الجهاد في سبيل الله؛ دوافعه وآثاره

أ. عاتكة الإمام محمد الحسن1

1 طالبة دكتوراه، جامعة الجزيرة، السودان

بريد الكتروني: Atika.alemam11@gmail.com

HNSJ, 2022, 3(10); https://doi.org/10.53796/hnsj31018

Download

تاريخ النشر: 01/10/2022م تاريخ القبول: 19/09/2022م

المستخلص

هدفت الدِّراسة إلى بيان حقيقة الجهاد، وأهمّ دوافعه وآثاره، وبيان أهمية الجهاد في حياة الإنسان، مع بيان أسباب النصر ومدى ارتباط الجهاد بالعقيدة. اتبعت الدِّراسة المنهج الاستقرائي التحليلي من خلال جمع النصوص الواردة في الجهاد وتحليلها. توصلت الدِّراسة إلى عدد من النتائج من أهمها: لا قيام لهذا الدين في الأرض إلاَّ بالجهاد في سبيل الله، وإن الأمة التي تعرض عن الجهاد، تُنتهك حرماتها، وتُسلب حقوقها، والجهاد مطلب أساس لكل مؤمن.

توصي الدِّراسة بتدريس الجهاد وأحكامه، وأنه ماضٍ إلى يوم القيامة؛ نصرةً لدين الله وحفاظاً على عزة الأمة، كما توصي الأمة الإسلامية بغرس عقيدة الجهاد وتمكينها من قلوب المسلمين، وإذكاء روح الجهاد في نفوسهم وأن تتخذ الأمة الإسلامية الجهاد منهجاً لحياتها. ولا يتأتى ذلك إلاَّ بالرجوع إلى كتاب الله المنهج المتكامل للحياة الذي يهدي للتي هي أقوم في كل زمان ومكان.

Research title

Jihad for the sake of God; Its motives and effects

Atika Al-Imam Mohammed Al-Hassan1

1 PhD Student, University of Gezira, Sudan

Email: Atika.alemam11@gmail.com

HNSJ, 2022, 3(10); https://doi.org/10.53796/hnsj31018

Published at 01/10/2022 Accepted at 19/09/2021

Abstract

The study aimed to explain the causes of victory and to clarify the importance of jihad in human life, with an indication of the extent to which belief is related to jihad.

The study followed the inductive-analytical approach by collecting and analyzing the texts contained in jihad The study reached a number of results, the most important of which are: There is no establishment of this religion on earth except by jihad for the sake of God, and the nation that turns away from jihad; Its sanctities are violated, its rights are robbed, and jihad is a basic requirement for every believer. The study recommended teaching jihad and its rulings, and that it will proceed to the Day of Resurrection in support of the religion of God, and in order to preserve the pride of the nation. Except by referring to the Book of God, the integrated approach to life, which guides to that which is most upright in every time and place.

المقدمة:

الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، والصلاة والسلام على خير الأنام رسول الله ذي الجلال والإكرام، المبعوث رحمة للعالمين، جاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

أما بعد: فإن من رحمة الله (عزَّ وجلَّ) بنا أن بين لنا في كتابه العزيز وسنة نبيه الكريم مكانة الجهاد، وبين لنا أسباب النصر، قال الله تعالى: {إنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}([1]).

فالجهاد ذروة سنام الإسلام وعزة المسلمين في الدنيا ورفعة لهم في الآخرة. عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل: أي العمل أفضل؟ فقال: “إيمان بالله ورسوله”. قيل: ثم ماذا؟ قال: “الجهاد في سبيل الله” قيل: ثم ماذا؟ قال: “حج مبرور”([2]). ولا بد في الجهاد من تمكن العقيدة من القلوب وإخلاص النية، ولايُفدم على الجهاد إلا المؤمنين الصادقين المُستيقنين بعون الله ونصره، والجهاد مطلب أساس لكل مؤمن صادق، لقوله صلى الله عليه وسلم: “مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ وَلَمْ يُحَدِّثْ نَفْسَهُ بِغَزْوٍ مَاتَ عَلَى شُعْبَةِ نِفَاقٍ”([3]).

مشكلة البحث:

تتمثل مشكلة البحث في هيئة سؤال رئيس: ما هي أهم دوافع الجهاد في سبيل الله وما آثاره؟

أهداف الدراسة:

[1] توضيح أهم دوافع وآثار الجهاد في سبيل الله.

[2] بيان أهمية الجهاد في حياة الإنسان.

[3] بيان مدى ارتباط العقيدة بالجهاد.

منهج البحث:

ستستخدم الباحثة منهج الاستقراء التحليلي من خلال جمع النصوص الواردة في الجهاد وتحليلها.

حدود البحث:

الآيات والأحاديث التي تناولت مفهوم الجهاد أو أشارت إليه.

الدِّراسات السابقة:

الدِّراسة الأولى:

الجهاد في سبيل الله غايته وحقيقته، عبد الله بن محمد القادري، بحث مقدم لنيل درجة الدكتوراة.

نبذة مختصرة عن الدِّراسة:

اشتمل البحث على مقدمه وأربعه أبواب، وقام الباحث بدراسة مشروعية الجهاد وبعض أحكامه مبيِّناً أنواعه، ثم تطرق لبواعث الجهاد وإلى بيان بعض صفات المجاهدين، ثم شرح غاية الجهاد في سبيل الله ببيان أهدافه، ثم تطرق إلى بيان طريقة إعادة الروح الجهادية للمسلمين. وركَّز اهتمامه بالبحث على اقتفاء أثر الرسول صلى الله عليه وسلم في دعوته، والسعي إلى إقامة الخلافة الإسلامية والتي تجمع شمل المسلمين. وعرض في نهاية البحث ثمرات الجهاد وأضرار القعود عنه.

مواضع الاتفاق والاختلاف:

الاتفاق: تتفق الباحثة مع صاحب الرسالة في دراسة مشروعية الجهاد وبعض أحكامه وأنواعه وأهدافه، وتركيز الاهتمام بالبحث على اقتفاء أثر الرسول صلى الله عليه وسلم.

الاختلاف: تطرق الباحث لبواعث الجهاد، وبيان بعض صفات المجاهدين، وبيان طريقة إعادة الروح الجهادية للمسلمين، والسعي إلى إقامة الخلافة الإسلامية التي تجمع شمل المسلمين، وثمرات الجهاد وأضرار القعود عنه، بينما تميَّزت دراسة الباحثة ببيان دوافع الجهاد وأسباب النصر.

الدِّراسة الثانية:

أهمية الجهاد في نشر الدعوة الإسلامية والرد على الطوائف الضالة فيه، علي بن نفيع، رسالة دكتوراة مقدمة لقسم العقيدة بكلية الدعوة وأصول الدين بجامعة أم القرى.

نبذة مختصرة عن الدِّراسة:

تحدَّث الباحث عن منهج العودة إلى الله قبل تشريع الجهاد القتالي، ثم تحدَّث عن مرحلة ما بعد التشريع والدعوة الإسلامية بالعهد المدني بعد الهجرة، مبيِّناً تعريف الجهاد وحكمه ومراحل تشريعه وأهدافه وغاياته. كما تحدَّث الباحث عن أسباب إعلان الجهاد في الإسلام، وأحكام الجهاد والأحكام الشرعية في السياسة الحربية، كما تحدَّث عن أسباب وقف القتال في الإسلام، وما يترتب عليه من إنهاء حالة الحرب وحفظ الدماء. وتحدث الباحث عن الجهاد في العصر الحديث.

