دور الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة في اليمن في تنفيذ الرقابة على الأداء في ظل وجود الإكراهات

مجاهد محمد المعافا1

1 جامعة محمد الخامس كليه الخقوق، السويسي، الرباط، المغرب.

بريد الكتروني: mohamedalburki2013@gmail.com

HNSJ, 2022, 3(4); https://doi.org/10.53796/hnsj3418

Download

تاريخ النشر: 01/04/2022م تاريخ القبول: 15/03/2022م

المستخلص

هدف هذا البحث الى التعرف على المعوقات والمشاكل التي تؤثر وتقيض دور الجهاز المركزي في تنفيذ رقابة الأداء بفعالية. استخدم الباحث المنهج الوصفي التحليلي، توصل البحث الى أن عملية تعزيز قدرات أي جهاز رقابي في العالم تتطلب تغييرات على ثلاث مستويات مختلفة: المستوى الأول: يركز على الإصلاحات التي قد تكون مطلوبة على المستوى المؤسسي. المستوى الثاني: بشأن التغييرات التي يتعين القيام بها لتعزيز المستوى التنظيمي. المستوى الثالث: يتعلق ببناء قدرات الرأسمال البشري (الموارد البشرية).

تقديم

إن مما لا يجب الملل من التذكير به والتأكيد عليه أن الهدف الأساس من خلق الأجهزة العليا للرقابة والمحاسبة هو المساعدة بشكل مستقل وفعال، على المحافظة على المال العام وتقييم الأداء في القطاعات الحكومية، وعلى سلامة ما يرتبط به من قواعد قانونية وضوابط تنظيمية وإدارية، وهو ما يشكل جزء لا يتجزأ من استقرار وطمأنينة الفرد والمجتمع لقاء المساهمات الضريبية والمالية المؤداة للدولة ومشتقاتها مقابل الأمن والخدمات والبنى التحتية للدولة ومؤسساتها.

نؤكد، إن الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة أو الجهاز الأعلى للرقابة المالية العامة والمحاسبة كما يطلق عليه في بعض الدول هو هيئة عامة تابعة لدولة أو لمنظمة تتجاوز نطاق المحافظة أو الولاية أو المديرية المحلية – بغض النظر عن تركيبها أو تسميتها أو تنظيمها – التي تمارس نشاط الرقابة المالية العليا في الدولة أو المنظمة المعنية تنفيذا للقوانين أو اللوائح الرسمية السائدة، والتي تطبق هذا النشاط بصورة مستقلة سواء باختصاص قضائي أو بدونه”([1])، نكتفي هنا الإشارة إلى ما ورد في التعريف المنسوب للمنظمة الدولية للأجهزة العليا للرقابة والمحاسبة المالية والمحاسبة (إنتوساي) إضافة وصف “العامة” للرقابة بكل أشكالها بعد أن كانت محذوفة في التعريف السابق، وهي إشارة ذات معنى مؤداها التنويه إلى الطابع الحكومي أو الرسمي لهذه الأجهزة ولا تمتد للأموال الخاصة.

عرف مسار التأسيس لمنظومة المراقبة على المال العام في اليمن عدة مراحل، كان مبتداها مع إحداث لجنة عليا للمتابعة بقصد التعاون مع أجهزة أخرى لدراسة القضايا المالية في العام 1969م، وكانت تجري أعمال اللجنة بأشراف مجلس الوزراء حتى العام 1974م عُوضت عنها وحل محلها أول جهاز مركزي للرقابة والمحاسبة بموجب القانون رقم (54) لسنة 1974م([2]).

لقد كان للتحولات السياسية والاقتصادية التي مرت بها الجمهورية اليمنية أثرها على الجهاز الرقابي، فبعد أن كان هناك دولتين شطريتين مختلفتين من حيث المنهج ومن حيث القانون، إلا أنه بعد قيام دولة الوحدة في 22 آيار من العام 1990م اندمج الشطرين في كيان واحد ودولة واحدة اسمها الجمهورية اليمنية، وتم دمج جهازي الرقابة المالية في الشطرين في إطار جهاز واحد وهو الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، ومقره الرئيسي بالعاصمة صنعاء وله فروع في كافة محافظات الجمهورية([3])، وقد صدر القرار الجمهوري بالقانون رقم 39 لسنة 1992م بشأن الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة ثم القرار الجمهوري رقم 2 لسنة 1993م بشأن لائحته التنفيذية، ومن هنا اكتملت صورة الجهاز بهيئته الحالية بعد مروره بعدة مراحل قبل الوحدة.([4])

أما فيما يخص نشأة رقابة تقييم الأداء في الجهاز الرقابي في اليمن في مرحلة ما قبل الوحدة، ففي الشطر الشمالي أشار القانون رقم (81) لسنة 1974م بشأن الجهاز إلى إنشاء الإدارة العام لمتابعة وتنفيذ الخطة وتقييم الأداء وتحديد اختصاصاتها، أما في الشطر الجنوبي فالقانون رقم (18) لعام 1972م لم ينص صراحة على تقييم الأداء، ولكن تم الإشارة بما يدل التفويض لممارسة تقييم الأداء في الفقرة (5) من المادة رقم (3) من القانون رقم (11) لسنة 1982م([5])، ولا يختلف الأمر عما سارت عليه جمهورية اليمن الديمقراطية في الجنوب من خلال أنشاء أول جهاز رقابي في العام 1923م تحت حكم الاستعمار البريطاني، اعتبرت عدن مركز لمصلحة الرقابة المالية ومركز أخر في المكلا عاصمة حضرموت ولكن كان عمل تلك المراكز محصورة في رقابة الميزانية.

إبان قيام دولة الوحدة تم دمج القانونين بالقانون رقم (39) لسنة 1992م نصت المادة رقم (8) منه صراحة على تقييم الكفاءة وممارسة رقابة الأداء على أساس معايير الكفاءة والفعالية والاقتصاد وعلى كافة الجهات الخاضعة لرقابة الجهاز.

