المضامين التربوية في آيات تثبيت النبي صلى الله عليه وسلم في سورة الأحزاب، وتطبيقاتها المُعاصرة

The Educational contents in the Verses Strengthening the Prophet Peace and Blessing be upon him in Surat Al-Ahzab and their Contemporary Applications

سارة علي سعيد دعجم1

1 كلية التربية، جامعة جدة، المملكة العربية السعودية.

DOI: https://doi.org/10.53796/hnsj65/30

المعرف العلمي العربي للأبحاث: https://arsri.org/10000/65/30

المجلد (6) العدد (5). الصفحات: 433 - 473

تاريخ الاستقبال: 2025-04-07 | تاريخ القبول: 2025-04-15 | تاريخ النشر: 2025-05-01

Download PDF

المستخلص: هدفت الدراسة إلى الكشف عن المضامين التربوية النفسية في الآيات التي ثبتت النبي صلى الله عليه وسلم في سورة الأحزاب والمخاطب بها مباشرة. ومن ثم اقتراح التطبيقات التربوية المعاصرة التي تسهم بغرس تلك المضامين في نفوس المتربين ، كما اعتمدت الباحثة على (المنهجين الوصفي والاستنباطي)، وكان من أهم نتائج الدراسة: أن القرآن الكريم هو المصدر الأول للسكينة واليقين وسلامة النفس حيث تضمنت آياته توجيهات للتعامل مع النفس ومخاوفها، وأن على المربي أن يعتني بالجانب النفسي للمتربي حيث أن سلامة النفس لها أهمية كبيرة، فهي الباعث على تغيير السلوك، والمعين على اتباع السبيل الصحيح، ومن ثم إعمار الأرض وتحقيق الخلافة فيها، ومن أهم توصيات الدراسة: ضرورة الاهتمام بالبحث التربوي النفسي في القرآن الكريم لاستنباط المضامين التربوية والقيم الأخلاقية التي تسهم في بناء المجتمع وتطويره، والاستفادة من الدلالات التربوية النفسية في قصص الأنبياء لتربية أجيال قادرة على مواجهة تحديات العصر والمساهمة في خدمة الدين والمجتمع.

الكلمات المفتاحية: المضامين التربوية، الأحزاب، النفسية، مضامين نفسية، تثبيت النبي، دلالات تربوية.

Abstract: The study aimed to uncover the psychological and educational meanings found in the verses of Surah Al-Ahzab that provided direct support and reassurance to the Prophet Muhammad (peace be upon him). It also sought to propose contemporary educational applications that help instill these values in learners. The researcher adopted both the descriptive and deductive methodologies. One of the main findings of the study was that the Holy Qur’an is the primary source of tranquility, certainty, and psychological well-being. Its verses include guidance on how to deal with the self and its fears. The study emphasized that educators must give special attention to the psychological aspect of learners, as mental well-being plays a crucial role—it motivates behavioral change, supports adherence to the right path, and ultimately contributes to the development of the Earth and the fulfillment of human responsibility as vicegerents on it. Among the most important recommendations was the need to focus on psychological and educational research within the Qur’an to extract values and meanings that contribute to building and developing society, and to benefit from the psychological-educational implications in the stories of the prophets to raise generations capable of facing modern challenges and serving religion and society.

Keywords: Educational implications, Al-ahzab, psychological, psychological implications, strengthening the Prophet, educational significations.

المقدمة:

الحمد لله القائل (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) [سورة الملك:14]، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، المبعوث رحمةً للعاملين، ثم أما بعد.

اعتنت التربية الإسلامية بالإنسان من جميع النواحي البدنية والعقلية والروحية، حيث جمعت بين تقوية الجسم وتثقيف العقل وتصفية الروح وتهذيب النفس، فالتربية في نظر الإسلام تعني أن ينشأ الفرد تنشئة متوازنة سليمة، لكي يصبح إنساناً متكاملاً، كما وقد أولت التربية الإسلامية اهتماماً كبيراً بالجانب النفسي للفرد والمجتمع المسلم، حيث عدّت (النفس) إحدى الضروريات الخمس التي ينبغي الحفاظ عليها وهي : حفظ الدين وحفظ النفس وحفظ العرض وحفظ المال والعقل، وبينت سُبل تحقيق ذلك، “حفظت الشريعة هذه الضروريات من جانب الوجود، وذلك بشرع التكاليف التي تقيم أركانها وتثبت قواعدها، كما حفظتها من جانب العدم؛ وذلك بشرع ما يدرأ عنها الاختلال الواقع أو المتوقع فيها” (الشاطبي، 1417، ج2، ص8).

فحفظ النفس مقصد شرعي من أجل كفاءة الأداء لمهمة الخلافة في الأرض، وحفظ النفس إنما يكون بالحفظ المادي والمعنوي، فحفظها كلٌّ متكامل، يقتضي الحفاظ على الجسد والروح، “وحفظ النفس مقصد من مقاصد الشريعة يتعلق بمجمل الكينونة الإنسانية بعناصرها المختلفة … وبما أن الإنسان جسم وروح، وتكليفه بمهمة الخلافة إنما هو تكليف بحسب هذا التكوين المزدوج، فإن اعتبار القوة في ذاته والضعف فيها يشمل العنصرين معاً” (النجار،2008،ص115). فالحفاظ على صحة الجسد هو (الحفظ الماديّ) وذلك بالحرص على صحته وسلامته بالغذاء السليم والدواء، والحفاظ على نوعه بالزواج، وتنفيذ حكم القصاص وغيرها، وحفظ الروح هو (الحفظ المعنوي) وذلك بتجنيب النفس الخوف والحزن والشعور بالمهانة أو الاستعباد وغيرها، وصلاح الفرد والمجتمع إنما يكون بالعناية بالجانبين معاً، “كيف يمكن لإنسان هدّ روحه الحزن أو الخوف أو الشعور بالمهانة أو بالاستعباد أن يكون قادراً على أن ينطلق في الأرض يعمرها باكتشاف آفاقها والوقوف على سننها وقوانينها، … ولذلك فقد من الله تعالى على قريش بأن حفظهم في أجسامهم من الجوع كما حفظهم في أرواحهم من الخوف، فاستطاعوا بهذا الحفظ المزدوج للنفس مادياً ومعنوياً أن يضربوا في الأرض برحلة الشتاء والصيف، وهو ضرب من التعمير الذي لا يتم إلا بحفظ النفس حفظاً مادياً ومعنوياً”. (النجار، 1429، ص122).

وقد بين القرآن الكريم ماهية النفس وكيف يكون تقويمها وتزكيتها؛ وذكر أنواع الأنفس الثلاثة: اللوامة والأمارة بالسوء والمطمئنة، وكيف يكون التعامل معها؛ حتى يخلق الفرد شخصية “متوازنة انفعالياً وعقلياً وسلوكياً، ليكون منتجاً وفاعلاً في مجتمعه، ومعالجة أي بوادر لجنوح نفسي كالعزلة والانطواء والاعتداء، بأساليب حكيمة حتى لا يستحكم ويستفحل ضررها” (الديوبي،2010). وذلك على المستوى الشخصي، أما على مستوى حفظ النفس مع الجماعة، فقد بيّنت التربية الإسلامية حقوق الأفراد والجماعات، والواجبات المطلوبة منهم، وكيفية التعامل فيما بينهم، وذلك “بالتحكم بالانفعالات كالحب والكره والحزن والخوف والغضب” (جرادات، 1436). فَحرّم بعض الأفعال كالغيبة والنميمة والغش، وحثّ على الرفق واللطف والتبسم وطيب الكلام، وأرسى روابط التنشئة الاجتماعية، والمحافظة على بقائها، وحمايتها مما يؤذيها أو يؤدي لتفككها وزوالها، ودعا إلى التعاون والتواصل وكظم الغيظ ومقابلة الإساءة بالإحسان وإغاثة الملهوف وإجابة الدعوة وتفريج الكُرب، ونصرة المظلوم ،وتعزية المصاب، وغيرها.

وتنزلت آيات القران الكريم مفرقةً حسب الأحداث والوقائع على مدار ثلاث وعشرين سنة، ففي العهد المكي كانت آيات القرآن الكريم تُركّز على تقرير التوحيد والعقيدة السليمة، وكانت تُثبِّتُ النبي ﷺ وتواسيه وتشد من أزره وتذكّره بأحوال الأنبياء من قبله (ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبأ المرسلين ([سورة الأنعام : 34 ] . ثم انتقلت الآيات بعد ذلك في العهد المدني، فبعد أن تقررت العقيدة الصافية في نفوس المؤمنين توجه الخطاب القرآني لتربية النفوس المؤمنة، حيث جاءت آيات التربية الأخلاقية، والتربية النفسية، والتربية السلوكية ، والتربية الوجدانية وغيرها، وهي تربية متدرجةٌ متناسبةٌ مع طبيعة النفس البشرية، تربية واقعية متماشية مع الأحداث والنوازل، لتربي الروح والجسد، قال تعالى: ( ونفس وما سواها ([سورة الشمس : 7] . وقد “نظّمت العلاقة بين الخلق فيما بينهم ومع أنفسهم على السواء، فالبشر فيما بينهم سواءً كانوا أفراداً وجماعات تربطهم علاقات التواصل والزيارات، فكان للمنهج القرآني أدب وبيان” (الجار الله، 1435) ، وقد وصفه الله القرآن الكريم بقوله: (هدى للناس) [البقرة:175]، فبه يكون الاهتداء ومداواة النفوس ومعرفة كوامنها، كيف لا وهو من الله تعالى، الأعلم بما يصلح لعباده، وإن “أعلى مستوى في التربية والتأديب: هو ما يكون من الحق عز شأنه؛ لأنه العليم بسرائر النفوس وخباياها” (الجار الله، 1435). قال الله تعالى: (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) [سورة الملك:14].

ومن أبرز السور القرآنية التي ورد فيها الكثير من مجالات التربية سورة الأحزاب، حيث احتوت على توجيهات في (التربية العقدية، والإيمانية، الأخلاقية، الاجتماعية، والسياسية، والنفسية) وغيرها، حتى تُقَوّي شخصية المسلم القادر على القيام بالخلافة والتمكين في الأرض، الذي “كرّمه الله بتكليفه حمل هذه الرسالة، وأداء هذه الأمانة لترفعه من حضيض الفساد، وبؤر التمزق والضعف إلى أوج القوة والسلامة النفسية والرضا (الخطيب، 1425) ” وقد جاء تذكير المؤمنين بعظم الأمانة الملقاة على عاتقهم في آخر سورة الأحزاب في قوله تعالى:) إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا ( [الأحزاب : 72].

وقد جاءت سورة الأحزاب لتواسي وتُصَدِّق وتُثَبِّتَ النبي ﷺ، فتميزت بعنايتها بمقام النبي ﷺ، حيث ورد فيها ذكر الرسول ثلاثين مرة بالصيغ الثلاثة (النبي – الرسول – محمد )، وجاء الأمر بطاعته والنهي عن معصيته خمس مرات، وذكرت مشاعره التي كان يخفيها عن الناس في ستة عبارات هي: [تخفي في نفسك] ، [تخشى الناس] ، [يؤذي النبي]، [يستحي منكم ]، [يؤذون الله ورسوله]، [ما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه]، ورَفَعَت الحَرج عنه في أربع آيات، وهذا كله وغيره إنما جاء نصرةً له ، ومساندة له، ولإيصال مشاعره التي كان يستحي من إظهارها، “فالحياء الذي يمنع نبيه محمد عن إظهار مشاعره تجاه ما يمر به من مواقف تكفَّل الحَقُ تبارك وتعالى ببيانه، فهو العليم بخلجات النفس ومكامن الصدور”(الجار الله،1435). وتوجهت بالخطاب التربوي للصحابة وخصّت بيت النبي ﷺ وزوجاته، ثم المؤمنين والمؤمنات

ولغزارة التوجيهات التربوية في سورة الأحزاب ولأهمية التربية النفسية في بناء شخصية الفرد المسلم، تناولت الدراسة المضامين التربوية في آيات تثبيت النبي ﷺ في سورة الأحزاب، وتطبيقاتها المعاصرة، وستقتصر الدراسة على المضامين النفسية.

مشكلة الدراسة:

تُعد المشاعر والعواطف أمران ضروريان لبناء الشخصية السوية، فهي التي تكوِّن نفسه، وتبني شخصيته، فإن أخذُها بشكل متوازنٍ؛ فسيكون إنساناً سويًّا في مستقبله، وفي حياته كلها، وإن أخذها بغير ذلك -زيادةً أو نقصانًا- فسيكون أثرها عليه أثراً غير محمود، فالزيادة تجعله مدللاً، لا يقوم بتكاليف الحياة بجد ونشاط، ونقصانها يجعله عنيفًا مع من حوله.

وطبيعة حياة الإنسان تحيط بها مشاعر يأس وقنوط، قد تؤثر عليه وتهوي به إلى أسوأ الأحوال “وهو بذلك بأمس الحاجة إلى من يكشف عنه البلاء ويعالج الداء ويخلصه من الإحباط واليأس، ويجيب دعوته ويقبل توبته، وعندما يعلم المؤمن أن هذا من صفات الله فهو القريب المجيب، الذي يجيب المضطر إذا دعاه وينصف المظلومين ويستجيب للتائبين فيطمئن قلبه وينشرح صدره وتسكن نفسه”(شويطر،1422)، وقد تكون المشاعر والانفعالات ظاهرة كالغضب و الفرح وقد تكون خفية كالحزن وكظم الغيظ والمداراة، “وهذه المشاعر وإن كانت خفية؛ إلا أن القرآن لم يغفلها؛ بل حث على إعطائها حقها من التنفيس أو المراعاة أو التخفيف من حدة وطأتها على النفس” (المولد،1442).

كما ذكرت منظمة الصحة العالمية أن الاضطراب النفسي يؤثر على شخص واحد من كل 8 أشخاص في العالم، وتنطوي الاضطرابات النفسية على اختلالات جسيمة في التفكير أو ضبط المشاعر أو السلوك، وبينت المنظمة أن المصابين بالاضطرابات النفسية يحتاجون إلى دعم اجتماعي يشمل الدعم في إقامة وصون العلاقات الشخصية والأسرية والاجتماعية، وذكرت أن عام 2020 شهد ارتفاعاً كبيراً في عدد من يعانون من اضطرابات القلق والاكتئاب بسبب جائحة كوفيد-19، حيث تُبَيّن التقديرات الأولية زيادة في اضطرابات القلق بنسبة 26٪ واضطرابات الاكتئاب الرئيسية بنسبة 28٪ خلال عام واحد فقط. (موقع منظمة الصحة العالمية، 2022)، “وما الفوضى الأخلاقية الضاربة في العالم وما التمزق الشبابي الذي يسود المجتمعات “المُتحضرة” إلا نتيجة مباشرة للسلبية والفراغ العقدي الذي لا يغني عنه غناء في بناء ذاتية الشباب وتزكية أرواحهم وتنقية نفوسهم من أوضار الحياة ومزالق الشيطان” (سبع، 1393).

وقد جاء القران ليدعو الى تزكية النفس وتعليق القلب بالله وتفويض الأمر إليه، فمع تقلب الأحوال وسرعة وتيرة الحياة تأتي التربية الإسلامية مطمئنةً للمسلم، تدعوه إلى الرضا بما قضاه الله وقدره، وتُذَكِّرُه بالاستعانة بالله القوي فيلتجأ إليه ويطلب المعونة منه، وإن الفرد المسلم ليتميز بثباته وسكينته عند المصائب والأزمات، قال الله تعالى: (ألا بذكر الله تطمئن القلوب) [سورة الرعد:28].

ومما أوصى الدكتور عبد الرزاق الحمد في ندوة التأصيل الإسلامي للعلوم والمنهج إلى البحث في نظرة الإسلام للنفس البشرية وتكوينها، وكيف ينظر الإسلام للعاطفة والمشاعر والهوى والشهوة، لتخرج لنا نظريات وتصورات إسلامية عن النفس من العلوم الشرعية. (الزنيدي،2000)، وفي نفس السياق أوصت دراسة (شواهنة،1443) بتوجيه الباحثين للقيام بالمزيد مِن البحوث العلمية حول موضوع المشاعر النفسية في القرآن الكريم والسنّة الصحيحة؛ وذلك لإظهار مراعاة الإسلام للجانب الشعوري عند الإنسان، واستنباط الأُسس الإسلامية في التعامل مع المشاعر الإنسانية. وقد أوصت دراسة (المولد،1442) بدراسة الآيات القرآنية التي وردت فيها قواعد مراعاة المشاعر من خلال ما دلت عليه.

وبناءً على ما ذُكر ولوجود الحاجة إلى أساليب تطبيقية للوصول للصحة النفسية، جاءت هذه الدراسة لتكشف عن المضامين التربوية النفسية في آيات تثبيت النبي ﷺ في سورة الأحزاب وتطبيقاتها المعاصرة.

وفي ضوء ما سبق فإن التساؤل الرئيس للدراسة هو ما المضامين التربوية في آيات تثبيت النبي ﷺ في سورة الأحزاب، وتطبيقاتها المعاصرة؟

ويتفرع عنه الأسئلة الفرعية الآتية:

  1. ما المضامين التربوية النفسية في آيات تثبيت الرسول ﷺ في سورة الأحزاب المخاطب بها مباشرة؟
  2. ما التطبيقات المعاصرة لمضامين آيات تثبيت الرسول ﷺ في سورة الأحزاب المخاطب بها مباشرة؟

أهداف الدراسة:

تهدف الدراسة إلى بيان:

  1. المضامين التربوية النفسية في آيات تثبيت الرسول ﷺ في سورة الأحزاب المخاطب بها مباشرة
  2. التطبيقات المعاصرة لمضامين آيات تثبيت الرسول ﷺ في سورة الأحزاب المخاطب بها مباشرة

أهمية الدراسة:

تنطلق أهمية الدراسة مما يأتي:

  1. الإسهام في تأصيل العلوم النفسية، وإفادة المؤصلين التربويين الإسلاميين، وذلك من خلال دراسة التوجيه التربوي الإسلامي للتعامل مع المشاعر الإنسانية من القرآن الكريم.
  2. تزويد مصممي مقررات التفسير بدلالات تربوية نفسية من القرآن الكريم.
  3. إفادة المربين بأساليب تربوية تراعي المشاعر وطبيعة النفس البشرية، خصوصاً وسورة الأحزاب كان الخطاب التربوي فيها مباشرة من الله تعالى؛ وهو العليم بسرائر النفوس وخباياها وما يصلح لها.
  4. تزويد المعلمين بمبادئ وأفكار وتوجيهات تراعي النفس البشرية وتقلباتها لتفعيلها في العملية التعليمية.
  5. فتح الآفاق للمختصين بالإرشاد النفسي والعلاج السلوكي وغيرها من أجل البحث والتقصي عن دلالات ومضامين نفسية في القرآن الكريم.

حدود الدراسة:

ستقتصر الدراسة على دراسة المضامين التربوية (النفسية) في آيات سورة الأحزاب التي عنيت بتثبيت النبي ﷺ؛ سواءً أكان ذلك بالثناء عليه، أو تبيين مقامه الشريف، أو تأييده وتصديقه، أو الدفاع عنه، أو رفع الحرج عنه أو الحديث عما كان يخفيه في نفسه بصيغة صريحة أو ضمنية، وآيات تثبيت الرسول ﷺ وتأييده في سورة الأحزاب كثيرة، تزيد على ثمان عشرة آية ،وقد اقتصرت الدراسة على الآيات التي وجه فيها الخطاب إلى الرسول ﷺ، وهي في 7 مواضع:

  1. (يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين ۗ إن الله كان عليما حكيما (1) واتبع ما يوحىٰ إليك من ربك ۚ إن الله كان بما تعملون خبيرا (2) وتوكل على الله ۚ وكفىٰ بالله وكيلا (3)) [سورة الأحزاب:1-3]
  2. (وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسىٰ وعيسى ابن مريم وأخذنا منهم ميثاقا غليظا ) [سورة الأحزاب:7]
  3. (ياأيها ٱلنبي قل لأزۡوٰجك إن كنتن تردۡن ٱلۡحيوٰة ٱلدنۡيا وزينتها فتعاليۡن أمتعۡكن وأسرحۡكن سراحٗا جميلٗا (28) وإن كنتن تردۡن ٱلله ورسولهۥ وٱلدار ٱلۡأٓخرة فإن ٱلله أعد للۡمحۡسنٰت منكن أجۡرا عظيمٗا) [سورة الأحزاب:28-29]
  4. (وإذۡ تقول للذيٓ أنۡعم ٱلله عليۡه وأنۡعمۡت عليۡه أمۡسكۡ عليۡك زوۡجك وٱتق ٱلله وتخۡفي في نفۡسك ما ٱلله مبۡديه وتخۡشى ٱلناس وٱلله أحق أن تخۡشىٰهۖ فلما قضىٰ زيۡدٞ منۡها وطرٗا زوجۡنٰكها لكيۡ لا يكون على ٱلۡمؤۡمنين حرجٞ فيٓ أزۡوٰج أدۡعيآئهمۡ إذا قضوۡا منۡهن وطرٗاۚ وكان أمۡر ٱلله مفۡعولٗا ﴿37﴾ ما كان على ٱلنبي منۡ حرجٖ فيما فرض ٱلله لهۥۖ سنة ٱلله في ٱلذين خلوۡا من قبۡلۚ وكان أمۡر ٱلله قدرٗا مقۡدورا ﴿38﴾)[سورة الأحزاب: 37-38]
  5. (يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا (45 ) وداعيا الى الله بإذنه وسراجا منيرا (46) وبشر المؤمنين بان لهم من الله فضلا كبيرا (47) ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع اذاهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا (48) [سورة الأحزاب:45-48]
  6. (يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم لكيلا يكون عليك حرج ۗ وكان الله غفورا رحيما (50)  ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء ۖ ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك ۚ ذٰلك أدنىٰ أن تقر أعينهن ولا يحزن ويرضين بما آتيتهن كلهن والله يعلم ما في قلوبكم ۚوكان الله عليما حليما (51) لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن إلا ما ملكت يمينك وكان الله علىٰ كل شيء رقيبا ([سورة الأحزاب:50-52]
  7. (يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ۚ ذٰلك أدنىٰ أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما 59) [سورة الأحزاب:59]

منهج الدراسة:

اعتمدت الدراسة على المنهجين (الوصفي والاستنباطي)، ويعرف المنهج الوصفي بأنه: عبارة عن وصف ما هو كائن ثم تفسيره وتحليله، ويعرف بأنه وصف الظاهرة التي يريد دراستها وصفاً دقيقاً، وهو يعتمد على دراسة الواقع، ويعبر عنها تعبيراً كيفياً أو تعبيراً كمياً. (عبيدات وآخرون، 1418، ص223).