الاتفاق: تتفق الباحثة مع صاحب الرسالة في تعريف الجهاد، وحكمه، ومراحل تشريعه، وأهدافه، والحديث عن أسباب إعلان الجهاد في الإسلام، وأحكامه، وفي الحديث عن مرحلة ما قبل تشريع الجهاد القتالي، والحديث عن مرحلة ما بعد التشريع.

الاختلاف: اختلفت الباحثة مع صاحب الرسالة في أنه تحدث عن الأحكام الشرعية في السياسة الحربية، وعن أسباب وقف القتال في الإسلام وما يترتب عليه من إنهاء حالة الحرب وحفظ الدماء، وتحدث عن الجهاد في العصر الحديث، بينما تميَّزت دراسة الباحثة بأنها ركَّزت على الجانب العقدي للجهاد، مع الحديث عن أسباب النصر والهزيمة.

المبحث الأول

الجهاد أهدافه ومراحل تشريعه وشروطه وفضله

المطلب الأول: أهداف الجهاد:

بيَّن الله (عزَّ وجلَّ) الحكمة والغاية من الجهاد في سبيله تعالى، فقال سبحانه: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ للَّهِ فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}([4]). فالحكمة من مشروعية الجهاد تبليغ دين الله الناس، ودعوتهم إليه، وإخراجهم من الظلمات إلى النور، وإعلاء كلمة الله، نصرة المظلومين. عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله([5]).

وكذلك إزالة الفتنة, ومجاهدة صد الناس عن دينهم، وإصلاح للبشر، والدفاع عن الوطن والأرض والأعراض والأموال والأنفس، قال تعالى: {وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا}([6]).

المطلب الثاني: مراحل تشريع الجهاد:

المـرحلة الأولى: مرحلة التربية والإعداد:

أولاً بالتبليغ والإعراض عن المشركين، وذلك يتمثل في قوله تعالى: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} ثم بالمجادلة بالأحسن، وقوله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}. كذلك يتمثل في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إني أمرت بالعفو فلا تقاتلوا”([7]).

المرحلة الثانية: مرحلة الإذن بالقتال من غير فرض:

قال الله تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ}([8]). وبدأت هذه المرحلة بعد هجرة الرسول صلى الله عله وسلم إلى المدينة، فكان القتال في هذه المرحلة دفاعياً، قال الله تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}([9]). وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن الطور الثاني وهو القتال لمن قاتل المسلمين والكف عمن كف عنهم قد نسخ; لأنهم كان في حال ضعف المسلمين فلما قواهم الله وكثر عددهم وعدتهم أمروا بقتال من قاتلهم ومن لم يقاتلهم, حتى يكون الدين كله لله وحده أو يؤدوا الجزية إن كانوا من أهلها, وذهب آخرون من أهل العلم إلى أنَّ الطور الثاني لم يُنسخ، بل هو باقٍ يُعمل به عند الحاجة إليه. فاستقر أمر الكفار معه بعد نزول براءة على ثلاثة أقسام: محاربين له، وأهل عهد، وأهل ذمة، ثم آل حال أهل العهد والصلح إلى الإسلام فصاروا معه قسمين: محاربين، وأهل ذمة([10]).

المرحلة الثالثة:

مرحلة فرض القتال لمن قاتلهم دون من لم يقاتلهم بعد أن كان مأذوناً به فقط لرد الظلم والعدوان، قال الله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ}([11]).

المـرحلة الرابعـة:

فَرَضَ قِتَالَ الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً، وقد كَانَ مُحَرَّمًا، ثُمَّ مَأْذُونًا بِهِ، ثُمَّ مَأْمُورًا بِهِ لِمَنْ بَدَأَهُمْ بِالْقِتَالِ، ثُمَّ مَأْمُورًا بِهِ لِجَمِيعِ الْمُشْرِكِينَ وغزوهم في بلادهم ابتداءً وإن لم يبدئوا بقتال حتى يسلموا أو يدفعوا الجزية، قال الله تعالى: {فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الحُرُمُ فَاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوَهُمْ وَخُذُوَهُمْ وَاحْصُرُوَهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}([12]).

المطلب الثالث: شروط الجهاد:

يُشترط لوجوب الجهاد سبعة شروط الإسلام والبلوغ والعقل والحرية والذكورية والسلامة من الضرر ووجود النفقة فأما الإسلام والبلوغ والعقل فهي شروط لوجوب سائر الفروع ولأن الكافر غير مأمون في الجهاد والمجنون لا يتأتى منه الجهاد والصبي ضعيف البنية. وقد روى ابن عمر قال عرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة فلم يجزني في المقاتلة([13]). أما الحرية فتشترط لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبايع الحر على الإسلام والجهاد ويبايع العبد على الإسلام دون الجهاد، ولأنَّ الجهاد عبادة تتعلق بقطع مسافة، فلم تجب على العبد كالحج.

وأما الذكورية فتشترط لما روت عائشة أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: “قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ هَلْ عَلَى النِّسَاءِ جِهَادٌ”؟ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “نَعَمْ، عَلَيْهِنَّ جِهَادٌ لَا قِتَالَ فِيهِ، الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ”([14]). ولأنها ليست من أهل القتال لضعف بنيتها ولعجزها عن الجهاد لم يلحقها فرضه.

وأما السلامة من الضرر فمعناه السلامة من العمى والعرج والمرض وهو شرط لقول الله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيماً}([15]).

أولاً: إن هذه الأعذار تمنعه من الجهاد فأما العمى فمعروف وأما الأعرج فالمانع منه هو الفاحش الذي يمنع المشي الجيد والركوب، وأما وجود النفقة فيشترط لقول الله تعالى: {ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله}([16])، ولأن الجهاد لا يمكن إلا بآلة، فيعتبر القدرة عليها([17]).

ثانياً: القدرة: أن يكون عند المسلمين قدرة وقوة يستطيعون بها القتال، فإن لم يكن لديهم قدرة سقط عنهم كسائر الواجبات؛ لأن جميع الواجبات يشترط فيها القدرة؛ يقول الكاساني: “لا يفترض الجهاد إلا على القادر عليه فمن لا قدرة له لا جهاد عليه”([18]). ولقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُم}([19])، وقوله تعالى: {لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا}([20]). ولا يباح للعبد أن يخرج إلاَّ بإذن مولاه، ولا المرأة إلا بإذن زوجها؛ لأن خدمة المولى، والقيام بحقوق الزوجية.

المـطلب الرابع: فضل الجهاد:

إن للجهاد فضائل عظيمة، فهو أحد أسباب دخول الجنة، فهو سبب للمغفرة والرحمة، قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}([21]).

ومن فضائل الجهاد أنه سبب للحصول على رحمة الله رضوانه، أنه سبب للفوز بمرتبة الشهادة والتي جعل الله أصحابها في مصاف النبيين قال الله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا}([22]). وأخبر الله عن منزلتهم فقال: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ، فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ، يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ}([23]). والجهاد في سبيل الله رحمة للبشرية كلها، وبه يتم إقرار منهج الله في الأرض.