وبناء على ما سبق وانطلاقا من عدة اعتبارات تتعلق أساسا بموضوعنا حول واقع ودور الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة في ممارسة مهام رقابة الأداء على الجهات الحكومية، وكذا من اعتبارات غياب منظومة فعالة للرقابة بتلك الجهات، وصعوبة إدماج اهتمامات ومتطلبات الرقابة في المنطق السياسي والإداري السائد([6])، وكذا لأهمية الدور الذي يلعبه المناخ السياسي المهمين في توجيه المنظومة الرقابية وتقدمها أو تخلفها، وكذا استمرارية وجود الاشكاليات والصعوبات التي تعيق من تطبيق وممارسة المهام الرقابية سواء تلك التي منها ذو طبيعة إدارية أو سوسيولوجية أو تقنية أو حتى قانونية بالجهات والجهاز الرقابي نفسه فسيتم مناقشة وطرح الإشكالات والصعوبات المتعلقة بتقييض تنفيذ رقابة الأداء سواء كانت معوقات تخص الجهاز الرقابي أو الجهات المراقبة.

وعليه: يمكن صياغة الإشكالية في السؤال التالي:

ما هي المعوقات والمشاكل التي تؤثر وتقيض دور الجهاز المركزي في تنفيذ رقابة الأداء بفعالية؟

وللإجابة على هذه الإشكالية سيتم تقسيم التصميم إلى مطلبين:

المطلب الأول: واقع الرقابة على الأداء في أجندة الجهاز المركزي.

المطلب الثاني: المشاكل والمعوقات التي تحد من دور الجهاز.

المطلب الأول: واقع الرقابة على الأداء في أجندة الجهاز المركزي

إن العلاقة التبادلية الإيجابية بين تحقيق أهداف التنمية في البلد وبناء الدولة من جهة، ودور الجهاز الأعلى للرقابة من جهة أخرى أضحت من الحقائق المسلم بها، ومن المقتضيات المتعارف عليها دوليا بين الجهات الحكومية في تلك الدول وأجهزة الرقابة العليا فيها.

في اليمن أصبح الدور الرقابي الملقى على عاتق الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة أمرا لا مناص منه، وبالتالي إصلاح القطاعات الحكومية وتحديثها، مهم لتحقيق أهدافها المرسومة وتطوير خدماتها ونتائج تدخلاتها وأثرها على المجتمع.

وعليه فتدخل الدولة بهذا المعنى، يخضع لمجموعة من المعايير والمقاييس القانونية والتنظيمية، تضفي على المراقبة طابعا تشاركيا يساعد القطاعات والجهات الحكومية على التدبير الجيد والعقلاني لمواردها المالية.

وبالتالي فقيام الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة وفق اختصاصه تنفيذ الرقابة على الأداء على الجهات الحكومية، يجعل نطاق تدخله يمتد لجميع نواحي الأنشطة والعمليات المالية والإدارية والفنية وغيرها، وبالتالي للجهاز سلطة بسط رقابته على كافة الأوجه أبتدأ من مرحلة التخطيط حتى التوريد للموارد المالية.

الفقرة الأولى: الاختصاص الشمولي للجهاز المركزي

أعتمد المشرع اليمني بالرغم من غياب النص الدستوري وعبر القانون المنظم للجهاز المركزي، على تضمين الرقابة الشاملة، عبر اختصاصات الجهاز، واستطاع تجاوز هاجس تطبيقات المشروعية والرقابة النظامية، ليهتم أكثر بإعطاء صلاحيات أوسع في ممارسة العديد من الاختصاصات الرقابية الحديثة، من خلال رقابة المشروعية ورقابة الأداء

فقد تضمن قانون الجهاز العديد من الاختصاصات، وفي شتى المجالات الرقابية، فبالإضافة إلى أعمال الرقابة المالية التقليدية هناك الاختصاصات الحديثة في مجال الرقابة على الأداء، وقد تضمن الهيكل التنظيمي الإداري للجهاز على إدارة رقابية متخصصة لممارسة تلك الاختصاصات الحديثة ممثلة بالإدارة العامة للرقابة على تنفيذ الخطة وتقييم الأداء وتهتم بالرقابة على خطط ومشاريع كافة الوحدات الإدارية الخاضعة للرقابة وتقييم إنجازاتها، وذلك قبل أن يتم تعميم اختصاص ومهام رقابة الأداء على كافة الإدارات الرقابية بالجهاز([7])، وبضرورة ممارستها على ضوء قواعد الرقابة المالية الصادرة عن المنظمة الدولية للأجهزة العليا للرقابة والمحاسبة (الأنتوساي) والمتضمنة للعناصر الأساسية رقابة الأداء وذلك على النحو التالي([8]):

  • رقابة اقتصاد الأنشطة الإدارية وفقا للمبادئ والممارسات والسياسات الإدارية السليمة
  • رقابة كفاءة الانتفاع من الموارد البشرية والمالية.
  • رقابة فاعلية الأداء والتي تتعلق بتحقيق الأهداف ومقارنة النتائج الفعلية لنشاطات الجهات الخاضعة للرقابة بالنتائج المستهدفة.

وقد نصت المادة رقم (8) من قانون الجهاز على أن يمارس الجهاز في مجال الرقابة على تنفيذ الخطة وتقييم الأداء وعلى اساس معايير الاقتصاد والكفاءة والفعالية الاختصاصات العامة الآتية ([9]):

أ-التدقيق وإبداء الرأي بشأن الخطط والمشروعات التنموية والاقتصادية والاجتماعية ومتابعة وتقييم البرامج الخاصة بتنفيذها للتحقق من أن النتائج الفعلية المحققة تتفق مع ما هو مخطط ومرسوم لها من حيث التكاليف والتوقيت الزمني والأهداف وطبقا للشروط والمواصفات المحددة.

ويدخل ضمن النص القانوني السابق ما يلي ([10]):

  • مراجعة تنفيذ المشروعات من حيث الكفاءة والفاعلية والاقتصاد، والتأكد من كفاءة الإجراءات والأساليب المتبعة، والاقتصاد في التكاليف والنفقات والفاعلية في تحقيق الأهداف.
  • مراجعة ومتابعة برامج التنفيذ لتلك المشروعات والتأكد من كفايتها وملائمتها.
  • مقارنة النتائج الفعلية بالأهداف المخططة ودراسة الفروق إن وجدت وأسبابها.
  • مراجعة وتقييم مصادر التمويل المنفذة بالمقارنة مع مصادر التمويل الأخرى المتاحة.
  • دراسة أسباب عدم تنفيذ المشروعات المعتمدة في الموازنة، والتحقق من أن عدم التنفيذ يرجع إلى ظروف قاهرة.
  • فحص وتقييم المشروعات من النواحي الفنية للتأكد من مطابقة المواصفات لما هو وارد في الاتفاقيات الموقعة وطبقا للشروط والمواصفات المحددة فيها.
  • دراسة أثر عدم تنفيذ المشروعات المدرجة بالموازنة على تنفيذ الخطط العامة.