والمنهج الاستنباطي يُعرف بأنه: ” الطريقة التي يقوم فيها الباحث ببذل أقصى جهد عقلي ونفسي عند دراسة النصوص؛ بهدف استخراج مبادئ تربوية مدعمة بالأدلة الواضحة” (فودة وعبد الرحمن، 1407، ص43) وقد استخدمت الباحثة هذان المنهجان في استنباط المضامين التربوية من آيات تثبيت الرسول ﷺ الواردة في سورة الأحزاب.

مصطلحات الدراسة:

  1. (النفس)

النفس لغة : قال أبو إسحاق:  النفس في كلام العرب يجري على ضربين: أحدهما قولك: خرجت نفسه، أي روحه، والضرب الثاني: معنى النفس فيه جملة الشيء وحقيقته. والنفس:  الإنسان جميعه، روحه وجسده، كقولهم:  عندي ثلاثة أنفس، وكقوله تعالى:  (أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله) [الزمر:56]، قال السهيلي في الروض: وإنما اتسع في النفس وعبر بها عن الجملة، لغلبة أوصاف الجسد على الروح حتى صار يسمى نفساً، وطرأ عليه هذا الاسم بسبب الجسد، كما يطرأ على الماء في الشجر أسماء على حسب اختلاف أنواع الشجر، من حلو وحامض ومر وحريف، وغير ذلك. (الزبيدي، 1422،[16/570]،9)

النفس اصطلاحاً: عرّفها (جرادات،1436) بأنها “المركب الازدواجي بين الجسد والروح قال تعالى: (فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين) [سورة الحجر: 29] وبهذه الازدواجية في الأصل التكويني للنفس من اقتران الجسد بالروح، تصدر الأفعال، أو دعنا نسميها ” السلوك الإنساني”.

مصطلح النفس في علم النفس الإسلامي:

علم النفس الإسلامي لا يعمل على مستوى الروح، لأن الروح من أمر ربي وإنما يعمل على مستوى النفس والقلب والعقل. وقد يطلق عليها جميعها لفظ (النفس) تغليباً. كما يقال القمرين للشمس والقمر، وهو مستعمل لغة، ويكثر جداً استعمال مصطلح قلب أيضاً كذلك، واهتمام علم النفس الإسلامي يكون بالظواهر والحركة والأحوال الناشئة من العقل والقلب والنفس، فالنفس هو كامل (الجزء المعنوي) من الانسان، دون الجزء المادي. فالنفس هنا مجموع مركب من (العقل والقلب والنفس) مرة أخرى بمعناها الخاص. وهذا التفصيل يوضح سبب شمول مفهوم علم النفس الإسلامي واتساعه أكثر من علم النفس الغربي. لأنه يتناول الظواهر الدينية والأخلاقية وغيرها، والمسلم يجمع بين الغيب والشهادة وبين المادي والمعنوي. (الجابر،1438(.

التربية النفسية:

عرّفها (الزهراني، د.ت ) بأنها “الانفعالات والاتجاهات والميول التي تُكوّن القيم وتحدد سلوك الفرد”.

التعريف الإجرائي للمضامين التربوية النفسية:

(هي القيم، والتوجيهات، والآداب التربوية، التي اهتمت بكل ما يتعلق بالنفس الإنسانية من مشاعر وانفعالات ودوافع؛ لتحدد سلوك الفرد وترقى بتعامله مع نفسه ومع الآخرين، والمستنبطة من آيات تثبيت النبي ﷺ في سورة الأحزاب)

  1. (تثبيت)

يقال: ثبَّتُّهُ، أي: قوّيته، قال الله تعالى: ﴿ولولا أن ثبّتناك﴾ [الإسراء : 74]. (الأصفهاني، 1412، 171)

ثبت: ثَبَتَ الشيء يثبُتُ ثَباتاً وثُبوتاً فهو ثابتٌ وثَبِيتٌ وثَبْتٌ، وأَثْبَتَه هُوَ، وثَبَّته بِمعْنىً. ويقال: ثَبَتَ فلانٌ في المكان يَثْبُتُ ثُبوتاً، فهو ثابتٌ إذا أقام بِهِ. (ابن منظور، 1414، [2/19])

الثبات والثبوت: ضد الزوال. فإن تقوية الشيء يثتبه ولا يزيله. ومنه: ﴿فثبتوا الذين آمنوا﴾[الأنفال: ١٢]؛ ألا ترى كيف قابله بقوله: ﴿سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب﴾ [الأنفال: ١٢] وقوله: ﴿وتثبيتًا من أنفسهم﴾ [البقرة: ٢٥٦] أي طمأنينة لا قلق ولا تزلزل معها. ومثله قوله: ﴿وثبت أقدامنا﴾[البقرة: ٢٥٠] (الحلبي،1417، [1/273])

ومنه الثبوت في المكان رسوخًا حقيقيًّا: ﴿كشجرة طيبة أصلها ثابت﴾[إبراهيم: ٢٤] واستعمل في الثبات النفسي وما هو من بابه: ﴿لنثبت به فؤادك﴾ [الفرقان: ٣٢]، بمعنى تسكين القلب – ونظيره: ﴿ولكن ليطمئن قلبي﴾ [البقرة: ٢٦٠]، ومثلها (ما نثبت به فؤادك) [هود ١٢٠]، (ولولا أن ثبتناك) [الإسراء: ٧٤]، وربما (يثبت الله الذين أمنوا) [إبراهيم: ٢٧]، (ليثبت الذين آمنوا) [النحل: ١٠٢] (جبل،1431، [1/229]). وتلتقي المعاني السابقة في دلالتها على الرسوخ والثبات وعدم التغير.

التعريف الاجرائي لتثبيت الرسول ﷺ :

المقصود بتثبيت الرسول ﷺ: مساندته، وطمأنته، وتسكين قلبه بأي أسلوب وطريقة، وذلك بعدة أمور منها: توضيح ما يجول في نفسه، أو بالدفاع عنه، أو بأسلوب فيه تصديق من الله عزّ وجل له، أو أمر الصحابة بطاعته، والنهي عن مخالفته، وتوجيه من هم حوله من زوجات وبنات وصُحبه إلى امتثال القيم العليا التي تتناسب مع شرف مصاحبته ومقامه عليه الصلاة والسلام وغير ذلك.

الدراسات السابقة:

دراسات سورة الأحزاب:

  1. دراسة (السعدي، 1442)، بعنوان ” أبعاد التربية الأخلاقية في التشبيهات القرآنية: سورة الأحزاب أنموذجا”

هدفت الدراسة إلى بيان جانب من التربية الأخلاقية في القرآن الكريم، مع بيان بلاغة القرآن، وذلك من خلال دراسة ست آيات في سورة الأحزاب تشتمل على تشبيهات قرآنية، لاستنباط أبعادها التربوية ومدلولاتها الإيمانية؛ وقد استخدم الباحث المنهج الاستقرائي والمنهج التحليلي، ومن أبرز النتائج: أن القرآن الكريم في مجمله يحمل قيماً تربوية أخلاقية؛ تطهر النفس وتزكيها؛ وتسدد العقل البشري وتجعله دائماً يقظاً واعيًا، ومنها: أن القرآن الكريم يشتمل على مجموعة من الأساليب المتنوعة، والطرائق المثلى بهدف غرس القيم وتعزيز مكارم الأخلاق؛ ومن ذلك أسلوب التشبيه والذي يعتبر من الأساليب الفريدة في التربية الأخلاقية في القرآن الكريم وتعزيز القيم والمفاهيم السامية بأسلوب بياني راقي.

  1. دراسة (بولقصاع، 1431)، بعنوان “النبي ﷺ في ضوء سورة الأحزاب: دراسة موضوعية”

هدفت الدراسة إلى الإجابة عن الأسئلة التالية : ما قدر النبي ﷺ عند الله؟ وبين إخوانه من الأنبياء؟ ما حقوقه؟ ما الأحكام الخاصة به؟ ما أخلاقه؟ وقد استخدم الباحث المنهج (الاستقرائي والأسلوب التحليلي)، ومن أبرز النتائج: أن سورة الأحزاب من السّور التي عنيت ببيان قدر النبي ﷺ ، وإن الإساءة إليه والسخرية منه لن تنقص من قدره مهما بلغت، وتوعد السورة لهؤلاء المؤذين له بسوء العاقبة.

  1. دراسة (سيت،1442)، بعنوان “المقام النبوي في ضوء سورة الأحزاب: دراسة موضوعية”

هدفت الدراسة إلى بيان عظم حق النبي ﷺ وحق آل بيته الكرام من خلال سياقات الآيات الواردة في سورة الأحزاب، وقد استخدم الباحث المنهج التحليلي، ومن أبرز النتائج: أن مقام النبي ﷺ مقام عظيم وأن الله قد فضّل زوجاته رضي الله عنهن وكرمهن بمنزلة خاصة، وتوصل إلى الموقف الحقيقي من الشبهات والافتراءات التي يُرمى بها النبي لأن الله قد نزه نبيه عليه الصلاة والسلام بقوله (وإنك لعلى خلق عظيم) فهي شهادة من الله على تنزيهه من كل نقص.

  1. دراسة (الغميز،1421)، بعنوان “التوجيهات التربوية للأسرة المسلمة من خلال سورة الأحزاب “

هدفت الدراسة إلى إبراز التوجيهات والأساليب التربوية المستنبطة من السورة وتطبيقاتها العملية في جانب الأسرة المسلمة، وقد استخدم الباحث المنهج الاستنباطي، ومن أبرز النتائج: أن سورة الأحزاب عالجت الكثير من قضايا الأسرة المسلمة، وبيّنت عظم قدر النبي ﷺ، وتوصلت إلى أهمية التوازن بين مطالب الدنيا والآخرة في حياة الأسرة المسلمة.

  1. دراسة (مشعبي، 1439)، بعنوان ” المضامين التربوية في سورة الأحزاب، دراسة موضوعية تطبيقية”

هدفت الدراسة إلى ‌بيان ‌مكانة ‌سورة ‌الأحزاب، ومقاصدها، واستنباط ‌المضامين ‌التربوية ‌من‌ السورة، من‌ خلال‌ توضيح‌ المضامين ‌التربوية ‌الإيمانية، والتعبدية، والاجتماعية‌ والسياسية، وتطبيقاتها التربوية. وقد استخدم الباحث الطريقة ‌الاستنباطية ‌التي ‌هي ‌إحدى ‌أساليب ‌المنهج ‌الوصفي، ومن أبرز النتائج: أن التربية الإيمانية ضرورة لا بد منها، إذ إنها تعين على الثبات ‌على‌ الدين‌ والإيمان، والازدياد‌ من الطاعات وتحث على مجانبة المعاصي والمنكرات، وتشجع على الزهد في الدنيا، مما يحقق به تعظيم وتوقير الرسول ﷺ و‌اتبا‌ع ‌ما جاء‌ به، وسؤال الله -تعالى- الوسيلة ‌له، واعتقاد‌ أنه بشر لا ملك ، العناية بسنته والذّب عنه، والبعد ‌عن‌ إيذاء‌ السالكين ‌لطريقه. وقد ظهرت التربية ‌السياسية في سورة الأحزاب، من خلال التحذير من العدو الخارجي الظاهر، والداخلي المانع، فلا يمكن التعامل مع هذين العدوين إلا لمن كانت له ملكة تربوية سياسية.

دراسات في المضامين النفسية:

دراسة (جرادات، 1436) المضامين النفسية في قصص القرآن

هدفت الدراسة إلى استخراج الإشارات النفسية والتربوية الواردة في آيات القصص القرآني، من خلال الاستفادة من التطور العلمي في ميادين علم النفس الموافق للمنهج الفرآني. ولم يوضح الكاتب منهجاً واضحاً لدراسته، ومن أبرز النتائج: تبين أهمية دراسة الأحوال النفسية لما لها من أثر في تربية النفس تربية سوية صائبة، حيث يمكن تربية النفس من خلال دراسة الدافعية، وبالتحكم بالانفعالات كالحب والكره والحزن والخوف والغضب.

  1. دراسة (أبو جحجوح، 1436) المضامين النفسية المستنبطة من سورة الشرح، وتطبيقاتها في الإرشاد المدرسي

هدفت الدراسة إلى استنباط المضامين النفسية من سورة الشرح وبيان تطبيقاتها في الإرشاد المدرسي، وقد استخدم الباحث المنهج الاستنباطي، ومن أبرز النتائج دعوة الباحث إلى إدخال السرور إلى نفوس الآخرين لما فيه من التقرب إلى الله ، وإزالة الهموم وأن تزامن اليسر مع العسر يؤدي إلى الاستقرار والتوازن النفسي لدى الإنسان ومساعدته على القيام بالحكمة من وراء خلقه ووجوده في الحياة الدنيا، ألا وهي عبادة الله تعالى ، وعمارة الأرض ، وخلافة الله تعالى فيها ، وأن جعل وقت الفراغ بالجوانب السلبية في الحياة يترك الإنسان عرضة للأمراض النفسية.

  1. دراسة (القيسي، 1442) التناظر في القرآن الكريم: الانفعالات النفسية والمضامين الإرشادية في سورتي طه والإنسان

هدفت الدراسة إلى التعرف على التناظر في القرآن الكريم، واستخراج المضامين الانفعالية والإرشادية في سورتين متناظرتين وهما سورتا طه والإنسان . وقد تم استخدام المنهج الاستنباطي ومن أبرز النتائج: أن سورتي طه والإنسان تناظرتا في العديد من الانفعالات ومنها: الغضب، والحزن، والخوف، والشعور بالسعادة والطمأنينة، والمضامين الإرشادية ومنها: المساندة الاجتماعية والأسرية، والثقة بالنفس، وأساليب تعديل السلوك، التعزيز، والعقاب.

التعقيب على الدراسات السابقة:

  1. أوجه الشبه: تتشابه الدراسة الحالية مع دراسة (السعدي، 2021)، (سيت،2021)، (مشعبي، 2018)، (بولقصاع، 2010)، (الغميز،2000) في دراستها لسورة الأحزاب، وتتشابه مع دراسة (السعدي، 2021)، (مشعبي، 2018)، (الغميز،2000) في المجال حيث تبحث كلها في المجال التربوي، وتتشابه مع (القيسي، 2021)، (أبو جحجوح، 2015)، (جرادات، 2015) في المجال بصفة عامة وهو المضامين النفسية من القرآن الكريم.
  2. أوجه الاختلاف: تختلف الدراسة الحالية عن الدراسات السابقة في تركيزها على الآيات التي ورد فيها تثبيت النبي ﷺ في سورة الأحزاب، بينما ركزت دراسة (السعدي، 2021)، (سيت،2021)، (مشعبي، 2018)، (بولقصاع، 2010)، (الغميز،2000) على سورة الأحزاب كاملة، ودراسة (القيسي، 2021) على سورتي طه والإنسان، و دراسة (أبو جحجوح، 2015) على سورة الشرح، وتختلف الدراسة الحالية عن دراسة (القيسي ،2021) في بحث المضامين النفسية ، بينما يبحث (القيسي ،2021) المضامين الارشادية.
  3. الاستفادة من الدراسات السابقة: تستفيد الدراسة الحالية من الدراسات السابقة في الإطار النظري، كما استفادت الدراسة الحالية من نتائج الدراسات السابقة في تدعيم مشكلة الدراسة، كما تستفيد من الدراسات الاستنباطية من القرآن الكريم ؛ مثل دراسة (القيسي، 2021) ، (مشعبي، 2018) ، (أبو جحجوح، 2015)، (الغميز،2000) حيث أنها تتفق معهم في منهج الدراسة الاستنباطي.

الفصل الثّاني

المبحث الأول: التعريف بسورة الأحزاب

المطلب الأول: التعريف بسورة “الأحزاب”

  1. معنى “الأحزاب” لغة:

تحزّب/ تحزّب على، تحزّبوا عليه: تعاونوا عليه واتّفقوا على إيذائه. حزب [جمع] وجمع الجمع أحزاب: “جماعة من النّاس تشاكلت أهواؤها، طائفة، جماعة، فرقة (كلّ حزب بما لديهم فرحون) [سورة الروم:32]، (فاختلف الأحزاب من بينهم) [سورة مريم:37]. (عمر،1429، [1/484])

  1. معنى الأحزاب في هذه السورة:

“والأحزاب: جنود الكفّار، تألّبوا وتظاهروا على حزب النّبيّ، صلّى اللّه عليه وسلّم، وهم: قريش وغطفان وبنو قريظة”(ابن منظور،1414،[1/308])

المطلب الثاني: أسماء السورة ، وسبب تسميتها بـ”الأحزاب”:

لسورة الأحزاب اسم واحد اشتهرت به كما ذكر ذلك ابن عاشور “هكذا سمّيت سورة الأحزاب في المصاحف وكتب التّفسير والسّنّة، وكذلك رويت تسميتها عن ابن عباس وأبي بن كعب بأسانيد مقبولة. ولا يعرف لها اسم غيره… ووجه التّسمية أنّ فيها ذكر أحزاب المشركين من قريش ومن تحزّب معهم، أرادوا غزو المسلمين في المدينة فردّ اللّه كيدهم وكفى اللّه المؤمنين القتال ” (ابن عاشور،1404، [21/244]) ـ

سميت الغزوة باسم الأحزاب “لأن قصتها معجزة لرسول الله ﷺ. متضمنة لنصره بالريح والملائكة. بحيث كفى الله المؤمنين القتال. وقد ميز بهم بين المؤمنين والمنافقين. وهذا من أعظم مقاصد القرآن. ” (القاسمي، 1418،[8/46])

المطلب الثالث: مكان وظروف نزولها وعدد آياتها وترتيبها في المصحف:

سورة الأحزاب سورة مدنية ، نزلت تحكي في بعض آياتها عن غزوة الأحزاب التي سميت بها السورة، وقصة هذه الغزوة : أن اليهود لما رأوا انتصار المشركين على المسلمين يوم أحد، وعلموا بميعاد أبي سفيان لغزو المسلمين، فخرج لذلك، ثم رجع للعام المقبل خرج أشرافهم إلى قريش بمكة يحرضونهم على غزو رسول الله ﷺ ويؤلبونهم عليه، ووعدوهم من أنفسهم بالنصر لهم، فأجابتهم قريش، ثم خرجوا إلى غطفان، فدعوهم، فاستجابوا لهم، ثم طافوا في قبائل العرب يدعونهم إلى ذلك، فاستجاب لهم من استجاب، فخرجت قريش وقائدهم أبو سفيان في أربعة آلاف، ووافقتهم جماعة من قبائل العرب حتى وصل عدد جيش الكفار عشرة آلاف، ولما سمع رسول الله ﷺ باجتماعهم وتوجههم إلى المدينة استشار صحابته رضي الله عنهم، فأشار عليه سلمان الفارسي بحفر خندق يحول بين العدو وبين المدينة. ثم إن الله عز وجل – وله الحمد – صنع أمراً من عنده خذل به العدو، وهزم جموعهم، وأرسل الله على المشركين جندا من الريح، فجعلت تقوض خيامهم، ولا تدع لهم قدرا إلا كفأتها، ولا طنبا إلا قلعته، ولا يقر لهم قرار، وجند الله من الملائكة يزلزلونهم، ويلقون في قلوبهم الرعب والخوف، وأرسل رسول الله ﷺ حذيفة بن اليمان يأتيه بخبرهم، فوجدهم على هذه الحال، وقد تهيئوا للرحيل، فرجع إلى رسول الله ﷺ، فأخبره برحيل القوم، فأصبح رسول الله ﷺ، وقد رد الله عدوه بغيظه لم ينالوا خيرا، وكفاه الله قتالهم، فصدق وعده، وأعز جنده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده. (ابن القيم، 1417، [3/241 -242])

عدد آياتها ثلاث وسبعون آية “وكانت أطول من ذلك فرفع الله بعض آياتها، ومن ذلك آية الرجم (حموش، 1428،[ 6/127]) ، وترتيبها الثالث والثلاثون في المصحف الشريف، وتقع في الجزء الثاني والعشرين.

المطلب الرابع: موضوعات سورة الأحزاب:

  1. موضوعات السورة بشكل عام :

‎1- تناولت قضايا كثيرة ومتنوعة اجتماعية وسياسية وعسكرية، مثل:

‏-إبطال عادة التبني التي كانت في الجاهلية.

‏-إبطال عادة التوريث بالحلف والهجرة، وإثبات الميراث عن طريق التشريع القرآني.

‏- سجلت أحداث أهم المعارك في حياة الأمة الإسلامية في العهد النبوي.

‏-زواج النبي -ﷺ- بزينب أي أباحت زوجة المتبنى.

‏2– تحدثت السورة عن قضايا عقائدية مهمة والتي لم ترد في غيرها من السور، مثل عقيدة ختم النبوة وأولي العزم من الرسل وآية التطهير، وجوب تعظيم النبي وبيان عاقبة المؤذي لله ولرسوله عليه الصلاة والسلام، وأهل بيته، والمؤمنين، والمؤمنات. (القرشي، 1433، ص97)

ويمكن حصر مقاصد السورة في نقاط ثلاث:

١-الأحكام‏ والتشريعات، كحكم الظهار، والتبني، والحجاب، والزواج بعد الطلاق من زوجة الابن المتبنى به، وحكم الحجاب وغيرها.

٢-التوجيهات‏ والآداب الإسلامية، مثل أمر النبي ﷺ بالتقوى، وآداب الوليمة، والآداب في التعامل مع النبي وأهل بيته، وغير ذلك.

٣-الحديث‏ عن غزوتي الأحزاب وبني قريظة، فقد جاء في السورة تفصيل عن غزوة الأحزاب مع فضح أهل النفاق وما توارت به شخصياتهم من خديعة وتمحلات على الدين الإسلامي وأهله، مع فضح سرائرهم وما يضمرون فيها من حنق على النبي وأصحابه رضي الله عنهم. (القرشي،1433، ص135)

  1. سورة الأحزاب وذكر النبي ﷺ:

تحدثت السورة عن النبي محمد ﷺ في مواضع كثيرة من السورة ، حيث أوردت اسمه الصريح وأوصافه ووجهت له أوامر من الله مباشرة له ولأهل بيته وزوجاته، ورفعت السورة عنه الحرج، وأمرت بطاعته، حيث ورد ذكر النبي باختلاف المفردات قرابة العشرون مرة، حيث نُودي بنداء (يا أيها النبي) خمس مرات، ووردت كلمة (النبي) في السورة خمسة عشر مرة، وبذلك تكون هي أكثر سورة في القرآن ورد فيها لفظ (النبي)، وكلمة (رسول) أربعة عشر مرة، مرة واحدة معرفة بأل، وبقية المرات مُضافة إلى لفظ الجلالة (رسول الله) أو لفظ (رسوله)، وورد سمه الصريح (محمد) مرة واحدة. وقد وُصف النبي محمد ﷺ بعدة أوصاف في هذه السورة منها: (نبي -شاهداً – مبشراً – نذيراً – داعياً – سراجاً – رسول الله – خاتم النبيين)

كما وُجهت للنبي ﷺ وصايا وتوجيهات بصيغة فعل الأمر أو النهي مباشرة في أكثر من عشر آيات كقوله تعالى: (اتق الله – لا تطع الكافرين والمنافقين– اتبع ما يوحى إليك – توكل على الله – قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها.. – قل لأزواجك إن كنتن تردن الله ورسوله… – بشّر المؤمنين بأن لهم ..– لا تطع الكافرين والمنافقين – دع أذاهم – توكل على الله – قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين… – قل إنما علمها عند الله)

  1. وقد جاءت الآيات تأمر أو تُرغّب في طاعة الرسول والنهي عن مخالفته بصريح العبارة في عدة مواضع منها:

[لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة] 21، [وأطعن الله ورسوله] 33، [يطع الله ورسوله] 71، [من يعص الله ورسوله] 36، [وأطعنا الرسولا] 66.