المبحث الثاني

أهمّ دوافع الجهاد

المطلب الأول: الإيمان حقيقته وأقسامه:

الإيمان هو المحور الذي تقوم عليه الجماعة المسلمة، ويرتكز عليه أي كيان يريد القيام بفريضة الجهاد في سبيل الله، ويتأتى ذلك بازدياد اليقين ورسوخه، وبتطبيق العمل الصالح المخلص بامتثال أوامره الله عز وجل واجتناب نواهيه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: “ومعلوم أن الإيمان هو الإقرار؛ لا مجرد التصديق. والإقرار ضمن قول القلب الذي هو التصديق وعمل القلب الذي هو الانقياد”([24]).

فلا بد للإيمان من صورة عملية واقعية، يتجلى فيها، ليثبت وجوده، ويترجم عن حقيقته، وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ليس الإيمان بالتمني، ولا بالتحلي ولكن هو ما وقر في القلب وصدقه العمل”([25]). والجهاد وإن كان فرضاً على الكفاية فجميع المؤمنين يخاطبون به ابتداءً، فعليهم كلهم اعتقاد وجوبه، والعزم على فعله إذا تعين؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: “من مات ولم يَغْزولم يُحَدِّث نفسه بغزو، مات على شُعْبَة نفاق”([26]). فالجهاد في سبيل الله هو أقوى آيات الإيمان بالله ورسوله([27]).

وحقيقة الإيمان هو النور الذي يستهدي به المؤمن في الحياة بما فيها من خير وشر، قال صلى الله عليه وسلم: “عَجَباً لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لأحَدٍ إِلا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ، فَكَانَ خَيْراً لَهُ”([28]).

ولما كان الإيمان اسم لمجموع القول والعمل والنية وهي ترجع إلى شطرين فعل وترك، فالفعل هو العمل بطاعة الله وهو حقيقة الشكر والترك هو الصبر عن المعصية والدين كله في هذين الشيئين فعل المأمور وترك المحظور، قال غير واحد من السلف: “الصبر نصف الايمان”. وقال عبد الله بن مسعود رضى الله عنه: “الإيمان نصفان نصف صبر ونصف شكر”. ولهذا جمع الله سبحانه بين الصبر والشكر في قوله: {ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ}([29]).

والإيمان مبني على ركنين: يقين وصبر، وهما الركنان المذكوران في قول الله تعالى: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ}([30]). فباليقين يعلم حقيقة الأمر والنهي والثواب والعقاب، وبالصبر ينفذ ما أمر به ويكف نفسه عمَّا نهى عنه، ولا يحصل له التصديق بالأمر والنهي أنه من عند الله، وبالثواب والعقاب إلاَّ باليقين، ولا يمكنه الدوام على فعل المأمور وكف النفس عن المحظور إلاَّ بالصبر، فصار الصبر نصف الإيمان والنصف الثاني الشكر بفعل ما أمر به وبترك ما نُهِيَ عنه.

إن العبد لا ينفك عن أمر يفعله، ونهي يتركه، وقدر يجري عليه، وفرضه في الثلاثة الصبر والشكر، ففعل المأمور هو الشكر، وترك المحظور هو الصبر([31]).

المطلب الثاني: الصبر وحقيقته:

الإيمان جهادٌ متلازمٌ مع الصبر، فلا بد من الصبر على جهاد النفس والقيام على الإيمان والعمل الصالح، وحراسة الحق والعدل، وجهاد الغير، والصبر على الأذى والمشقة، وقد قال الله تعالى آمراً عباده بالصبر والمصابرة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}([32]). وربما كان الجهاد في الميدان أخف تكاليف هذه الدعوة التي يُطلب لها الصبر، ويختبر بها الإيمان([33]).

وقد ضرب الصحابة في غزوة أحد أروع الأمثلة في الصبر والثبات والتضحيات، فعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: “لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ انْهَزَمَ النَّاسُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبُو طَلْحَةَ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُجَوِّبٌ بِهِ عَلَيْهِ بِحَجَفَةٍ لَهُ، وَكَانَ أَبُو طَلْحَةَ رَجُلًا رَامِيًا شَدِيدَ القِدِّ، يَكْسِرُ يَوْمَئِذٍ قَوْسَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا، وَكَانَ الرَّجُلُ يَمُرُّ مَعَهُ الجَعْبَةُ مِنَ النَّبْلِ، فَيَقُولُ: “انْشُرْهَا لِأَبِي طَلْحَةَ”. فَأَشْرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْظُرُ إِلَى القَوْمِ، فَيَقُولُ أَبُو طَلْحَةَ: “يَا نَبِيَّ اللَّهِ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، لاَ تُشْرِفْ يُصِيبُكَ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ القَوْمِ، نَحْرِي دُونَ نَحْرِكَ”([34]).

وقاتل مصعب بن عمير دون رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه لواؤه حتى قُتل، فدفع رسول الله صلى الله عليه وسلم اللواء إلى علي بن أبي طالب، وقاتل حمزة بن عبد المطلب حتى قُتل([35]). ووقف سعد بن أبي وقاص الى جانب النبي صلّى الله عليه وسلم يرمي بالنبل دونه، والنبي صلّى الله عليه وسلم يناوله النبل ويترصّد له إصاباته. قال سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ: “نَثَلَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِنَانَتَهُ يَوْمَ أُحُدٍ، فَقَالَ “ارْمِ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي”([36]).([37]). وابتلي المؤمنون في غزوة حيث زلزلوا زلزالاً لا يثبت فيه إلا الصادقون حقًّا، قال الله عز وجل: {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيداً}. فيقدر الله (عزَّ وجلَّ) مثل هذا النوع من الابتلاءات ليتميز المؤمن الصادق الصابر من غيره، ويزيد الله (عزَّ وجلَّ) به المؤمنين إيماناً وثباتاً وصلابةً في إيمانهم، قال الله تعالى: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيماً}([38]).

المطلب الثالث: الشكر ومظاهره:

الشكر نصف الإيمان، وشكر الله سبحانه وتعالى يتأتى بإطاعة ما أمر الله به، وترك ما نهى عنه، والتقرب إليه بأنواع محابه ظاهراً وباطناً، قال الله تعالى: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ}([39]). فالدين كله رغبة ورهبة فلا تجد المؤمن أبداً إلاَّ راغباً وراهباً، فرهبته تحمله على الصبر، ورغبته تقوده إلى الشكر وإجابة داعيَ الله والدار الآخرة هو الشكر، قال الله تعالى: {أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}([40])، وكل من أقدم على الطاعة فهو داخل تحت قوله: {أفمن اتبع رضوان الله}، وكل من أخلد إلى متابعة النفس والشهوة فهو داخل تحت قوله: {كمن باء بسخط من الله}([41]).

ويتجسد ذلك حينما تسابق الصحابة إلى طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم حين غشيه القوم، فقال: “من يشتري لنا نفسه؟ فقام زياد بن السكن في خمسة نفر من الأنصار، فقاتلوا دون رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً فرجل فيقتلون دونه”([42]). وترس أبو دجانة دون رسول الله بنفسه يقع النبل في ظهره وهو منحن حتى كثر فيه النبل. ورمى سعد بن أبي وقاص دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال سعد: فلقد رأيته يناولني النبل ويقول: ارم فداك أبي وأمي، حتى أنه ليناولني السهم ما له من نصل فيقول ارم به”.