ب- تدقيق وتقييم ومتابعة كل من الخطط المالية والاقتصادية العامة للدولة، والخطط المالية والاقتصادية الخاصة بالجهات الخاضعة لرقابة الجهاز، للتثبت من أن الخطط العامة تتماشى في كافة النواحي والأوجه مع الخطط العامة، والتأكد أن نتائج تنفيذ كل منها تتفق مع ما هو مرسوم ومخطط لها.

ج- تدقيق تقييم البرامج والموازنات السنوية المتعلقة بالنواحي المالية والاقتصادية، وعلى وجه الخصوص في مجالات النقد الأجنبي والموازنات السلعية وموازنات القوى الوظيفية للتحقق من موضوعية وواقعية أسس إعدادها وكفاءة الأساليب والإجراءات المتبعة في تنفيذها، ومدى الفاعلية في تحقيقها للنتائج والأهداف المرجوة.

د- فحص وتدقيق السجلات والدفاتر والمستندات والوثائق والبيانات المالية والفنية والإحصائية لكافة أنواع الأنشطة القائمة والمشاريع تحت الإنشاء في الجهات الخاضعة لرقابة الجهاز بغرض تقييم الأداء في تلك الجهات، وبيان مدى الفعالية في تحقيق الأهداف والكفاءة في الإجراءات والأساليب المتبعة، والتأكد من الاستخدام الأمثل للموارد الاقتصادية، والكشف عن الإمكانيات غير المستغلة، وإظهار مواطن الإسراف ونقاط الاختناق وتحديد الانحرافات واسبابها واقتراح وسائل علاجها وتلافيها.

ويدخل ضمن الفقرات السابقة لشرح الاختصاصات السابقة في مجال رقابة الأداء ما يلي([11]):

  1. فحص دراسات الجدوى الاقتصادية للمشروعات الاستثمارية للتأكد من كفاءة وجدوى تنفيذها وتأثيرها على الاقتصاد المحلي.
  2. تقييم وسائل التمويل المقترحة لتنفيذ تلك المشروعات بالمقارنة مع وسائل التمويل الأخرى المتاحة من ناحية، والتأكد من عدالة وموضوعية الفوائد والمصاريف المتعلقة بها من ناحية أخرى.
  3. دراسة الآثار الاجتماعية المترتبة على تنفيذ وتشغيل تلك المشروعات تماشيا مع ما أشارت إليه المنظمات الدولية والعربية والإقليمية للأجهزة العليا للرقابة، وذلك من حيث تلوث البيئة والعوادم والغازات والسموم والمخلفات الصناعية وأثرها على الأفراد والممتلكات وخاصة الزراعية.
  4. مقارنة النتائج المحققة للأنشطة بالنتائج المحققة ي السنوات السابقة للجهة الخاضعة للرقابة من ناحية، وبالنتائج المحققة في جهات مشابهة من ناحية أخرى، ومع مراعاة القيام بالمقارنة مع الأنشطة المشابهة في الخارج للتعرف على مدى تحقيق الجهة للأهداف المرجوة، والتحقق من أن النتائج المحققة تتفق مع الاتجاه العام للنتائج المحققة على المستوى المحلي للأنشطة المشابهة ومع النتائج المحققة على المستوى الخارجي.
  5. تقييم الانحرافات الموجبة أو السالبة بين الأداء المحقق والأداء المخطط للتعرف على أسبابها واقتراح وسائل علاجها وتلافي نواحي القصور والضعف فيها.

الفقرة الثانية: التوجهات الحديثة للجهاز حول الرقابة على الأداء

إدراكا بأهمية رقابة الأداء وبضرورة ممارستها في كافة قطاعات الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة وفروعه بالمحافظات، وعدم اقتصار مهام ممارسة مهام رقابة الأداء بالإدارة العامة لمتابعة الخطة وتقييم الأداء، فقد صدر قرار رئيس الجهاز رقم (44) لسنة 2004م بشأن تشكيل لجنة تقييم الأداء والتي حددت أبرز مهامها في الآتي ([12]):

1-إقرار منهجية موحدة ومعتمدة لتنفيذ تقييم الأداء، بما يتلائم مع بيئة العمل الرقابي ومتطلباته في الجمهورية اليمنية، ويلبي كافة متطلبات تقييم الأداء وفقا لعناصرها الثلاثة المتعلقة بالفعالية والكفاءة والاقتصاد ولكافة القطاعات المختلفة، وقد نتج عن ذلك صدور دليل رقابة الأداء الصادر بقرار رئيس الجهاز رقم (215) لسنة 2005م.

2-تقوم بممارسة تقييم الأداء وفقا لقانون الجهاز رقم (39) لسنة 1992م ولائحته التنفيذية خاصة المواد (68-105) من اللائحة المتعلقة بصلاحية ممارسة رقابة الأداء كافة القطاعات الرقابية بالجهاز وفروعه بالمحافظات.

3-توفير نظام فعال للمعلومات داخل الجهاز يخدم أهداف رقابة الأداء.

4-تدريب وتأهيل كوادر في مجال تقييم الأداء.

المطلب الثاني: المشاكل والمعوقات التي تحد من دور الجهاز.

