الغير وأساسه في العقد –دراسة مقارنة

The third party and its basis in the contract - a comparative study

حسن سعد حمود الموسوي1، أ.د. حسن حنتوش رشيد1

1 الجامعة الاسلامية –كلية الحقوق –قسم القانون الخاص

بريد الكتروني: zz617758@gmail.com

DOI: https://doi.org/10.53796/hnsj61/51

المعرف العلمي العربي للأبحاث: https://arsri.org/10000/61/51

المجلد (6) العدد (1). الصفحات: 901 - 939

تاريخ الاستقبال: 2024-12-04 | تاريخ القبول: 2024-12-15 | تاريخ النشر: 2025-01-01

Download PDF

المستخلص: هدف هذا البحث الى تسليط الضوء على الغير في العقد وبيان موقفه القانوني، ودراسة الدور الذي يمارسه الغير اتجاه المتعاقدين، كما هدف البحث الى بيان الحدود التي يتوقف عندها الغير اتجاه العقد وحقوق المتعاقدين. اتبع البحث المنهج التحليلي والمنهج المقارن. توصل البحث الى عدة نتائج أهمها أن المشرع العراقي لم يولي اهتمام كبير في دور الغير وغير المتعاقدين في العقد وجاء بنصوص قليلة عالجت دور الغير وفرق بين الغير ذي حرم محرم والغير الاجنبي حيث اعطى للأول حق في الدخول في العقد وتعديل بنوده في حال تم العقد للكراه أو لعيب معين من عيوب الارادة كما جاء في نص المادة (1123) من القانون المدني وان هذه النص فقط علاج دور الغير واعطاه دور في الدخول في العقد .كذلك توصل البحث الى أن المشرع المصري اوسع من نطاق الغير في الدخول في العقد كونه لم يحدد ولم يشترط صلة القرابة لطلب ابطال العقد في حالة وقوع الاكراه على الغير جاء ذلك في نص المادة (1273) والذي جاء بنص مطلق وقال الاكراه الواقع على المتعاقد او الغير ولم يحدد ذي حرم محرم من عدمه وبذلك يكون المشرع المصري وسع من دائرة الغير واعطاه الحق ليكون له دور وحق للمتعاقد الذي ضاعت حقوقه ان يرجع للقضاء ويطلب ابطال العقد . قدم البحث عدة توصيات أهمها انه على المشرع العراقي المقارنة في التوسع من نطاق الغير ووضع قواعد ونصوص تخلص وتنقذ غير المتعاقدين من الالتزامات التي تقع على عاتقهم نتيجة عقود لم يكونوا أطراف فيها. كذلك أوصى البحث بضرورة التوسع في الدراسات والبحوث القانونية في معالجة نقص النصوص التي تعالج موقف الغير في القوانين المدنية والعربية.

الكلمات المفتاحية: الغير، العقد، المتعاقدين، المشرع العراقي، المشرع المصري.

Abstract: This research aims to shed light on third parties in contracts, clarify their legal position, and study the role they play toward contracting parties. It also aims to identify the limits at which third parties operate with respect to contracts and the rights of contracting parties. The research follows an analytical and comparative approach. The research reached several results, the most important of which is that the Iraqi legislator did not pay much attention to the role of third parties and non-contractors in the contract and came with few texts that dealt with the role of third parties and differentiated between third parties with a mahram mahram and non-foreigners, as it gave the former the right to enter into the contract and amend its terms in the event that the contract was concluded due to coercion or a specific defect of the will, as stated in the text of Article (1123) of the Civil Code, and that this text only dealt with the role of third parties and gave them a role in entering into the contract. The research also reached that the Egyptian legislator expanded the scope of third parties in entering into the contract, as it did not specify or stipulate kinship to request the annulment of the contract in the event of coercion on third parties. This came in the text of Article (1273), which came with an absolute text and said coercion on the contracting party or third parties and did not specify whether they were mahrams or not. Thus, the Egyptian legislator expanded the circle of third parties and gave them the right to have a role, and the contracting party whose rights were lost has the right to refer to the judiciary and request the annulment of the contract. The study presented several recommendations, the most important of which is that Iraqi legislators should take a comparative approach to expanding the scope of third parties and establish rules and provisions that relieve and rescue non-contractors from the obligations they incur as a result of contracts to which they were not parties. The study also recommended the need to expand legal studies and research to address the lack of texts addressing the position of third parties in civil and Arab laws.

Keywords: Third parties, contract, contractors, Iraqi legislator, Egyptian legislator.

المقدمة

اولا :بيان المسألة

إن التسليم بمكانة الغير في العقد الذي لم يبرمه ،يحيله على مسألة الإختلاف بين مكانته عندما يكون دائنًا ومكانته عندما يكون مدينًا، ومدى ارتباط الحق بالالتزام في تحديد هذه المكانة ،بحيث بتطور العلاقات التعاقدية والترابط المتبادل بينها ،أدى ذلك إلى تجاوز مبدأ النسبية وإضفاء صبغة قانونية على العلاقات بين أشخاص لم تربطهم علاقة التعاقد ،و إنما ضرورة تنفيذ العقد فعندما يبرم عقد بين طرفين ثم يبرم عقد أخر لتنفيذه ، يصبح للغير هنا مكانة الطرف إما دائنا أو مدينا بموجب عقد أخر رغم كونه لم يكن طرفا فيه.

على أن العقد، بما أنشأه من حقوق و التزامات بين طرفيه هو في النهاية يعد واقعة اجتماعية ليس في الوسع تجاهلها ، فإذا كان الأصل أن الأثر الملزم للعقد أثر نسبي يقتصر على طرفيه، فلا يستطيع الغير أن يطالب بحق أنشأه العقد، ولا توجه إليه مطالبة بالتزام نشأ عنه.

إلا أن وجود علاقة الالتزام التي أنشأها العقد هو حقيقة واقعة، ليس في وسع الغير أن يتجاهل نشوء هذه الحقوق والالتزامات بين طرفي العقد، وليس في وسع أي من طرفي العقد أن ينكر في مواجهة الغير أن هذه الحقوق والالتزامات قد نشأت فيما بينهما .

ويعبر عن ذلك بالقول :إن القاعدة هي أن العقد بما أنشأه من حقوق والتزامات بين طرفيه، يحتج به بالنسبة للكافة و للغير أن يحتج به، ويحتج به عليه وهذا هو مبدأ حجية العقد.

و على مرور الزمن تطورت العلاقات التعاقدية فأصبح مفهوم الغير يساير هذا التطور ،لأن العلاقات التعاقدية أصبحت معقدة ومتداخلة بين الاشخاص ،مما جعل الفقه يراجع مفهوم الغير ، فلوحظ أن هذا الأخير أصبح موقفه ومركزه يتشابك في العلاقات القانونية وليس ذلك الشخص المستقل عن العقد ، فبدأ الفقه بمحاولة وضع قاعدة قانونية تفسر تطور مركز الغير في العلاقات التعاقدية والخروج من قاعدة النسبية المطلقة التي تعني استقلال الغير بالنسبة للعقد وعدم تأثره به وتأثيره فيه .

ثانيا : أهمية البحث

تتجلى أهمية البحث في أنه يتناول موضوع دور الغير في العقد وماله من حقوق والالتزامات اتجاه الاطراف واتجاه العقد باعتباره شريعة المتعاقدين ,وكذلك نبحث في حدود الغير من ناحية القواعد القانونية التي تحدد مداه وحدوده بشكل دقيق مفصل .

ثالثا : أهداف البحث

تتمثل اهداف البحث في ما يأتي:

  1. تسليط الضوء على الغير في العقد وبيان موقفه القانوني.
  2. دراسة الدور الذي يمارسه الغير اتجاه المتعاقدين .
  3. 3-بيان الحدود التي يتوقف عندها الغير اتجاه العقد وحقوق المتعاقدين .