  1. وذكرت السورة مشاعر النبي ﷺ بصيغة واضحة في عدة مواضع:

[تخفي في نفسك] [تخشى الناس] [إن ذلكم كان يؤذي النبي] [يستحي منكم ] [إن الذين يؤذون الله ورسوله] [وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه]

  1. جاء في السورة عدة مواقف متعلقة بحياة النبي -ﷺ- الشخصيّة وأهل بيته، منها:
  2. تخيير النبي لزوجاته إما بالبقاء معه أو تسريحهن .
  3. وصايا الآيات لزوجات النبي وبيت النبوة.
  4. نفي تبني زيد ، وقصة زواج الرسول ﷺ من زينب -رضي الله عنها- .
  5. النساء اللاتي أُبيح للنبي ﷺ الزواج منهن .
  6. النهي عن المكوث لفترة طويلة في بيت النبي -ﷺ- .
  7. تحريم النظر لزوجات النبي، وتحريم نكاحهن لغيره – ﷺ -.
  8. فرضية الحجاب لزوجات النبي – ﷺ -.
  9. مواقف رُفع فيها الحرج عن النبي – ﷺ :
  10. (ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له) 38
  11. (وما ملكت أيمانهم لكيلا يكون عليك حرج) 50
  12. (من ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك) 51
  13. تأييد الرسول ﷺ والدفاع عنه:
  14. رد الآيات على من قالوا : (ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا) 12
  15. رد الآيات على من قالوا: (إن بيوتنا عورة)13
  16. تصديق الآيات للرسول (وصدق الله ورسوله) 22
  17. مساندة النبي وارشاده في حادثة طلب زوجاته رضي الله عنهن التوسعة في النفقة: (قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها)028
  18. النهي عن عصيانه ومخالفة أوامره ﷺ (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة اذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا) 36
  19. النهي عن دخول بيت النبي ﷺ بدون إذن (لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم) 53
  20. توضيح ما كان يخفي النبي في نفسه ويتحرج من قوله لأصحابه (إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحي منكم) 53
  21. توجيه الأمر لأمته بأن يصلوا ويسلموا عليه -عليه الصلاة والسلام: (يا أيها الذين امنوا صلوا عليه وسلموا تسليما)56
  22. ذكر الوعيد المترتب على إيذاء النبي عليه الصلاة والسلام: (إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا) 57
  23. النهي عن إيذاء النبي ﷺ وذلك بتوضيح مآل من آذوا من قبله من الأنبياء: (يا أيها الذين لا تكونوا كالذين اذوا موسى فبرأه الله مما قالوا) 69
  24. تثبيت السورة للرسول ﷺ:

أورد (الغرناطي، 1410) نظماً مجملاً لموضوعات السورة وخاصيتها من حيث تثبيت النبي ﷺ وتنزيهه، حيث قال: افتتحت السورة بأمر الله نبيّه باتّقائه، ونهيه عن الصّغو إلى الكافرين والمنافقين، واتّباعه ما يوحي الله إليه، وأمرًا له بالتّسليم لخالقه والتّوكّل عليه ﴿واللّه يقول الحقّ وهو يهدي السّبيل﴾[سورة الأحزاب:٤] وضمّن السورة من التأنيس والبشارة ما يجري على المعهود من لطفه تعالى وسعة رحمته، فافتتح سبحانه السورة بخطاب نبيه ﷺ بالتقوى، وإعلامه بما قد أعطاه قبل من سلوك سبيل النّجاة وإن ورد على طريقة الأمر ليشعره باستقامة سبيله، وإيضاح دليله، وخاطبه بلفظ النّبوّة لأنّه أمر عقب تخويف وإنذار، وإن كان عليه السّلام قد نزّه اللّه قدره على أن يكون منه خلاف التّقوى، وعصمه من كلّ ما ينافر نزاهة حاله وعليّ منصبه، ولكن طريقة خطابه تعالى للعباد أنّه تعالى متى جرّد ذكرهم للمدح من غير أمر ولا نهي فهو موضع ذكرهم بالأخصّ الأمدح عن محمود صفاتهم، وفي إعلامه عليه السّلام من هذا الأمر يدل على علو حاله ومزيّة قدره، ناسب ذلك ما احتوت عليه السّورة من باب التّنزيه في مواضع منها: إعلامه تعالى بأنّ أزواج نبيّه ﷺ أمّهات للمؤمنين، فنزّهن عن أن يكون حكمهنّ حكم غيرهنّ من النّساء، مزيّةً لهنّ وتخصيصًا وإجلالًا لنبيّه ﷺ، ومنها ﴿يا نساء النّبيّ لستنّ كأحد من النّساء إن اتّقيتنّ﴾ [سورة الأحزاب: ٣٢]، فنزّههنّ سبحانه وبيّن شرفهنّ على من عداهنّ، ومنها تنزيه أهل البيت وتكرمتهم ﴿إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرّجس أهل البيت﴾ [سورة الأحزاب: ٣٣]. الآية، ومنها الأمر بالحجاب ﴿يا أيّها النّبيّ قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهنّ من جلابيبهنّ﴾ [سورة الأحزاب: ٥٩] فنزّه المؤمنات عن حالة الجاهليّة من التّبرّج وعدم الحجاب، وصانهنّ عن التّبذّل والامتهان، ومنها قوله تعالى: ﴿يا أيّها الّذين آمنوا لا تكونوا كالّذين آذوا موسى﴾ [سورة الأحزاب: ٦٩]، فوصّاهم جلّ وتعالى ونزّههم بما نهاهم عنه أن يتشبّهوا بمن استحقّ اللّعن والغضب في سوء أدبهم وعظيم مرتكبهم، إلى ما تضمّنت السّورة من هذا القبيل، ثمّ أتبع سبحانه ما تقدّم بالبشارة العامّة واللّطف الشّامل كقوله تعالى: ﴿يا أيّها النّبيّ إنّا أرسلناك شاهدًا ومبشّرًا ونذيرًا وداعيًا إلى اللّه بإذنه وسراجًا منيرًا﴾ [سورة الأحزاب:45- ٤٦]، وقوله سبحانه تعظيمًا لحرمة نبيّه ﷺ والمؤمنين ﴿إنّ الّذين يؤذون اللّه ورسوله﴾ [سورة الأحزاب: ٥٧]. (ص279-282)

وقد بحثت الرسالة الآيات التي ثبتت النبي ﷺ، وكانت موجهة له عليه الصلاة والسلام والتي سبق ذكرها في حدود الرسالة.

المبحث الثاني:

النفس في التربية الإسلامية

أخبر القران الكريم أن الله تعالى خَلق الإنسان من مادة حيث قال: (اذ قال ربك للملائكة إني خالق بشراً من طين) [سورة ص:71]. وأخبر عن خَلق الإنسان من روح حيث قال : (فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين) [سورة ص:72]، فالإنسان إذاً يجمع في طبيعة تكوينه بين الحاجات والدوافع الفطرية الغريزية الضرورية لحياة بدنه وبقاء نوعه، والحاجات الروحية التي تدفعه إلى التقرب إلى الله تعالى بالعبادات والطاعات، وتدفعه إلى السمو النفسي مما يقربه من صفوف الملائكة “وبهذه القبسة من روح الله تعالى في طبيعة تكوين الإنسان فإنه يتميز عن بقية مخلوقات الله تعالى وأصبح أهلاً لتحمل الرسالة التي كلّفه الله تعالى بها، وهي عبادته وحده، والخلافة في الأرض والعمل على عمارتها، وتحصيل العلوم والمعارف وتسخيرها في عمارة الأرض والتمسك بالقيم والمثل العليا والسعي الدائب نحو السمو النفسي” (نجاتي،1410)

وقد ذكرت (الخليفة، 1443) أن الطبيعة الإنسانية تتكون من عدة أبعاد، وقد اختلف المفكرون هل هي ثلاثة أبعاد أم خمسة أبعاد؟ وهذه الأبعاد هي [الجسم والعقل والروح، بالإضافة إلى القلب والنفس]، وهذا التكوين الخماسي لا يعني استقلال بعضها عن بعض، وهي :

  1. الجسم: وهو الوعاء الذي يحتوي مكونات الذات الإنسانية، وهو متكامل ذاتيا، إذ يحتوي على جميع الأجهزة التي تؤدي أدوارها الحيوية، حفاظا على استمرارية حياته. فالجسم لا يكون ذاتاً إنسانية بمفرده، فهو بدون الروح مثلا كتلة جامدة هامدة لا تنهض بأقل الأمور، وهكذا مع المكونات الأخرى.
  2. الروح: وهي أساس الحياة؛ إذا سكنت الجسم أسكنته الحياة، وعملت مكوناته كلها بحيوية، مصدرها نور إلهي آت من تلك النفخة العلوية الحاملة للسر الإلهي، التي أودعها الله تعالى في جسم آدم عليه السلام، قال تعالى: (فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين) [سورة الحجر:29]، أما حقيقة الروح فهي من الغيبيات التي اختص الله بعملها، قال تعالى: (ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا)[سورة الإسراء :85]
  3. العقل: وهو القوة المعنوية الغريزية التي ميز الله بها الإنسان؛ والعقل أهم مكوناته بعد الروح، لأنه مركز التفكير والإرادة والادراك والاستدلال، ولذا فهو مناط التكليف، ولقد اهتم القرآن بوظائف العقل، لأنها الأساس، وقد تناولت آيات كثيرة هذه الوظائف، كقوله تعالى: (أفلا يتدبرون) [سورة محمد:24] و (أولا يعلمون) [سورة البقرة:77 ]، وقد ميز الله الإنسان عن سائر المخلوقات بعقله، ليكون وسيلة لهدايته الى الله تعالى، ويستطيع به أن يميز بين الخبيث والطيب، وهو مناط التكليف، فمن غاب عقله كالصغير والنائم والمجنون يسقط عنهم التكليف.
  4. القلب: ويعني مَعنيين متغايرين، لكل منهما مفهومه ووظائفه، وهما: القلب تلك المضخة اللحمية الصنوبرية المودعة في جوف الإنسان من الجانب الأيسر، وهو المتحكم في الدورة الدموية، ودليله قوله ﷺ: “ألا وإن في الجسد مضغة” (البخاري، 1407هـ، [28/52]). والمعنى الثاني للقلب هو: طاقة إدراكية حساسة كامنة في الإنسان تُشكل الشعور والوعي والعاطفة والانفعال، ولذلك فهي محل الهدى والتقى والخوف والرجاء، قال تعالى: (وجاء بقلب منيب) [سورة ق:33]، فهو محل الإنابة، وقال تعالى: (وقلبه مطمئن بالإيمان) [سورة النحل:106]، ومحل الاطمئنان. والمعنى الثاني هو الذي استخدم في القرآن، وهو الذي عني به علماء المسلمين وتحدثوا عن وظائف القلب المتعددة من إدراك للأشياء والانفعال معها، ويسمى عند بعض علماء النفس بـ(الضمير أو الوجدان) حيث أنه عماد الأخلاق، وقد اتجه المربون إلى البحث في كيفية تربية عواطف الإنسان، حيث أنه مكمن العواطف والانفعالات، ومحل للرأفة والرحمة التي تنشأ عنها عاطفة الحب، كما أنه محل للقسوة والحقد ؛ حيث تنشأ عاطفة الكره والغضب، ومنهما تنشق بقية العواطف والانفعالات من طمأنينة وخوف، وسكينة وقلق، رحمة وغلظة، تسامح وحقد، فرح وحزن…وفي ذلك يقول الله تعالى: (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك) [سورة ال عمران: 159]، حيث تشير الآية إلى صفة الرحمة، وقد ورد انفعال الخوف والوجل الموجود في قلب المؤمن في قوله تعالى: (إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم) [سورة الأنفال: 2] وقد أشار النبي ﷺ إلى الغضب في قوله ” ألا وإن الغضب جمرة في قلب ابن آدم ” (الترمذي، 1430، [4/ 262]، ح2335)”
  5. النفس: حيث لم يفصّل الإسلام في تناوله للطبيعة الإنسانية بين ما هو نفسي وما هو جسمي، فحين أطلق القرآن لفظ النفس دل ذلك على أنها والجسم مظهران للإنسان، قال تعالى: (واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون) [سورة البقرة: 281 ]، فالنفس هي الكل المتكامل للإنسان بعنصريه المادي والمعنوي، ولقد ورد لفظها في القرآن في( 116) آية، ولفظ أنفس( 153) مرة، كلها يقصد بها الدلالة على الإنسان بأجمعه خلال تفاعله مع الحياة. (ص814-816)

فالذات الإنسانية مُحصلة لهذه القوى مجتمعة، فهي كُلّ متكامل ووحدة واحدة، فللبعد الجسمي أهميته، وما يتصل به من دوافع وغرائز وحاجات نفسية وعواطف وغيرها، وللبعد العقلي أهميته فعليه أن يستخدمه فيما ينفعه في دنياه واخرته، ففي الدنيا بعمارة الأرض وفي الاخرة حيث يسعى إلى فعل ما يرضي الله تعالى، وكذلك البعد الروحي من حيث اشباع كل ما يتعلق بعلاقته بنفسه والآخرين وعلاقته بالله وفقاً لما يرضي الله تعالى وضبط دوافعه ومشاعره وغير ذلك ، وهذا التكامل بين هذه الأبعاد انعكس على جوانب التربية، فلم تقتصر التربية على تربية جانب على حساب الآخر.

وأما إرادة الإنسان فهي مركبة من نفس وعقل، وكل واحد منهما وعاء لمعان معينة، وقد يتفقان في بعض الدوافع وقد يختلفان بحيث يتفرد كل واحد منهما بدافع، فالنفس وعاء للرغبات والشهوات، والعقل وعاء للعلم والمعارف والتجارب، وكل واحد منهما له دوافعه وغاياته، والله سبحانه عندما رزق الإنسان العقل ليفكر به، فَطَر فيه عاطفة بشرية تؤثر على دوافعه، فالإنسان بلا عواطف كجثة هامدة، فالعضلات والجوارح والأعضاء المكونة للجنس البشري ليست هي التي تعبر عن كنه الإنسان، بقدر ما يعبر عنه قلبه وعاطفته، فالإنسان بلا عاطفة يُطلق عليه في بعض المجتمعات كأنه حجر، أو لا يتأثر كأن قلبه من صخر.

المطلب الأول: التعريف بمعنى (النَفْس):

معنى (النفْس) لغة واصطلاحاً:

النفْس لغة: لفظ النَفْس في اللغة يطلق ويراد به معان عديدة، منها: (النَفْس) الروح، يقال: خرجت نَفْسه. والنفس الجسد، ويقولون: ثلاثة أنْفُس فيذكرونه؛ لأنهم يريدون به الإنسان. و(نفس) الشيء عينه يؤكد به، يقال: رأيت فلانا نفسه وجاءني بنفسه. (الرازي،1420، ص ٣١٦). وللنَفْس معان أخرى منها: العظمة والكبر. والعزة. والهمة. والأنفة. و(النَفْس): عين الشيء وكنهه وجوهره. (الأزهري، 1422،[ ١٣/٨])

المعنى الاصطلاحي للنفس: اختلف العلماء والفلاسفة منذ قديم الزمان في تعريف وتحديد ماهيَّة النفس، وما هي طبيعتها، وحقيقتها، حيث انقسم الفلاسفة في نظرياتهم حول طبيعة النفس الإنسانية، فهم إما ثنائيون، يعتبرون الإنسان نفساً وجسماً كثنائية أفلاطون، وثنائية ديكارت، وإما فلاسفة واحديون يعتبرون الإنسان كلاً واحداً نفساً وجسماً باختلاف النظـرات كـ رسل، ووليم جيمس. (فرحة،1439)

وأما لفظ (النفس) في كلام العرب فله معنيان، أحدهما: خرجت نَفْسُه، أي: روحه. والثاني: معنى النفس فيه جملة الشيء وحقيقته. (الزبيدي،1422، [١٦/٥٥٩]).

و(النفْس) في اصطلاح العلماء لها عدة معان، منها ما ذكره (الجرجاني،1403): «هي الجوهر البخاري اللطيف الحامل لقوة الحياة والحس والحركة الإرادية” (ص242). وعرّفها (القاري،1422) بأنها: “لطيفة في الجسد تولدت من ازدواج الروح بالبدن واتصالهما معا”( ٥/١٩٠١). وقال المناوي: “هي جوهر مشرق للبدن، فعند الموت ينقطع ضوؤه من ظاهر البدن وباطنه” (المناوي، 1410، ص ٣٢٧).

وأطلق لفظ (النفس) في القرآن كما ذكر ذلك (ابن القيم، 1440) على الذات بجملتها كقوله تعالى: (فسلموا على أنفسكم) [سورة النور: ٦١]، وقوله (ولا تقتلوا أنفسكم) [سورة النساء: ٢٩]، وقوله: (يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها) [سورة النحل: ١١١]، وقوله: (كل نفس بما كسبت رهينة) [سورة المدثر: ٣٨]، وأطلق على الروح وحدها كقوله تعالى(يا أيتها النفس المطمئنة) [سورة الفجر: ٢٧]، وقوله (أخرجوا أنفسكم) [سورة الأنعام: ٩٣]، وقوله (ونهى النفس عن الهوى) [سورة النازعات: ٤٠]، وقوله (إن النفس لأمارة بالسوء) [سورة يوسف: ٥٣] ([2/614])

وقد ذكر موقع (التفسير الموضوعي) أربعة أوجه لذكر النَفس في القرآن :

أحدها: القلب: ومنه قوله تعالى: (وما تهوى الأنفس) [سورة النجم:٢٣] يعني: القلوب.

الثاني: الجنس والنوع، ومنه قوله تعالى: (لقد جاءكم رسول من أنفسكم) [سورة التوبة:١٢٨] يعني: من جنسكم.

الثالث: الإنسان، ومنه قوله تعالى: (من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً) [سورة المائدة:٣٢] يعني: الإنسان بالإنسان.

الرابع: الروح، ومنه قوله تعالى: (والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم) [سورة الأنعام:٩٣] يعني: أرواحكم.

المطلب الثاني: (النفس) في التربية الإسلامية:

خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان، وهو وحده أعلم بطبيعة هذا الإنسان وصفاته وأحواله وسرّ تكوينه، وما تُخفيه نفسُه، يقول الله تعالى: (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) [سورة الملك:14]، وقال سبحانه: (ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد) [سورة ق:16]، ويقول الله تعالى عن علمه وسعة اطلاعه: ﴿هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم﴾ يقول (السعدي،1420) أي: “هو تعالى أعلم بأحوالكم كلها، وما جبلكم عليه، من الضعف والخور”. (821)

ومن رحمة الله بالإنسان أن أنزل القرآن الكريم لهدايته وتعليمه، حتى لا يضل ولا يشقى، “إنه كتاب نزل أساساً للإنسان، ويهدف أساساً لإصلاح الإنسان، ولذلك فإننا نجد فيه وصفاً لأحوال النفس الإنسانية، ولأسباب انحرافها ومرضها ولطرق تربيتها وتهذيبها وعلاجها وكثيراً من الحقائق عن الإنسان وحياته” (نجاتي، 1410). كما دلت آيات القرآن الكريم وسنة الرسول ﷺ على كيفية التعامل مع النفس وما يعرض لها من مشاعر، واضطرابات، ومخاوف، وغيرها.

وتتميز النظرة الإسلامية للنفس الإنسانية بأنها نظرة شمولية وتكاملية “فهي نظرة اهتمت بدراسة النفس وتهذيبها، وتصفية الروح، وعدم اغفال مطالب الجسم وحاجاته، فهي نظرة متوازنة جمعت بين الجوانب الثلاث التي يصدر عنها السلوك الإنساني النفس، الجسم، الروح. والسبب في قيام هذه النظرة الإسلامية المتسمة بالسمات السابقة كونها مسترشدة بهدي الخالق لهذه النفس الإنسانية، وتوجيهات نبيه عليه الصلاة والسلام الذي علمه ربه” (سقا، 1422، 107). وهذه النظرة الإسلامية للنفس الإنسانية واقعية متوافقة مع طبيعة الإنسان، وطبيعة الحياة، ومتماشية مع مصلحة الفرد والجماعة، ” وذلك عكس نظريات الفلاسفة التي تحلق في سماء المثالية، وتستعصي على التطبيق، وشتان بين تشريع يضعه انسان يجهل كل شيء عن أخيه الإنسان ” (سبع،1393)

أولاً: أحوال (النَفْس) في التربية الإسلامية:

يرى (ابن القيم،1440) -رحمه الله- أن نفس الإنسان هي نفس واحدة، ولكن لها صفات مختلفة، فتسمى باعتبار كل صفة باسم:

  1. النفس اللوامة: واللوامة نوعان (لوامة ملومة) وهي النفس الجاهلة الظالمة التي يلومها الله وملائكته، و(لوامة غير ملومة) وهي التي لا تزال تلوم صاحبها على تقصيره في طاعة الله مع بذله جهده.
  2. النفس الأمارة بالسوء: هي المذمومة فإنها التي تأمر بكل سوء وهذا من طبيعتها إلا ما وفقها الله وثبتها وأعانها فما تخلص أحد من شر نفسه إلا بتوفيق الله له، كما قال تعالى حاكياً عن امرأة العزيز: (وما أُبرىء نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم) [سورة يوسف:53]
  3. النفس المطمئنة: امتحن الله سبحانه الإنسان بهاتين النفسين الأمارة واللوامة، كما أكرمه بالمطمئنة فهي نفس واحدة تكون أمارة ثم لوامة مطمئنة وهي غاية كمالها وصلاحها، وأيّد المطمئنة بجنود عديدة، فجعل الملك قرينها وصاحبها الذي يليها ويسددها ويقذف فيها الحق ويرغبها فيه ويريها حسن صورته، ويزجرها عن الباطل ويزهدها فيه، ويريها قبح صورته، وأمدها بما علّمها من القرآن والأذكار وأعمال البر، وجعل وفود الخيرات ومداد التوفيق تنتابها وتصل إليها من كل ناحية حتى تقوى على محاربة الإمارة، ولا يمكن حصول الطمأنينة الحقيقية إلا بالله وبذكره وهو كلامه الذي أنزله على رسوله كما قال تعالى: (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب) [الرعد:28] فإن طمأنينة القلب سكونه واستقراره بزوال القلق والانزعاج والاضطراب عنه وهذا لا يتأتى بشيء سوى الله تعالى وذكره البتة. ([2/639-641]) والإيمان بالله تعالى يمنح النفس السلام الداخلي والطمأنينة الروحية.