يشكل اختصاص رقابة وتقييم الأداء من طرف الجهاز المركزي حلقة متميزة ضمن رقابة التدبير للأجهزة الحكومية وتطوير أدائها، إلا أنه يعاني الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة من عدة عوائق وإكراهات تحول في مجملها دون قيامه بالمهام المنوطة به على أكمل وجه وبالأخص فيما يرتبط بالرقابة على الأداء، ويتسم أدائه الرقابي بضعف بين على أكثر من مستوى، وتساهم عدة عوامل في تكريس واستمرار الوضعية المختلفة لهذا الجهاز الرقابي، ونجد أبرز هذه الإشكالات متمثلة في المشاكل والإكراهات الذاتية أو الداخلية التي ساهمت في شموليتها في عرقلة السير العادي للجهاز، وإكراهات خارجية تتعلق بالمحيط الرقابي والمتمثل في الجهات المراقُبة، وكما هو معروف أن مسلسل الإصلاحات هو المنقذ لمعالجة هذه المنظومة الرقابية والاختلالات الواردة فيها ولا بد من حلول واقتراحات تتمثل في جملة من المقومات التدبيرية في الجهاز الرقابي والجهة المراقبة.

وأثبتت التجربة الإدارية الممارسة في الجهات الحكومية إلى وجود حاجة ملحة لتطوير نظم مفاهيم وأساليب أعمالها المالية والإدارية والفنية، ودون إغفال وسائل التعرف على تقييم المستفيدين من الخدمات وارتباطها بتحقيق الأهداف المرجوة، وقد خطت الدولة خطوات جادة في انتهاج برنامج الإصلاح المالي والإداري للجهاز الإداري وعمل إجراءات لحماية المال العام وانطلاقا من فكرة الحكم الجيد -الحكامة والتي تشكل بدورها الهدف العام للإصلاح المالي والإداري.

إن كل عملية تقييم، بالرغم من الايجابيات العديدة لها، يمكن أن تحمل عدة مخاطر في ذاتها، وهذه المخاطر تتمثل بالخصوص في([13]):

  • ارتفاع تكلفته مقارنة مع الاستعمال المنجز وتأثيراته،
  • إمكانية تحول التقييم إلى وسيلة لتبرير حالة الفشل وبالتالي إعاقة مسلسل اتخاذ القرار.

فإذا كانت هذه المشاكل أو المعيقات والإكراهات ذاتية تمس التقييم ذاته فهناك مشاكل أخرى تهم محيط اشتغال المراجع وكيفية تدبير الخطط والبرامج في الجهات المراقبة نفسها، وعلى الرغم من كثرة وتعدد الاشكالات ([14]) الصعوبات التي تواجه الجهاز الرقابي في اليمن إلا أنه قد بذل جهودا مكثفة للتغلب على هذه الصعوبات وقد أحرز تقدما لا بأس به في هذا المجال إلا أنه تبقي بعض الإشكالات دون حل.

ولا شك بأن القيام بأي عمل رقابي يواجه عادة بعض الإشكاليات والمعوقات ويتوقف تنوعها على عدة عوامل، منها ما ينشأ بفعل القائمين بأداء العمل نفسه ومنها ما ينشأ بسبب الظروف الخارجية والظروف المحيطة بالعمل الرقابي سواء كانت هذه الجهات منتفعة أم متضررة منه، ولا شك أن درجة نجاح رقابة هذه الأجهزة الرقابية يتوقف إلى حد كبير على تغلبها على هذه الإشكاليات والصعوبات التي تعدد وتتباين باختلاف ظروف كل دولة.([15])

الفقرة الأولى: الإكراهات والعراقيل المتعلقة بالجهاز المركزي

تتمثل هذا الضغوطات أساسيا في الإكراهات القانونية والمؤسساتية، وضعف الموارد البشرية والمادية وإكراهات شكلية خاصة، حيث أشارت بعض الدراسات إلى وجود أنواع من المعيقات والإشكاليات التي تعترض أجهزة الرقابة في تنفيذ مهام رقابة الأداء ومنها على سبيل المثال لا الحصر غياب تنفيذ الرقابة السابقة على تخصيص الاعتمادات المالية، وعدم الربط بن ما هو معتمد ومنفذ في الواقع ([16]) (أي منصرف).

وانطلاقا من الجهود التي بذلت واتفقت جلها على ما خرج به اجتماع الأجهزة الرقابية العليا في الدورة المنعقدة بالرباط على وجود صعوبات ومعوقات تعيق الأجهزة الرقابية من ممارسة رقابة الأداء والتي من أهمها:([17])

  1. عدم سن التشريعات الرقابية اللازمة لتنفيذ رقابة الأداء على القطاع الحكومي بكل مستوياتها (الفعالية والكفاءة والاقتصادية).
  2. شحة الموارد البشرية اللازمة لتنفيذ رقابة الأداء لدى أجهزة الرقابة المالية العليا، وقد يكون ذلك بسبب عدم التأهيل العلمي المناسب لمثل هذه الرقابة، أو عدم توفير الحوافز الكافية للمراقبين.
  3. عدم وجود دليل أداء رقابي شامل يطبق على جميع الأنشطة والبرامج الحكومية نظرا لخصوصية وطبيعة كل نشاط خدمي.

وتتعدد الإشكالات والمعيقات المتعلقة باشتغال الجهاز من تأطير قانوني وضعف للأدلة المستخدمة ومحدودية الموارد البشرية والمالية أو ما يطلق عليها المرجعيات التدبيرية وهي كما يلي:

أولاً: معيقات اشتغال الجهاز المركزي

تحتاج الأجهزة الرقابية العليا بشكل مستدام إلى بناء مكوناتها التنظيمية وهي تشمل أطرها القانونية والقدرات العاملة فيها وأدوات اشتغالها من أجل تحقيق فعالية تدخلاتها والتأثير الايجابي في بنية ومحيط الجهة الخاضعة للرقابة.

ويواجه الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة في اليمن عدة إكراهات مرتبطة بعمله وبالأخص ممارسته لرقابة الأداء، ويعود ذلك إلى غياب المنهجية العلمية التي يتم الاستناد عليها عند التنفيذ للمهام وعدد من الصعوبات المتعلقة.

1: ضعف المرجعية القانونية للجهاز المركزي

كما سبقت الإشارة في اختصاصات الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، فالمرجعية القانونية لرقابة وتقييم الأداء العمومي تبقى جد ضعيفة وبالتالي غل يد الجهاز المركزي في مجال بسط رقابته على مجال تقييم الجهات الحكومية بالشكل المطلوب، لأنه لم يتم دسترة هذا الإختصاص بشكل واضح في الدستور اليمني، كما وأن جملة من مشروعات القوانين لا زالت مقترحات لم يتم اعتمادها والمصادقة عليه كما هو الحال بالدليل الإرشادي لرقابة وتقييم الأداء.