وعن زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: “بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ لِطَلَبِ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ، وَقَالَ لِي: “إِنْ رَأَيْتَهُ فَأَقْرِئْهُ مِنِّي السَّلَامَ، وَقُلْ لَهُ: يَقُولُ لَكَ رَسُولُ اللَّهِ: كَيْفَ تَجِدُكَ؟ “قَالَ: فَجَعَلْتُ أَطُوفُ بَيْنَ الْقَتْلَى فَأَصَبْتُهُ وَهُوَ فِي آخِرِ رَمَقٍ وَبِهِ سَبْعُونَ ضَرْبَةً مَا بَيْنَ طَعْنَةٍ بِرُمْحٍ وَضَرْبَةٍ بِسَيْفٍ وَرَمْيَةٍ بِسَهْمٍ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا سَعْدُ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلَامَ، وَيَقُولُ لَكَ: “خَبِّرْنِي كَيْفَ تَجِدُكَ؟” قَالَ: عَلَى رَسُولِ اللَّهِ السَّلَامُ، وَعَلَيْكَ السَّلَامُ قُلْ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَجِدُنِي أَجِدُ رِيحَ الْجَنَّةِ، وَقُلْ لِقَوْمِي الْأَنْصَارِ: لَا عُذْرَ لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَنْ يَخْلُصَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيكُمْ شُفْرٌ يَطْرِفُ، قَالَ: وَفَاضَتْ نَفْسُهُ رَحِمَهُ اللَّهُ”([43]).([44]).

المطلب الثالث: صحة العزيمة:

تصح العزيمة بالعقيدة الراسخة والإيمان القوي، فيكون صاحب هذا الوصف مؤثراً رضا الله على هواه، مسرعاً في تلبية نداه، عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ فِي صَلَاتِهِ: “اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الْأَمْرِ، وَالْعَزِيمَةَ عَلَى الرُّشْدِ، وَأَسْأَلُكَ شُكْرَ نِعْمَتِكَ، وَحُسْنَ عِبَادَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ قَلْبًا سَلِيمًا، وَلِسَانًا صَادِقًا، وَأَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا تَعْلَمُ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا تَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا تَعْلَمُ”([45]).

فمتى أُيِّد العبد بعزيمة وثبات، فقد أُيِّد بالمعونة والتوفيق، وصحة العزيمة من أقوى دوافع الجهاد. وعَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، قَالَ: قَالَ مُعَاذُ بْنُ عَفْرَاءَ: “يَا رَسُولَ اللَّهِ, مَا يُضْحِكُ الرَّبَّ مِنْ عَبْدِهِ؟ قَالَ: غَمْسُهُ يَدَهُ فِي الْعَدُوِّ حَاسِرًا” قَالَ:” وَأَلْقَى دِرْعًا كَانَتْ عَلَيْهِ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ”([46]) رضي الله تعالى عنه، فالضحك في حق الله كناية عن غاية رضاه.

ولمَّا توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أُحد، أراد عمرو بن الجموح أن يتوجه معه، فقال له بنوه: “إن الله قد جعل لك رخصة، فلو قعدت ونحن نكفيك، وقد وضع الله عنك الجهاد، فقال “يا رسول الله: إن بني هؤلاء يمنعوني أن أخرج معك، ووالله إني لأرجو أن أستشهد فأطأ بعرجتي هذه في الجنة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما أنت فقد وضع الله عنك الجهاد، وقال لبنيه: وما عليكم أن تدعوه، لعل الله عز وجل أن يرزقه الشهادة، فخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقتل يوم أحد شهيداً”([47]).

المطلب الرابع: الرغبة فيما عند الله:

الراغب فيما عند الله طائعاً لله مسرعاً في تلبية نداء الرغبة فيما عند الله عز وجل من الثواب من أهم دوافع العمل الصالح، وبها تستقيم الجوارح على طاعة الله، وتتصاغر هذه الدنيا في نفس الإنسان، فلا تفتنه شهواتها، ولا تغرّه ملذاتها، ويعمل من أجل غاياتها، فالشوق إلى لقاء الله، والفوز برضاه وثوابه يدفع المؤمن دفعاً إلى العمل الذي يقربه إلى الله، ومن أعظم القربات إلى المولى (عزَّ وجلَّ) الجهاد في سبيله سبحانه وتعالى، فالمسلم حينما يرغب فيما عند الله (عزَّ وجلَّ) يبيع نفسه لله ولا يتثاقل ولا يتهاون في أوامر الله، قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}([48]).

وبالإيمان تقوى صلة المرء بربه، فيطمع فيما عنده، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “عَجِبَ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ مِنْ رَجُلٍ غَزَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَانْهَزَمَ (يَعْنِي أَصْحَابَهُ) فَعَلِمَ مَا عَلَيْهِ، فَرَجَعَ حَتَّى أُهَرِيقَ دَمُهُ، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لِمَلَائِكَتِهِ: “انْظُرُوا إِلَى عَبْدِي رَجَعَ رَغْبَةً فِيمَا عِنْدِي، وَشَفَقَةً مِمَّا عِنْدِي حَتَّى أُهَرِيقَ دَمُهُ”([49]). فكانت إجابة القوم لداعي الله والدار الآخرة أروع تطبيقاً عملياً لرغبتهم فيما عند الله والطمع في جنته.

ففي غزوة بدر لمَّا دنا العدو وتواجه القوم، قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس، فوعظهم، وذكَّرهم بما لهم في الصبر والثبات من النصر والظفر العاجل، وثواب الله الآجل، وأخبرهم أن الله قد أوجب الجنة لمن استشهد في سبيله، فقام عمير بن الحمام، فقال: “يا رسول الله، جنة عرضها السماوات والأرض؟ قال: “نعم”. قال: بخ بخ يا رسول الله، قال: ما يحملك على قولك بخ بخ؟ قال: لا والله يا رسول الله إلا رجاء أن أكون من أهلها، قال: “فإنك من أهلها” قال: فأخرج تمرات من قرنه، فجعل يأكل منهن، ثم قال: لئن حييت حتى آكل تمراتي هذه، إنها لحياة طويلة، فرمى بما كان معه من التمر، ثم قاتل حتى قتل، فكان أول قتيل”([50]).

المبحث الثالث

التوكُّل على الله سبحانه وتعالى

المطلب الأول: الاعتماد على الله:

الجهاد في سبيل الله لا يستند إلى قوة العدد ولا قوة العدة، إنما هو بمقدار اتصال القلوب بقوة الله والتوكل عليه وحده، والاعتماد عليه، والاستغاثة به، والسير مع تدبيره وتقديره، قال ابن القيم: “وسر التوكل وحقيقته هو اعتماد القلب على الله وحده، فلا يضره مباشرة الأسباب مع خلو القلب من الاعتماد عليها والركون إليها”([51]).