رابعا: أسئلة البحث

السؤال الرئيسي ؟

هل من الممكن ان يتدخل الغير في العقد ويعتبر جز منه ؟

الاسئلة الفرعية؟

1-هل للغير الحق في طلب ابطال العقد وهو لم يكن طرف فيه ؟

2-هل يجوز للغير تعديل بنود العقد ؟

3-ماهي القواعد القانونية التي تجيز للغير الدخول في العقد وهو لم يكن طرف فيه ؟

خامسا : فرضيات البحث

أ-الفرضية الاصلية

أن العقد باعتباره شريعة المتعاقدين ولا يجوز لغير المتعاقدين الدخول فيه او الاعتراض على بنوده, ما هو المنفذ من تغيير بنود العقد ودخول الغير بشكل قانوني يمكن معه حماية حقوقه والتزاماته.

ب- الفرضية الفرعية

1-حقوق المتعاقدين التي يتضمنها العقد لا يمكن تغيرها الا بموافقتهم ,والغير هو اجنبي عن العقد ,ماذا يتبع لغرض حماية حقوقه التي وضعها عقد لم يكن طرف فيه .

2-لو رتب العقد حقوق باهظة على الغير ماهي الالية التي يتبعها للتخلص من هذا الالتزام وكيف يمكن له تسوية الامور في ظل لم يكن طرف في عقد ولم يعلم في بنودة.

سادسا : منهج البحث

ان المنهج المتبع في البحث هو المنهج التحليلي والمنهج المقارن:

المنهج التحليلي : حيث نتعرض لتحليل نصوص القانون المدني العراقي التى تنظم دور الغير في العقد، ونطاق الغير, وحقوق المتعاقدين .

المنهج المقارن : لا يخفي على أحد أهمية الدراسات المقارنة في إثراء الفكر القانوني ، من أجل ذلك سنتناول موضوع الدراسة مقارنة بين القانون العراقي والقانون اللبناني.

هيكلية البحث :

لفهم موضوع البحث وهو دور الغير في العقد قمنا بتقسيم الدراسة الى مبحثين :

المبحث الاول :عرض تطور مفهوم الغير

حيث قسمناه الى مطلبين:

المطلب الاول: تحديد الطرف في العقد

المطلب الثاني: تحديد الغير الاجنبي عن العقد

المبحث الثاني :مفهوم الغير بالنسبة للخلف العام والخاص

وقسمناه الى مطلبين :

المطلب الاول :أثر الخلافة في الالتزام العقدي

المطلب الثاني :امتداد العقد الى الغير بارادة المتعاقدين

المبحث الاول

عرض تطور مفهوم الغير

تمهيد وتقسيم

إن البداية لتطوير مفهوم الغير كانت في اعتبار أن العقد هو واقعة قانونية ، لا يمكن للغير أن يدخل أو يتأثر به وظهرت وجهت نظر جديدة مفادها أن المشرع الفرنسي قد نص على عدم نفاذ العقد في مواجهة الغير في حالات معينة كالصورية وعدم ثبوت التاريخ.

وهذا يعني أن القاعدة العامة هي أن ينفذ العقد في مواجهة الغير فلو لم يكن العقد نافذًا في مواجهة الغير لما احتاج المشرع للتدخل ،و منه يكون للعقد وجود قانوني لا يمكن للغير تجاهله .

إن العقد أذا ما انعقد صحيحاً، خلصت له قوته الملزمة، والعقد يعادل القانون من حيث قوته الملزمة ( فالعقد قانون الطرفان)، فكما أن على الشخص الالتزام بأحكام القانون، فإن عليه الالتزام بأحكام العقد متى ما كان طرفاً فيه، إلا إن تحديد ما إذا كان الشخص طرفاً في العقد من عدمه لا زالت مسألة لم يتم القطع بها برأي مستقر، فلقد تباينت الآراء حول تحديد مفهوم الطرف والغير عن العقد ، حتى كاد هذا التباين أن ينعكس على مفهوم الطرف بجعله مفهومًا غير مستقر ، ولقد أصبح هذا التباين أكثر وضوحًا عند ظهور نظرية المجموعة العقدية ، التي حاول أصحابها إضفاء صفة الطرف على أشخاص كان الفقه مستقر على اعتباره من الغير عن العقد ، إلا إن تلك النظرية في تحديدها لمفهوم الطرف ما لبثت ان تعرضت لجملة من الإنتقادات من قبل الفقه ، الذي حاول بدوره وضع مفهوم جديد للطرف في العقد .

هذا ما نتناوله في هذا المبحث والذي قسمته إلى مطلبين على النحو الأتي :

المطلب الأول : تحديد الطرف في العقد

المطلب الثاني : تحديد الغير الأجنبي عن العقد

المطلب الاول

تحديد الطرف في العقد

إن العقود والأحكام القضائية لا تمس غير أطرافها ، فالأحكام القضائية تقتصر على أطرافها المذكورة فيها دون أن تتعدى الغير، ونجد ان الفقه القانوني القديم قد قام بتحديد مقصود الغير من خلال شرح مواد القانون المدني وأعطى بعض من الفقه تعريف بسيط للغير، وهو كل شخص مستقل تماما بالنسبة لمركز قانوني معين.

فلا يتأثر به ولا يؤثر فيه ،فهو كل شخص لا تمسه شريعة العقد ولا ينصرف اليه اثر العقد إلا في حالتين هما الاشتراط لمصلحة الغير، والتعهد عن الغير .

غالبا ما نستخدم مصطلح الغير لإزاحة الطائفة التي ليس لها علاقة بذلك الموضوع ،بمفهوم أخر كلما نجد أشخاص مختصون بشيء معين ويتأثرون به ،فهناك أشخاص أخرين بمفهوم المخالفة ليست لهم علاقة بذلك الشيء ويسمون بالغير ،فنجد أن الرومان استخدموا هذا المصطلح ([1]).

ويترتب على اعتبار العقد قانون بين الطرفين، هو انهما يلتزمان بتنفيذه، ولا يجوز لاحدهما ان يستقل بنقضه أو تعديله، حيث يلتزم كلّاً من الطرفين باحترام الثقة التعاقدية التي اولاها كل طرف بالطرف الآخر، بحيث يبقى العقد على السياق الذي اقره الطرفان، ويفترض على الجميع، ومنهم القاضي، ان يحترم هذا القانون الخاص، فلا يعدل من آثاره أو يغيّر فيها إلّا في أحوال خاصّة حدّدها القانون.

وقد وضعت التشريعات، استثناء هام على مبدأ القوة الملزمة للعقد، وهي فكرة الظروف الاستثنائية غير المألوفة، والتي تعد مبرر لتدخل القاضي في العلاقة التعاقدية بين الطرفين، وكذلك الأحكام الخاصة بمعالجة الشروط التعسفية الواردة في العقود المدنية.

وعلى ذلك، فإنّه ينبغي علينا ابتداءً ان نتعرّف على المقصود بالطرف في العقد إبتداءً، من ثمّ عرض النتائج المترتبة على العقد بحق الطرفين.

أولاً : تحديد مدلول الطرف فقهًا وتشريعًا

الطرف في العقد، هو المتعاقد نفسه، أي كل من ابرم العقد باسمه ولحسابه، فهو من اتجهت إرادته إلى إحداث أثر قانوني، ونفذ التصرف القانوني في مواجهته حين التقاء إرادته بإرادة اخرى لإبْرام عقد، وتحمل ما يترتب عليه من حقوق والتزامات هو طرف فيه ([2]) .

ويعرّف الطرف بالنسبة لأثر العقد، هو من ينصرف إليه أثر العقد مباشرة، أي من يلزم بإعطاء شيء معين أو يلتزم بالقيام بعمل أو الامتناع عن عمل ([3]).

يكمن الأساس القانوني لمبدأ نسبية أثر العقد من حيث الأشخاص في القانون المدني العراقي في فكرة القوة الملزمة للعقد، فالعقد له قوة ملزمة من حيث الأشخاص، بمقتضاها يلزم العقد المتعاقدين دون سواهما، ولا ينتج آثاره القانونية إلا في مواجهة المتعاقدين، أو خلفهما العام من بعدهما، أو خلفهما الخاص في بعض الأحيان، ودائنيهما العاديين، إذ نصت الفقرة الأولى من المادة ( 142( من القانون المدني العراقي على أنه )ينصرف اثر العقد الى المتعاقدين والخلف العام دون إخلال بالقواعد المتعمقة بالميراث، ما لم يتبين من العقد أو من طبيعة التعامل أو من نص القانون أن هذا الاثر لا ينصرف الى الخلف العام( .