2: محدودية المرجعية التدبيرية

إلى جانب محدودية المرجعية القانونية، تصطف إلى جانبها المرجعية التدبيرية التي تشكل الوجه الآخر لضعف رقابة وتقييم الأداء للجهات الحكومية، وبالتالي لزم تقوية هذه المرجعية، إلا أن الواقع يكشف تواجد عدة إكراهات مرتبطة بهذه المرجعية تتمثل حسب مضمون نماذج واستمارات التقييم في:

  • ضعف اعتماد الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة على دليل لتقييم القطاعات والجهات الحكومية في اليمن، حيث يلجا المراقب إلى الاعتماد على تجاربه وخبرته، مما يعني الحاجة إلى اعتماد دليل محدث لمساعدة المراقبين في أداء مهامهم.
  • ضعف الكادر ودرايتهم بخصوصيات القطاعات الخدمية منها والتي تتسم بطابع تقني فني من حيث التنفيذ أو قياس الأثار.

ويمكن القول وفق ما أشار إليه مخيمر “عندما تقوم أجهزة الرقابة بقياس الأداء فإنه في الغالب تقوم بإعداد قائمة أو كشف يشير إلى قياس مدى قدرة تلك الوحدات على تنفيذ العمليات الإدارية (المخرجات)، مثل عدد المستفيدين من الخدمة الحكومية، والتعرف على عدد أو كمية المخرجات وليس الآثار والنتائج التي تتمخض عنها في الواقع، أي على صعيد رضا أو حاجة المواطنين للخدمات التي تقدمها الأجهزة الحكومية المختلفة، أو على صعيد النتائج التي تتحقق أو لا تتحقق على صعيد التنمية، وفي كل الأحوال فإن مخرجات العملية الإدارية في الأجهزة الحكومية لا يشترط بالضرورة أن تكون نتائج ذات معنى، ومن هنا فإنه يجب عدم إغفال هذه المسألة عند تنفيذ رقابة الأداء.([18])

وتعد الإشكالية التي تظهر في كثير من الأحيان على صعيد رقابة الأداء على الجهات الحكومية في اليمن هو التركيز على مخرجات (كفاءة) ونتائج (فاعلية) كل برنامج من البرامج الحكومية المختلفة بصورة منفردة، وبغض النظر عن علاقة هذا البرنامج بالنتائج التي قد يحدثها على صعيد تحقيق أو عدم تحقيق أهداف السياسة العامة على مستوى الحكومة ككل، والتي ترمي بوضوح نحو تحقيق التنمية المتوازنة والشاملة والمستدامة، وبعبارة أخرى قد يصبح التقييم على كفاءة وفاعلية أداء الوحدات الحكومية غير مجدية إذا اقتصرت العملية على قياس النتائج والمخرجات لكل جهاز حكومي وحدة إدارية على حده، بغض النظر عما يحدث على صعيد تحقيق أو عدم تحقيق السياسة العامة للحكومة.

ثانياً: إكراهات المحيط السوسيو ـ ثقافي

دلت ممارسة الرقابة على الأداء في الجهات الحكومية في اليمن على التأثير الدائم للخصوصيات السوسيو ـ ثقافية على عمل الجهاز المركزي، حيث يلاحظ على التقارير الإشارة من قريب أو بعيد إلى وجود إكراهات ذات طبيعة اجتماعية وثقافية تحد من نجاعة الرقابة، فمن خلال معطيات وملاحظات الجهاز الواردة في تقارير الرقابة على أداء الخطط، مثلا لوحظ ضعف ورفض المساءلة التي تعكس مدى ترسيخ ثقافة التقييم ومستوى درجة نضوج مستواهم المعرفي والسياسي، كما أن وجود عقليات مقاومة لمنطق المحاسبة والمساءلة تتجلى في إجابات وردود المختصين على الملاحظات.

ثالثاً: ضعف أنظمة المتابعة للتقارير الرقابية بالجهاز

تعتبر التقارير الرقابية أحد الأدوات المستخدمة في متابعة وتقييم الأعمال التقنية والإدارية لأي جهة خاضعة لرقابة الجهاز الرقابي، وتستخدم التقارير في جميع المستويات الإدارية وذلك لمتابعة كافة الأنشطة التنفيذية، سواء في منطقه عمل الوحدة التنظيمية الخاضعة للرقابة أو على مستوى الجهاز الرقابي للحكم على فعاليته ومدى تحقق أهدافه الرقابية في تحسين وتطوير أداء الجهات الخاضعة للرقابة. ([19])

وتعتبر أنظمة المتابعة والتقييم من الوظائف الرئيسية للإدارة العامة، كما أنهما يمثلان جزءا أساسيا من نظام المعلومات، والغرض الأساسي من متابعة التقارير الرقابية هو مساعدة الإدارة العمومية محل الرقابة على اتخاذ القرار الصائب في الوقت المناسب، عن طريق رفعها للجهة الأعلى لتفقد سير العمل واتخاذ قرارات التصحيح للمسار. ([20])

بيد، أن معظم إدارات الجهاز الرقابية تعاني من طرق وأساليب بدائية للتقييم والمتابعة بكونها تتسم بكمية وعدد التقارير الرقابية المنجزة والمصدرة، ودون الاهتمام بمراجعة وتقييم الجوانب الكيفية لتلك التقارير، وكذا عدم دراسة آثار وجودة تلك التقارير على المدى المستقبلي للجهات الخاضعة للرقابة ودورها في تصوير وتحسين أداء الجهات لتحقيق أهدافها المخطط والمرسومة.