ثانياً: أهمية (النفس) في التربية الإسلامية:

تنظر التربية الإسلامية للنفس على أنها هي المسؤولة عن تصرفات الإنسان، فالعقول البشرية متساوية، والمؤثر فيها هي النفس، فهي التي تأمر بالخطأ والسوء، قال تعالى: (إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي) [سورة يوسف:53]، ومن تسويل النفس قول يعقوب لأولاده: (بل سوّلت لكم أنفسكم أمراً) [سورة يوسف:18].

وقد أودع الخالق سبحانه في النفس الإنسانية الدوافع التي تدفع السلوك الإنساني وتوجهه لفعل ما، أو تصرفه عن الإقدام على فعل آخر ، كدافع الجوع إذا كان مصاحباً للفقر فقد يدفع بصاحبه إلى الصبر والبحث عن المطعم الحلال أو قد يدفعه إلى السرقة مثلاً، فإشباع هذه الدوافع يجب أن يكون تابعاً لما يرضاه الله تعالى الذي أوجد هذه النفس وهو أعلم بما يصلح لها، ولهذا جاءت نصوص التربية الإسلامية موضحة لطبيعة هذه النفس، وضابطة لها ولدوافعها؛ حتى تطمئن وتستقر فيستقر العقل وتصِحُّ نتائجه، وجاءت بالتكاليف الشرعية المناسبة لطبيعة خلق هذه النفس، فلا أعلم بالخَلق من الذي خَلق، يقول الله تعالى: (ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها) [سورة الشمس:7-10]. حيث تبيّن الآيات أن النفس التي خلقها الله تعالى قد بيّن لها ما ينبغي لها أن تأتي أو تذر من خيرٍ، أو شر، أو طاعة، أو معصية، وحمّلت الآيات الإنسان مسؤولية تزكية نفسه وتطهيرها من الرذائل والمعاصي، وبيّنت خسارة من أضل نفسه وأغواها. ولعظم هذه المسؤولية فقد أقسم الله تعالى بهذه النفس حيث قال: (لا أقسم بيوم القيامة ولا أقسم بالنفس اللوامة) [سورة القيامة 1-2]، ثم بيّن القرآن مآل هذه النفس يوم القيامة فقال: (يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمداً بعيداً). [سورة ال عمران:30].

المطلب الثالث: أهمية الجانب النفسي في بناء الشخصية السوية:

يمثل الجانب النفسي أهمية كبيرة في بناء الشخصية السوية، “فاستقرار الشخصية وسَوَاؤُها له أثر على إنتاجية الفرد وأداؤه في حياته، لذا كان عليه الصلاة والسلام يدعو ربه ويسأله أن يحقق له الاستقرار النفسي، وأن يحميه من الهم والحزن وغيره مما يعوق المرء عن تحقيق مصالح دينه ودنياه، فكان من دعائه (اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن..)” (الدويش،1437)

أولاً: الشخصية السوية وغير السوية من منظور التربية الإسلامية:

يعرفا (المرشدي والصجري،1436) الشخصية السوية بأنها: الشخصية التي يتوازن فيها البدن والروح، وتشبع فيها حاجات كل منهما. إن الشخصية السوية هي التي تعنى بالبدن وصحته وقوته، وتشبع حاجاته في الحدود التي رسمها الشرع، والتي تتمسك في نفس الوقت بالإيمان بالله، وتؤدي العبادات، وتقوم بكل ما يرضي الله تعالى، وتتجنب كل ما يغضبه، فالشخص الذي ينساق وراء أهوائه وشهواته شخص غير سوي، وكذلك فإن الشخص الذي يكبت حاجاته البدنية ، ويقهر جسمه ويضعفه بالرهبانية المفرطة والتقشف الشديد وينزع إلى إشباع حاجاته وأشواقه الروحية فقط، هو أيضا شخص غير سوي ، وذلك لأن كلا من هذين الاتجاهين المتطرفين يخالف الطبيعة الإنسانية، ويعارض فطرتها0 ص 103

والتربية الإسلامية تربية متوازنة توازن بين الروح والجسد، وتوازن بين الدين والدنيا (وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا) [سورة القصص:77]. فهي بعيدة عن الرهبانية التي أحدثت خللاً في التوازن النفسي والاجتماعي. عن طريق إنكار حاجات الجسد الأساسية، وإغفال المطالب الروحية للإنسان، “مما جعل حياة الإنسان خالية من المعاني الجميلة والسامية التي تعطي للحياة قيمتها وزخمها وألقها، وتفقده شعوره برسالته الكبرى في الحياة كخليفة لله تعالى في الأرض؛ فتضيع منه أهدافه الحقيقية في الحياة؛ لذلك فالإسلام هو الثوب السابغ للفطرة الإنسانية إذ يلبي حاجات الجسد دون أن يلغي أشواق الروح”. (الأحدب، د.ت)

وتحقيق التوازن بين الجانبين الروحي والمادي في التربية الإسلامية يُكسب الإنسان الشخصية السوية التي هي أساس الصحة النفسية؛ مما يقلل من تعرضه للقلق وأزمات الاكتئاب، وقد أوضح الله سبحانه وتعالى سبيل الحصول على الحياة الطيبة في الدنيا في قوله تعالى: (من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون). [سورة النحل:97]، وقد أوضح (السعدي،1420) معنى الحياة الطيبة فقال: فمن جمع بين الإيمان والعمل الصالح ﴿فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾ وذلك بطمأنينة قلبه، وسكون نفسه، وعدم التفاته لما يشوش عليه قلبه، ويرزقه الله رزقاً حلالاً طيباً من حيث لا يحتسب. ص448

ثانياً: أثر التدين على الصحة النفسية والشخصية السوية:

يمر الانسان بمشكلات جسدية أو نفسية تتطلب فهماً ومداواة وعلاجاً، وقد أتقنت البشرية التعامل مع الأمراض الجسدية وطوّرت من أدواتها العلمية والعلاجية، أما ما يتعلق بالمشاكل النفسية فقد حاول العلماء في كل القرون أن يوجدوا حلاً وإجابة لهذه المشكلات، فمنهم من أساء فهمها وقام بمعاقبة المريض ونبذه ومعاملته معاملة المجنون فكان يُربط بشجرة أو يُنفى إلى مكان بعيد، “ففي العصور الوسطى كان العلاج يقوم على إنكار وجود الأمراض النفسية، وأنها شياطين يجب القضاء على الفرد الذي يعاني منها حتى يتم القضاء عليها” (الصنيع،1421،ص13) ومن العلماء من حاول فهم النفس البشرية وسعى لدراسة غموضها وحاول إيجاد حل لمشاكلها، فبدؤوا بمحاولة علاجها كما يُعالج البدن والأمراض العضوية، ثم تطورت أساليب علاج المشاكل النفسية حتى وصلت إلى معالجة مختلفة عن المعالجة الجسدية، حيث قدمت النظرية السلوكية العلاج السلوكي، ونظرية التحليل النفسي العلاج بالتحليل النفسي، وقدمت النظرية المعرفية العلاج العقلي المعرفي وهكذا، واستمرت المدراس والنظريات بتقديم الحلول العلاجية ولكنها لم تستطع القضاء على جميع المشاكل رغم النجاحات التي حققتها، بل استمرت هذه المشكلات في الزيادة، ويعود السبب في ذلك لاعتمادها على مداواة الجانب الجسدي واهمالها للجانب الروحي، “حيث ظل هذا الجانب منسياً في السواد الأعظم من الدراسات النفسية … فكان النتاج ما نراه من عجز في طرق معالجة الأمراض النفسية في وقتنا الحاضر؛ لأنها اعتمدت في تعاملها مع الإنسان على الجانب المادي الجسدي منه وأهملت الجانب الآخر والأهم ألا وهو الجانب الروحي .” (الصنيع، 1421، ص 14).

وارتباط الإنسان بالدين الذي يغذي جانبه الروحي هو أمر ضروري لاستكمال شخصيته والوصول بها إلى السواء وللتمتع بالصحة النفسية، حيث تُعرف الصحة النفسية بأنها: “حالة من التكامل المستمر مع الفرد في نمو وإشباع جوانبه الجسمية والروحية والعقلية والانفعالية والاجتماعية بشكل سوي” (الصنيع،1421، ص19 (، وعلاقة الإنسان بالتدين هي علاقة فطرية، حيث جُبلت النفس الإنسانية على حاجتها لقوة عظمى تلجأ إليها وقت الشدائد وتخضع لها، وهذا يفسر اختلاف البشرية عبر التاريخ في اختيار القوة التي تستند لها، فمنهم من اختار الشمس واعتقد بقوتها وخضع لها ولجأ لها وجعلها إلاهاً، ومنهم من رأى أن النار هي التي ستمده بالقوة وتكشف عنه ما أهمّه فألهها وخضع لها، والعقل بهذا يجد ما يشبعه لعالم الغيب، ويرضي حاجته إلى إله يلجأ له وقت الشدة، ومنهم من تاه في سبيل البحث عن إله حقيقي يروي تعطشه ولم يجده…. ويبقى أن الشدائد هي التي تكشف الفطرة وتزيل عنها غشاوة الجهل والانحراف حيث يقول الله تعالى : (وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور)

تقوية مناعة الفرد النفسية في الإسلام، يعتمد الأسلوب التربوي في الإسلام على ثلاثة مناحٍ:

المنحى الأول: هو تقوية الجانب الروحي في الإنسان عن طريق الإيمان بالله وتقواه.

المنحى الثاني: أداء العبادات المختلفة لتعزيز الجانب الروحي والصفاء النفسي.

المنحى الثالث: هو السيطرة على الدوافع الغريزية في الإنسان والتحكم بأهواء النفس التي تؤدي إلى المعاصي. (الأحدب، د،ت)

“ففي القلب شعَثٌ لا يلمُّه إلّا الإقبال على الله، وفيه وحشةٌ لا يُزيلها إلّا الأُنس به في خَلوته. وفيه حزنٌ لا يُذهبِه إلّا السُّرور بمعرفته وصدق معاملته. وفيه قلقٌ لا يسكِّنه إلّا الاجتماع عليه، والفرار منه إليه. وفيه نيران حسراتٍ لا يطفئها إلّا الرِّضا بأمره ونهيه وقضائه، ومعانقة الصّبر على ذلك إلى وقت لقائه. وفيه طلبٌ شديدٌ لا يقف دون أن يكون هو وحده مطلوبة. وفيه فاقةٌ لا يسدُّها إلّا محبّته، والإنابة إليه، ودوام ذكره، وصدق الإخلاص له، ولو أعطي الدُّنيا بما فيها لم تسدّ تلك الفاقة منه أبدًا” . (ابن القيم، 1441،[4/17])

المطلب الرابع: الفرق بين الدوافع والانفعالات:

أولاً: الدوافع:

الدافع لغة: “من دفع الشيء إذا حركه بقوة في اتجاه ما، ويستخدم الفعل دفع، للدفع المادي والمعنوي فيقال دفع العجلة، ودفع الحجة، ودفع الله البلاء، وهكذا” (الأسمر ،1422،ص 135)

وتعرف الدوافع اصطلاحا بأنها: “القوى الخفية الكامنة في النفس البشرية والتي تدفع إلى تحقيق هدف ما، والتي تشكل قوة نفسية لها انعكاساتها العضوية، حيث تستنهض الفكر والإرادة والقوى والطاقات لتحقيق الهدف المقصود، خيرا كان أو شريرا “. (الأسمر،1422، ص 35). وتعرف (سقا،1422) الدوافع بأنها ” حالة نفسية جسمية، تعمل على تنشيط وتوجيه واستدامة السلوك الإنساني، نحو جلب منفعة، أو رد مفسدة ومضرة، بما يحقق الهدف من عملية الاشباع في ضوء توجيهات الإسلام لهذه العملية” ص 223. ويسبق حدوث الدافع عدة مراحل كالحاجة والحافز والباعث الذي يحفز ويدعو لتحقيق وإشباع الدوافع.

وللدوافع تقسيمات عدة نذكر منها ما أورده (السيد وآخرون، 1411ه ):

  1. دوافع جسمية: كالجوع، والعطش، والجنس …
  2. دوافع نفسية: كالحاجة للنجاح، والحرية، والأمن…
  3. دوافع اجتماعية: كالحاجة للغة، وللضبط الاجتماعي …

والدوافع تختلف حدتها وضرورة تحقيقها من دافع لآخر، فدافع الجوع قد يكون أقوى من دافع الاستقرار والبحث عن المسكن، ودافع العطش قد يتغلب على دافع الجوع في بعض الأوقات، وتصاحب الدوافع مظاهر سلوكية تعبيرية تعبر عن مدى حدة وأهمية الدافع أو سهولته، وتبين مدى إلحاح هذا الدافع من عدمه، وقد يختلف التعبير عنها من فرد إلى آخر ومن أمة لأخرى، يطلق على هذه المظاهر مسمى الانفعالات. (سقا،1422، 277) وتحقيق وإشباع هذه الدوافع يجب أن يكون وفقاً لمراد وتوجيه الله تعالى ، ويتبين بهذا الفرق بين تصور الإسلام لعملية إشباع الدوافع، وبين تصور علم النفس الغربي لهذه العملية. حيث يتميز الإنسان المسلم بالنية في إشباع وتوجيه وضبط دوافعه، ومن أمثلة ذلك، وجوب تحري الحلال والحرام، حتى لا تتحول الوسائل إلى غايات؛ وحتى تبقى هذه الدوافع موجهة لخدمة المقصد الكبير من خدمة الإنسان.

ثانياً: الانفعالات:

تعريف الانفعال لغة: الانفعال من انفعل بمعنى تأثر. (توثيق)

تعريف الانفعال اصطلاحاً: “هو حالة اضطراب وتغير في الكائن الحي مصحوبة بإثارة وجدانية تتميز بمشاعر قوية واندفاع نحو سلوك، ذات شكل معين” (المليجي، 1394). والانفعال ينتج عن تفاعل مكونات النفس البشرية إثر أي موقف يفاجئها، بما يشكل رد فعل يتناسب معه، “هذا الانفعال يُحدث تغيراً مفاجئاً في أجهزة الاستقبال لدى الإنسان، يقود إلى تغير عضوي متأثر به سلبا أو إيجابا” (الأسمر، 1422، ص 147)

فهو إذاً اضطراب وتوتر يكمن وراءه دافع يستثيره بقوة ويؤثر على جميع أجهزة جسم الإنسان، ويتوقف نوع الانفعال وحدته على نوع العوامل الدافعة له في لحظة معينة، وهذا يعني أن هناك أسباب هي التي تدفع الفرد إلى الانفعال الشديد في ظروف ومواقف معينة كأن تكون الدوافع شديدة، أما عندما تقف هناك عقبات أمام إشباع الدوافع فتجد المرء ينفعل تجاه الأشخاص الذين حالوا بينه وبين وصوله إلى تحقيق أهدافه التي تشبع دوافعه، وهكذا.

“واذا كانت الانفعالات ليست إرادية فإن التصرف المحمول عليها إرادي، يستطيع الإنسان أن يتحكم فيه، لذلك تنصب تربية الانفعالات على ضبط رد الفعل الانفعالي والتصرفات الناجمة عنه” (الأسمر، 1422، ص 147)، ولطالما كان خطاب التربية الإسلامية موجهاً إلى ضبط الانفعالات وتهذيبها، قال الله تعالى: {وسارعوا إلىٰ مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين* الذين ينفقون في السَراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس واللَّه يحبُ المحسنين). [سورة آل عمران: 133-134]. وكقول النبي ﷺ من حديث أبو هريرة رضي الله عنه أن رجلًا قال للنبي ﷺ: أوصني، قال: ((لا تغضب))، فردد مرارًا، قال: ((لا تغضب)). ودعت التربية الإسلامية إلى الحلم والصفح والصبر وكظم الغيظ وغيرها في سياق تهذيب السلوك الانفعالي.

ثالثاً: العلاقة بين الدوافع والانفعالات:

بين الانفعالات والدوافع ارتباط وثيق، وعلاقة متبادلة، يرتبط الدافع بمشاعر انفعالية مقترنة به، فدافع الجوع قد يكون مصحوبا بحالة وجدانية أو انفعالية كالغضب الذي يحدث عند إعاقة إشباع هذا الدافع، والرضا عند إشباعه، وقد يكون الانفعال هو الأسبق، فيكون هو المولد للدوافع، فانفعال الغضب قد يدفع الفرد إلى العدوان والمقاتلة، وهكذا. “تعتبر كل الانفعالات والعواطف دوافع للسلوك الإنساني تشترك مع الغرائز في تحديد سلوك النفس البشرية، فهي امتداد لها وجزء منها، إلا أن الانفعالات والعواطف تصطبغ بالصبغة الوجدانية التي يشعر بها الإنسان والتي تدور حول اللذة والألم” (بوذينة،1442)

رابعاً: الانفعالات في القرآن الكريم:

تحدّث القرآن الكريم عن كثير من جوانب حياة الإنسان، ومن الجوانب التي وردت كثيرا في كتاب الله تعالى الجوانب النفسية كالانفعالات والعواطف والمشاعر، وقد أخذ القرآن في عين الاعتبار طبيعة النفس البشرية، والفطرة التي فُطرت عليها حيث بيّن القرآن الكريم التوجيه الرباني للتعامل مع هذه الانفعالات أو المشاعر، حيث هذبها الوحي وأرشد لكيفية التعامل معها بتوازن واعتدال، فلم ينكرها تماماً ولم يدع للاستغراق فيها والاستسلام لها ، بل ورد في كثير من آياته قصص للأنبياء -عليهم السلام- في مواقف تعرضوا فيها للخوف والخشية والحزن وغيرها، فذكر الله تعالى الخوف عن نبي الله موسى عليه السلام: ( فخرج منها خائفا يترقب) [سورة القصص:21] وذكر الخشية في سياق آيات عن رسول الله محمد ﷺ : (وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه) [سورة الأحزاب: 37]، وقال في سياق توجيه النبي ﷺ للتعامل باللطف واللين: (ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك) [سورة آل عمران:159] ، وورد الحزن مقترنا بالنفس في الحديث عن النبي محمد ﷺ : (فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا [سورة الكهف:6] ، وذكر الغضب في قصة نبي الله موسى عليه السلام: (ولما سكت عن موسى الغضب أخذ الألواح وفي نسختها هدى ورحمة ) [سورة الأعراف: 154] ، وغيرها كثير.

وقد جاء القرآن الكريم متوازناً وشاملا لجميع متطلبات النفس الإنسانية، “فهو لا يستخدم العقل وحده ولا العاطفة وحدها، بل يربي العقل والعاطفة معا … وليوجه النفس الإنسانية لكل ما يصلحها وما يصلح لها، وما يسعدها وما يشقيها، وما يهديها وما يضلها … والعاطفة والعقل أمران مهمان للإنسان، وبهما تتشكل ذاته، ولا صراع بينهما إلا إذا ضعف دور العقل، وزادت العاطفة عن حدها، هنا تغلب العاطفة العقل، ويختل التوازن النفسي بينهما، فينحرف الإنسان تبعا لذلك عن طريق الهدى والفطرة السليمة، أما إذا سار باتزان على طريق الهدى والعلم والاستقامة، فإنهما يشكلان المؤمن المفعم قلبه بالإيمان” (الجابر، 1438 ،39-40).

والقرآن الكريم قد منحنا حق “تعديل الغرائز” كما يُسميه علم النفس ، أو تقويم النفس أو تقويم السلوك، يقول الله تعالى في سياق الحديث عن النفس : (قد أفلح من زكاها وقد خاب من دسّاها) [الشمس:9-10]، حيث قسمت الآيات البشر بالنسبة إلى التعامل مع غرائز نفوسهم إلى قسمان، قسم إيجابي وآخر سلبي:

الأول: هو الذي يجاهد نفسه ويطهرها من الأدناس والخطايا واستعمل إرادته لتقويم شهواته ودوافعه (قد أفلح من زكاها)

الثاني: وهو الذي استسلم لنفسه وخواطرها لا يقاوم رغباتها ولا يكبح جماحها، غافل عن حق نفسه عليه، (وقد خاب من دسّاها)

وإن من حق هذه النفس على كل عاقل أن يجاهد أهواءها ويقاوم شهواتها ويحذر دسائسها ليعيش معها في سلام نفسي. فالنفس الإنسانية فيها غرائز وعواطف ونوازع وشهوات كلها تطالب بالإرواء والتحقق في دنيا الواقع ومن ثم فهي تحتاج إلى يقظة ساهرة ومجاهدة مستمرة وتقويم مستمر، كي تظل في حالة توازن والتزام، حيث أن تزكية النفس جهد بشري يبذله المسلم من ذاته وهو جهاد غليظ، تتوافق فيه الميول والنزعات والرغبات بحيث تعبر عن ذاتها تعبيراً مطمئنا متوازناً، فلا تتجاوز حدها ولا تتضارب أو تتعارك أو تتصادم، وهذا التناسق يسمى في علم النفس “تكامل الشخصية” ويعني: التوافق والانسجام بين قوى النفس الغرزية والمزاجية والعقلية والجسمية، الفطرية منها والمكتسبة عن طريق التعامل مع البيئة المادية والاجتماعية واتجاهها كلها لغرض واحد في الحياة. (سبع،1393)

خامساً: أثر الانفعالات على الصحة النفسية:

تعرف الصحة النفسية بأنها : “حالة من العافية التي يحقق الفرد فيها قدراته الخاصة، ويمكن أن يتغلب من خلالها على الإجهادات المتوالية في الحياة؛ ليتمكن من العمل بإنتاجية مثمرة، ويستطيع المساهمة في مجتمعه” (الشبيلي،1440، ص 83) وتختلف الانفعالات التي يتعرض لها المرء في حدتها أو بساطتها، وبالتالي يختلف أثرها على سلوكه ومن ثم على صحته النفسية والجسدية، فعندما يتعرض المرء لمواقف تستثير انفعالاته الحادة والقوية كالخوف الشديد أو الغضب الشديد أو الحزن الشديد فهذا مما يؤثر على نفس المرء أو جسده وصحته البدنية، فالطفل الذي يتعرض للتخويف أو التهديد أو ينشأ في بيئة غير آمنة أو معرضة للحروب يتأثر تأثراً نفسياً بالغاً، فقد ينشأ فاقداً للأمان، قلقاً من المستقبل، يخشى التعامل مع الآخرين، أما على المستوى الجسدي قد تصيبه تقلصات في البطن، و اضطرابات في النوم، وتبول لا إرادي وما إلى ذلك. وقد يتعامل المرء مع هذه المخاوف تعاملاً عكسياً، فبدلاً من الإفصاح عنها ومحاولة حلها والتخلص منها أو التعايش معها، قد يلجأ المرء إلى أن يخفي ويكتم مشاعره ومخاوفه ورغباته لأي سبب كان وهذا مما يضره على المستوى النفسي والجسدي، وهذا الكبت والقمع الداخلي للمشاعر، قد يحول الانفعالات إلى هم وغم واكتئاب وتشاؤم وانطواء، وقد يودي إلى نقمة على النفس أو المجتمع ، ثم إلى الانتحار.