المادة 225

كما نص المشرع اللبناني على ” أن العقد لا ينتج في الاساس مفاعليه في حق شخص ثالث، بمعنى انه لا يمكن ان يكسب هذا الشخص حقوقا أو يجعله مديونا فان للعقد مفعولا نسبيا ينحصر فيما بين المتعاقدين او الذين نالوا حقوق هؤلاء بوجه عام” ([4]).

وقد عرّفت محكمة النقض المصرية الطرف في العقد بأنّه: ” كل من يفصح عن ارادة الالتزام، متطابقة مع ارادة اخرى على إنْشاء التزام أو نقلة أو تعديله أو زواله في خصوص موضوع معين، يحدد العقد نطاقه، دون أن يعتد بإطلاق كل من يرد ذكره بالعقد، أنّه أحد أطْرافه طالما لم يكن له صلة بشأن ترتيب الأثر القانوني الذى يدور حوله النزاع الناشئ عن العقد”([5]).

وينقسم الفقه في تحديد مفهوم الطرف إلى فريقين:

الاول؛ يأخذ بالمفهوم الضيق للمتعاقد، وهو موقف الفقه التقليدي، وهذا الفقه يقصر الطرف على كل من اتجهت أرادته إلى إبْرام العقد، وذلك طبقاً لمبدأ سلطان الارادة والذي هو أساس كل اتّفاق ([6]).

أمّا الفريق الثاني، فيأخذ بالمفهوم الواسع لفكرة الطرف العقدي، فالطرف عندهم ليس مجرّد توصيف قانوني للأشخاص الذين اتجهت ارادتهم لإبْرام العقد والإلتزام بآثاره، وإنّما هو كل من تمسّه آثار الاتّفاق الأشخاص، سواء كان لإرادتهم دور في إنشاء العقد أو ترتيب آثاره بصورة مباشرة، أو كانوا ممّن تمسّه آثار العقد بصورة غير مباشرة( [7]) ، والفيصل في هذا النظر هو أنّه لم تعد ارادة الأطْراف وحدها هي التي تحدد الآثار التي تترتب على العلاقات القانونية التي تنشأ بين الأشخاص، حيث لم تعد التَّصرّفات القانونية شأناً خاص بأطْرافها بل يلزم ان تصب في مصلحة المجتمع، لذلك من الممكن ان نجد طرفاً لم يكن لإرادته اي دور في إبْرام العقد اصبح طرفاً فيه،([8]) فلفظ الطرف عندهم يضم المتعاقد وكذلك الخلف العام وقد ينصرف في بعض الحالات إلى الطرف الخاص.

وقد عكس هذا النظر القضاء الفرنسي، عندما قضت محكمة استئناف باريس في 12 يوليو 1984 في قضية هضبة الأهرام الشهيرة، والتي حصلت بسبب منازعة الحكومة المصرية للمستثمر على كونها طرف في العقد المبرم بينه وبين جهة أخرى، بأنّ توقيع وزير السياحة المصري علي عقدين مع مستثمر أجنبي، وإحدى هيئات القطاع العام في ذيل العقد بعبارة ” نظر ويعتمد “، لا يغير اتجاه الحكومة إلى أن تكون طرفاً في العقد، وإنما يعد هذا التوقيع نوعاً من الوصاية والرقابة التي تمارسها الدولة على الهيئات التي تتبعها، فمحكمة استئناف باريس ذهبت إلى أنه ليس كل من وقع على العقد طرفاً فقد يوقع عليه أحد الأشخاص ليس بوصفه طرفاً في الشرط إنما بأيّ صفة أخرى.([9])

وعلى ذلك، فإنّ الغير هو عكس المتعاقد، أي الشخص الذي لا يكون طرفاً في العقد، فهو الاجنبي كليّة عن العقد، ولا توجد بينه وبين المتعاقدين رابطة أو علاقة قانونية مباشرة، فالغير يقصد به غير المتعاقدين وغير خلف كل منهم ولا يرتبط بأحد أطْراف العقد بأيّ رابطة عقدية وبعبارة اخرى الغير هو الشخص الذى لا تنصرف إليه آثار الاتّفاق القانونية، فلا يكتسب حقاً ولا يتحمل التزام ولم يساهم في تنفيذ العقد.([10])

فإذا كان الطرف في العقد هو من اتجهت أرادته إلى الارتباط به، فإنّ الغير بمفهوم المخالفة فهو الشخص الذى لم تتجه أرادته إلى الارتباط بالشرط، فهو اجنبي كلية عن العقد وعن طرفيه، بمعنى أنّه أجنبي عن العقد أي لم يدخل طرفاً في إنعقاده، ولم يكن طرفاً في تنفيذه، فهو أجنبي عن أطْرافه تماماً، وليس خلفاً عامّاً لأيٍّ منهم، وبذلك فإنّه لا ينتفع بهذا الاثر أو يضار به الا على سبيل الاستثناء. ([11])

وتقليديّاً يحكم مبدأ نسبية أثر العقد، الأثار الناتجة عن العقود، فهو المانع من تحمّل الغير بأي إلتزام، فالأصل أنّه لا يستفيد من أي حق ولا يمسّه أي ضُر من العقد، وبالتالي فإنّ من أهم النتائج التي تترتب على اكتساب الشخص لصفة الغير، هو أنّه لا يستفيد من العقد ولا يتحمل بأيّ التزام، فهو أجنبي عن العقد وبالتالي لا تنصرف إليه آثاره.

وينبغي هنا القول، بأنّ التمسّك بالتقسيم التقليدي للأطراف والغير عن العقد، يثير صعوبة تتعلّق ببعض الاشخاص يقف في موقف الوسط بين الطرف والغير، فالشخص الممثل يمكن أن يكون طرفاً في العقد دون أن يسهم في إبْرامه، كما ان الالتزامات المتولدة عن العقد تقع على كاهله، فالغير عن العقد ليس بالضرورة أن يكون كل شخص اجنبي كلياً عن أطْرافه، فإذا كانت آثار الشرط تنصرف إليه بشكل أو بآخر، وبالتالي يكون له أن يحتج بهذا الآثار في مواجهته، فإنّ ذلك يرجع ان له على الاقل رابطة بأحد الأطْراف.([12]) هذا من ناحية.

ثانيًا : النتائج المترتبة على صفة الطرف

متى قام العقد صحيحًا بين طرفيه فإنة يكتسب قوة ملزمة تجاه الأطراف ، كما يكتسب قوة ملزمة تجاه القاضي ، فالعقد هو القانون الذي يطبقه القاضي حال وقوع النزاع ، ولا يملك أى طرف في العقد التحلل من قوة الملزمة بإرادته المنفردة .

  1. مبدأ القوة الملزمة للعقد تجاه الطرفين

يعد مبدأ القوة الملزمة للعقد أهم النتائج المترتبة على مبدأ سلطان الإدارة، وقوام ذلك أن الإنسان لا يلتزم إلا بإرادته، فالإنسان قد ولد حراً لا يقيد من حريته إلا ما قيد هو به نفسه، دون فرض التزام لا يستند إلى الإرادة، فالإرادة دائماً هي مصدر القانون الذي تخضع له، فإذا ألتقت إرادة كل أفراد المجتمع على التنازل عن بعض حرياتهم للسلطة التشريعية لتنظم ما بينهم من علاقات فهذا هو القانون بوجه عام.([13])

كذلك إذا ألتقت إرادة الطرفين على أمر ما فهذا هو العقد، فهو نوع من أنواع القانون، فالقانون عقد كبير لكل أفراد المجتمع، بينما العقد قانون صغير محدود بأطْرافه.

ويترتب على ذلك أن العقد بعد قانون محدد النطاق بأطْرافه، وله نفس القوة الملزمة اتى تتوافر لقانون تجاه الخاضعين لأحكامه، وينتج عن ذلك أن لا يمكن القول بأن العقد غير ملزم إلا إذا أستند إلى قانون، فالقانون مستمد من إرادة الأطْراف وكذلك العقد.