كما لوحظ أيضا وجود قصور كبير في بعض الإدارات الرقابية بالجهاز وفروعه في تفعيل آلية لمتابعة ردود الجهات الخاضعة للرقابة على تقارير الجهاز، ومتابعة ما تم اتخاذه من إجراءات لازمة حيال ما تم الوقوف عليه من مخالفات وتجاوزات، وكذا متابعة الجهات الغير متجاوبة في تنفيذ توصيات الجهاز والتحقق من التزام الجهات المتجاوبة من تنفيذ التوصيات ومقترحات الجهاز. ([21])

الفقرة الثانية: إكراهات تتعلق بتدبير (الجهات الحكومية المرٌاقبة)

قد تؤثر الإشكاليات والصعوبات التي يرجع منشاؤها إلى بيئة العمل في الوحدات الخاضعة للمراجعة على العمل الرقابي للجهاز في مختلف مراحله، سواء فيما يتعلق بالتخطيط لعملية المراجعة أو في العمل الميداني أو على مستوى مخرجات العمل الرقابي، وذلك لأن عدم ملاءمة البيئة للمتطلبات الحديثة والمنهجية لعمل الجهاز يؤثر بلا شك بصورة مباشرة أو غير مباشرة على اكتمال العمل الرقابي وتحقيق أهدافه والوصول إلى غاياته.

أولاً: إكراهات تتعلق بتدبير الخطط ومعايير ومؤشرات التنفيذ

1: عدم وضوح أهداف الخطط والبرامج

يعد تحديد الأهداف والبرامج والأنشطة الحكومية في مستويات كل جهة حكومية حجر الأساس في عملية رقابة الأداء، ويعد كذلك الأساس الذي تقاس بموجبه النتائج المتحصلة، فبدون أهداف محددة لا يمكن من مقارنة النتائج التي توصلت إليها القطاعات أو تحديد الانحرافات بالتالي الحكم على فعالية أدائها.([22]) كما تعتبر هذه المعضلة هي السمة السائدة في معظم الوحدات الحكومية بالجمهورية اليمنية وقد أكدت هذه النتيجة إحدى الدراسات التي أجريت على عينة من الوحدات الحكومية والتي توصلت إلى غياب الأهداف الإستراتيجية والأهداف الواضحة في معظم الأجهزة الحكومية.([23])

وتجدر الإشارة إلى أنه غالبا ما تكون أهداف الوحدات الحكومية غير واضحة وغير معروفة بدقة وغير قابلة للقياس الكمي والموضوعي ويرجع ذلك إلى العديد من الأسباب والتي من أهمها. ([24])

  1. أن أغلب الوحدات الحكومية (مركزية ومحلية تتسم بضخامة الحجم لأنها تضم الكثير من الوظائف المختلفة حيث أنها صممت لتقديم خدمات متعددة لقطاعات كثيرة
  2. أن بعض الأهداف الحكومية لا تعلن إلا عن طريق تصريحات عامة أو تترك هكذا لأغراض سياسية.

ولذا يجب أن تكون هناك خطة يتم ترجمتها إلى أهداف رقمية أو كمية إن أمكن حتى يمكن مقارنة النتائج الفعلية بالأهداف المخططة، وفي حالة عدم التطابق يتم دراسة الأسباب التي حالت دون الوصول إليها من أجل اقتراح وسائل التصحيح المناسبة.

ويمكن القول بصفة عامة بأن قياس أهداف الوحدات الحكومية ليست بالعملية السهلة، حيث أن أهداف البرامج والأنشطة الحكومية عادة غير مالية، وفي هذه الحالة تأخذ عملية التقيد بأسلوب التقدير لما تحقق من نتائج من حيث نوعها ومدى فعاليتها، ويتطلب في النتائج دراستها من زواياها المختلفة حتى تكون نتائج رقابة الأداء أقرب ما يكون إلى الواقع والموضوعية. ([25])

2: صعوبة قياس وتحديد بعض معايير ومؤشرات الأداء

تواجه العديد من الجهات الحكومية صعوبات كثيرة في قياس وتحديد بعض المعايير والمؤشرات المتعلقة بنتائج نشاطها وتقييم أدائها، وبمعنى آخر أن الجهات لا تطبق المعايير الموضوعية في عملية قياس الأداء فضلا عن إخفاء بعض المعلومات المتعلقة بالوحدات الخاضعة للرقابة.

وتختلف درجة الصعوبة في تحديد المعايير والمؤشرات تبعا لاختلاف طبيعة النشاط الكمي وصعوبة القياس الكمي لتلك الأنشطة واختلاف وحدة قياسها، بالإضافة إلى صعوبة توحيد مفاهيم بعض معايير الأداء وعدم قدرتها على التعبير على الأداء، وترجع أسباب تلك الصعوبات إلى العديد من الأسباب من أهمها ([26]):

– تتمثل الإشكالية الأساسية المتعلقة بتحديد ماهية المعايير بعدد الأنواع المختلفة من النتائج الفعلية الناتجة عن تنفيذ القطاعات لمسؤولياتها، ويزداد هذا التعدد مع ارتفاع وتعقد المستوى الإداري الذي يتم تدقيق أدائه، ومن الضروري مراعاة الدقة في اختيار المعايير على ضوء الفهم الواضح لأهداف ووظائف القطاعات والعلاقات القائمة بين مراكز المسئولية.

– بالنسبة لمعدلات معايير الأداء قد تمثل هذه المعدلات الهدف المطلوب تحقيقه أو الحد الأدنى الواجب تحقيقه أو الحد الأقصى الذي لا يجوز تجاوزه أو الأبعاد الثلاثة معا.

– من حيث ترتيب المعايير التي يتم اختيارها ترتيبا يبين مدى أولويتها أو أهميتها يفضل اتباع ما يلي:([27])

أ ـ عدم اتخاذ معيار واحد يمكن على أساسه الحكم على مستوى أداء القطاع حكما دقيقا، حتى بالنسبة لمراكز المسئولية التي تزاول قدرا محددا من النشاطات.

ب -إعطاء كل معيار وزنا بقدر أهميته لتحقيق الهدف، ويلاحظ أن الأهمية النسبية للهدف تتوقف على مدى ارتباطه بأحد الأهداف للجهات التابعة للقطاع موضوع الرقابة، وعلى مدى أهمية الهدف بالنسبة لمجموع أهدافها.