الفصل الثالث

التعريف بالرسول ﷺ

المبحث الأول: التعريف بنسبه وقرابته ﷺ:

  1. نسبه ﷺ الشريف:

ينسب النبي -ﷺ- إلى خير أهل الأرض على الإطلاق، فلنسبه من الشرف أعلى ذروة، فأشرف القوم قومه، وأشرف القبائل قبيلته، وأشرف الأفخاذ فخذه -ﷺ. (العازمي، 1432، [1/43])

هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فِهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معدّ بن عدنان، وعدنان من ولد إسماعيل (ابن القيم،1440، [1/53])، ووالدته هي: “آمنة بنت وهب بن عبد مناف، بن زهرة، بن كلاب، بن مرة، وهي يومئذ أفضل امرأة في قريش نسباً وموضعاً، وأبوها سيد بني زهرة نسبا وشرفاً” (العازمي،1432، [1/68])

  1. أسماء النبي ﷺ:

له أسماء عدة عليه الصلاة والسلام، وكلها أسماءُ نعوتٍ ليست أعلامًا محضةً لمجرَّد التعريف، بل أسماء مشتقَّة من صفات قامت به توجب له المدح والكمال. فمنها: محمد، وهو أشهرها. وبه سُمِّي في التوراة صريحًا، ومنها أحمد، والمتوكل، والماحي، والحاشر، والعاقب، والمقفِّي، ونبي التوبة، ونبي الرحمة، ونبي الملحمة، والفاتح، والأمين. ويلتحق بهذه الأسماء: الشاهد، والمبشِّر، والنذير، والقُثَم، والضحوك القتّال، وعبد الله، والسراج المنير، وسيد ولد آدم، وصاحب لواء الحمد، وصاحب المقام المحمود؛ وغير ذلك من الأسماء. (ابن القيم، 1440،[1/73،74]). قال ﷺ: “إن لي أسماء: أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب الذي ليس بعده نبي” (الترمذي،1430، [5/115])

ج- أمهاته من الرضاعة:

كانت العادة عند الحاضرين من العرب أن يلتمسوا المراضع لأولادهم، ابتعاداً لهم عن أمراض الحواضر؛ لتقوى أجسامهم، وتشتد أعصابهم، ويتقنوا اللسان العربي في مهدهم، فالتمس عبد المطلب لرسول الله ﷺ الرضعاء. (المباركفوري،1423، ص46)، والنساء اللاتي أرضعنه هن:

  1. ثُوَيبة مولاة أبي لهب، أرضعته أيامًا وأرضعت معه أبا سلمة عبد الله بن عبد الأسد المخزومي بلبن ابنها مسروح، وأرضعت معهما عمه حمزة بن عبد المطلب.
  2. ثم أرضعته حليمة السعدية بلبن ابنها عبد الله أخي أنيسة والشيماء ــ أولاد الحارث بن عبد العزَّى بن رفاعة السعدي. وأرضعت معه ابن عمه أبا سفيان بن الحارث بن عبد المطلب. (ابن القيم،1440، [1/68])
  3. زوجاته -عليه الصلاة والسلام:

تزوج عليه الصلاة والسلام إحدى عشرة امرأة، ودخل بهن، منهن اثنتان ماتتا في حياته وهما السيدتان: خديجة، وزينب أم المساكين، وتوفي عن تسع، وهن: عائشة بنت الصديق، وسودة بنت زمعة، وحفصة، وأم سلمة، وزينب بنت جحش، وأم حبيبة بنت أبي سفيان، وجويرية بنت الحارث المصطلقية، وصفية بنت حيي النضيرية، وميمونة بنت الحارث الهلالية. وتسرى جاريتين: مارية القبطية، وريحانة بنت زيد اليهودية، وقد ماتت في حياته. (أبو شهبة، 1412، [2/620])

  1. خديجة بنت خويلد -رضي الله عنها-:

أول زوجات النبي ﷺ هي خديجة ابنة خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب القرشية، الأَسَدِيّة. (الذهبي،1405،[2/109]). كانت رضي الله عنها تسمى سيدة نساء قريش، وتسمى الطاهرة وذلك لشدة عفافها، وكانت نقية ذات عقل واسع، وحسب، ومال. لما سمعت رضي الله عنها بعظيم أمانة الرسول -ﷺ-، وحسن أخلاقه، وصِدق حديثه، أحسّت رضي الله عنها أنها وجدت ضالتها المنشودة فيه -ﷺ-، فقد عرفت أنه رجل لا تستهويه حاجة، وأنه لا يتطلع إلى مال، ولا إلى جمال، فحدثت بما في نفسها إلى صديقتها نفيسة بنت منية، فذهبت إلى النبي -ﷺ- وعرضت عليه أن يتزوج خديجة فرضي -ﷺ- بذلك. (العازمي، 1432، [1/125]). “قيل: تزوَّجها وله ثلاثون سنةً، وقيل: إحدى وعشرون. وهي أول امرأة تزوجها، وأول امرأة ماتت من نسائه ” (ابن القيم،1440، 1/61) وكان عمرها أربعين أو تزيد قليلاً. وقد كانت خديجة حازمة، عاقلة، طاهرة، عروباً لزوجها، وواست النبي بالنفس والمال، ورزقه الله سبحانه وتعالى منها البنين والبنات، عبدالله وزينب، ورقية، وأم كلثوم، وفاطمة- رضي الله عنهن.

وخديجة هي أول من آمن بالنبي ﷺ على الإطلاق، “كانت وزيرة صدق للنبي، ومسرّية عنه ما يجده من قومه، لا يسمع شيئا يكرهه من ردّ عليه، وتكذيب له، فيحزنه ذلك إلا فرّج الله عنه بها، إذا رجع إليها تثبته، وتخفف عنه، وتصدقه، وتهوّن عليه أمر الناس”. (أبو شهبة، 1412، 283). وقد هيأت له ﷺ كل أسباب الراحة النفسية، والبدنية، والمالية، فكان صُنع رسول الله معها رداً للجميل بمثله أو بأكثر منه. “وكان النبي -ﷺ- يثني عليها، ويفضلها على سائر أمهات المؤمنين، ويبالغ في تعظيمها” (الذهبي، 1405، [2/110]). وكافأها الله سبحانه وتعالى بأن أقرأها السلام، ففي الحديث عن أبي هريرة قال: “أتى جبريل النبي ﷺ فقال: يا رسول الله، هذه خديجة قد أتت، معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب، فإذا هي أتتك فاقرأ من ربها ومني، وبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب.” (البخاري، 1422، [5/39])..

توفيت رضي الله عنها بعد وفاة عمه أبو طالب بزمن يسير ولذلك سمي ذلك العام بعام (الحزن). “ووفاتها كانت قبل الهجرة بثلاث سنين، ولها من العمر خمس وستون سنة” (الذهبي، 1405، [2/111-112]).

وقد حزن النبي ﷺ لوفاتها، ذكر ابن سعد في طبقاته (1421): “لما توفى أبو طالب وخديجة بنت خويلد، وكان بينهما شهر وخمسة أيام، اجتمعت على رسول الله، – ﷺ -، مصيبتان فَلَزم بيته وأقلّ الخروج”. [1/179]

  1. سودة بنت زمعة – رضي الله عنها-:

هي سودة بنت زمعة بن قيس العامرية القرشية .أول من دخل بها الرسول -ﷺ- بعد خديجة رضي الله عنها، وانفردت به نحواً من ثلاث سنين أو أكثر، حتى دخل على عائشة، وكانت سيدة جليلة نبيلة ضخمة. (الذهبي، 1405، [2/265])

وقد كانت سودة رضي الله عنها عند ابن عمها السكران بن عمرو -رضي الله عنه- أخي سهيل بن عمرو -رضي الله عنه-، وكان السكران أسلم معها قديماً، وهاجر بها إلى أرض الحبشة الهجرة الثانية، ثم رجع بها إلى مكة، ومات قبل الهجرة. ولما كبرت سودة رضي الله عنها، خشيت أن يفارقها رسول الله -ﷺ-، فسألته أن يجعل يومها لعائشة رضي الله عنها، ولا يفارقها، ففعل رسول الله -ﷺ. وقد مكثت سودة رضي الله عنها عند الرسول -ﷺ- حتى توفيت بالمدينة في آخر خلافة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه.  (العازمي، 1432، [1/430])

  1. عائشة بنت أبي بكر – رضي الله عنهما-:

هي عائشة بنت أبي بكر الصديق (عبد الله) بن أبي قحافة (عثمان) بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن فهر بن مالك بن كنانة، أم عبد الله، القرشية، التيمية. تكنى بأم عبدالله. (المحجوب، 1432، 17). عن عائشة، أنها قالت: يا رسول الله -ﷺ -، كل صواحبي لهن كُنى، قال: “فاكتَني بابنك عبد الله” يعني ابن أختها، قال مُسدَّد: عبد الله ابن الزبير. (أبو داوود،1430، [7/326]،ح:4970).

وقد خطبها النبي ﷺ من أبيها الصديق وهي بنت ست وقيل سبع سنين، وبنى بها بعد الهجرة وهي بنت تسع، ولم يتزوج النبي ﷺ بكراً غيرها، وقد أراه جبريل صورتها في قطعة من حرير خضراء قبل أن يخطبها النبي ﷺ حيث قال لها: “أريتك في المنام مرتين، إذا رجل يحملك في سرقة حرير فيقول: هذه امرأتك، فأكشفها فإذا هي أنت، فأقول: إن يكن هذا من عند الله يمضه” (البخاري، 1422، [7/5]، ح:5078).

وقد دخل بها النبي ﷺ وهي فتاة حديثة السن تلهو مع صويحباتها، وقد تربت في منزل الوحي، فنشأت متخلّقة بأحسن الأخلاق، متطبعة بما يوافق هوى النبي ﷺ، فلا عجب أن كانت أحب نسائه إليه، وآثرهن عنده. وكانت عاقلة عالمة، روت عن النبي وعن أبيها وغيره من الصحابة، وروى عنها كثير من الصحابة والتابعين، وعنها أخذ الكثير من أحكام الشريعة، (أبو شهبة، 1412، [2/61]). قال عنها النبي ﷺ: “فَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ” (البخاري، 1422، [5/29]، ح: 3769])

ابتلاها الله برمي المنافقين لها بالإفك وبرأها الله من فوق سبع سماوات، وهي من أعلم النساء، وكانت وفاتها بالمدينة النبوية في شهر رمضان سنة ثمان وخمسين.

  1. حفصة بنت عمر – رضي الله عنهما-:

في السنة الثالثة تزوج النبي ﷺ بالسيدة حفصة بنت عمر بن الخطاب، واسمها حفصة بنت عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي. وأمها زينب بنت مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح أخت عثمان بن مظعون. (ابن سعد، 1410، [8/65]، 4129)

وكانت قبل النبي زوجاً لخنيس بن حذافة السهمي، وكان بدريا توفي بعد بدر. وبعد انتهاء عدتها عرضها والدها عمر على عثمان بعد وفاة زوجته رقية، فقال:  “سأنظر في أمري، فلبثت ليالي، فقال: قد بدا لي ألا أتزوّج يومي هذا. قال عمر: فلقيت أبا بكر، فقلت: إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر، فَصَمَتَ أبو بكر فلم يرجع إلي شيئاً، فكنت عليه أوجد منّي على عثمان، فلبثت ليالي ثم خطبها رسول الله ﷺ فأنكحتها إياه، فلقيني أبو بكر فقال: لعلّك وجدت عليّ حين عرضت عليّ حفصة فلم أرجع إليك؟ قلت: نعم، قال: فإنه لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت، إلّا أنّي قد علمت أن رسول الله ﷺ قد ذكرها، فلم أكن لأفشي سرّ رسول الله ﷺ، ولو تركها لقبلتها” . (البخاري، 1422، [5/83]، ح:4005)

كان لها دور بارز في جمع المصحف حين جمعه أبو بكر رضي الله عنه وأودعه عند أم المؤمنين حفصة بنت عمر، وفي عهد عثمان -رضي الله عنه- تم توحيد حرف المصحف، ورسمه من المصحف المجموع المودع لدى حفصة، ونسخت منه نسخ المصحف العثماني الإمام، ووزعت على الأمصار. (أيوب وآخرون، 1436، [9/119])

توفيت رضي اللّه عنها في شعبان سنة إحدى وأربعين، ودفنت بالبقيع وعمرها ستّون سنة، وقيل ثلاث وستون. (العازمي، 1432، [2/561])

  1. زينب بنت خزيمة -رضي الله عنها-:

في شهر رمضان من السنة الرابعة تزوج رسول الله ﷺ زينب بنت خزيمة بن الحارث بن عبد الله، ينتهي نسبها إلى هلال بن عامر بن صعصعة الهلالية، وهي التي يقال لها (أم المساكين)؛ لكثرة صدقاتها عليهم، وبرها إياهم، وإحسانها إليهم، وكانت قبله عند الطفيل بن الحارث بن المطلب، ثم خلف عليها أخوه عبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف أحد شهداء بدر، وقد ماتت في حياة النبي ﷺ، وقيل لم تلبث عنده إلا شهرين أو ثلاثة، ثم توفيت رضي الله عنها، وقد أصدقها رسول الله أربعمائة درهم. (أبو شهبة، 1412، [2/246])

  1. أم سلمة -رضي الله عنها-:

في السنة الرابعة تزوج رسول الله ﷺ بالسيدة أم سلمة، واسمها هند بنت أبي أمية بن المغيرة المخزومية القرشية، وكانت قبل النبي عند الصحابي الجليل ابن عمها وأبي أولادها أبي سلمة بن عبد الأسد المخزومي، الذي توفي في جمادى الأولى من نفس العام، وقد أنجبت منه سلمة وعمر وزينب ورقية، فلما انقضت عدتها وحلّت، خطبها النبي ﷺ في شوال من هذا العام، فأرسل إليها عمر بن الخطاب فاعتذرت بأنها امرأة غيرى وأنها ذات عيال، فلم يجد رسول الله بُدّاً من أن يذهب إليها بنفسه.

 عن أم سلمة – رضي الله عنها- قالت: أتاني أبو سلمة يوماً من عند رسول الله ﷺ فقال: “لقد سمعت من رسول الله ﷺ قولا فسررت به، قال: ” لا يصيب أحداً من المسلمين مصيبة فيسترجع عند مصيبته، ثم يقول:  “اللهم أجرني في مصيبتي، واخلف لي خيرا منها، إلا فعل ذلك به “، قالت أم سلمة: فحفظت ذلك منه، فلما توفي أبو سلمة استرجعت وقلت:  “اللهم أجرني في مصيبتي واخلفني خيراً منه، ثم رجعت إلى نفسي قلت: من أين لي خير من أبي سلمة؟ فلما انقضت عدتي استأذن علي رسول الله ﷺ وأنا أدبغ إهاباً لي، فغسلت يدي من القرظ وأذنت له، فوضعت له وسادة أدم حشوها ليف، فقعد عليها فخطبني إلى نفسي، فلما فرغ من مقالته، قلت:  يا رسول الله، ما بي أن لا تكون بك الرغبة في، ولكني امرأة في غيرة شديدة فأخاف أن ترى مني شيئا يعذبني الله به، وأنا امرأة قد دخلت في السن، وأنا ذات عيال، فقال: ” أما ما ذكرت من الغيرة فسوف يذهبها الله عز وجل منك ، وأما ما ذكرت من السن فقد أصابني مثل الذي أصابك، وأما ما ذكرت من العيال فإنما عيالك عيالي”، قالت: فقد سلمت لرسول الله ﷺ، فتزوجها رسول الله ﷺ، فقالت أم سلمة: فقد أبدلني الله بأبي سلمة خيراً منه رسول الله ﷺ” (ابن حنبل،1421، [26/262]، ح:16344)

وقد زوجها إياه ابنها سلمة، وأصدقها رسول الله فراشاً حشوه ليف، وقدحاً، وصحفة، ومجشة- أي رحى-. وقد تربى أولادها الصغار في بيت النبي، مما جعلهم لا يشعرون بمرارة اليتم وذل الحاجة. وقد كانت عاقلة عالمة راوية، روت عن رسول الله بالذات وبالواسطة، وعن غيره من الصحابة، وعنها روى الكثيرون، وقد ساهمت في نشر العلم والحكمة عن رسول الله، وبسبب سؤالها للنبي نزلت بعض آيات القرآن وتشريعاته، وهي آخر أمهات المؤمنين وفاة، وكان وفاتها سنة اثنتين وستين. (أبو شهبة، 1412، [2/247-248])

  1. زينب بنت جحش -رضي الله عنها-:

في السنة الخامسة تزوّج النبي ﷺ السيدة زينب بنت جحش الأسدية، وأمها السيدة أميمة بنت عبد المطلب عمة النبي ﷺ، فهي من أوسط العرب داراً ونسباً، تزوجها النبي ﷺ بعد أن طلقها مولاه زيد بن حارثة، وقد تحقق بذلك غرضان شريفان: إبطال حرمة زوجة الابن المتبنّى، والقضاء على عنجهية الجاهلية بالاعتزاز بالأحساب والأنساب. (أبو شهبة، 1412، [2/294])، وكان رسول الله -ﷺ- قد زوجها من حبه ومولاه زيد بن حارثة -رضي الله عنه-، الذي كان يُدعى قبل إبطال التبني بزيد بن محمد، ومكثت زينب رضي الله عنها عند زيد -رضي الله عنه- سنة، ثم جاء إلى النبي يشكوها، فعن أنس قال: “جاء زيد بن حارثة يشكو، فجعل النبي ﷺ يقول: اتق الله، وأمسك عليك زوجك” (البخاري، 1422، [9/124]، ح:7420)

فكان رسول الله -ﷺ- يوصي زيداً بإمساكها، ثم شاء الله تعالى أن يتزوج النبي ﷺ من مطلقة متبناه زيد بن حارثة -رضي الله عنه-، ويواجه المجتمع بهذا العمل، الذي لا يستطيع أحد أن يواجه المجتمع به، فكان النبي -ﷺ- يستحيي أن يأمر زيدا بطلاقها، وكان يخشى الناس أن يعيبوا عليه، ويقولوا: تزوج امرأة ابنه بالتبني فأنزل الله تعالى: (وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه) [سورة الأحزاب]

وقد دخل النبي ﷺ على زينب بغير إذن، ولا عقد، ولا تقدير صداق، ولا شيء مما هو معتبر في حق النكاح في حق أمته، ولهذه الفضيلة كانت رضي الله عنها تفتخر على نساء النبي ﷺ وتقول: “زوجكن أهاليكن، وزوجني الله تعالى من فوق سبع سماوات”. (البخاري، 1422، [9/124]، ح:7420)

قالت عنها عائشة رضي الله عنها: “هي التي كانت تساميني منهن في المنزلة عند رسول الله ﷺ، ولم أرَ امرأة قط خيراً في الدين من زينب، وأتقى لله وأصدق حديثا وأوصل للرحم وأعظم صدقة، وأشد ابتذالاً لنفسها في العمل الذي تصدق به وتقرب به إلى الله تعالى” (مسلم،1334، [7/135]، ح:2442). وقال رسول الله لزوجاته ﷺ: “أسرعكن لحاقا بي أطولكن يدا. قالت: فكن يتطاولن أيتهن أطول يداً، تقول عائشة رضي الله عنها:  فكانت أطولنا يداً زينب؛ لأنها كانت تعمل بيدها وتصدق”. (مسلم، 1334، [7/144]، ح:2452). توفيت رضي الله عنها سنة عشرين للهجرة، في خلافة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وهي ابنة ثلاث وخمسين سنة، وكانت أول نساء النبي -ﷺ- موتاً بعده، وصلى عليها عمر -رضي الله عنه-، ودفنت بالبقيع. (العازمي، 1432، [3/82]).

  1. أم حبيبة بنت أبي سفيان -رضي الله عنها-:

في السنة الخامسة تزوج النبي ﷺ السيدة -أم حبيبة- رملة بنت أبي سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس، وأمها صفية بنت أبي العاص بن أمية، ولدت قبل البعثة بسبعة عشر عاماً، وكانت قد تزوجت قبل النبي ﷺ عبيد الله بن جحش، وكانا أسلما وهاجرا إلى الحبشة، فولدت بها ابنتها حبيبة وبها كانت تكنى، وقيل ولدتها بمكة ثم هاجرت بها، ثم تنصّر زوجها وبقيت على إسلامها، ثم مات، فلما انقضت عدتها كتب رسول الله ﷺ إلى النجاشي أن يتولّى له العقد عليها، فولي النجاشي العقد، وأمهرها عن رسول الله ﷺ أربعمائة دينار وتولّى نكاح (أم حبيبة) ابن عمها خالد بن سعيد بن العاص. وقد بقيت -رضي الله عنها- بالحبشة معزّزة مكرمة حتى قدمت إلى المدينة مع مهاجري الحبشة سنة سبع،  وكان من سرورها بهذا الزواج أن أهدت الجارية التي أرسلها النجاشي لتعرض عليها زواج رسول الله بها سوارين من فضة، وكانت وفاتها بالمدينة سنة أربع وأربعين. (أبو شهبة، 1412، [2/315]).

  1. جويرية بنت الحارث -رضي الله عنها-:

هي جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار بن الحارث بن مالك جذيمة بن سعد بن عمرو بن سعد هو المصطلق. (المكي، 1403، 45)

وقد كانت -رضي الله عنها- من السبايا بعد غزوة بني المصطلق، وهي ابنة الحارث بن أبي ضرار رئيس بني المصطلق، وتزوجها ﷺ، قالت عائشة رضي الله عنها:  وخرج الخبر إلى الناس أن رسول الله -ﷺ- تزوج جويرية بنت الحارث، فقال الناس: أصهار رسول الله -ﷺ، فأرسلوا ما بأيديهم من السبي، فأعتقوهم. قالت عائشة رضي الله عنها: فلقد أعتق بتزويجه -ﷺ- إياها مئة أهل بيت من بني المصطلق، فما أعلم امرأة كانت أعظم بركة على قومها منها. وبسبب زواج الرسول -ﷺ- من جويرية رضي الله عنها، هدى الله أكثر بني المصطلق إلى الإسلام، فقد أسلم أبوها الحارث، فخرج داعياً لقومه إلى الإسلام، فأسلموا 

وكانت جويرية رضي الله عنها حين تزوجها رسول الله -ﷺ- بنت عشرين سنة. وتوفيت سنة خمسين من الهجرة، وقيل: سنة ست وخمسين في خلافة معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه-، وصلى عليها مروان بن الحكم، وهو يومئذ والي المدينة، وكان عمرها حين توفيت رضي الله عنها خمسا وستين سنة. (العازمي، 1432، [3/89-91]).