وفي هذا المعنى عبرت المادة من التقنين المدني الفرنسي السابق، والتي نصت على أن الاتّفاقات التي تتم وفقاً لأحكام القانون تأخذ حكم القانون بين هؤلاء الذين أبرموها, أمّا المادة من القانون المدني الجديد نصّت على أنّه: “لا يجوز تعديل العقود أو الرجوع عنها الا بالرضا المتبادل للأطْراف, أو للأسباب التي يأذن القانون بها “.

وكذلك نص القانون المدني المصري في المادة 147 / 1 بنصه على أنّ: ” العقد شريعة المتعاقدين، فلا يجوز نقضه ولا تعديله إلا باتّفاق الطرفين أو للأسباب التي يقرها القانون “. وأيْضاً القانون المدني العراقي حيث نصت المادة (146/1) منه على انه ” إذا نفذ العقد كان لازماً ولا يجوز لاحد العاقدين الرجوع عنه ولا تعديله الا بمقتضى القانون أو التراضي”. والذي يستخلص من نص هاتين المادتين هو:

  1. التزام الأطراف بالتنفيذ:

يترتب على القوة الملزمة للعقد أن المدين يلتزم بأن ينفذ ما تعهد به، أي الوفاء بالأداء الذي قطعه على نفسه في العقد لصالح الدائن، ومن ثم لا يجوز إجبار الدائن على أن يقنع بالتعويض بدلاً من التنفيذ العيني طالما ما زال ممكناً، فإذا ما أمتنع المدين عن تنفيذ إلزامه وجب على الدائن إجباره على التنفيذ العيني، والتغلب على تحايله وعناده وإزالة كل عقبة يضعها المدين في سبيل حصول الدائن على الأداء الذي تعهد به المدين.([14])

  1. عدم جواز نقض العقد:

العقد هو قانون الطرفين وكل قانون لا يجوز إلغاؤه أو تعديله إلا بقانون آخر وليس بإرادة أحد الخاضعين لأحكامه، ومن ثم فلا يجوز لأحد الطرفين أن يستقل وحده بنقض العقد أو الرجوع فيه أو النكول عنه أو تعديله، بل المرجع في كل ذلك إلى إرادة الطرفين معاً، لأنّ قانون العقد من صنع الإرادتين وليس من صنع إرادة واحدة، ولذلك يظل العقد قائماً بين طرفيه ملزماً لهما لا رجعة فيه حتى يتفقا على إنهائه أو تعديله أو حتى يتم الوفاء به ([15]) .

وفي هذا الصد يمكن أن نتصور ثلاثة فروض، هي:

  • جواز تقايل العقد أو تعديله باتّفاق لاحق بين الطرفين:

أي أن كل من الطرفين يقيل الطرف الآخر من التزامه العقدي([16])، والأصل أن يترتب على التقايل زوال الاتّفاق بالنسبة إلى المستقبل، إذا كان العقد من العقود الزمانية – مثل عقد الإيجار – وبأثر رجعي إذا كان من العقود الفورية مثل عقد البيع حيث يرد كل متعاقد إلى الآخر ما يكون قد تلقاه. ولكن هذا الأثر الرجعي يتقيد بعدم الإخْلال بما اكتسبه الغير من حقوق على الشيء – محل العقد – قبل الرجوع في العقد مثل الرهن، وإذا كان محل العقد نقل ملكية عقار فإنّ التقايل لا يرتب أثره إلا بالتسجيل.

  • ثبوت سلطة إنهاء العقد لأحد الطرفين: يسمح القانون في بعض الأحوال لأحد الطرفين أن ينهى العقد وحده دون الحصول على موافقة الطرف الأخر، كما هو الشأن في عقد العارية وعقد الوديعة وعقد المقاولة وعقد العمل وعقد الوكالة.
  • تدخل المشرع بإنهاء العقد: يتدخل المشرع أحياناً فيسمح بإنهاء العقد بعد مدة معينة من إنعقاده، حتى لا يصبح مؤبداً مثل عقد العمل، يجوز للعامل فسخه بعد انقضاء خمس سنوات دون تعويض ولو كان لمدة أطول ([17])، ومثل عقد قسمة المهايأة يجوز إنهاؤه بعد خمس سنوات ([18]).

ت- الثقة المتبادلة بين الطرفين:

نصت المادة من القانون المدني العراقي على أنه: ” يجب تنفيذ العقد طبقاً لما أشتمل عليه وبطريقة تتفق مع ما يوجبه حسن النية، ولا يقتصر العقد على إلزام المتعاقد بما ورد فيه، ولكن يتناول أيضاً ما هو من مستلزماته، طبقاً للعرف والعدالة بحسب طبيعة الإلتزام “. وتقابلها المادة من القانون المدني المصري.

فيجب على القاضي أذن أن يضيف إلى إرادة الطرفين التى عبرا عنها في العقد شيئًا أخر وهو مستلزمات العقد، ويحدد القاضي مستلزمات العقد وفقاً لطبيعة الإلتزام والقواعد القانونية المكملة والعرف والعدالة. ([19])

فقد تشير طبيعة الإلتزام إلى أنه لا يحقق الغرض منه فعلاً، لذا اشتمل على مسائل معينة، فوجب إضافتها إلى الإلتزام الوارد في العقد إذا سكت عنها المتعاقدين، مثل بيع المحل التجاري يجب أن يشتمل على إيجار المكان، ولو لم يذكر المتعاقدان ذلك في العقد، وبيع خزانة حديدية يشتمل على تسليم مفاتيحها دون حاجة إلى النص على ذلك في العقد.

وقد يتكفل القانون بتكملة إرادة المتعاقدين، عند عدم الاتّفاق على بعض المسائل التفصيلية في العقد، فيضيف القاضي مضمون هذه القواعد إلى مضمون العقد، مثل ذلك إذا سكت المتعاقدين عن تحديد زمان ومكان دفع الثمن في عقد البيع، فإنّ الوفاء يكون في الزمان والمكان الذي يسلم فيه الشيء المبيع ([20]).

ويقوم العرف بمهمة تحديد مضمون العقد وخاصة في المسائل التجارية، فمتى سكت المتعاقدين عن التعرض لعملية تغليف السلعة أو تعبئتها، فإنّ العرف يوجب على البائع القيام ذلك. ويجب على كل من الطرفين تنفيذ العقد، لا وفقاً لما أشتمل عليه بل بطريقة تتفق مع حسن النية، لذلك يلتزم أمين النقل بأن يسلك الطريق الأقصر والأفضل بالنسبة إلى المرسل إليه ولو كانت أجرة النقل تقدر بالمسافة، طالما لم يتعرض لضرر حقيقي، ويلتزم المقاول بأن يمد الأسلاك الكهربائية أو أنابين المياه أو الغاز من أقصر مكان بما يتفق مع أصول الصنعة، وليس بطريقة تؤدى إلى الإسراف أو الزيادة في التكلفة على رب العمل.

ويلتزم القاضي بأن يسترشد بقواعد العدالة لتحديد مضمون التزام المتعاقد، مثل ذلك أن العدالة توجب إلزام الباحث الذي تكفل رب العمل بأجره ونفقات أبحاثه وخصصه للبحث في مصنعه، بأن يقدم لصاحب العمل نتائج اختراعاته فلا يستقل بها لنفسه، ولو لم يرد نصفي العقد، كذلك التزام العامل بعد إفشاء أسرار الصناعة أو العملاء إلى مصنع منافس، ولو لم يكن هناك شرط في العقد.

  1. مبدأ القوة الملزمة للعقد تجاه القاضي:

إذا لم يقم الطرفين بتنفيذ العقد طواعية، فإنّ الدائن سيلجأ بداهة إلى القضاء طالباً إلزام المدين بالتنفيذ الجبري، وعلى القاضي عند إذن أن يحتكم إلى العقد الذي هو قانون الطرفين، أي ان القاضي يعامل العقد كما يعامل أي قانون آخر، وهو ما يعبر عنه بأن العقد يمارس قوته الإلزامية في مواجهة القاضي.([21])

وينتج عن ذلك أن القاضي لا يمكنه تعديل العقد أو التدخل فيه، حتى لو ظهر له أن العقد احتوى على شروط مجحفة بأحد الطرفين، ولا يحق له الاستناد إلى العدالة، لأنّ ما ارتضاه الطرفين بحريتهم يكون عادلاً من وجهة نظرهم، ولا يحق له طلب التعديل بحجة مخالفة النظام العام، لأنّ هذا يعنى بطلان العقد وليس التدخل فيه. ولكن قد يسمح المشرع للقاضي التدخل في بعض العقود، بإلغاء أو تعديل الشروط التعسفية أو تفسيرها لصالح الطرف المذعن أو منح المدين أجلاً قضائياً لتنفيذ التزامه. ([22])

ويترتب على مبدأ القوة الملزمة للعقد التزامه بتفسير العقد، فهو لا يستطيع تنفيذ الدعوى في حالة العقد الغامض أو المبهم.