– إعاقة قياس الأداء المؤسسي نظرا للأضرار أو السلبيات المرتبطة بذلك والتي من أهمها:([28])

  1. تعدد وتعقيد وطول الإجراءات الإدارية بما يتيح إيجاد وظائف للأفراد، وهو ما يعني تبني الدولة لفلسفة (وظيفة لكل موظف)، وهو ما من شأنه تضخم الجهاز الإداري الحكومي.
  2. ازدحام معظم الأجهزة الحكومية المركزية وبعض الوحدات المحلية بالموظفين أشباه العاطلين والذين يعملون لساعات محدودة وربما يتعذر على بعض الموظفين أن يجد عملا فعليا يؤديه.
  3. ازدواجية المسئولية الإدارية داخل الوحدة الإدارية نظرا لممارسة الوظيفة الواحدة من خلال أكثر من موظف مما يؤدي إلى إعاقة أداء العمل الحكومي، بل وضياع المسئولية بين الأفراد شاغلي الوظيفة الواحدة.

تبقى الإشارة في هذا الصدد إلى محدودية وضعف برامج التدريب والتوعية المنفذة في إطار الجهات الحكومية المراقبة، وإلى غياب سياسية واضحة تجاه التدريب بشكل عام لتلائم تلك البرامج القدرات والمهارات المطلوب تنميتها وتطويرها على الصعيد الوطني (المركزي والفروع في المحافظات).

ثانياً: إشكالية تعثر المشاريع العمومية

يعتبر تعثر المشاريع المنفذة من الجهات الحكومية وبالأخص الخدمية من بين الإكراهات والإشكاليات العميقة التي تمس تدبير تلك الجهات، وهي تحيل مباشرة إلى سوء تدبير المسؤولين، حيث عديدة هي المشاريع المتعثرة وبالأخص في الجهات التي تعتمد على تنفيذ مشاريع لتوفير خدمات للمواطنين (كالمياه، والكهرباء، والأشغال العامة، والصحة وغيرها)، وذلك راجع لعدة عوامل لعل أبرزها يتمثل في:

  1. ضعف الدراسات القبلية للمشروع وخاصة ذات الصلة بالدراسات الجيو تقنية،
  2. عدم الارتكاز على دراسات الجدوى والدراسة الاجتماعية للمشاريع (عدم إشراك الفاعلين في تنفيذ المشاريع).
  3. غياب الدقة في تحديد التكلفة المالية للمشاريع، مما يجعل التكلفة النهائية لبعض المشاريع تتجاوز المبلغ الأولي بعدة أضعاف،
  4. غياب الرقابة السابقة للجهاز المركزي عند تحديد تكاليف وتصاميم ودراسات المشاريع.

ثالثاً: الصعوبات المرتبطة بإدارة الرقابة الداخلية ونظم المعلومات

مما يتم تسجيله في هذا الإطار هو غياب إدارة عامة للرقابة والتفتيش (إدارة الرقابة الداخلية على مستوى كافة فروع الجهات الحكومية في المحافظات وتعمل على أداء وظيفة الرقابة والتفتيش على كافة الأعمال الإدارية والمالية من الناحيتين التشريعية وتقييم الأداء.

ومن الإشكاليات المرتبطة بهذه الإدارة أيضا هو غياب معايير وطنية تتوافق مع المعايير الدولية للمراجعة الداخلية يتم إصدارها من قبل المنظمات المهنية أو الرقابية في الجمهورية اليمنية ليتم على ضوئها التنظيم لعمل إدارة الرقابة والتفتيش وتوصيف لشغل وظيفة المراقب الداخلي، ودفع الشروط اللازمة لهذه الوظيفة، سواء ما تعلق بالجانب العلمي أو العملي، واشتراط الكفاءة والخبرة الواسعة والاطلاع على الجوانب المتعلقة بالعمل الإداري والمالي بالوحدات الحكومية.

وتنضاف الى الإشكاليات السابقة إشكالية عدم كفاية وكفاءة المورد البشري الرقابي العامل في تلك الإدارات الرقابية وسد النقص الواضح في احتياجات تلك الإدارات من العناصر الكفؤة والمؤهلة، وكذا عدم اعتماد الهيكلة الداخلية لتلك الإدارة وتقييم المهام الرقابية والتفتيشية والتحقيقية وأعمال المتابعة والتقييم الدوري لأنشطتها، بالإضافة إلى عدم تفعيل التقارير الصادرة عن تلك الإدارة في ظل غياب آلية واضحة لمتابعة تلك التقارير، سواء على مستوى الوحدة الإدارية في دواوين الهيئات والمؤسسات التابعة للجهات أو على مستوى الفروع في المحافظات وکذا على مستوى الإدارة العليا.([29])

ويشكل النظام المعلوماتي، وسهولة الوصول إلى المعلومات في الجهات الحكومية، المطلوبة للجهاز المركزي، وتمثل عائق في طريق الرقابة على الأداء، وهو ناتج عن ثقافة سائدة في التلكؤ وتباطؤ المختصين والقيادة الإدارية في توفير تلك المعلومات في الموعد، بالإضافة إلى عدم الدقة في المعلومة وضعف التنسيق بين مصادرها داخل مؤسسات وهيئات كل جهة حكومية وفروعها.

الخاتمة

إن تعزيز قدرة الجهاز المركزي يتطلب المعالجة لتلك المعيقات والإشكالات، والتغيير وبلورة سيناريوهات حول كيفية إدارة عملية التغيير وكيف يمكن لهذه الجهاز الرقابي الاستجابة للتغييرات في البيئة الخارجية، كما أن هذا التعزيز يحدد مجالات الإصلاحات المحتملة في جميع جوانب عمليات الجهاز المركزي، ويرسم كيفية تدعيمها بمرور الوقت. سوف يحتاج الجهاز المركزي إلى التفكير فيما هو ممكن ووضع أولويات واضحة بناء على تحليل لبيئته المؤسسية وما هو موجود من امكانات وموارد، لا سيما العمالة الفنية والإدارية التي هي تحت تصرفها، ولو أن التغيير يحتاج وقت وقليل من الحكمة والتدبير الممنهج.

إن عملية تعزيز قدرات أي جهاز رقابي في العالم تتطلب تغييرات على ثلاث مستويات مختلفة:

  • المستوى الأول: يركز على الإصلاحات التي قد تكون مطلوبة على المستوى المؤسسي،
  • المستوى الثاني: بشأن التغييرات التي يتعين القيام بها لتعزيز المستوى التنظيمي،
  • المستوى الثالث: يتعلق ببناء قدرات الرأسمال البشري (الموارد البشرية).

