المجلد (1)ـ العدد(1)ـ 2009ـ
  10. د.هشام على صادق، تنازع القوانينـط3ـ منشأة المعارفـ الاسكندريةـ 1974ـ
  11. ضياء شيت خطاب، سلطة القاضي في تكييف وقائع الدعوى المدنية، القضاء، بحث منشور في مجلة حقوقية فصلية، العدد الأول والثاني والثالث والرابع، مطبعة الشعب، بغداد، ۱۹۸۲.
  12. طعن 261 س39 ق.بتاريخ 29 /4/ 1974 اشار اليه : د. انور طلبةـ الطعن بالنقض بالمواد المدنية والتجاريةـ بلا طبعةـ منشأة المعارفـ الاسكندريةـ بلا سنة نشرـ
  13. طه خضير القيسيـ حرية القاضي في الاقتناع ـ ط1ـ دار الشؤؤن الثقافية العامةـ بغدادـ 2001ـ
  14. قرار محكمة التمييز المرقم ٢٢١ / هيئة موسعة اولى 1981 الصادر في 25/7/ 1۹۸۱. اشار اليه: ضياء شيت خطاب، فن القضاء،، ص 60
  15. قرار محكمة التمييز رقم 164/ هيئة العامة /1971/ في 8/4/ـ نقلاً من : د. أحمد عزيز جايدـ دور القاضي في اثبات الدعوى المدنيةـ بلا طبعةـ موسوعة القوانين العراقيةـ بغدادـ 2011ـ ص12.
  16. قرار محكمة النقض المصرية / الدوائر المدنية طعن رقم ١٠٩٧٦، سنه 84ـ في 21/9/2017 القرار متاح على الموقع الالكتروني لمحكمة النقض المصريةWWW.cc.gov.eg تاريخ الزيارة 10/7/2023.
  17. المادة (12) من قانون المرافعات المدنية الفرنسي الفقرات(1ـ2ـ4).
  18. المادة 141ـ 142ـ 143 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل
  19. المادة 187/بـ 224/أـ 229 من قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي النافذ رقم ٢٣ لسنة 1971 المعدلـ تقابلهما المادة ( ۳۰۸ ) من قانون الاجراءات الجنائية المصري رقم 150 لسنة 1950 المعدل.
  20. محمد العشماوي ود. عبد الوهاب العشماويـ قواعد المرافعات في التشريع المصري والمقارنـ بلا طبعةـ بلا مكان نشرـ 2006ـ
  21. مستاري عادلـ المنطق القضائي ودورة في ضمان سلامة الحكم الجزائيـ أطروحة دكتوراهـ جامعة محمد خيضر- بسكرةـ الجزائرـ 2011.
  22. نقض 25/2/ 1976ـ طعن 131 لسنة 40 قضائيةـ مج س27ـ نقلاً عن : سيد حسن البغالـ المطول في الاثباتـ مج2ـبلا طبعةـ الناشرون المتحدونـ القاهرةـ بلا سنة نشرـ
  23. نقض مدني رقم10976ـسنة 84ـ جلسة 21/6/ 2017ـ متاح على الموقع الالكتروني لمحكمة النقض المصرية WWW.cc.gov.eg تاريخ الزيارة 10/7/2023.
  24. نقض مدنيـ الطعن 758 لسنة 49قـ29/1/ 1985ـ منشور في مجموعة : عبد المنعم الحسنيـ الموسوعة الماسية للقواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض المصرية منذ إنشائها عام 1931
  25. هدى سالم محمد الأطرقجيـ التكييف القانوني للجرائم في قانون العقوبات العراقي (دراسة مقارنه)ـ اطروحة دكتوراه مقدمة إلى مجلس كلية القانون –جامعة الموصلـ2000ـ
  26. Art 12 ( ( 1 – est tenx de trancher Le Litige Conformement aux regles de droit Lui sont applicables . 2- doit donner ou restituer Leure exacte qua Lification aux faites et actes Litigieux Sans’s arretera La denomination que Les parties en auraient propose. 4 – denasminatin ou le fondement Juridique Lorsque les partieـ en vertu d ‘ un accord expres et Pour les droitsdont ellesont la litre dispositionـ L’ ont lie par les qualificationet points de droit aux quels ells droit aux quels elles entendent Limiter le debat).
  27. cass crime – 16-2 1982 – B- C – No12.Cass crim – 23-4-1992 – B- cNo.178
  28. https://aljarida24.ma/p/actualites/222736/ اخر زيارة 5/7/ 2023.
  29. Miguenet – reflexions sur le pouvoir des parties de lier le juge par qualifications et les cart 12.a.4 . ( devenu al 3-1 ) – melanges hebraud. 1981.567. Jean points de droit Vincent et Serge Guinchardprocedure civile – dalloze 27edition – 2003 . P.539
  30. Pierre Bouzat Traite de droit penale et de criminologyـ Tome IIـ procedure penaleـ regim desmineursـ Domaine des lois penales dans le temps et dans l’espace.2 .ed.1978 .p.1447.