  1. تفسير العبارات الواضحة:

نصت المادة (155/1 ) من القانون المدني العراقي, على أنّه: ” العبرة في العقود للمقاصد والمعاني لا للألفاظ والمباني”، كما نصّت فقرة أولى من المادة (150) من القانون المدني المصري على أنه:” إذا كانت عبارة العقد واضحة فلا يجوز الانحراف عنها عن طرق تفسيرها للتعرف على إرادة المتعاقد ” اي لا تثير الا معنى واحد في الذهن – فلا يجوز للقاضي الانحراف عن هذا المعنى للبحث في إرادة اخرى للمتعاقدين، فهذه هي إرادة المتعاقدين برا عنها في العقد، ولا يجوز لأحد الطرفين أن يدعى أن هذه الإرادة الظاهرة تخالف الإرادة الباطنة، ولا يجوز للقاضي تغليب الإدارة الباطنة على الإرادة الحقيقية. اي لا يقصد بها تغليب الارادة الباطنة على الارادة الظاهرة، وانما يقصد بها تكييف العقد هل هو عقد بيع أو ايجار….الخ، وعند تكيف العقد بتكييف معين، فإنّه يأخذ بالقصد الحقيقي للمتعاقدين، لا بما عبر عنه ظاهر الإتفاق، على وفق المفهوم من صراحة هذا النص. فالمقصود بالعبارات الواضحة للعقد ليس مجرد استخدام ألفاظ واضحة، ولكن استخدام ألفاظ تتضح منها بجلاء وبطريقة قاطعة دون عناء إرادة الأطْراف وما قصدته. فمتى قام القاضي بتفسير الألفاظ الواضحة فإنّه يكون متجاوز لسلطاته. ([23])

  1. تفسير العبارات الغامضة:

وفي هذا الصدد، يمكن إعمال قواعد التفسير التي اعتمدها المشرع العراقي في القانون المدني، حيث نصت المادة (155 /2) من القانون المدني العراقي على أنّ: ” الاصل في الكلام الحقيقة أمّا إذا تعذرت الحقيقة يصار إلى المجاز “، وأيْضاً نصت المادة ( 150/2) من القانون المدني المصري على أنه:” أمّا إذا كان هناك محل لتفسير العقد فيجب البحث عن النية المشتركة للمتعاقدين دون التوقف على المعنى الحرفي للألفاظ، مع الإستهداء بطبيعة التعامل، وبما ينبغي أن يتوافر من أمانة وثقة بين المتعاقدين ووفقاً للعرف الجاري في المعاملات”. والعبارات الغامضة هي التي تثير في الذهن أكثر من معنى، وليس المقصود المعنى اللفظي ولكن المقصود أن تثير العبارة في الذهن الحيرة بما كان يقصده المتعاقدين هذا الأمر أو ذاك ([24]).

وقد حدد القانون عدة معايير ليسترشد بها لقاضي في هذا التفسير :

  • يجب أن يكون هدف القاضي الأساسي من التفسير، هو البحث عن النية المشتركة بين المتعاقدين، أو بالبحث عما تلاقت عليه إرادتهما معاً.
  • استبعاد المعنى الحرفي للألفاظ ما دام هو سبب الغموض بما يثيره في الذهن من عدة معاني، فإذا ذكر في العقد أن النقود التي تلاقى أحد المتعاقدين هبة قابلة للرد، فذلك يثير الحيرة هل العقد قرض أم غيره.
  • الإستهداء بطبيعة التعامل وظروف العقد وموضوعه، فمتى احتملت الألفاظ أكثر من معنى أختار القاضي المعنى الذي تقتضيه طبيعة التعامل.
  • الاعتداد بما توجبه الأمانة والثقة بين المتعاقدين، فمن واجب كل طرف أن يكون أميناً ومن حق الطرف الآخر الثقة فيه.
  • الاعتداد بالعرف الجاري في المعاملات، فعلى القاضي الإستهداء بالمعنى الذي يعطيه العرف لبعض الألفاظ. ([25])
  • النظر في الظروف والملابسات التي تحيد بالعقد، فعلى القاضي الاسترشاد بالمفاوضات التي تسبق العقد وبالطريقة التي أتبعها الأطْراف في تنفيذ العقد، وبالعقود الأخرى المبرمة بين الطرفين.
  • تفضيل الشروط الخطية على الشروط المطبوعة، لأنّ الأولى أكثر إثارة لانتباه المتعاقد.
  • الأخذ بمبدأ تكامل العقد، فتفسر نصوص العقد بعضها البعض، فقد يكون اللفظ غامضاً في نص ومن الممكن أن نعرف مضمونه من نص آخر.
  1. مبدأ القوة الملزمة للعقد تجاه المشرع:

إذا صدر قانون جديد أثناء تنفيذ العقد، فإنّ هذا العقد يخضع من حيث تكوينه للقانون القديم، فإذا كانت قواعد القانون الجديد قواعد مكملة غير ملزمة فلا مساس لها بآثار العقد التي تظل خاضعة للقانون القديم، حيث أن الأفراد يملكون الاتّفاق على مخالفتها في جميع الأحوال، أمّا إذا كانت قواعد القانون الجديد آمرة وملزمة، فهي تسري على ما يترتب من آثار العقد في ظل القانون الجديد، فمتى صدر قانون بخفض القائدة أو يضع حداً أقصى للأجرة أو لسعر التوريد فيسرى هذا القانون من تاريخ نفاذه، فيخفض سعر الفائدة أو تخفض الأجرة أو سعر التوريد عن المدة الباقية من العقد ([26]).

المطلب الثاني

تحديد الغير الأجنبي عن العقد

إن الترابط بين العقود ،أدى إلى نشأة المصلحة وبها تم تغيير الأماكن ، فالغير الأجنبي عن العقد قد أصبح دائنًا والغير أيضا يصبح مدين ،أشار إلى هذه الفكرة ،الفقيه savatier وأكد على أهميتها فيما يخص مسألة تصنيف الغير والمكانة التي يحتلها ، ويوجد من أسس تطور مكانة الغير على نظرية الدعوى المباشرة لأنها تقوم بين أشخاص هم الغير في العقد، ويكون طرف في عقد أخر :

أولاً : الغير ونظام المجموعة العقدية

  1. تطور مفهوم الغير بظهور نظام المجموعة العقدية

يرى أصحاب نظرية المجموعة العقدية ، أن مفهوم الطرف يجب أن يتسع ليشمل إلى جانب طرفي العقد بالمعنى التقليدي معنى الأطراف في عقدين متميزين يشكلان مجموعة واحدة، معنى ذلك أن الطرف سيضم فئتين، أولهما الطرفين المتعاقدين في عقد واحد.

وتضم الثانية الاطراف المتعاقدة في مجموعة عقدية واحدة ، إذ يرى Teyssié أن إذا نشأت مجموعة عقدية، فمن الجائز التساؤل فيما إذا كان هذا الانشاء ينعكس على ظهور علاقات عقدية بين أشخاص لم تربطهم علاقة عقدية مباشرة ، فإذا تأكد وجود هذه العلاقات العقدية بينهم فهذا يعني أن ثمة تعدي قد حصل لمفهوم مبدأ نسبية أثر العقد ومفهوم الغير، وهذا التعديل يتمثل في أن الأطراف في أن الأطراف في المجموعة العقدية ليسوا من فئة الغير بالمعنى التقليدي ([27]) .