  1. صفية بنت حييّ – رضي الله عنها-:

في السنة السابعة كان زواج النبي من السيدة صفية، واسمها صفية بنت حييّ بن أخطب بن سعية من سبط اللاوي بن نبي الله إسرائيل بن إسحاق بن إبراهيم، ثم من ذرية رسول الله هارون عليه السلام. (الذهبي، 1427، [3/484]، 122)

لما أجلى النبي ﷺ يهود بني النضير من المدينة كانت صفية حينئذ دون البلوغ، فلما بلغت تزوجها سلّام بن مشكم، ثم خلفه عليها كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق وقتل يوم خيبر. ولما فتح المسلمون خيبر كانت صفية في السبي، وصارت في سهم دحية الكلبي، فجاء رجل إلى النبي فقال: يا رسول الله أعطيت دحية صفية بنت حيي سيدة قومها، وهي ما تصلح إلا لك، فاستحسن النبي ما أشار به الرجل، وقال لدحية: “خذ جارية من السبي غيرها” ثم أخذها رسول الله وأعتقها وجعل عتقها صداقها. وهكذا ردّ النبي إليها بصنيعه هذا اعتبارها، وحفظ لها شرفها وسيادتها.

وقد روت عن النبي الأحاديث، وروي عنها، وكانت صفية عاقلة حليمة صادقة، وكانت وفاتها في رمضان سنة خمسين في زمن معاوية، وقيل سنة اثنتين وخمسين. (أبو شهبة، 1412، [2/383-385])

  1. ميمونة بنت الحارث – رضي الله عنها- :

في السنة السابعة كان زواج النبي ﷺ من السيدة ميمونة بنت الحارث الهلالية، كان اسمها برة فسماها رسول الله -ﷺ- ميمونة.

وهي أخت أم الفضل بنت الحارث زوج عمه العباس، وهي خالة عبدالله بن عباس، وخالد بن الوليد (الذهبي، 1405، [2/238]). وكانت قد تزوجت قبل النبي ﷺ، فلما مات عنها زوجها، تزوجها ﷺ.

توفيت ميمونة رضي الله عنها سنةً إحدى وخمسين للهجرة. (العازمي، 1432، [3/540]). وهي آخر زوجاته -ﷺ- لم يتزوج بعدها. قالت عنها عائشة -رضي الله عنها: أما إنها كانت من أتقانا لله وأوصلنا للرحم. ( أيوب وآخرون، 1436، [11/259])

هـ- أولاده – ﷺ -:

  1. القاسم، وبه كان يكنى، مات طفلًا. وقيل: عاش إلى أن ركب الدابة.
  2. عبدالله وهو الطاهر وهو الطيب بثلاثة أسماء، ولد بعد الوحي، ومات صغيراً. (المقريزي، 1420، [5/335])
  3. زينب، وهي أكبر بناته -ﷺ-، وأول من تزوج منهن، تزوجها ابن خالتها أبو العاص بن الربيع -رضي الله عنه-، أمه هالة بنت خويلد. عندما أسلمت زينب هاجرت مع أبيها -ﷺ-، وكانت زينب ولدت من أبي العاص عليّ وأمامة، أما علي فمات وقد ناهز الاحتلام، وأمامة عاشت حتى تزوجها عليّ بن أبي طالب بعد فاطمة -رضي الله عنها-. توفيت زينب في السنة الثامنة بعد الهجرة. (العسقلاني، 1415، [٨/ ١٥١])
  4. رقية، ولدت رقية وعمرُ رسول الله -ﷺ- ثلاث وثلاثون سنة، وتزوجها عثمان بن عفان -رضي الله عنه- بمكة، وهاجرت معه إلى أرض الحبشة، وولدت له هناك ابنًا فسماه: عبد الله، فكان عثمان -رضي الله عنه- يكني به، ماتت رضي الله عنها يوم بدر. (ابن الأثير، 1415، [7/115]).
  5. أم كلثوم، وهي أكبر من فاطمة، وتزوجها عثمان بن عفان -رضي الله عنه- بعد وفاة أختها رقية، في السنة الثالثة من الهجرة، ولم تلد من عثمان ولدًا، وتوفيت سنة تسع، وصلى عليها رسول الله -ﷺ-. (ابن الأثير، 1415، [7/375]).
  6. فاطمة، سيدة نساء العالمين في زمانها، كانت تكنى أم أبيها، قال عنها النبي ﷺ: فاطمة سيدة نساء أهل الجنة. وقال :”فاطمة بضعة مني، فمن أغضبها أغضبني” (البخاري، 1422، [5/29]، ح:3766-3767). وهي أصغر بنات رسول الله -ﷺ-، ولدت رضي الله عنها قبل البعثة بقليل، سنة إحدى وأربعين من مولد النبي -ﷺ، تزوجها علي في السنة الثانية، وانقطع نسل الرسول ﷺ إلا منها، وتوفيت رضي الله عنها بعد وفاة أبيها -ﷺ- بستة أشهر، وكانت أول أهله لحوقًا به. (٨/ ٢٦٢)

وكل بناته أدركن الإسلام، فأسلمن وهاجرن معه -ﷺ، والخمسة كلهم من خديجة، ولم يولد له من زوجة غيرها. ثم ولد له إبراهيم بالمدينة من سريته مارية القبطية سنة ثمان من الهجرة. وبشره به أبو رافع مولاه، فوهب له عبدًا. ومات ابراهيم طفلًا قبل الفطام، وكل أولاده توفوا قبله إلا فاطمة، فإنها تأخرت بعده بستة أشهر. (ابن القيم،1440،[1/91-92]) .

  1. أعمامه وعماته ﷺ :-

أعمامه هم: حمزة بن عبد المطلب -أسد الله وأسد رسوله سيِّد الشهداء- ، والعباس، وأبو طالب واسمه عبد مناف، وأبو لهب واسمه عبد العزَّى، والزبير، وعبد الكعبة، والمقوِّم، وضِرار، وقُثَم، والمغيرة ولقبه حَجْل، والغَيداق واسمه مصعب، وقيل: نوفل. وزاد بعضهم: العوَّام. ولم يُسلم منهم إلا حمزة والعباس. وأما عمَّاته، فصفية أم الزبير بن العوَّام، وعاتكة، وبَرَّة، وأروى، وأميمة، وأم حكيم البيضاء. (ابن القيم،1440، 1/92-93)

المبحث الثاني: عنايته ﷺ بالجانب النفسي لمن حوله:

اعتنى عليه الصلاة والسلام بمراعاة الجانب النفسي مع من حوله، فكان شديد الرفق بهم وبمشاعرهم، يتعامل معهم بأسلوب متودد ولطيف، يستمع لهم ويهتم لأمرهم، ويتفقد أحوالهم، يرسم الابتسامة على الوجوه، ويحيي الفأل والبشر، كان حديثه وأسلوبه يجذب القلوب قبل العقول، ويؤثّر على النفس والقلب والروح، يقول (ابن القيم ،1440) : ” كان يتخيَّر في خطابه، ويختار لأمَّته أحسن الألفاظ وأجملها وألطفها، وأبعدها من ألفاظ أهل الجفاء والغلظة والفحش، فلم يكن فاحشًا ولا متفحشًا ولا صخَّابًا ولا فظًّا” (2/419). ولم يؤثر عنه ﷺ أنه ضرب امرأة، أو عبداً، أو خادماً، أو شق عليه في شيء ﷺ.

المطلب الأول: عنايته بزوجاته ﷺ:

كان عليه الصلاة والسلام يساعد أهله في أعباء المنزل، سُئلت عائشة رضي الله عنها عما كان يصنع النبي في بيته فقالت: ” كان يكون في مهنة أهله، تعني خدمة أهله” (البخاري، 1422، [1/136]، ح:676). فكان يساعدهم ويعاون خَدمه، ويحلب شاته، ويرقع ثوبه، ويخصف نعله بيده، ويرقَّع دلوه، ويخدم أهله ونفسه، ويحمل معهم اللَّبِن في بناء المسجد ويذهب إلى السوق ويحضر لهم طعامهم، ولا يرى في ذلك منقصة، ولا ما يغض من شرفه وقدره. (أبو شهبة، 1412، [2/626])

 وكان عليه الصلاة والسلام يتفهم مشاعر زوجاته، ويعلم ما هو الدافع لها، والمتتبع لمواقفه مع زوجاته رضي الله عنهن يرى بشكل واضح وجليّ كيف كان يصف أحاسيسهن بشكل صائب ودقيق، مما يعني تفهمه الكامل لعواطفهن وبواعث تصرفاتهن، ولم يكن ينكر عليهن هذه المشاعر أو يتجاهلها، ومن ذلك قول عائشة رضي الله عنها: “قال لي رسول الله ﷺ: إني لأعلم إذا كنت عني راضية وإذا كنت علي غضبى. قالت: فقلت: من أين تعرف ذلك؟ فقال: أما إذا كنت عني راضية فإنك تقولين: لا ورب محمد، وإذا كنت غضبى قلت: لا ورب إبراهيم. قالت: قلت: أجل والله يا رسول الله، ما أهجر إلا اسمك”. (البخاري، 1422، [7/36]، 5228). من ذلك أيضا تفهمه لما يجدنه في نفوسهن من الغيرة الشديدة عليه، وكان تصرفه حيال ذلك تصرف هادئٌ وحكيم، فلم يكن ينهَرُهن على ذلك، لعلمه بضعف المرأة، ورحمته بهذا الضعف، بل كان يعالج مواقف الغيرة بينهن بهدوء وحكمة، ومن ذلك تعامله مع الموقف الذي كسرت فيه إحدى أمهات المؤمنين صحفة لضرّتها، فما كان منه إلا أن جمع فلقتي الصحفة وجعل فيها الطعام وهو يقول: “غارت أمكم” (البخاري، 1422، [7/36]، ح: 5225)، ثم أعاد صحفة سليمةً لمن تضررت صحفتها، وبهذا الحلم النبوي الكريم، وبهذه الحكمة الرشيدة طابت نفس صاحبة القصعة المكسورة، واعتذرت الكاسرة، وعاد الصفاء والهدوء والوئام وتظهر أيضا فراسته، حيث علم من حال عائشة- دون أن تتكلم- ما أصابها من الغيرة. (لاشين، 1423، [2/338]). ومن حلمه عليه الصلاة والسلام أنه كان يتسع صدره لطلب زوجاته أمراً ليس عنده ولا يريده، وكيف تعامل مع ذلك وأعطى الحرية لهن في اختيار العيش معه أو مفارقته. وكان عليه الصلاة والسلام يعبر لهن عن مشاعره ومن ذلك ما قاله لعائشة رضي الله عنها حينما قصّت له عائشة رضي الله عنها كيف كان تعامل أبو زرع مع زوجته ولطفه وكرمه معها، قال لها النبي ﷺ: “كنت لكِ كأبي زرع لأم زرع.” (البخاري، 1422، [7/27]، ح:5189). ويقصد بذلك أن سيرتي معك في الإكرام والحب كما كانت سيرة أبي زرع لأم زرع. وكان يناديهن بأحسن الأسماء، وكان يلقب عائشة – رضي الله عنها- (عائش)، عن عائشة قالت: “قال رسول الله ﷺ: «يا عائش، هذا جبريل يقرئك السلام، قلت: وعليه السلام ورحمة الله” (البخاري، 1422، [8/44]، ح:6201)

وكان عليه الصلاة والسلام حريصاً على العدل بينهن في القسمة المادية والمعنوية، وفي العدل بينهن في المبيت وذلك تطييباً لخواطرهن، مع أن العدل في المبيت هو حق له لا لهن -رضي الله عنهن-.

كان حسن المعاشرة وحسن الخلق مع زوجاته وكان من قوله لأصحابه : “خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي”. (الألباني، 1421، [2/409])، ح: 1923). وكان ينصت لهن ويستمع لحديثهن ويأخذ برأيهن، ومن ذلك ما حصل في صلح الحديبية حيث قال ﷺ لأصحابه: ” قوموا، فانحروا، ثم احلقوا ” فلم يقم منهم رجل، حتى قال ذلك ثلاث مرات، فلما لم يقم منهم أحد، قام فدخل على أم سلمة، فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت أم سلمة: يا رسول الله، أتحب ذلك؟ اخرج، ثم لا تكلم أحداً منهم كلمة حتى تنحر بدنك، وتدعو حالقك، فيحلقك. فقام، فخرج، فلم يكلم أحداً منهم حتى فعل ذلك: نحر هديه، ودعا حالقه. فلما رأوا ذلك قاموا، فنحروا” (ابن حنبل، 1421، [31/249]، 18928)

وكان عليه الصلاة والسلام وفيّاً لزوجاته، ومن ذلك مواقفه مع خديجة -رضي الله عنها- بعد وفاتها، وحرصه على الإحسان إلى صاحباتها وأخواتها. وكان يلاطف زوجاته، ولا ينفك عن مؤانستهن والتبسّط معهن، “وكان يسرِّب إلى عائشة بنات الأنصار يلعبن معها. وكان إذا هوِيَتْ شيئًا لا محذور فيه تابعها عليه. وكانت إذا شربت من الإناء أخذه، فوضع فمه على موضع فمها، وكان يتكئ في حَجْرها، ويقرأ القرآن ورأسه في حجرها وربما كانت حائضًا. وكان من لطفه وحسن خلقه مع أهله أنه يمكِّنها من اللعب، ويريها الحبشة وهم يلعبون في مسجده، وهي متكئة على منكبه تنظر. وسابقها في السفر على الأقدام مرتين، وتدافعا في خروجهما من المنزل مرة. ” (ابن القيم، 1440، [1/153]).

المطلب الثاني: عنايته بأبنائه وبناته ﷺ:

 كان ﷺ الأب الحاني العطوف الشفيق، وكان يعامل أولاده وأحفاده بحنان كبير، حيث كان يضمهم لصدره ويبتسم لهم ويداعبهم، وكان يتعاهد ابنه إبراهيم، ويذهب إليه عند دار مرضعته خارج المدينة، فيحمله ويقبّله، ويحكي ذلك أنس بن مالك -رضي الله عنه، فيقول “ما رأيت أحداً كان أرحم بالعيال من رسول الله ﷺ” حيث كان النبي ينطلق ومعه بعض أصحابه لمنزل مرضعة ابنه، ثم يدخل البيت “فيأخذه فيقبله. ثم يرجع”. (مسلم، [8/1808]، ح: 2316). وكذلك كان يقبّل ولديّ ابنته فاطمة ويقول عنهما: “هما ريحانتاي من الدنيا” (البخاري،1422، [5/27]، ح:3753). ولما راه الأقرع بن حابس وهو يقبّل الحسن قال”: إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحدا” فنظر إليه رسول الله ﷺ، ثم قال: “من لا يرحم لا يُرحم. ” (البخاري،1422، [8/7]، ح:5997).

وبالرغم من مشاغله ﷺ إلا أنه كان يلاعب أحفاده، ويمازحهم، فقد ” كان يصلي وهو حامل أمامة بنت زينب بنت رسول الله ﷺ، فإذا سجد وضعها، وإذا قام حملها” (أبو داود، د.ت، [1/241]، ح:917)، عن عبد الله بن الزبير قال: “أنا أحدثكم بأشبه أهله به وأحبهم إليه، الحسن بن علي، رأيته يجيء وهو ساجد فيركب رقبته، أو قال: ظهره، فما ينزله حتى يكون هو الذي ينزل، ولقد رأيته يجيء وهو راكع فيفرج له بين رجليه حتى يخرج من الجانب الآخر” (ابن سعد، 1421، [6/359]، ح: 1373). وفي إحدى المرات بينما كان يخطب عليه الصلاة والسلام أقبل الحسن والحسين -رضي الله عنهما- عليهما قميصان أحمران يعثران ويقومان، فنزل فأخذهما، فصعد بهما، ثم قال: “صدق الله (إنما أموالكم وأولادكم فتنة) رأيت هذين فلم أصبر” ثم أخذ في الخطبة”. (أبو داود، 1430، [2/327]، 1110). ويحكي أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي جلس بفناء بيت فاطمة، ثم سأل عن الحسن؟ فجاءه يُسرع في المشي؛ استجابة لنداء رسول الله ﷺ، فعانقه النبي وقبّله، وقال: “اللهم أحببه وأحب من يحبه” (البخاري، 1422، [3/66]، ح:2122)

وكان يستقبل ابنته فاطمة أحسن استقبال، فيقوم لها، ويقول لها: “مرحباً بابنتي” (البخاري، 1422،[8/41]، ح:6175)، وقد روت عائشة -رضي الله عنها- كيفية استقباله ﷺ لفاطمة حيث قالت : “كانت إذا دَخَلَتْ عليه قام إليها، فأخذ بيدها، وقبَّلها، وأجلسها في مجلسه” (أبو داود، 1430، [7/506]، ح: 5218). وكان يجلسها على يمينه. وربما بسط لها ثوبه. وكان يقول: “فاطمة بضعة مني، فمن أغضبها فقد أغضبني”. (البخاري، 1422،[5/21]، ح:3714).

ولم تكن مشاعر الرسول ﷺ تطيق رؤية ابنته فاطمة حزينة وذلك عندما أسرّ في أذنها وهو على فراش الموت فبكت، حتى أسرّ في أذنها ثانيـة وهـوّن عليها حتى ضحكت، فسألتها عائشة رضي الله عنها عن ذلك فقالت: “سارّني النبي ﷺ فأخبرني أنه يقبض في وجعه الذي توفي فيه فبكيت، ثم سارّني فأخبرني أني أول أهل بيته أتبعه فضحكت.” (البخاري، 1422، [4/204]، ح: 3625).

وقد كان يعتني ﷺ بهن في مرضهن حتى في أشد الأوقات .ومن ذلك لما أراد الخروج لغزوة بدر، أمر عثمان بن عفان -رضي الله عنه- أن يبقى عند زوجته رقية بنت الرسول ﷺ لأنها كانت مريضة : ( إن لك أجر رجل ممن شهد بدراً وسهمه ) (البخاري، 1422، [4/88]، 3130).

وكان ﷺ يستمع لمشاكلهن ويسعى في إصلاحها، ومن ذلك لما بعث أهل مكة في فداء أسراهم في غزوة بدر، بَعَثَتْ زينب بنت رسول الله ﷺ بمال وقلادة لها كانت لخديجة، أَدْخَلَتْهَا بها على أبي العاص حين بنى عليها، لفداء زوجها أبي العاص بن الربيع من الأسر، فلما رآى رسول الله ﷺ القلادة، رَقّ لها رقة شديدة، وقال: “إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها، وتردوا عليها الذي لها، فافعلوا ” فقالوا: نعم يا رسول الله، فأطلقوه”. (ابن حنبل، 1421، [43/381]، ح:26362)، ومن ذلك نصيحته التي قدّمها لفاطمة رضي الله عنها عندما طلبته خادماً يعينها في أمور بيتها.

وقد حزن ﷺ لفقد أبنائه وبناته، “وبكى لما شاهد إحدى بناته، ونفسُها تفيض”. (ابن القيم، 1440، [1/198])، وفقد أولاده الذكور صغاراً، كما فقد رقية وهو في غزوة بدر، ثم فقد زينب سنة ثمان، ثم فقد آخرهم إبراهيم وحَزِن لموته حزنه شديداً،  فقد دخل عليه وهو في لحظاته الأخيرة على وشك أن تفيض روحه، “فجعلت عينا رسول الله ﷺ تذرفان، فقال له عبد الرحمن بن عوف: وأنت يا رسول الله؟ فقال: يا ابن عوف، إنها رحمة. ثم أتبعها بأخرى، فقال ﷺ: إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضى ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون”. (البخاري، 1422، [2/83]، ح: 1303). ثم غسل وكفن، وصلى عليه النبي ﷺ وأصحابه.

المضامين التربوية – النفسية – في آيات تثبيت النبي ﷺ الموجهة له في سورة الأحزاب وتطبيقاتها المعاصرة

المطلب الأول: المضامين التربوية النفسية في التوجيه الأول: ﴿يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (1) وَاتَّبِعْ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (2وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَكِيلًا (3)

سبب نزول الآيات:

نزلت في أبي سفيان، وعكرمة بن أبي جهل، وأبي الأعور عمرو بن سفيان السلمي؛ قدموا المدينة بعد قتال أحد، فنزلوا على عبد الله بن أبي وقد أعطاهم النبي ﷺ الأمان على أن يكلموه، فقام معهم عبد الله بن سعد بن أبي سرح وطعمة بن أبيرق، فقالوا للنبي ﷺ وعنده عمر بن الخطاب: ارفض ذكر آلهتنا اللات والعزى ومناة، وقل: إن لها شفاعة ومنفعة لمن عبدها. وندعك وربك. فشق على النبي ﷺ قولهم، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ائذن لنا يا رسول الله في قتلهم. فقال: ”إني قد أعطيتهم الأمان“ . فقال عُمر: اخرجوا في لعنة الله وغضبه. فأمر رسول الله ﷺ عُمر أن يخرجهم من المدينة، وأنزل الله عز وجل هذه الآية”. (الواحدي، 1411، ص364)

تفسير الآيات:

أي: يا أيها الذي منَّ اللّه عليه بالنبوة، واختصه بوحيه، وفضّله على سائر الخلق، اشكر نعمة ربك عليك، باستعمال تقواه، التي أنت أولى بها من غيرك، والتي يجب عليك منها أعظم من سواك، فامتثل أوامره ونواهيه، وبلّغ رسالاته، وأدِّ إلى عباده وحيه، وابذل النصيحة للخلق. ولا يصدنك عن هذا المقصود صاد، ولا يردك عنه راد، فلا تطع كل كافر، قد أظهر العداوة للّه ورسوله، ولا منافق، قد استبطن التكذيب والكفر، وأظهر ضده. فهؤلاء هم الأعداء على الحقيقة، فلا تطعهم في بعض الأمور، التي تنقض التقوى، وتناقضها، ولا تتبع أهواءهم، فيضلوك عن الصواب. وأطع الله سبحانه فهو أحق أن تتبع أوامره وتطيعه، فإنه عليم بعواقب الأمور، حكيم في أقواله وأفعاله، لا تخفى عليه خافية. واعمل بما ينزل الله عليك من وحيه، وآي كتابه، إن الله بما تعمل به أنت وأصحابك من هذا القرآن، وغير ذلك من أموركم وأمور عباده خبيرا أي: ذا خبرة، لا يخفى عليه من ذلك شيء، وهو مجازيكم على ذلك بما وعدكم من الجزاء. ﴿وتوكل على الله﴾ في جميع أمورك وأحوالك، ﴿وكفى بالله وكيلا﴾ لمن توكل عليه وأناب إليه، وثق بالله لأنه أعلم بما هو أصلح للعبد. (الطبري، 1422، [19/5] – ابن كثير،1419، [6/335]- السعدي1420، ص657)

دلالة الآيات على تثبيت النبي ﷺ:

جاءت الآيات لتقول للنبي ﷺ ألّا يتأثر بأقوال الكافرين والمنافقين ، فلا يهتم باعتراضهم على أحكام الله وتشريعاته، وأن عليه أن يثبت ويتوكل على الله لأنه الأعلم والأحكم بما يصلح لعباده.