Margins:

  1. https://www.intosai.org/ar نظرة عامة بتصرف
  2. فواز محمد الرصاص، دور الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة في تعزيز مبدأ الشفافية والمساءلة، في الجمهورية اليمنية.،2015، ص:49.
  3. حسين ديان، الرقابة على أداء قطاع الخدمات العامة، برامج مقترح للجهاز المركزي والمحاسبة بالجمهورية اليمنية، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية الإدارة والاقتصاد، جامعة الموصل، العراق، 2002م، ص: 42.
  4. كان يطلق عليه في الشطر الشمالي “الجمهورية العربية اليمنية” سابقا الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، تم إنشاؤه بموجب القانون رقم (54) لسنة 1974، وفي الشطر الجنوبي ” جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية ” سابقا الجهاز المركزي لمراجعة الحسابات، تم إنشاؤه بموجب القانون رقم (18) لسنة 1972.
  5. نجاه أبراهيم رشدي، تقييم أداء الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة في الجمهورية اليمنية، دراسة ميدانية، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة ال البيت، الأردن، 2005، ص: 53.
  6. محمد حركات، الرقابة العليا على المال العام الوظائف والإكراهات المالية العامة بالمغرب، منشورات المجلة المغربية للتدقيق والتنمية، عدد 13، دجنبر، 2011، ص: 96.
  7. قرار رئيس الجهاز رقم (139) لسنة 2003 بشأن “تعميم مهام رقابة الأداء على كافة الإدارات الرقابية بقطاعات الجهاز، النشرة التشريعية للجهاز، العدد 15، 2003، ص: 65.
  8. فايز إسحاق القدوة، الرقابة من أجل التنمية، ورقة عمل بديوان الرقابة المالية لدولة فلسطين، غزة، 2004، ص:3.
  9. المادة رقم (8)، من قانون الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة رقم 39 لسنة 1992، المرجع السابق.
  10. عبد الكريم الملاحي وفيصل قمحان وعلي قاسم سلام، شرح قانون الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة رقم (39) لسنة 1992، دراسة مقارنة، وثائق الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، مايو 1992، ص: 80.
  11. عبد الكريم الملاحي وآخرون، نفس المرجع، ص: 81-82.
  12. قرار رئيس الجهاز رقم (44) لسنة 2004، بشأن تشكيل لجنة تقييم الأداء النشرة التشريعية للجهاز، رقم 7 لسنة 2004.
  13. عبد الغني بامو، دور المحاكم المالية في تقييم منجزات السياسات العمومية بالمغرب، دار العرفان، الطبعة الأولى، المغرب، اكادير، 2017، ص:104.
  14. مجاهد محمد المعافا، دور الرقابة الداخلية والخارجية في تطوير أداء المؤسسات الحكومية، الهيئة العامة لمشاريع مياه الريف في اليمن نموذجا، رسالة ماجستير، كلية الحقوق السويسي، الرباط، المغرب، 2017، ص: 79.
  15. الإشكاليات والصعوبات التي تواجه العمل الرقابي، ندوه علمية، ص: 87.
  16. حسين ديان، المرجع السابق، ص:64.
  17. جامعة الدول العربية، رقابة الأداء على قطاع الخدمات العامة، المجموعة العربية للأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبية، الدورة العادية السابعة المنعقدة في الرباط، بتاريخ 24 ـ 27 أبريل، 2001، ص:79.
  18. عبد العزيز جميل مخير واخرون، قياس الأداء المؤسسي للأجهزة الحكومية، منشورات المنظمة العربية للتنمية الإدارية، الطبعة الأولى، سلسلة ندوات ومؤتمرات (13)، القاهرة، 2000، ص: 11.
  19. محمد عثمان، تقيم دور ديوان المحاسبة في الرقابة على أداء المؤسسات العامة في الأردن، المرجع السابق، ص :43.
  20. فؤاد الشيخ سالم، المفاهيم الإدارية الحديثة” مركز الكتب الأردني، الطبعة الخامسة، عمان، 1998م، ص:77.
  21. الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة تجربة الجهاز في مراجعة السلطة المحلية في إطار أعمال اللقاء السنوي السادس عشر بالجهاز، صنعاء، خلال الفترة 27-28 فبراير 2007 ص: 23، 24.
  22. سعد الهلالي، التدقيق في القطاع الحكومي، مجلة الإدارة العامة، العدد (159)، 1988، ص: 51
  23. منصور علي أحمد البطاني، علي محمد مجور، تقييم الأداء في الأجهزة الإدارية الحكومية بالجمهورية اليمنية، مجلة الإداري، معهد الإدارة العماني، مسقط، العدد 107، 2006، ص: 101
  24. وليد على حمود جعدان، دور الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة في تقييم أداء الوحدات الإدارية المحلية بالجمهورية اليمنية على ضوء التوجهات الرقابية الحديثة، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام وحدة التكوين والبحث، جامعة عبد الملك السعدي، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية طنجة، 2012ـ 2013، ص : 128
  25. أحمد ماهر، إدارة الموارد البشرية، دار مجدلاوي للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، الاسكندرية، 2001، ص:85.
  26. داوود عبد الغني، طارق النجار، دور تدقيق الأداء في رفع كفاءة وفعالية الخدمات العامة، بحث مقدم إلى إدارة التدريب والبحوث والمنظمات الدولية بديوان المحاسبة بدولة الكويت، مارس 2001، ص: 11.
  27. الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة اليمني، دليل رقابة الأداء، 2005، ص:27.
  28. عبد العزيز حميل مخمر، وآخرون، قياس الأداء المؤسسي للأجهزة الحكومية، وقائع لقاء الخبراء حول قياس الأداء المؤسسي للأجهزة الحكومية، القاهرة، مصر، 1999م، ص:23.
  29. عبد الله عبد الله السنفي ومنصور البطاني، تقييم أوضاع إدارات الرقابة والتفتيش الداخلي في وحدات الجهاز الإداري للدولة بالجمهورية اليمنية، مجلة كلية التجارة والاقتصاد، جامعة صنعاء، العدد الرابع والعشرون،2008، ص: 100.