والتوكل من أعظم الأسباب التي يحصل بها المطلوب، ويندفع بها المكروه والتوكل الصحيح إنما يكون مع الأخذ بالأسباب، وبدونها يكون دعوى التوكل جهلاً بالشرع، وفساداً فى العقل، روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال: “المؤمن القوي خيرٌ وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل لو أنِّي فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل قدَّر الله وما شاء فعل، فإنَّ لو تفتح عمل الشيطان”([52]). والتوكل قوة نفسية تمد المسلم بالتوازن في حياته، قال النووي: “والمراد بالقوة هنا، عزيمة النفس والقريحة في أمور الآخرة، فيكون صاحب هذا الوصف أكثر إقداماً على العدو في الجهاد، وأسرع خروجاً إليه، وذهاباً في طلبه، وأشدّ عزيمةً في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والصبر على الأذى في كل ذلك، واحتمال المشاق في ذات الله تعالى([53]). ويتجلى الاعتماد على الله في غزوة بدر وحينما اندفع المؤمنون يقاتلون أعداءهم وهم في قلة من العدد والعتاد فأمدّهم الله بالملائكة، وألقى الرُّعب في قلوب أعدائهم.

قال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}([54]). أمر الله تعالى نبيه عليه السلام إذا عزم على أمر، أن يمضي فيه ويتوكل على الله، وأن يكون معتمداً على الله، مظهراً العجز أمام قدرته سبحانه، لأنه هو الخالق للأسباب والمسببات، وهو القادر على تغييرها([55])، قال الشوكاني: “فإذا عزمت فتوكل على الله أي: إذا عزمت عقب المشاورة على شيء، واطمأنت به نفسك، فتوكل على الله في فعل ذلك، أي: اعتمد عليه وفوض إليه”([56]). إن قوة التوكل والاعتماد على الله تخلص القلب لخوف الله سبحانه، وإذا خلُص القلب لخوف الله وامتلآ به لم يخف غير الله مهما كانت قوته.

المطلب الثاني: الثقة بالله:

الثقة بالله خلاصة التوكُّل ولبه، ويتصل التوكل والحب بحيث يصير واثقاً به سبحانه مطمئناً إليه راضياً بحسن تدبيره، فمن لوازم التوكل على الله (عزَّ وجلَّ) الثقة بتدخُّل قوة الله (عزَّ وجلَّ) لنصر عباده المؤمنين بآياتٍ, ومعجزات، وتثبيت للمؤمنين، وبث للرعب في قلوب أعدائهم وغير ذلك مما يقدره سبحانه في وقته المناسب وفق علمه سبحانه وحكمته، قال الله تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}([57]).

وفي غزوة الأحزاب وثق المسلمون بالله، فبين سبحانه ما وقع من المؤمنين المخلصين عند رؤيتهم للأحزاب، فقال عزَّ وجلَّ: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيماً}([58]). نَصَرَهم وبدّل خوفهم نصراً، وأرسل الله على المشركين جنداً من الريح، فجعلت تقوض خيامهم، ولا تدع لهم قدراً إلاَّ كفأتها، ولا طنباً إلا قلعته، ولا يقرّ لهم قرار، وجند الله من الملائكة يزلزلونهم، ويلقون في قلوبهم الرعب والخوف.

فعلى قدر الثقة بالله يكون التوكل عليه، وثمرة التوكل على الله تعالى هي الرضا وهي أعظم فوائده، فمن توكل على الله قبل الفعل ورضي بالمقضي بعده فقد قام بالعبودية([59]). والتوكل عليه يورث العبد الطمأنينة.

المبحث الرابع

أسباب النصر

المطلب الأول: الإعداد المعنوي:

من أهمّ اسباب النصر إعداد الجندي المؤمن والقيادة المؤمنة إعداداً ربانياً، فتعد هذه القوة التي هي الجندي المؤمن والقيادة المؤمنة بالتقوى والإيمان والعمل الصالح، وقد جعل الله سبحانه وتعالى الصبر والتقوى جنة عظيمة من كيد العدو ومكره، قال تعالى: {إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ}، وقال تعالى: {إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الملائكة مُنْزَلِينَ، بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الملائكة مُسَوِّمِينَ}([60]). وقد أمر الله سبحانه وتعالى المسلمين بالثبات وعدم الهوان إذا لقوا الذين كفروا وألا يولوهم الأدبار من الهزيمة والفرار ما دام أن الله هو الذي يدبر أمر المعركة كما يدبر الأمر كله، واستعينوا على ذلك بالإكثار من ذكر الله لتدركوا ما تطلبونه من الانتصار على أعدائكم، فالصبر والثبات والإكثار من ذكر الله من أكبر الأسباب للنصر([61])، قال جلَّ وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}([62]). وقال الله تعالى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}([63]). والمداومة على ذكر الله في ميدان القتال تجدّد روح التقوى في قلوب المجاهدين في كلّ لحظة، وكلّما لاح لهم ما يصرف نفوسهم والخواطر النفسانية التي يلقيها الشيطان بتسويله، وحبّ الحياة الفانية، والتمتّع بزخارفها، والتضرع إلى الله من الأعمال المتكررة الدائمة التي فزع إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم واقتدى به صحابته، قال الله تعالى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الملائكة مُرْدِفِينَ}([64])، وقال الله تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهاُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ}([65]).

ومن أهم ما يسنتصر به المؤمنون طاعة الله ورسوله، ومن أمثلة ذلك تحكيم الصحابة رضي الله عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في أنفسهم وأموالهم استجابةً وطاعةً لله ولرسوله، فقد قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: “هذه أموالنا بين يديك فاحكم فيها بما شئت وهذه نفوسنا بين يديك لو استعرضت بنا البحر لخضناه نقاتل بين يديك ومن خلفك وعن يمينك وعن شمالك”.

قال الله تعالى: {وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ، وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ، يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}([66]). ثم بيَّن قوة المؤمنين بعد أن ألَّف بين قلوبهم، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ}([67]).

المطلب الثاني: الإعداد المادي:

دعا الإسلام الى الجهاد بالأموال والأنفس لإعلاء كلمة الله سبحانه، وتعالى قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ}([68])، وقال الله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ، وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ}([69]). فإن الأموال هي عماد الجهاد، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: جَاءَ عُثْمَانُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِأَلْفِ دِينَارٍ فِي ثَوْبِهِ, حِينَ جَهَّزَ جَيْشَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْعُسْرَةِ , فَصَبَّهَا فِي حِجْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَجَعَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُقَلِّبُهَا بِيَدِهِ, وَيَقُولُ: مَا ضَرَّ عُثْمَانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ الْيَوْمِ, مَا ضَرَّ عُثْمَانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ الْيَوْمِ مَرَّتَيْنِ”([70]).

ومن إعداد العدة: ألاَّ يغفل المسلمون عن معرفة عدوهم وعن قدراته: كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر حين كان يبعث دورية استطلاعية أمامية للحصول على المعلومات وكذلك في غزوة الأحزاب كما مر معنا قوله صلى الله عليه وسلم : “من يأتنا بخبر القوم”.