المضامين التربوية النفسية المستنبطة من الآيات:

  1. ابتداء التكليف بأحب الأسماء والصفات للمُكَلّف، فيه تأليف لقلبه وتخفيف للمهمة:

مناداة المرء باسمه الصريح دَلالة على أهمّيته، ويزداد الأمر لطفاً وتكريماً حينما يُنادى بأفضل صفاته أو أحب الأسماء إليه، وذلك أدعى لتآلف القلوب، وحصول المودة. وفيه تهيئة لنفس المخاطب وترغيبٌ لامتثال ما سيأتي ذكره بعد النداء، فيكون مستعدًا وحاضرَ القلب لما سيُلقى إليه.

وفي قول الله تعالى: ﴿يا أيُّها النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ﴾ نُودِيَ عليه الصلاة والسلام بوصْفِهِ دون اسمه، تعظيمًا وتكريمًا له، “يا أيها المُخبر عنا، المأمون على أسرارنا، المبلغ خطابنا، وإنما لم يقل: يا محمد كما قال: يا آدم، يا موسى، تشريفاً له، وتنويهاً بفضله” (صديق حسن خان)، ونداء الله تعالى رسوله بقوله ﴿يا أيها النبي﴾ نداء يتضمن تكريماً وتشريفاً لما تحمله النبوة من معاني التكريم والرفعة. وعن معاذ بن جبل، أن النبي ﷺ أخذ بيده يوما، ثم قال: “يا معاذ إني لأحبك” فقال له معاذ:  “بأبي أنت وأمي يا رسول الله وأنا أحبك” قال: “أوصيك يا معاذ لا تَدعن في دُبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ” (بن حنبل، 1421، [36/ 430]، ح: 22117)، ويُنسب لعمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه قال‏:‏ “يصفى للمرء ود أخيه المسلم أن يدعوه بأحب الأسماء إليه، ويوسع له فى المجلس ويسلم عليه إذا لقيه، وإذا قال له يا أبا فلان وكنّاه فقد أكرمه وتلطف له في القول، وذلك مما يثبت الود‏”. (ابن بطال،1423، [9/ 341]). والمناداة بأحب الأسماء تدل على تواضع وحُسن الخلق المُنادِي ، ويؤثر ذلك في نفس المُخاطَب ويستميل قلبه، ويجعل النفس تُقبل وتصغي بإنصات واهتمام، سواءً أكان الخطاب تكليفاً أو أمراً أو غير ذلك.

التطبيقات التربوية:

من الأمور المحببة للنفس مناداتها بأحب الأسماء إليها، فينبغي للمربي أن يُنادي المتربي بلطفٍ وأن يرفع من شأنه ويخاطبه باسمه الصريح أو كنيته، وألّا يناديه بصفةٍ لا يحبها أو بلقب فيه غِلظة وشدة، والأفضل من هذا أن يُلاطفه بمناداته بأحب أسماءه إليه، كقوله (أيها الشبل – يا أسماء – يا أيها الفتى المبدع – أيتها الرائعة.. الخ) ويستحسن أن يكون النداء أكثر لطفاً؛ إذا كان سيتبعه أمرٌ أو نهيٌ أو تكليف، حتى يستميل قلبه، ويطمئنه ويجعله مُتنبهاً لما سيُلقى إليه، ويُقرّبه نفسياً من المربي، ولا شك أن الأسلوب اللطيف في الحوار والخطاب له أثر إيجابي في استدعاء كوامن الخير لدى المتربي.

  1. التوكل على الله من أسباب طمأنينة النفس

التوكل هو: إسناد المرء مهامه وشأنه إلى من يتولى عمله. والوكيل هو: الذي يُسْنِد إليه غيره أمره (ابن عاشور،1404، [21/٢٥٣]). والتوكل على الله هو تفويض الأمر إليه سبحانه والاعتماد عليه بعد الأخذ بالأسباب والاعتراف بأن ناصية الإنسان بيد الله يصرّفها كيف يشاء، وأن حُكمه ماض، وقضاؤه عادل. فمن فوّض أمره لله واتكل عليه اطمأنت نفسه، وسكنت روحه.

يقول الله تعالى لنبيه ﷺ: ﴿وتَوَكل على الله وكفى بالله وكيلاً﴾ في ذلك تمهيد وتوطئة لتلقي تكليف يترقب منه أذى من المنافقين مثل قولهم: إن محمداً نهى عن تزوج نساء الأبناء وتزوج امرأة ابنه زيد بن حارثة، وهو ما يشير إليه قوله تعالى: ﴿ودع أذاهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا﴾ [الأحزاب: ٤٨]؛ “فأَمَرَهُ بتقوى ربه دون غيره، وأَتْبَعَهُ بالأمر باتباع وحيه، وعَزّزَهُ بالأمر بما فيه تأييده وهو أن يفوض أموره إلى الله. (ابن عاشور،1404). ويقول (السعدي،1420) في هذه الآية: “فإن وَقَعَ في قلبك، أنك إن لم تطعهم في أهوائهم المضلة، حصل عليك منهم ضرر، أو حصل نقص في هداية الخلق، فادفع ذلك عن نفسك، واستعمل ما يقاومه ويُقاوم غيره، وهو التوكل على الله، بأن تعتمد على ربك، اعتماد من لا يملك لنفسه ضراً، ولا نفعاً، ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً”(ص ٦٥٧).

فالمُتوكل على الله لا يقلق من المستقبل، بل يترك الأمر لله ويرضى بمشيئته، مُطمئنٌ لعدل الله ورحمته، واثق بالله وكفايته لعبده، يُطَمْئِنُ نفسه ومخاوفه وأفكاره بأن الله معه، “فالتوكل عند المسلم إذًا هو عمل وأمل، مع هدوء قلب وطمأنينة نفس، واعتقاد جازم أن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وهو للنفس سكون وطمأنينة؛ ذلك أن صاحبه يوقن أنه قد أوى إلى ركن شديد وأنه وضع أصله حيث يجب أن يوضع” (الجار الله، 1430). وذلك بعد أن يبذل المتوكل جهده في مباشرة السبب الذي أرشده الله إليه.

التطبيقات التربوية:

غرس قيمة التوكل على الله لدى المتربي تعينه على مواجهة تحديات الحياة. وتجعله واثقاً بالله وبمعيته، يرضى بما قدّره الله له و يتقبل المشاكل والإحباطات التي تواجهه بنفس راضيةٍ مطمئنة، ومن طرق تعليم التوكل أن يكون المربي قدوة يراه المتربي يتوكل على الله في كل شؤون حياته بدءاً من أذكار الصباح، حيث يستعين بالله ويعتمد عليه بأن يقرأ أذكار الخروج وركوب السيارة ويشرح المعاني التي تتحدث عن التوكل في أذكار اليوم والليلة، مثل (بسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله…) وما يقال عند النوم: (اللهم أسلمت نفسي إليك وفوضت أمري إليك …)، وأن يوضح للمتربي الفرق بين التوكل والتواكل وتطبيق ذلك عملياً بأن يستعينوا بالله، بقراءة الأذكار مع تدبر معانيها ثم بذل الأسباب مثل ربط حزام الأمان، أو الاستعداد للاختبار، أو غسل اليدين قبل الطعام وغيرها، ومن الوسائل أيضاً قراءة قصص الأنبياء والتركيز على المواقف التي كان الأنبياء فيها في قمة توكلهم على الله تعالى كقصة نوح عندما قال (على الله توكلت فأجمعوا أمركم) [يونس:71]، وموسى عندما قال: (كلا إن معي ربي سيهدين)[الشعراء:62]، ومحمد ﷺ حينما كان في الغار وطمأن أبو بكر بقوله (لا تحزن إن الله معنا) [التوبة:40].

المطلب الثاني: المضامين التربوية النفسية في التوجيه الثاني: ﴿ وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِنَ ٱلنَّبِیِّـۧنَ مِیثَـٰقَهُمۡ وَمِنكَ وَمِن نُّوحࣲ وَإِبۡرَاهِیمَ وَمُوسَىٰ وَعِیسَى ٱبۡنِ مَرۡیَمَۖ وأخذنا مِنۡهُم ميثاقا غَلِیظࣰا ۝٧﴾

تفسير الآيات:

يقول الله تعالى مخبراً عن أُولي العزم من الرسل (نوح – إبراهيم – موسى- عيسى – محمد) عليهم الصلاة والسلام، وعن بقية الأنبياء: أنه أخذ عليهم العهد والميثاق في إقامة دين الله، وإبلاغ رسالته، والتعاون والتناصر والاتفاق، وأخذ من جميعهم عهداً مؤكداً أن يُصدّق بعضهم بعضاً. ونصّ من بينهم على هؤلاء الخمسة، وهم أولو العزم، وهو من باب عطف الخاص على العام، فبدأ في هذه الآية بالخاتم؛ لشرفه -صلوات الله وسلامه عليه- ثم رتبهم بحسب وجودهم صلوات الله وسلامه عليهم. (وأخذنا منهم ميثاقاً غليظاً) أي عهداً وثيقاً عظيماً على الوفاء بما التزموا من تبليغ الرسالة، وأن يصدق بعضهم بعضاً. والميثاق هو اليمين بالله تعالى، فالميثاق الثاني تأكيد للميثاق الأول باليمين. وقيل: الأول هو الإقرار بالله تعالى، والثاني في أمر النبوة. (ابن كثير،1419،[6/342] – الطبري،1422،[19/23] – القرطبي، 1384، [14/126])

دلالة الآيات على تثبيت النبي ﷺ:

تدل الآية على مكانة الرسول محمد ﷺ عند الله تعالى، وهو -خاتم الأنبياء- ومُقدّم على الأنبياء كلهم، وقد ذكر (الشنقيطي،1415) أن الله قد بيّن الميثاق في سورة ال عمران، فقال تعالى: ( وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه ۚ قال أأقررتم وأخذتم علىٰ ذٰلكم إصري ۖ قالوا أقررنا ۚ قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين ([ال عمران:81] حيث أخذ العهد من الأنبياء عليهم السلام كي يؤمنوا بالنبي ﷺ إذا هو بعث في زمانهم ذكر (الطبري، 1422) : ” لم يبعث الله عزّ وجلّ نبيا قط من لدن نوح إلا أخذ ميثاقه : ليؤمننّ بمحمد ، ولينصرنه إن خرج وهو حيّ ، وإلا أخذ على قومه أن يؤمنوا به ، ولينصرنه إن خرج وهم أحياء”

المضامين التربوية النفسية المستنبطة من الآية:

  1. من صور الاحترام والتقدير، ابتداء الخطاب بتقديم ذكر اسم صاحب الشأن

من الأمور التي تحتاجها النفس البشرية الوصول إلى التقدير الاجتماعي، ومن وسائل تكريم المرء تقدير منزلته وإبراز مقامه وأهميته، ومن ذلك البدء عند الخطاب بتقديم اسمه لبيان قدره الذي يختص به عن غيره.

وقد بدأت الآية بذكر النبي محمد ﷺ وقدمته على كل الأنبياء “لشرفه -صلوات الله وسلامه عليه -ثم رتبهم بحسب وجودهم صلوات الله وسلامه عليهم” (ابن كثير،1419). كما خصت بالذكر أولو العزم من الرسل على جميع الأنبياء والرسل، وقُدّم ذكر نبينا محمد ﷺ في أولهم مع أنه آخرهم زماناً، وذلك لفضله ومنزلته المقدمة عليهم فهو “أفضل أولي العزم: محمد ﷺ خاتم النبيين وإمام المتقين، وسيد ولد آدم، وإمام الأنبياء إذا اجتمعوا، وخطيبهم إذا وفدوا” (ابن تيمية،1405هـ، ص11)

وقد اعتنت التربية الإسلامية بإنزال الناس منازلهم، “فليس الناس كلهم على حد سواء، فمن الناس من يكون له شأن ومنزلة، كتميزه في العلم أو يكون ذا منصب أو مكانة، فيُنزل المنزلة التي تليق به، وليس هو مثل سائر الناس، فكلٌ يعامل بما يستحقه، وينزل المنزلة التي يستحقها” (العباد، د.ت، [549/ 23]). والتكاليف والمهام أمرها ثقيل على النفس، ولكن ما يخففها هو جمال الأسلوب وحسن النداء وطريقة العرض المناسبة التي تجعل المكَلّف يحرص على أدائها بإتقان ويسر.

التطبيقات التربوية:

ينبغي تربية الأبناء على احترام الكبير وتقدير صاحب الشأن أو المنصب، سواءً أكان ذلك في مخاطبته أو التعامل معه، ومن ذلك التعامل باحترام وتقدير مع العلماء أو ولاة الأمر أو من هم أكبر سناً أو من لهم حق على المُتربي كالوالدين أو الأرحام وغيرهم، وذلك بأن يناديهم بالأسماء والألقاب التي تليق بهم، على سبيل المثال: أن ينادي العالم (يا شيخ) وينادي من يكبره في السن (يا عم) ومن له حق عليه كالمعلم والمربي (يا أستاذ). ومن ذلك قول الساقي أثناء حواره مع يوسف: ﴿يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ﴾ [يوسف: 46] “الساقي التزم أدب الحوار في عرض الرؤيا على يوسف – عليه السلام -، فأتبع لفظ العَلَم بلفظ اللقب، واقترن الاسم والوصف، وهذا في غاية الأدب والاحترام، ومناداة العالم بما هو أليق به” (الودعان،1434). ومن التربية أيضا أن يراعي المتربي مقادير الناس ومراتبهم ومناصبهم أثناء خطابه حيث يبدأ بالأعلى شأناً ومنزلة، على سبيل المثال: عند استقبال الضيوف أو دعوتهم أن يبدأ في حديثه بتوجيه الخطاب إلى الأكبر سناً كالجد، ومن ثم من هو بعده في المنزلة كالأعمام والأخوال، وتقديم الأكبر قدراً ومنزلةً عند الحديث في المجالس، وفي ابتداء الطعام، وعند الجلوس وغيرها، فإنزال الناس منازلهم ومعرفة أقدارهم لها وقعها في النفس ، وتربي في المجتمع الاحترام والتوقير وهذا مما يوطد علاقة المجتمع بعضه ببعض، وتجعله مجتمعاً سامياً. ومن الاحترام الذي ينبغي للمربي أن يحرص عليه أن ير وجود الأطفال والمراهقين فلا يغفل السلام عليهم أو الحديث معهم، وألا يتجاوزهم عند تقديم الطعام والشراب.

  1. النفس تحتاج للتقدير والثناء وإبراز صفاتها المميزة

جُبلت النفس على حبها للتقدير والاحترام والقبول الاجتماعي. ففي الثناء عليها وبيان حسناتها إشباع لهذه الحاجة. فهي تفرح بالذكر الحسن وتبتهج بالتكريم والتشريف والتميز، وتكريم المرء مما يحفز النفس على العمل والاستمرار، فهي تعلم بأن الجهد لا يضيع والمجهود لن يذهب سُدى، وفي الثناء تعريف المرء بجوانب شخصيته الإيجابية حتى يحسن استثمارها.

وقد ذكر الله تعالى النبيين في هذه الآية بشكل عام ثم خصَّصَ منهم بعض النَّبيين بالذكر فقال: ﴿ومِنكَ ومِن نُوحٍ وإبْراهِيمَ ومُوسى وعِيسى ابْنِ مَرْيَمَ﴾ “ووجه تخصيصهم بالذكر الإعلام بأن لهم مزيد شرف وفضل لكونهم من أصحاب الشرائع المشهورة ومن أولي العزم من الرسل” (الشوكاني،1414،[4/304]). ووجه تخصيص هؤلاء الخمسة بالذكر لأنهم “أصحاب الكتب والشرائع والحروب الفاصلة على التوحيد وأولو العزم” (ابن عطية،1422،[4/371]).

وبالثناء تسعد النفس، ويصبح كل فرد أعلم بنقاط القوة في شخصيته، ومجالاته التي يتميز فيها ،كما قال عليه الصلاة والسلام “أرْأَف أمتي بأمتي أبو بكرٍ ، وأشدُّهم في دينِ الله عمر ، وأصدقُهم حياءً عثمان ، وأقضاهم علي ، وأفرضُهم زيد بن ثابت ، وأقرؤهم أُبَيُّ ، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل ، ألا وإنَّ لكل أمة أمينًا ، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بنُ الجراح” (الألباني،1408، [1/211]، ح: 868) ، فقد أثنى عليه الصلاة والسلام على المميزين وصدّرهم وذكر جهودهم وحفظها لهم، كما قال نبينا ﷺ عن خديجة ( آمنتْ بي إذ كفر بي الناس، وصدَّقتني إذ كذّبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس) (بن حنبل،1421، [41/ ٣٥٦]، ح: ٢٤٨٦٤). ومما ينبغي على المُربي أن يحرص على إبراز قدرات المتربين ليتعرفوا ويتنبهوا لها، ويوظفوها أحسن توظيف.

التطبيقات التربوية:

يحسن بالمربين أن يحمدوا المتربين على أفعالهم الحسنة وسلوكهم الطيب، فالمدح والثناء يساهم في استمرار السلوك الإيجابي، ومثال ذلك قول: يعجبني فيك هدوءك وصبرك هذا اليوم، يعجبني فيك قدرتك على إدارة مصروفاتك، ويساعد الثناء والمدح في التخلص من السلوك السلبي مثل قول: أعجبني فيك اليوم أنك لم تصرخ عندما غضبت، بل حافظت على هدوئك، حيث يتنبه المتربي إلى الصفات الطيبة التي يتحلى بها مما يساعده على تثبيتها في شخصيته، ويحرص دوماً على أن يكون عند حسن ظن أهله ومن أثنى عليه فيستمر بسلوكه الحسن. “حاجات الانسان متنوعة ومتعددة؛ مادية ومعنوية أو نفسية، والاحتياجات النفسية لا تقل عن المادية، وتتبدى أهمية المدح في المجال التربوي بأنه اشباع لحاجة نفسية عند الطفل، فالإنسان بطبعه أو بفطرته يسعد ويميل لمن يشعره بأنه محبوب ومرغوب ومقدر ويمدحه ويثني عليه؛ لأن في ذلك اعتراف ضمني بوجوده وتقدير صريح بجهوده واحترام وتقبل معلن لشخصه” (عبد الكريم، ،1432، ص 151)

ويحسن بالمربي أن يعلّم المتربي اللطف في الكلام، “من علامات الاستقرار النفسي والنضج العقلي: الاعتراف بقدرات الآخرين” (الزهراني،1443،ص70) ومن ذلك الاعتراف بالفضل والدعاء لمن كان له جميل وفضل عليهم كما قال إبراهيم عليه السلام: (رب اغفر لي ولوالدي)، وتعويدهم على تقديم الشكر لمن أسدى لهم معروفاً، والثناء على كل جميل يرونه، قيل لرسول الله -ﷺ-: “أرأيت الرجل يعمل العمل من الخير، ويحمده الناس عليه؟ قال: “تلك عاجل بشرى المؤمن” (مسلم، 1334، [8/ 44]، ح: 2642)

  1. انتماء المرء لبيئة ومجتمع صالح، فيه تثبيت وتقوية للنفس :

الإنسان مخلوق اجتماعي بطبعه، يأنس بوجود الآخرين، ويحب التفاعل والحديث معهم، وقد جُبلت النفس البشرية على حاجتها للانتماء إلى بيئة تشترك معها في أفكارها، وتقتدي بها، وذلك لأن النفس قد تضعف وتحتاج إلى من يثبّتها ويذكرها ويؤنِسها. وهذا مما يقويها ويعينها على الاستمرار إذا هي علمت أن هناك من سَبقها، ومن هو على مثل طريقها ونهجها.

وقد جاء تذكير الله للنبي محمد ﷺ بمن سبقوه من الأنبياء، حيث ابتدأت الآية بذكرهم جميعاً بأسلوب مُجمل، ثم قدّمت أشرفهم وهو الرسول محمد ﷺ، ثم خصّت منهم أولو العزم من الرسل نوح وإبراهيم وموسى وعيسى، حتى يُصدّق بعضهم بعضاً، ويُثبّت بعضهم الآخر “أيْ أخذنا عهودهم بتبليغ الرسالة، والدعاء إلى الحق، والتعاون والتناصر والاتفاق” (القاسمي،1418، [8/53]). وذِكر الآية لأسماء الأنبياء الذين أتوا قبله فيه تأييد وتصديق وتقوية. “ووجه تعلق الآية بما قبلها هو أن الله تعالى لما أمر النبي عليه الصلاة والسلام بالاتقاء بقوله: ﴿يا أيها النبي اتق الله﴾ وأكده بالحكاية التي خشي فيها الناس لكيلا يخشى فيها أحداً غيره وبيّن أنه لم يرتكب أمراً يوجب الخشية بقوله: ﴿النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم﴾ أكده بوجه آخر وقال: ﴿وإذ أخذنا من النبيين﴾ كأنه قال اتق الله ولا تخف أحداً، واذكر أن الله أخذ ميثاق النبيين في أنهم يبلغون رسالات الله ولا يمنعهم من ذلك خوف ولا طمع” (الرازي،1420،[25/159]). ولما قال الله تعالى: ﴿ومنك﴾ و ﴿اتق الله﴾ و ﴿واتبع ما يوحى إليك﴾ أي “فلا تهتم بمراعاة عدو ولا خليل حقير ولا جليل …، وأتبعه بقية أولي العزم الذين هم أصحاب الكتب ومشاهير أرباب الشرائع تأكيداً للأمر وتعظيماٍ للمقام، لأن من علم له شركاً في أمر اجتهد في سبقه فيه” (البقاعي،1404، [15/294])

وقد اهتمت التربية الإسلامية بالبيئة التي ينشأ فيها المتربي، وأوجدت لها الضوابط فحثت على ملازمة الرفقة الصالحة، ونهت عن اتباع الفرق الضالة أو أصحاب السوء، لما لتأثيرها القوي على عادات وطباع وأفعال الانسان، ولتأثيرها على القناعات والأفكار، فقد يقتبس المتربي أو يحاكي كلامهم وتصرفاتهم، واجتماعه بغيره يُسهم في تأثره بهم وبسلوكياتهم وأفعالهم من حيث شعر أم لم يشعر، قال الله تعالى: (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا) (الكهف:28). ومعلوم أن الإنسان عدو ما يجهل “لكنه إذا وَجَد غيره وقد أقدم على فعل ما حاز فيه تقدمًا يرجوه هو لنفسه، دفعه هذا دفعًا لاتخاذ هذا الغير مثالًا له، وتظل فطرة الإنسان تحدوه للمحاكاة والتشبه بالغير، سيما في الأمور التي يتحقق له بها نفع أو تدفع عنه ضررًا ” (حليم، 1436). وهذا مما يدعو إلى أهمية إيجاد قدوة صالحة يقتدي بها المتربي، سواءً أكان في المنزل أو في المسجد أو في العائلة أو المدرسة وغيرها، فالصحبة أو البيئة التي تساعده على معرفة المزيد عن نفسه، وبالتالي تطوير هواياته، يمكن من خلالها التأثير بشكل إيجابي على المتربي سواءً أكان على المستوى الأخلاقي أو الصحة النفسية، فالصحبة الطيبة تساعد على تقوية الهمة والعزيمة، وتُنتج أشخاصًا إيجابيين نافعين لمجتمعاتهم.