ويذهب جانب من الفقه الى أن الاعتراف بهذه الدعاوى المباشرة إنما يفسر قيام علاقات من طبيعة عقدية بين أطراف المجموعة الواحدة، ولما كانت هذه العلاقات مرتبطة بوجود المجموعة ولا تنفصل عنها، فإنه تبعا لذلك يبغي مواصلة الطريق في الاتجاه ذاته، مما يسمح للمجموعة العقدية ان تستجمع اثارها كاملة بحيث لا يقتصر دورها على إنشاء دعاوى مباشرة للضمان أو للمطالبة بالوفاء وانما يمتد ليشمل أي دعوى عقدية تتعلق بتنفيذ الالتزامات الناشئة عن أي عقد يقع ضمن هذه المجموعة بما في ذلك دعوى المسؤولية الناتجة عن الإخلال بهذه الإلتزامات بحيث تكون تلك الدعاوى من عقدية أو تقصيرية ([28]).

و هو ما أخذ بالفقيه ( ويلي) للتأكد بأنه لا يمكن الجزم بأن العقد الأصلي يجعل من الغير مدينا ،ذلك أن العقد الثاني هو سبب القيام ضده ، وليس لأنه مدين في مواجهة الدائن( [29]) .

ومن ثم فإن الأسلم القول بأن الغير يمكن أن يكتسب مكانة في العقد بمناسبة تلقيه حقا ، من ذلك أنه يمكن أن يصبح دائنا لمدين المدين ويطالبه بالتنفيذ بدلا عن المدين الأصلي ،لكنه في المقابل يبقى غيرا بالنسبة للعقد الثانوي ولا يمكنه مطالبته بتنفيذه ،حيث أن دوره يتوقف على إستيفاء حقه من مدين المدين ،وينتهي هذا الفقيه بالتأكيد بأن الدائن الغير يكسب الحق مباشرة ويطالب به كدائن دون منافسة كل الدائنين .

و قد مال القضاء حينما يلاحظ وجود ترابط متبادل بين علاقة تعاقدية واخرى من الناحية العملية فانه يكيفها على اساس أنها علاقة ثالثة ، بمعنى أنها علاقة بين المتعاقدين والغير وذلك بافتراض صدور ارادتهم حول تنفيذ العقد دون ان يتم التعاقد بينهم مباشرة ([30]) .

و فكرة الترابط المتبادل بين العلاقات التعاقدية بدأت تؤسس لنشأة روابط اخرى بين الاشخاص المتولدة بينهم ارتباطات تعاقدية لم يكونوا اساسا قد أرادوها أو سعو لتحقيقها ،ذلك أن الواقع العملي أصبح يدفع أثر العقد خارج الحدود التي ارتأها له أطرافه ( [31]) .

مثاله فكرة الاشتراط الضمني التي ابتكرها فقه القضاء للتوسع في امكانية تدخل الغير في العقد وأيضا الحكم بانصراف أثر العقد الى الخلف الخاص مستندا في ذلك الى اراء الفقهاء التي حاولت استنباط عديد الوسائل، لتأصيل هذا التدخل وتبريره .

فبدأ عدد الأطراف الذين يوصفون بالغير في تناقص مستمر باعتبار أن العلاقة الناشئة عن العقد الأصلي هي مرتبطة أساسا بالعلاقة الناشئة عن العقد من الباطن.

فالإخلال بالعقد الاصلي يضر بالدائن الذي يمكنه ان يتجاوز شخص مدينه للمطالبة بالتنفيذ ،ليتعداه لشخص مدينه ،نظرا للعلاقة العقدية المترابطة ،و التكامل بين العقدين في عملية التنفيذ ،فالغير يصبح طرفا ويسأل عن التنفيذ وعن الالتزام به ([32]) .

ان تحليل اهمية تطور مكانة الغير في العقد ينظر اليه من ناحية قصور التعاريف التقليدية عن ارساء دور فاعل له خارج قيود النسبية العقدية ،و لعل فكرة الحماية الخاصة للغير كانت اساس تبرير هذا التطور ، سواء اعتمادا على مبدأ نسبية اثر العقد المرتكز على اساس حرية التعاقد وصيانة حرية الغير واستقلاله .

وهو مبدأ يفرضه استقلال الذمم المالية ،فوجود مصطلح الغير في اطار الاثر الملزم للعقد او بين التناقض مع مبدأ التوازن بين العقود المختلفة ،وقد اثيرت مسألة تطور مكانة الغير في العقد بالتوازي مع التطور في العلاقات بين الافراد بحيث يصعب ادراجها ضمن طائفة العقود التي نظمها المشرع نظرا لما يتطلبه الواقع العملي والبيئة التجارية من تطور كان لا بد من البحث عن مفاهيم قوانين جديدة لهذه العقود في تجاوز لتطبيق القواعد التقليدية نحو تأسيس وارساء مركز اكثر فعالية للغير ودوره في العقد حيث أن تدخل غير المتعاقد يمثل طريقا حقيقيا لتنفيذ العقد نظرا لانتقال محور العقد من اشخاصه الى موضوعه او محله ، وهو ما من شأنه ان يفتح المجال لمشروعيته مساهمة واسعة لغير المتعاقد في تنفيذ العقد وذلك ان استبدال المتعاقد بشخص من الغير يأتي استجابة لظاهرة التطور ، لأن الإعتبار الشخصي لا يحول دون تدخل غير المتعاقد باعتبار انه يمكن التوفيق بين الاعتبار الشخصي والتنفيذ ([33]) .

ومن جانبا فإننا نرى بأنّه في إطار فكرة المجموعة العقدية، لمّا تترابط مجموعة من العقود بسبب وحدة الموضوع، أي يكون الارتباط موضوعياً أي يتعلق بالطبيعة الواحدة لموضوع تلك العقود، كأن تبرم عدّة عقود لتنفيذ عملية تجارية واحدة مثل المجموعة العقدية المتكون من عقد المقاولة الأصلي والعقود المتفرعة عنه بصورة عقود المقاولة من الباطن.([34]) يمثل تجسيداً لفكرة المجموعة العقدية، تقوم فيه المجموعة العقدية على وجود مجموعة عقود تبرم بين عدة أطْراف قد يكون كل طرف شخصاً طبيعياً أو معنوياً ويختلف الطرف في كل عقد عن باقي العقود، لكن هذه العقود تبرم كسلسلة واحدة وتبدو كأنها متحدة في مصيرها ويبدو أطْراف العقد وكأنهم أطْراف في كل عقود المجموعة دون أن يكونوا كذلك.

كما أن الأطْراف قد يبرمون اتّفاقاً إطارياً، تتحدد بموجبه حقوق والتزامات الأطْراف الأساسية،([35]) ثم يتبع هذا العقد إبْرام العديد من العقود التنفيذية لتحقيق الجوانب المختلفة للعملية وإنجازها، ومن أمثلة هذا النوع عقود المقاولات الكبرى وعقد المقاولة من الباطن، حيث إنه بالنظر إلى ضخامتها وتعقيدها يصعب تنفيذها من خلال عقد أساسي لهذا يلجأ الأطْراف إلى إبْرام عقود تنفيذية لذلك العقد ([36]).

إن امتداد وصف الطرف في إطار المجموعة العقدية، يتطلب أن يكون هناك تجانس بين هذه العقود، مثال أن تنصب عملية التوريد على نفس السلعة أو سلعة مشابهة لها، فإنّ لم يكن هناك تجانس فيشترط عندئذ أن يكون الأطْراف على علم بالعقد الأصلي ([37]).

كما يشترط أن تكون كل العقود مبرمة في آن واحد أو متتابعة وبين نفس الأطْراف فإذا حدث وإن كان إبْرام هذه العقود في أوقات متباعدة أو بين أطْراف مختلفة أو كانت هذه العقود غير متجانسة فلا يمكن القول بامتداد وصف الطرف،([38]) كما يشترط إلا يكون هناك استبعاد صريح لهذا الطرف. ([39])

  1. تطور مركز الغير في نظام المجموعة العقدية

إن ظهور نظرية المجموعة العقدية نتج عنه تأثير مباشر على مفهوم الطرف في العقد ،حيث حاول انصار هذه النظرية تطوير المفهوم التقليدي للطرف في العقد ،من خلال توسيع هذا المفهوم ليشمل فئة من الاشخاص كان الفقه التقليدي يعدهم من الغير.