ومن الإعداد المشورة، بين المسلمين، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَكْثَرَ مَشُورَةً لأَصْحَابِهِ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ([71]). وعن الضحاك، في قوله: وشاورهم في الأمر قال: ما أمر الله نبيه بالمشورة إلا لما يعلم فيها من الفضل([72]). فكان يستشيرهم فى كل مهمّ ما لم ينزل عليه فيه وحي، ومن أهم مظاهر الشورى أنه صلى الله عليه وسلم استشارهم يوم بدر لما علم بخروج قريش من مكة للحرب ولم يبرم الأمر حتى صرح المهاجرون والأنصار بالموافقة([73]). وأشار عليه الحباب بن المنذر في المنزل([74])، وأشار عليه سعد بن معاذ في العريش([75])، وكذلك استشار رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بشأن أسرى بدر، وهم سبعون، فأشار الصديق أن يؤخذ منهم فدية تكون لهم قوة ويطلقهم لعلَّ الله يهديهم للإسلام، فقال عمر لا والله ما أرى ذلك، ولكني أرى أن تمكننا فنضرب أعناقهم”([76]). واستشارهم في غزوة أحد, أيخرجون لمقاتلة العدو في العراء أم يستدرجونه إلى أزقة المدينة؟

المطلب الثالث: الترتيب الإلهي:

الترتيب للمعركة كان من الله تعالى ليحق الحق ويبطل الباطل، فكان خروج الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه أمراً ربانياً فالمعركة كلها تدار بأمر الله ومشيئته، وتدبيره وقدره، قال الله تعالى: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ ، يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ، وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ، لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ}([77]).

ومن التأييد الإلهي لعباده، أن الله تعالى أن بعث الأمن والطمأنينة في قلوب المسلمين وقلل المشركين في أعينهم، وقللهم في أعين المشركين، قال الله تعالى: {إذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَّفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ، وَإذْ يُرِيكُمُوهُمْ إذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا وَإلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ}([78]). أنزل سبحانه وتعالى على المسلمين ليلة بدر النعاس والطمأنينة وربط على قلوبهم وثبَّت أقدامهم، وفي هذا دليل على أن الله سبحانه إذا اختار أمراً لعباده أيَّدهم وأعانهم على تنفيذه، وكذلك كل التكاليف، قال الله تعالى: {إذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ}([79]).([80]).

عن ابن عباس قال: “نزل النبي صلى الله عليه وسلم حين سار إلى بدر والمشركون بينهم وبين الماء رملة وعصة، وأصاب المسلمين ضعف شديد، وألقى الشيطان في قلوبهم الغيظ يوسوس بينهم: تزعمون أنكم أولياء الله تعالى وفيكم رسوله، وقد غلبكم المشركون على الماء، وأنتم تصلون مجنبين؟ فأمطر الله عليهم مطراً شديداً، فشرب المسلمون وتطهروا، وأذهب الله عنهم رجز الشيطان، وثبت الرمل حين أصابه المطر”([81]).

وجاء في سورة الأحزاب: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ نَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً}([82]). وقال الله تعالى: {إذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ}([83]).

ونجح نُعيمُ بن مسعود رضي الله عنه في إثارة الفتنة بين بني قُريظة وقُريشٍ وغطفان، وأرسل الله على المشركين جندا من الريح، فجعلت تقوض خيامهم، ولا تدع لهم قدرا إلا كفأتها، ولا طنبا إلاَّ قلعته، وجند الله من الملائكة يزلزلونهم، ويلقون في قلوبهم الرعب والخوف([84]).

المطلب الرابع: الإمداد بالملائكة:

أراد الله تحقيق النصر للمؤمنين لأحقاق الحق وإبطال الباطل فاستجاب لهم ربهم وهم يستغيثونه، وأنبأهم أنه ممدهم بألف من الملائكة مردفين، قال الله تعالى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ، فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الملائكة مُرْدِفِينَ. وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى، وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ، وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}([85]).

أمد الله نبيه صلى الله عليه وسلم بألف من الملائكة، فكان جبريل في خمسمائة مجنبة، وميكائيل في خمسمائة مجنبة([86]). ولما صف القوم أوحى الله (عزَّ وجلَّ) إِلى الملائكة بتثبيت المؤمنين قال الله تعالى: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ}([87]). فبشروا الَّذِينَ آمَنُوا بالنصر فكان الملك في صورة بشر في الصف الأول فيقول أبشروا فإنكم كثير وعددهم قليل فالله ناصركم. فيرى الناس أنه منهم([88]). عن ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ بَدْرٍ: “هَذَا جِبْرِيلُ، آخِذٌ بِرَأْسِ فَرَسِهِ، عَلَيْهِ أَدَاةُ الحَرْبِ”([89]).

عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ كَرِيزٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ “مَا رَأَى الشَّيْطَانَ يَوْماً. هُوَ فِيهِ أَصْغَرُ، وَلاَ أَدْحَرُ، وَلاَ أَحْقَرُ، وَلاَ أَغْيَظُ، مِنْهُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ. وَمَا ذَاكَ إِلاَّ لِمَا رَأَى مِنْ تَنَزُّلِ الرَّحْمَةِ، وَتَجَاوُزِ اللهِ عَنِ الذُّنُوبِ الْعِظَامِ. إِلاَّ مَا رَأَى يَوْمَ بَدْرٍ». قِيلَ: وَمَا رَأَى يَوْمَ بَدْرٍ؟ قَالَ: “أَمَا إِنَّهُ قَدْ رَأَى جِبْرِيلَ يَزَعُ الْمَلاَئِكَةَ”([90])، فكان الإمداد بالملائكة بشارة بالنصر، وتسكيناً، وربطاً على قلوب المؤمنين وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، فإن الناصر هو الله للمؤمنين وللملائكة. وما النصر بالملائكة وغيرهم من الأسباب إلا من عند الله، والمنصور من نصره الله([91]).

المبحث الخامس

أسباب الهزيمة

المطلب الأول: المعاصي:

المعاصي والذنوب تؤدي إلى العذاب والهلاك، فالنَّصر من الله تعالى يكون بتطبيق شرعه، النفس البشرية حين ترتكب الخطيئة، فتفقد ثقتها في قوتها، ويضعف بالله ارتباطها، ويختل توازنها وتماسكها، وتصبح عرضة للوساوس والهواجس، بسبب تخلخل صلتها بالله وثقتها من رضاه، وعندئذ يجد الشيطان طريقه إلى هذه النفس، فيقودها إلى الزلة بعد الزلة، وهي بعيدة عن الحمى الآمن، والركن الركين([92]).

قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ}([93]). وذلك لأنهم فروا عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم أخبر تعالى عمن تولى من المؤمنين، وأنه بسبب ذنوبهم فاستزلهم الشيطان بتلك الأعمال، فكانت أعمالهم جنداً عليهم ازداد بها عدوهم قوة، فقد ضعفوا وتولوا بسبب معصية ارتكبوها، فظلت نفوسهم مزعزعة بسببها، فدخل عليهم الشيطان من ذلك المنفذ، واستزلهم فزلوا، ومن هنا كان الاستغفار من الذنب هو أول ما توجه به الرّبيون الذين قاتلوا مع النبيين في مواجهة الأعداء.

وظهر ذلك في غزوة أُحد عند مُخالفة الرُّماة لأمر النبيّ عليه الصلاةُ والسلام، {وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ}([94]). عن ابن إسحاق: ما أصابكم حين التقيتم أنتم وعدوّكم، فبإذني كان ذلك حين فعلتم ما فعلتم، بعد أن جاءكم نصري، وصدقتكم وعدي، ليميز بين المنافقين والمؤمنين، وليعلم الذين نافقوا منكم، أي: ليظهروا ما فيهم([95]).

والمعاصي تؤدي إلى التنازُع والتّفرقة؛ ولذلك حثَّ الإسلام على الوحدة، والتَّعاون، والتَّماسك بين أفراد المُجتمع المُسلم، لِقولهِ تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}([96]). فالتنازع يوجب تشتت القلوب وتفرقها، وينحل العزائم، ويفرق القوة، وفيرفع الله ما وعد به من النصر([97]). وطاعة الرسول في أوامره.