التطبيقات التربوية :

على المربي أن يُوجد بيئة صالحةً للمتربي، ويبدأ بنفسه وأهل بيته، فيحرص على أن يكون صالحاً، لأن المتربي يتأثر بالمربي الملازم له أكثر من غيره، حتى يكون هو نموذجاً سلوكياً حياً يتعلم منه المتربي ويحاكيه، ثم يحاول أن يوجد له قدوات في المسجد والمدرسة والنادي، وأن يحبب إليه القدوات الصالحة من تاريخنا الإسلامي، بدءاً من قصص الأنبياء والصحابة وعلماء الأمة وغيرها، ومن الوسائل التي تساعد على ذلك على سبيل المثال: دعمهم في اختيار الأصدقاء ومن ذلك عقد لقاءات مع أصحابهم الإيجابيين والتعرف على أُسرهم. وتعليمهم آليات اختيار وانتقاء الصحبة الطيبة ومعايير انتقاء الأصدقاء الحقيقيين، ودفعهم للقراءة في قصص الصحبة الطيبة وفضل صحبتهم في الدنيا والآخرة. والمحبة طريق الاقتداء، فعندما يكون المربي محبوباً سيقتدي به من حوله، من حيث لا يشعرون حيث يتمثلون سمته وأسلوبه ويكتسبونه بغير وعي، فيؤثر ذلك على أخلاقهم وسلوكهم ومشاعرهم. وهنا يكمن سر تربوي عظيم كما قال عنه (الشريف،1440): فكما أن الحب يقوم على الإعجاب، أي: على التشابه فإن الحب – يولد المزيد من التشابه بين المتحابين. فالحب يوجد في النفس دافعاً إلى التشبه بالمحبوب، والتخلق بأخلاقه، والاتصاف بصفاته، وهذا الدافع يكون عادة لا شعورياً، يؤثر فينا ونحن لا نشعر (ص83).

  1. تهيئة النفس لتحمل المسؤولية؛ يجعلها على استعداد لتقبل وتنفيذ المهام:

الاعلام المسبق بالتكليف فيه تمهيد وتهيئة للنفس، حتى تُصبح متهيئةً مستعدةً للمهمة، متنبهةً يقظة، على عكس لو جاءتها المهام والمسؤوليات بشكل مفاجئ، فقد لا تكون النفس متهيئة ولا مستعدة. كما قال ورقة بن نوفل للنبي ﷺ بعد أن نزل عليه الوحي: ” هذا الناموس الذي أنزل الله على موسى، وإن أدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً” (البخاري، 1422،[4 /151]، ح:3392)

وقد ذكرت الآية أن الله أخذ من الأنبياء عهداً وثيقاً أن يعبدوا الله تعالى، ويدعوا الناس إلى عبادة الله تعالى، وأن يبشر كل واحد منهم بمن بعده، و “أن يعلنوا أن محمدا رسول الله، ويعلن محمد أنه لا نبي بعده” (الماوردي، د.ت ،[4/ ٣٧٧]). وإعلان الأنبياء بقدوم النبي ﷺ فيه تمهيد وتهيئة نفسية له؛ ليكون مستعداً للدور الذي سيقوم به، وهو متابعة منهج الأنبياء من قبله.

والنفسُ تجد سهولة للإقبال على العمل إذا كانت قد هُيئت له، بإعلامها بالدور المطلوب منها مسبقاً أو بتدرج التكليف لها، والنبي ﷺ عندما أخْبَرَ ورقة بما رأى يوم نزول جبريل عليه، قال له ورقة: ” يا ليتني فيها جذعاً، أكون حياً حين يخرجك قومك، فقال رسول الله ﷺ: أوَمُخرجي هم؟ فقال ورقة: نعم؛ لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً” (البخاري، 1422، [9/29]، ح:6982)، حيث أخبر ورقةُ النبيَ بأنه قد سبقه نبيّ من قبل، دعا بمثل ما دعا به النبي ﷺ، وأنه سيسير على نفس الطريق، وكأنه قد هيّئه لما قد يجد من متاعب وصعاب كما وجد الأنبياء من قبله.

وتهيئة النفس قبل تكليفها منهج مطرد وكثير في التربية الإسلامية، وقد جاءت التشريعات الإلهية متدرجة مراعيةً لطبيعة النفس الإنسانية، ومن ذلك تنوع أساليب القرآن، فإن لكل مقام مقالًا، فالخطاب القرآني في المرحلة المكيّة يختلف عنه في المرحلة المدنية، حيث تدرجت الأحكام للمسلمين بما يناسب واقعهم في مكة، فركّزت الآيات على التوحيد والتخلص من الشرك، ثم تدرجت الأحكام الشرعية تباعاً، حتى تنزلت آيات الحدود في العهد المدني. ومن الأمثلة أيضاً تهيئة النفس وتدريبها قبل قدوم رمضان، وذلك بتعويدها على الإكثار من صيام شعبان حتى تستعد النفس وتكون متهيئة لصوم ثلاثين يوماً من رمضان، كما قالت عائشة رضي الله عنها (وما رأيتُه أكثر صيامًا منه في شعبان) (البخاري، 1422،[3/ 38]، ح:1969).

وإن من أكبر الأخطاء في الخطاب الموجه إلى الأطفال في المرحلة الابتدائية، هو مخاطبتهم بما هو فوق قدرتهم على الإدراك والاستيعاب، “فما أكثر ما نخاطبهم بما نخاطب به الكبار مخدوعين بقدرتهم على حفظ بعض المفردات وترديدها فنظن أنهم قد استوعبوا وأدركوا المفاهيم التي تدل عليها تلك المفردات، مع أنه من الثابت علمياً الآن أن الطفل دون العاشرة نادراً ما يفهم المفاهيم المجردة، وأنه بعد العاشرة يبدأ في إدراكها ويتحسن إدراكه لها بالتدريج، حتى يبلغ حداً لا بأس به في الثانية عشرة من عمر، وحتى يبلغ مبلغ الكبار في إدراكه لها في الخامسة عشرة من عمره ” (الشريف،1440، ص140)

التطبيقات التربوية :

اعتنت التربية الإسلامية بالمتربي وأسلوب تعليمه، وراعت التهيئة والتدرج في ذلك، حيث يبدأ المُربي بتعريف المتربي على الله تعالى من خلال تذكيره ببعض الأذكار البسيطة كالتسمية والبسملة وأذكار الصباح ، وتعليمه بالمشاهدة وذلك من خلال تأمل بديع خلق الله سبحانه لكل ما يحيط بالطفل من نِعمٍ في جسده وفي محيطه وفي السماء والأرض وفي مأكله وملبسه وغيرها، ويستحسن تدريبه على حفظ قصار السور ، وأن يصطحب الوالد ولده إلى المسجد من باب تهيئته للعبادة، “والطفل حتى سن البلوغ غير مُطالب بأداء العبادات وجوبًا، بل يؤديها على سبيل الاعتياد والتدريب؛ فيسهل عليه أداء العبادات عند بلوغه؛ لأنها قد أصبحت بحكم العادة جزءًا من نظام حياته كالأكل والنوم، لا يستطيع التخلي عنه” (الزهيري، 2018) ، ومن ذلك قول النبي ﷺ: (مُروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين وفرقوا بينهم في المضاجع) ( الألباني، د.ت، [2/ 1021]، ح: 5868). ثم تأتي بعد ذلك التكاليف الأخرى تباعاً كصوم رمضان والتدرج فيه، وتعويد الفتاة على الستر والاحتشام ومن ثم لبس الحجاب وهكذا. والأمر نفسه مع التكاليف الدنيوية، يجب على المربي أن يراعي الفروقات العمرية ومراحل النمو فلا يطالب الطفل بمهام غير مناسبة لعمره أو لم يتدرب عليها من قبل، وبالتالي فلا يعاقبه أو يزجره إذا لم يتمكن من اتقانها، فعليه أن يراعي تهيئة الطفل نفسياً وجسدياً ومهارياً.

المراجع:

القرآن الكريم

ابن الأثير، علي بن محمد. (1415). أسد الغابة في معرفة الصحابة. ط1. ت: علي محمد معوض. لبنان، الكتب العلمية

ابن القيم، شمس الدين. (1417). زاد المعاد في هَدي خير العباد. ط1. ت: شعيب وعبدالقادر الأرنؤوط. بيروت، مؤسسة الرسالة.

ابن القيم، محمد بن أبي بكر. (1440). الروح. ت: محمد الإصلاحي. ط3. دار عطاءات العلم

ابن القيم، محمد بن أبي بكر. (1441). مدارج السالكين في منازل السائرين. ط2. الرياض، دار عطاءات العلم.

ابن تيمية، أحمد بن عبدالحليم. (1405). الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان. ت: عبد القادر الأرناؤوط. دمشق، مكتبة دار البيان.

ابن حنبل، أحمد. (1421). مسند الإمام أحمد بن حنبل. ط1. ت: شعيب الأرنؤوط. مؤسسة الرسالة.

ابن عاشور، محمد الطاهر. (1404). التحرير والتنوير تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير . تونس، الدار التونسية للنشر

ابن عطية، عبدالحق بن غالب. (1422). المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز. ط1. ت: عبد السلام عبد الشافي محمد . بيروت، دار الكتب العلمية ـ

ابن كثير، عماد الدين إسماعيل. (1419). تفسير القرآن العظيم. لبنان، دار الكتب العلمية.

ابن منظور، محمد بن مكرم. (1414). لسان العرب. ط3. دار صادرـ

أبو جحجوح، يحيى محمد. (1436). المضامين النفسية المستنبطة من سورة الشرح وتطبيقاتها في الإرشاد المدرسي. مجلة الجامعة الإسلامية للدراسات التربوية والنفسية، مج,23 ع،2 125 – . مسترجع من https://search.mandumah.com/Record/650248

الأحدب، ليلى. (د.ت). مقال: الايمان وأثره على الصحة النفسية. https://2u.pw/4zINc

الأزهري، محمد بن أحمد. (1422) تهذيب اللغة. ط1. ت: محمد عوض مرعب. بيروت، دار إحياء التراث العربي.

الأسمر، أحمد. (1422)، النبي المربي. دار الفرقان

الأصفهاني، الحسين. (1412). المفردات في غريب القرآن. ت: صفوان الداودي. ط1. دار القلم

الألباني، محمد ناصر الدين. (د.ت). صحيح الجامع الصغير وزياداته. المكتب الإسلامي.

‎الشريف، محمد كمال. (1440). تربية الطفل والمراهق رؤية نفسية إسلامية. ط1.

أيوب، أحمد بن سليمان. وآخرون. (1436). موسوعة محاسن الإسلام ورد شبهات اللئام. ط1. دار إيلاف الدولية للنشر والتوزيع.

البخاري، محمد إسماعيل، (1422هـ). صحيح البخاري. ت: محمد زهير. الرياض: دار طوق النجاة.

البدر، عبد المحسن بن حمد. (د.ت). شرح سنن أبي داود. ط1. دار الرسالة العالمية.

البقاعي، إبراهيم بن عمر. (1404). نظم الدرر في تناسب الآيات والسور. ط1. دائرة المعارف العثمانية،

بوذبنة، عمر. المري، فهد بن راشد. (1442). مكونات الطبيعة الإنسانية وتأصيلها في الفكر الإسلامي.

بولقصاع، محمد، والزغلول، محمد علي إبراهيم. (1431). النبي صلى الله عليه وسلم في ضوء سورة الأحزاب: دراسة موضوعية(رسالة ماجستير غير منشورة). جامعة آل البيت. مسترجع من http//:search.mandumah.com/Record/855669

الترمذي، محمد بن عيسى. (1430) الجامع الكبير سنن الترمذي. ط1. ت: شعيب الأرنؤوط. دار الرسالة العالمية.

الجابر، مال الله. (1438). المنهاج القراني في تقويم العاطفة تجاه الاهل والعشيرة. رسالة ماجستير.

الجار الله، مها يوسف جار الله الحسن. (1435). الأدب الرباني في اللقاء الاجتماعي من خلال سورة الأحزاب. مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية مج 29, ع 96- 17 ، 57،مسترجع من: http://search.mandumah.com/Record/495936

جبل، محمد حسن. (1431). المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم. ط1. القاهرة، مكتبة الآداب.

جرادات، يوسف عزت. عبدالجواد، خلف محمد. الداهري، صالح حسن. (1436). المضامين النفسية في قصص القرآن (رسالة دكتوراة غير منشورة) جامعة العلوم العالمية، عمان. مسترجع من: https://search.mandumah.com/Record/864140

الجرجاني، علي بن محمد. (1403). كتاب التعريفات. ط1. بيروت، دار الكتب العلمية.

الحلبي، أحمد بن يوسف. (1417) عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ. ط1. دار الكتب العلمية

حليم، محمد جمال. (1436). القدوة منهج إسلامي قويم. الوعي الإسلامي، س,53 ع606 20. – 18، مسترجع من http//:search.mandumah.com/Record7

حموش، مأمون. (1428). التفسير المأمون على منهج التنزيل والصحيح المسنون. ط1.

الخطيب، عمر عودة. (1425). لمحات في الثقافة الإسلامية. ط15. مؤسسة الرسالة.

الخليفة، أمل. (1443). مقال: الطبيعة الإنسانية في الفلسفات التربوية المختلفة والتصور الإسلامي لها. مجلة جامعة الطائف للعلوم الإنسانية. ع 32 .

الدويش، محمد عبدالله. (1437). التربية النبوية. مركز البيان للبحوث والدراسات.

الذهبي، محمد بن أحمد. (1405). سير أعلام النبلاء. ط3. مؤسسة الرسالة.

الذهبي، محمد بن أحمد. (1427). سير أعلام النبلاء. القاهرة، دار الحديث.

الرازي، زين الدين محمد. (1420) مختار الصحاح. ت: يوسف محمد. ط5. بيروت، المكتبة العصرية – الدار النموذجية.

الزبيدي، محمد مرتضى. (1422). تاج العروس من جواهر القاموس. ت: جماعة من المختصين. وزارة الإرشاد والأنباء في الكويت

الزهراني، صالح بن يحيى. (د.ت). مصفوفة البحث العلمي

الزهري، محمد بن سعد. (1421). الطبقات الكبير. ط1. ت: علي محمد. القاهرة، مكتبة الخانجي.

الزهيري، شريف عبدالعزيز. (2018). مقال تعويد الطفل على العبادة . الألوكة

سبع، توفيق محمد الجوهري. (1393). إعلاء السلوك بين القرآن وعلم النفس.

السعدي، عبد الرحمن بن ناصر. (1420). تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان. ط1. ت: عبد الرحمن اللويحق. مؤسسة الرسالة.

السعدي، عبدالفتاح أحمد. بستان، المتولي علي(2021). . الأبعاد التربوية الأخلاقية في التشبيهات القرآنية: سورة الأحزاب أنموذجا. المجلة العربية للدراسات الإسلامية والشرعية، ع،14 15 – .48 مسترجع من http//:search.mandumah.com/Record/ 1104588

سقا، جميلة. (1422). التأصيل الإسلامي لعلم النفس في ضوء توجيهات القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة. رسالة ماجستير.

سيت، الحارث طه محمود. (1442). المقام النبوي في ضوء سورة الأحزاب: دراسة موضوعية. مجلة الجامعة الإسلامية للدراسات الإسلامية، مج,29 ع،3 300 – .328 مسترجع من http//:search.mandumah.com/Record/ 1166679

الشاطبي، إبراهيم بن موسى. (1417). الموافقات. ط1. ت: مشهور آل سلمان. دار ابن عفان.

الشبيلي، علي بن محمد. (1440) 365 يوما من التربية الاسرية. دار امجاد حنين

الشنقيطي، محمد الأمين. (1415). أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن. بيروت، دار الفكر للطباعة و النشر و التوزيع.

شهبة، محمد بن محمد. (1412). السيرة النبوية في ضوء القرآن والسنة. ط2. دمشق، دار القلم

الشوكاني، محمد بن علي. (1414). الكتاب: فتح القدير. ط1. دمشق، دار ابن كثير

شويطر، فاطمة خلف. علاونة، شفيق فلاح. الطوالبة، محمد عبدالرحمن. (1422). الآثار التربوية لبعض أسماء الله الحسنى في الجوانب النفسية والأخلاقية والاجتماعية. (رسالة ماجستير غير منشورة) جامعة اليرموك، إربد. سترجع من http//:search.mandumah.com/Record/567115

الطبري، محمد بن جرير. (1422)جامع البيان عن تأويل آي القرآن. ط1. ت: عبد الله التركي. القاهرة، دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع.

العازمي، موسى بن راشد. (1432). اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون «دراسة محققة للسيرة النبوية. ط1. الكويت، المكتبة العامرية. 

عبد الله، سعادة شواهنة. (1443). شكايات الأنبياء عليهم السلام إلى الله في ضوء القرآن الكريم. مجلة إيفاد للعلوم الإنسانية والاجتماعية. رسالة ماجستير.

عبدالكريم، صالح. (1432). كيف تسعد أبناءك. عراس للنشر والتوزيع

عبيدات، ذوقان وآخرون. (1418). كتاب البحث العلمي مفهومه، أدواته، أساليبه. دار مجدلاوي للنشر والتوزيع

العسقلاني، أحمد بن علي. (1415). الإصابة في تمييز الصحابة.ط1. ت: عادل أحمد عبد الموجود. بيروت، دار الكتب العلميةـ

عمر، أحمد مختار. (1429). معجم اللغة العربية المعاصرة. ط1

الغرناطي، أحمد بن إبراهيم. (1410). البرهان فى تناسب سور القرآن. ت: محمد شعباني. المغرب، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية .

الغميز، عبد المحسن عبد الكريم. (1421). التوجيهات التربوية للأسرة المسلمة من خلال سورةالأحزاب (رسالة ماجستير). جامعة أم القرى.مسترجع منhttp://88.99.240.100/aleman/library/messages/02617.pdf

فرحة، محمد. (1439)، مفهوم النفس في الفلسفة الحديثة والمعاصرة مجلة جامعة تشرين للبحوث والدراسات العلمية – سلسلة الآداب والعلوم الإنسانية، مج40، ع2

فودة، عبد الله وآخرون. (1407). المرشد في كتابة البحوث التربوية. مكتبة المنار.

القاري، علي بن سلطان. (1422). مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح. ط1. بيروت، دار الفكر.

القاسمي، محمد جمال. (1418). محاسن التأويل. ط1. ت: محمد باسل عيون السود. بيروت، دار الكتب العلمية.

القاهري، زين الدين محمد. (1410). التوقيف على مهمات التعاريف. ط1. القاهرة، عالم الكتب .

القرشي، محمد عزيز. (1433). التناسق الموضوعي في سورة الأحزاب. الناشر جامعة ام القرى. رسالة ماجستير.

القرطبي، محمد بن أحمد. (1384). الجامع لأحكام القرآن. ت: أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش. ط2. القاهرة، دار الكتب المصرية.

القيسي، لما ماجد. (1442). التناظر في القرآن الكريم: الانفعالات النفسية والمضامين الإرشادية في سورتي طه والإنسان. رسالة ماجستير.

لاشين، موسى شاهين. (1423). المنهل الحديث في شرح الحديث. ط1. دار المدار الإسلامي.

الماوردي، علي بن محمد. (د.ت). تفسير الماوردي النكت والعيون. ت: ابن عبد المقصود بن عبد الرحيم. بيروت، دار الكتب العلمية.

المباركفوري، صفي الرحمن. (1423). الرحيق المختوم. بيروت، دار الفكر.

المحجوب، ياسين الخليفة. (1432). إجلاء الحقيقة في سيرة عائشة الصِّدِّيقة. ط1. الظهران، مؤسسة الدرر السنية

مشعبي، سناء. (1439). المضامين التربوية في سورة الأحزاب دراسة موضوعية. رسالة ماجستير.

المقريزي، تقي الدين أحمد. (1420). إمتاع الأسماع بما للنبي صلى الله عليه وسلم من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع. ط1. ت: محمد النميسي. لبنان، دار الكتب العلمية.

المكي، الزبير بن بكار. (1403). المنتخب من كتاب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم. ط1. ت: سكينة الشهابي. بيروت، مؤسسة الرسالة.

المليجي، حلمي. (1394)، علم النفس المعاصر. ط2. بيروت، دار النهضة العربية.

المناوي، زين الدين محمد. (1410). التوقيف على مهمات التعاريف. ط1. القاهرة، عالم الكتب.

منظمة الصحة العالمية (2022) https://www.who.int/ar/news-room/fact-sheets/detail/mental-disorders

موقع التفسير الموضوعي

المولد، سماح بنت محمد. (1442). مراعاة المشاعر في القرآن الكريم (دراسة موضوعية)، حولية كلية أصول الدين بالقاهرة، مج 34، ع 1

نجاتي، محمد عثمان.(1410). مقال: منهج التأصيل الإسلامي لعلم النفس. مجلة المسلم المعاصر. ع57. https://2u.pw/2T5aH

النجار، عبدالمجيد. (1429). مقاصد الشريعة بأبعاد جديدة، ط2. دار الغرب الإسلامي.

الهروي، محمد بن أحمد. (1422). تهذيب اللغة. ت: محمد مرعب. ط1. بيروت، دار إحياء التراث العربي.

الواحدي، علي بن أحمد. (1411). أسباب نزول القرآن ط1. ت: كمال زغلول. بيروت، دار الكتب العلمية.

الودعان، محمد بن فهد. (1434). مقال : مناداة المحاور باسمه أو لقبه أو بالوصف المناسب له https://2u.pw/hMGQA موقع الألوكه