فمادام كل طرف من أطراف هذه المجموعة له الحق بالرجوع على بعضهم البعض بدعوى عقدية لا يمارسها سوى أطراف العقد بالمعنى التقليدي، ومن ثم فإن الشخص سيجرد من وصف الغير إذا كان طرفاً في مجموعة عقدية بالنسبة لكل عقد من عقود المجموعة العقدية ،طالما كان طرفاً في عقد يناظر باقي عقود المجموعة العقدية من حيث المحل أو السبب ،لذلك فإن المجموعة العقدية تصلح كأساس تتقرر بموجبه دعاوى عقدية مباشرة ومتبادلة بين المتعاقدين، وباعتبارها مصدرًا مباشرا لدعاوى عقدية على هذا النحو، فإن وجود المجموعة العقدية يؤدي بذاته إلى خلق نسيج عقدي متماسك ومرتبط .

فإذا كان المشتري الثاني له أن يرجع مباشرة بالضمان على البائع الأصلي، وكذلك لمشتري العقار أن يرجع بالضمان على المقاول الذي كان البائع قد تعاقد معه، كما أن للمؤجر دعوى مباشرة ضد المستأجرين من الباطن يطالبهم بمقتضاها بالأجرة المستحقة في ذمتهم .

فهذه العقود يمكن ان تفسر الاهمية التي رافقت تطور الغير في العقد وهي تتخذ صورتين :

  • صورة مجموعة التصرفات التي تتعاقب على مال واحد؛ وبالتالي فمحل الالتزام يكون القاسم المشترك بين تلك التصرفات وتدور جميعها حوله .
  • صورة مجموعة التصرفات القانونية التي تترابط بقصد تحقيق هدف اقتصادي مشترك يجمع بين تلك التصرفات فهي بصورة اخرى مجموعة التصرفات القانونية التي تتفرع عن رابطة قانونية اصلية بين طرفين من خلال تعاقبهما او ترابطهما ،فصد تحقيق عملية اقتصادية مشتركة ([40]) .

و يجمع بين تلك التصرفات وحدة الهدف ، فبعد الانتقاد المتواصل لمسألة نسبية اثر العقد حتى انه وصف بأنه مبدأ مزعوم ،ظهرت عقود اخرى كعقد الليزنغ وعقد البيع بثمن مؤجل وعقد المقاولة الفرعية لتمثل مظهرا من مظاهر اهمية تدخل هذا الغير في العقد ودوره الأساسي في التنفيذ إنطلاقا من التقيد بأثر الالتزام ووصولا الى اكتساب الحق فإمكانية التي اقرها المشرع لصاحب العمل في الرجوع على مدين المدين بموجب دعوى قائمة على أساس المسؤولية التعاقدية تؤكد اهمية هذا الدور الجديد للغير تحقيقا للتوازن العقدي ،في تناقض مع المفهوم التقليدي الذي يحدد قيام الغير على اساس المسؤولية التقصيرية تطبيقا لمبدأ نسبية اثر العقد ([41]) .

ثانيًا : تطور مفهوم الغير بتطور نظام المسؤولية

ففي مسؤولية الغير عن الإخلال بالعقد يقصد بالغير أي شخص غير المتعاقدين ومن يقوم مقامهما اي خلفهما العام والخاص، لان سريان العقد في حق الخلف العام أو الخاص يجعلهما مسؤولين أمام الدائن مسؤولية عقدية وفقا لأحكام العقد.

وفي نطاق الغير الذين يقصد بهم أي شخص غير المتعاقدين وخلفهما، ينبغي التمييز بين الغير الذين يستعين بهم المدين ليعهد لهم بتنفيذ الالتزام، أو ممارسة حقا من حقوقه، برضاه الصريح أو الضمني والغير الذين يتدخلون بناءا على طلب المدين، أو من تلقاء انفسهم، ليقفوا حاجزا أمام تنفيذ الالتزام الناشئ عن العقد، ففي هذا ظهر في الفقه اتجاهان متضادان، يدعو أحدهما الى تأسيس مسؤولية الغير عن الإخلال بالعقد على احكام العقد الذي تم الإخلال به، فقالوا بأن مسؤولية الغير هي ذات طبيعة عقدية؛ بينما يدعو الآخر الى تأسيس مسؤولية الغير عن الإخلال بالعقد على احكام المسؤولية التقصيرية ([42]) .

ويقوم هذا الاتجاه على تفنيد حجج الاتجاه الأول بحجج مستمدة من المبادئ القانونية ومن نصوص التشريع وموقف القضاء، فالعقود التي يمكن ان تحرك مسؤولية الغير عند الاخلال بها هي العقود الصحيحة ايا كانت طبيعة الحقوق التي تنشأها، فسواء كانت حقوقا شخصية أو عينية، فان الغير لا يستطيع الإخلال بها وعليه أن يحترمها ويمتنع عن إتيان أي فعل أو تصرف يشكل أخلال بها أو يمنع الدائن من استيفاء حقوقه .

تطور مكانة الغير في نظام المسؤولية

في الواقع إن اعتبار الغير قد أخل بمبدأ حجية العقد لم يكن كافيا في المنظور التقليدي للحكم عليه بموجب أحكام المسؤولية المدنية ،و كل ما هنالك أن لا يعتبر عقده نافذا في مواجهة الدائن بالالتزام العقدي، إذا تم تكييف تعاقده مع المدين على أنه يتعارض مع حق الدائن.

ويرجع ذلك الى أن مبدأ حجية العقد كان يصطدم بمبدأين آخرين، أولهما: مبدأ حرية التعاقد الذي يقضي عدم تقييد حرية الغير في التعاقد تحت طائلة المسؤولية، اذا تناقض عقده مع عقد آخر.

وثانيهما: مبدأ آخر يطلق عليه ” شخصية العلاقة العقدية ” ويقصد به حصر العلاقة بين المتعاقدين وقصر أثرها على ذمتهما المالية، ومن ثم لا يمكن أن يخل الغير بهذه العلاقة مالم يكن طرفا فيها أو ينصرف إليه أثر العقد على الأقل، بيد أن ما تقدم لم يحظ بتأييد مطلق من الفقهاء وخاصة المعاصرين منهم، حيث رفض اعتبار المبدأين المذكورين حجر عثرة أمام تطور العلاقات العقدية بين الأشخاص .

ولكن انكار حجية العقد تجاه الغير، يؤدي الى اضعاف القوة الملزمة للعقد بصورة غير مباشرة، ويجعل مبدأ نسبية اثر العقد فارغا من محتواه، فاذا كان رب العمل لا يستطيع الاحتجاج بشرط عدم المنافسة تجاه رب العمل، الذي ساعد العامل الملتزم بالإخلال بهذا الشرط، عن طريق تشغيله عنده، متجاهلا شرط عدم المنافسة، على اساس انه ليس طرفا في عقد العمل المبرم بين رب العمل السابق والعامل؛ فهذا يعني ان الغير، يستطيع في أي وقت أن يساعد على الاخلال بالعقد، وبالتالي بقوته الملزمة، بدون أن يكون مسؤولا، على اساس انه اجنبي عن العقد .لذلك تنبه الفقه لفساد التفسير الممنوح للمادة 1111 مدني فرنسي([43]) .