المطلب الثاني: ضعف الإيمان:

ضعف الإيمان يؤدي إلى الهزيمة لما فيه من أسبابها من حب الدنيا والرُكون إليها، ففي غزوة أُحُد كان الظفر ابتداء للمسلمين غير أنهم اشتغلوا بالغنيمة، وترك بعض الرماة أيضا مركزهم طلبا للغنيمة فكان ذلك سبب الهزيمة، قال الله تعالى: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ}([98]). روى البخاري عن البراء بن عازب قال: لما كان يوم أحد ولقينا المشركين أجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم أناسا من الرماة وأمر عليهم عبد الله ابن جبير وقال لهم: “لا تبرحوا من مكانكم إن رأيتمونا ظهرنا عليهم فلا تبرحوا وإن رأيتموهم قد ظهروا علينا فلا تعينونا عليهم” قال: فلما التقى القوم وهزمهم المسلمون حتى نظرنا إلى النساء يشتددن في الجبل، وقد رفعن عن سوقهن قد بدت خلاخلهن فجعلوا يقولون: الغنيمة الغنيمة. فقال لهم عبد الله: أمهلوا! أما عهد إليكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا تبرحوا، فانطلقوا فلما أتوهم صرف الله وجوههم وقتل من المسلمين سبعون رجلاً([99]).

ومن ضعف الإيمان الضعف والهوان، وقد نهى الله عز وجل عن ذلك، قال الله تعالى: {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِين، إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ، وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ}([100]).

ومن ضعف الإيمان البَطَر والرِّياء، مما يُساعد على الاعتماد على النّفس، والقِوى الماديّة، مع تناسي أنّ النَّصر من عند الله تعالى وحده وقد ورد ذلك في قولهِ تعالى: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ}([101]).

ومن ضعف الإيمان موالاة الأعداء، وقد حذّر سبحانه عنها، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ}([102]). وقال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ}([103]).

المصادر والمراجع:

القرآن الكريم.

[1] مسلم بن الحجاج، الجامع الصحيح، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، بدون طبعة.

[2] ابن إسحاق، السير والمغازي، تحقيق: سهيل زكار، دار الفكر، بيروت، ط/1، 1398هـ، 1978م.

[3] ابن تيمية، الإيمان، تحقيق: الألباني، المكتب الإسلامي، عمان، الأردن، ط/5، 1416هـ، 1996م.

[4] ابن فارس، معجم مقاييس اللُّغة، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، دار الفكر، 1399هـ، 1979م.

[5] ابن قيم الجوزية، زاد المعاد، مؤسسة الرسالة، بيروت، مكتبة المنار الإسلامية، الكويت، ط/27, 1415هـ، 1994م.

[6] ابن قيم الجوزية، الفوائد، دار الكتب العلمية، بيروت، ط/2، 1393هـ، 1973م.

[7] ابن قيم الجوزية، عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين، ط/1409هـ، 1989م.

[8] ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، تحقيق: سامي بن محمد سلامة، دار طيبة، ط/2، 1420هـ، 1999م.

[9] ابن هشام، السيرة النبوية، تحقيق: مصطفى السقا وإبراهيم الأبياري وعبد الحفيظ الشلبي، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، ط/2، 1375هـ، 1955م.

[10] البخاري، صحيح البخاري، تحقيق: محمد زهير بن ناصر، دار طوق النجاة، ط/2، 1422هـ.

[11] تقي الدين المقريزي، إمتاع الأسماع، تحقيق: محمد عبد الحميد النميسي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط/1، 1420هـ، 1999م.

[12] الجوهري، الصحاح تاج اللُّغة وصحاح العربية، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار، دار العلم للملايين، بيروت، ط/4، 1407هـ‍، 1987م.

[13] الرازي، مفاتح الغيب، دار البشائر الإسلامية، لبنان، ط/1، 1420هـ، 1999م.

[14] السعدي، تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنّان، تحقيق: عبد الرحمن بن معلا اللويحق، مؤسسة الرسالة، ط/1، 1420هـ، 2000م.

[15] سيد قطب، في ظلال القرآن، دار الشروق، بيروت، القاهرة، ط/17، 1412هـ.

[16] صفي الرحمن المباركفوري، الرحيق المختوم، دار الهلال، بيروت، ط/1.

[17] الطبري، جامع البيان في تأويل القرآن، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، ط/1، 1420هـ، 2000م.

[18] القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، تحقيق: أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش، دار الكتب المصرية، القاهرة، ط/2، 1384هـ، 1964م.

[19] الهروي، كتاب الإيمان “معالمه وسننه واستكماله ودرجاته”، تحقيق: الألباني، الناشر الإسلامي، ط/2، 1403هـ، 1983م.

Margins:

  1. (1) سورة التوبة، الآية (111).
  2. (2) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب، باب من قال إن الإيمان هو العمل، ج1، ص: 14، ح26. أخرجه مسلم في صحيحه ،باب من مات ولم يحدث نفسه بالغزو،ج3،ص1517،ح1910.
  3. (3) أخرجه مسلم في صحيحه، باب من مات ولم يحدث نفسه بالغزو، ج3، ص: 1517، ح1910.
  4. (1) سورة النساء، الآية (75).
  5. (2) رواه النسائي، باب وجوب الجهاد، ج3، ص: 3, ح11112، وباب قوله تعالى: {فمالكم في المنافقين فئتين والله أركسهم…}، ج6، ص: 325، ح11113، والحاكم.
  6. (3) سورة النساء، الآية (75).
  7. (1) سورة الحج، الآيتان (239/240).
  8. (2) سورة البقرة، الآية (190).
  9. (3) ابن قدامة، المغني، ج9، ص: 173. وانظر: ابن القيم، زاد المعاد، ج3، ص: 145.
  10. (4) سورة البقرة، الآية (193).
  11. (5) سورة التوبة، الآية (5).
  12. (1) رواه مسلم في صحيحه، كتاب الجهاد، باب البيعة على السمع والطاعة فيما استطاع، ج3، ص: 1490، برقم (1768).
  13. (2) صحيح ابن خزيمة، باب الدليل على جهاد النساء، ج1، ص: 376، سنن الدارقطني، باب المواقيت، ج3، ص: 345، والسنن الكبرى للبيهقي، باب من قال بوجوب العمرة استدلالاً، ج4، ص: 571.
  14. (3) سورة الفتح، الآية (17).
  15. (4) سورة التوبة، الآية (91).
  16. (5) المغني لابن قدامة، ص: 197ــ198.
  17. (1) بدائع الصنائع، ج7، ص: 98.
  18. (2) سورة التغابن، الآية (16).
  19. (3) سورة البقرة، الآية (286).
  20. (4) سورة التوبة، الآية (111).
  21. (5) سورة النساء، الآية (69).
  22. (6) سورة آل عمران، الآيتان (169/170).
  23. (1) مجموع الفتاوى، ج7، ص: 638.
  24. (2) في ظلال القرآن، ج3، ص: 1481.
  25. (3) رواه مسلم.
  26. (4) المنار، ج10، ص: 502.
  27. (5) أخرجه مسلم في صحيحه، 13، باب المؤمن أمره كله خير، ج4، ص: 2290، ح2999.
  28. (1) سورة الشورى، الآية (32).
  29. (2) سورة الأنبياء، الآية (73).
  30. (3) ابن قيم، عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين، ط/1409هـ/ 1989م، ج1، ص: 108ـــ111.
  31. (4) سورة آل عمران، الآية (200).
  32. (5) سيد قطب، في ظلال القرآن، ج1، ص: 483.
  33. (1) أخرجه البخاري في صحيحه، باب مناقب أبي طلحة، ج5، ص: 37، ح3811. وباب {إذ همت طائفتان أن تفشلا والله وليهما}، ج5، ص: 97، ح4064.
  34. (2) ابن القيم، زاد المعاد، ج3، ص: 176. ابن اسحق، السير والمغازي، باب خبر الآذان، ج1، ص: 329.
  35. (3) أخرجه البخاري في صحيحه، باب {إذ همت طائفتان…}، ج5، ص: 97، ح4055.
  36. (4) سيد قطب، في ظلال القرآن، ج1، ص: 462. ابن اسحق، السير والمغازي، باب خبر الآذان، ج1، ص: 328. وانظر: ابن هشام، باب ما لقيه الرسول صلى الله عليه وسلم يوم أُحُد، ج2، ص: 79. وانظر: الروض الآنف، باب غزوة أُحُد، ج5، ص: 327.
  37. (5) سورة الأحزاب، الآية (22).
  38. (6) سورة الأنبياء، الآية (21).
  39. (1) سورة آل عمران، الآية (162).
  40. (2) مفاتح الغيب، الرازي، ج9، ص: 415.
  41. (4) المستدرك على الصحيحين، باب ذكر مناقب سعد بن الربيع بن عمرو الخزرجي، ج3، ص: 221، ح4906.
  42. (5) سيد قطب، في ظلال القرآن، ج1، ص: 464ـــ465. ابن اسحق، السير والمغازي، باب خبر الآذان، ج1، ص: 328. وانظر: ابن هشام، باب ما لقيه الرسول صلى الله عليه وسلم يوم أُحُد، ج2، ص: 79. وانظر: الروض الآنف، باب غزوة أُحُد، ج5، ص: 327.
  43. (1) النسائي، السنن الكبرى، باب نوع آخر من الدعاء، ج3، ص: 54، 1304.
  44. (2) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه، باب ما ذكر في الجهاد والحث عليه، ج4، ص: 223، ح19499.
  45. (3) ابن القيم، زاد المعاد، ص: 187.
  46. (4) سورة التوبة، الآية (111).
  47. (1) سنن أبي داوود، باب في الرجل يشري نفسه، ج3، ص: 19/25/36 .
  48. (2) الجامع الصحيح للسنن والمسانيد، باب أسباب معركة بدر، ج14، ص: 411، وباب، ج19، ص: 211.
  49. (1) ابن القيم، الفوائد، ج1، ص: 87.
  50. (2) مسلم وهو في جامع الأصول، ج2/589، رواه مسلم (2664).
  51. (3) شرح النووي على صحيح مسلم (4/2052)، ط/1، 1417هـ، 1997م، باب الأصل الثالث في الأوامر والنواهي، ج3، ص: 556.
  52. (4) سورة آل عمران، الآية (159).
  53. (1) محمد سيد طنطاوي، التفسير الوسيط للقرآن الكريم، دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، الفجالة، القاهرة، ط/1، ج2، ص: 319. وانظر: القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، ج4، ص: 252ـــ253.
  54. (2) فتح القدير، ج1، ص: 451. في ظلال القرآن، ص: 461ــ462.
  55. (3) سورة آل عمران، الآية (173).
  56. (4) سورة الأحزاب، الآية (122).
  57. (5) ابن القيم، مدارج السالكين، ج2، ص: 122.
  58. (1) سورة آل عمران، الآيتان (124/125).
  59. (2) السعدي، تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، ج1، ص: 322.
  60. (3) سورة الأنفال، الآية (45).
  61. (4) سورة آل عمران، الآية (123).
  62. (5) سورة الأنفال، الآية (9).
  63. (6) سورة آل عمران، الآية (147).
  64. (1) سورة الأنفال، الآيات من (62ـــ64).
  65. (2) سورة الأنفال، الآية (65).
  66. (3) سورة الحجرات، الآية (15).
  67. (4) سورة الأنفال، الآية (60).
  68. (5) رواه الترمذي في السنن، ت: بشار، باب: في مناقب عثمان بن عفان رضي الله عنه، ج6، ص: 67، ح3701. وأحمد في مسنده، طبعة الرسالة، باب مسند عثمان بن عفان رضي الله عنه، ج1، ص: 459،ح399.
  69. (1) أخرجه الترمذي في سننه، ت: بشار، باب ما جاء في المشورة، ج3، ص: 265،ح1714. وأحمد في مسنده، طبعة الرسالة، حديث المِسْوَر بن مخرمة الزهري، ج31، ص: 244.
  70. (2) تفسير ابن أبي حاتم، ج3، ص: 801/4409.
  71. (3) المراغي، ص: 113ـــ114.
  72. (4) ابن القيم، زاد المعاد، ج3، ص: 155ـــ156.
  73. (5) السيرة الحلبية، باب غزوة بدر، ج2، ص: 213.
  74. (6) إمتاع الأسماع بما للنبي من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع، أحمد بن علي بن عبد القادر، أبو العباس الحسيني العبيدي، تقي الدين المقريزي، تحقيق: محمد عبد الحميد النميسي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط/1، 1420هـ، 1999م، باب غزوة بدر، ج8، ص: 344.
  75. (1) سورة الأنفال، الآيات من (5ـــ8).
  76. (2) سورة الأنفال، الآيتان (43/44).
  77. (3) سورة الأنفال، الآية (11).
  78. (4) انظر: تفسير الزمخشري، 2/225، وتفسير ابن كثير، 2/315. في ظلال القرآن، ج3، ص: 1484.
  79. (5) سيد قطب، في ظلال القرآن، ص: 1485.
  80. (6) سورة الأحزاب، الآية (9).
  81. (7) سورة الأنفال، الآية (11).
  82. (1) الرحيق المختوم، صفي الرحمن المباركفوري، ص: 278.
  83. (2) سورة الأنفال، الآيتان (9/10).
  84. (3) في ظلال القرآن، ج3، ص: 1484.
  85. (4) سورة الأنفال، الآية (12).
  86. (5) تفسير مقاتل، ج2، ص: 104.
  87. (6) صحيح البخاري، باب، ج5، ص: 81، ح3995.
  88. (7) الموطأ.
  89. (1) الكشاف، ح2، ص: 202.
  90. (2) سيد قطب، في ظلال القرآن، ج1، ص: 497.
  91. (3) سورة آل عمران، الآية (155).
  92. (4) سورة آل عمران، الآية (166).
  93. (5) 371ـــ378.
  94. (1) سورة الأنفال، الآية (46).
  95. (2) السعدي، تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، ج1، ص: 322.
  96. (3) سورة آل عمران، الآية (152).
  97. (4) القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، ج4، ص: 234.
  98. (5) سورة آل عمران الآيات من (139ـــ141).
  99. (1) سورة التوبة، الآية (25).
  100. (2) سورة آل عمران، الآية (118).
  101. (3) سورة آل عمران، الآية (100).