المبحث الثاني

التطور مفهوم الغير بالنسبة للخلف العام و الخاص

لا يقتصر أثر العقد على المتعاقدين فقط ممن أظهر إرادته في إبْرام العقد، بل يمتد ليشمل مجموعة من الأشخاص لم تتدخل في إبْرام العقد، لكن القانون يعاملها معاملة المتعاقدين؛ وهم الخلف العام Ayant cause universel وهم الورثة والموصى له بحصة شائعة من التركة، والخلف الخاص a titre particulier Ayant-cause وهو الذي يتلقى من سلفه حقاً عينياً أو حقاً شخصياً، فهذه الطائفة من الأشخاص يسري إليهم أثر العقد، حيث يجعلهم القانون من طائفة المتعاقدين، وإن لم يقوموا بالتدخل في مرحلة انعقاد العقد، كما يمتد أيضاً أثر العقد ليشمل الدائن العادي Créancier chirographaire لأحد المتعاقدين، وهو ذلك الدائن الذي ليس له حق أو تأمين خاص على مدينه، أمّا غير المتعاقدين فلا تنصرف إليه آثار العقد. ([44])

وعلى ذلك سوف يتم دراسة هذا المبحث في مطلبين, نتناول في دراسة المطلب الاول اثر الخلافة في الالتزام العقدي, وفي المطلب الثاني نبحث امتداد العقد كواقعة الى الغير بارادة الطرفين

المطلب الأول

الخلافة في الالتزام العقدي

الأصل أن تنصرف آثار العقد إلى طرفيه فقط، ولا يعتد بآثار العقد خارج أطْرافه فلا تمتد إلى غيرهم، ولكن القانون يعتد بالخلافة كسبب لكسب المال، فالمال ينتقل من الشخص إلى ورثته، كما قد ينتقل إلى الغير بتصرف قانوني، فوجب بناء على ذلك عدم إنهاء العقد بوفاة المتعاقد، بل السماح بإحلال خلف محله ضمناً لاستمرار الالتزام العقدي قائماً حتي ينقضي بطريقة من طرق انقضاء الالتزام قانوناً. ([45])

ومن خلال دراسة هذا الفرع, سوف نبحث بيان اثار العقد بالنسبة للخلف العام, واثار العقد بالنسبة للخلف الخاص, واثار العقد بالنسبة للغير الاجنبي عن العقد.

أولا : أثر العقد بالنسبة للخلف العام:

الخلف العام هو من يخلف الشخص في ذمته المالية بما فيها من حقوق والتزامات وسواء كانت الخلافة في كل الذمة المالية أو في جزء منها بوصفها مجموعة من المال، والخلف العام هو الوارث أو الموصي له ([46]).

نصت المادة ( 142/1) من القانون المدني العراقي على أن ” ينصرف أثر العقد إلى المتعاقدين أو الخلف العام دون إخْلال بالقواعد المتعلقة بالميراث، مالم يتبين من طبيعة العقد أو من طبيعة التعامل أو من نص القانون أن هذا الأثر لا ينصرف إلى الخلف العام”.

كما نص المشرع اللبناني على امتداد آثار العقد للخلف العام ، حيث نص على ” أن العقود تشمل الذين نالوا على وجه عام حقوق المتعاقدين وتكون مفاعليها في الاساس لهم او عليهم اما حالا )كالدائنين( واما بعد وفاة المتعاقدين او احدهم )كالورثة والموصى لهم بمجموع التركة او بجزء منها على وجه عام ” ([47]).

والأصل في فكرة الخلافة أن الوارث أو الموصى له يحل محل المورث أو الموصي في التركة أو الوصية في كل حقوقه والتزاماته، ولذا نجد ان هناك من يقول بأن المورث عندما كان يتعاقد كان في ذات الوقت يمثل خلفه العام باعتبار أن العقد سيؤول إليه. أو القول بأن الوارث أو الموصي له ما هو إلا امتداد لشخص مورثة فوجب أن يستمر العقد في شخص هذا الخلف العام([48]).

والأخذ بهذا التصور للخلافة في الالتزامات العقدية، ينتج عنه التزام الخلف العام بجميع ديون مورثة ليس فقط في حدود الأموال التي ورثها بل في حدود أمواله الخاصة، ولكن هذا الوضع قد يتفق مع القانون الفرنسي الذي يلزم الوارث بديون مورثة مالم يرفض التركة أو بشرط الجرد، وهو ما يعني حصر مسؤوليته في حدود ما آل إليه من التركة. ([49])

أما الوضع في القانون المصري والعراقي فلا تركة إلا بعد سداد الديون، وبالتالي فلا مجال للقول بأن الخف العام امتداد لشخص مورثة أو أن المورث كان يتعاقد ممثلا لخلفه. ([50])

ويذهب رأى في الفقه إلى أموال المورث تنتقل جميعها إلى الورثة بمجرد الوفاة مثقلة بحق عيني تبعي لمصلحة دائني المورث، كما أن مسؤولية الوارث عن الالتزامات مسؤولية عينية محدد، تنحصر فيما تلقاه الوارث من أموال مورثة ([51]).

ويمتد أثر قاعدة لا تركة إلا بعد سداد الديون إلى العقود التي أبرمها المورث، فهذه العقود لا ينظر إلي كل عقد بصفة منفردة، بل ينظر إليها كعنصر في مجموع المال، وبالتالي فإنّ انتقال حقوق العقد إلى الخلف العام رهناً بسداد ديون التركة بأسرع وقت، أمّا التزامات المورث العقدية فإنها لا تنتقل إلى الخلف العام بل أنها تتعلق بالتركة ذاتها، فأما أن تسدد من التركة وإما لا تكفي أموال التركة لسدادها بأن تكون مستغرقة بالديون فلا يجوز للدائنين ملاحقة الورثة بدون المورث فيما يجوز ما آل إليهم من أموال، وإما أن يتفق الدائنون مع الورثة على التزامهم بسداد ديون التركة نظير تنازلهم عن حقهم في تصفية التركة.

وعلى ذلك تنتقل آثار العقد إلى الخلف العام، فينصرف إلى الآثار المستقلة للعقد بما في ذلك الالتزامات، فمتى أستمر الوارث في الإيجار أصبح دائناً بالمنفعة ومديناً بالأجرة التي تستحق من الميراث، أمّا الأجرة المستحقة على المورث فيقتضيها المؤجر من التركة.

أمّا بالنسبة لأحوال عدم أنصرف آثار العقد كواقعة إلى الخلف العام، فإنّه إذا كانت القاعدة هي انصراف آثار العقد إلى الخلف العام فإنّ هناك استثناءات ترد عليها:

  1. إذا أتفق المتعاقدين على عدم إنصراف آثار العقد إلى الخلف العام، فيجوز للمؤجر للشيء أن يشترط عدم إنصراف الإيجار إلى ورثة المستأجر، فهنا ينتهى العقد بوفاة المستأجر. ([52])
  2. إذا كانت طبيعة التعامل تقتضي عدم إنصراف آثار العقد إلى الخلف العام، فنجد القانون ينص على انتهاء العقد بوفاة الطرف الذي كانت شخصية محل اعتبار في العقد، فينتهى حق الانتفاع المباشر على العقار بوفاة المنتفع، كما ينتهى عقد الوكالة بوفاة الموكل أو الوكيل، وتنتهي المزايدة بموت المستأجر([53]).

على أن انتهاء العقد بوفاة أحد الطرفين في الأحوال السابقة لا ينصرف إلا إلى الآثار المستقلة للعقد واللاحقة على تاريخ الوفاة، أم الحقوق والالتزامات السابقة على ذلك فإنها تنتقل إلى الخلف العام مع التقيد بقاعدة لا تركة ألا بعد سداد الديون.

  1. الأحوال التي يعتبر فيها الخلف العام من الغير، متى كان التَّصرّف مضافاً على ما بعد الموت عن طريق الوصية فهو لا يكلف الموصي شيئاً حال حياته، فيسهل عليه الإضرار بالورثة، لذلك يتدخل المشرع فيقيد الوصية بان لا تزيد عن ثلث التركة فلا تنفذ فيما زاد عن التركة إلا إذا أجازها الورثة، ويأخذ حكم الوصية تصرّف الشخص لأحد ورثته واحتفاظه بأية طريقة كانت بحيازة العين التي تصرّف فيها، وبحقة في الانتفاع بها مدى حياته، وفي ذلك قرينة على أن التَّصرّف قصد به أن يكون مضافاً إلى ما بعد الموت ما لم يقم الدليل على خلاف ذلك، وتسري أحكام الوصية على أي تصرّف قانوني يقوم به الشخص في مرض الموت، فلا يجوز الوصية في أكثر من الثلث إلا إذا أجازها الورثة، وإذا نحن طبقاً قاعدة أنصرف أثر العقد إلى الخلف العام على الوصية أو تصرّف المريض مرض الموت لما كان لورثة الاعتراض على ما جاوز الثلث لأنّ تصرفات مورثهم تسري في حقهم باعتبارهم خلف عام حتى لو جاوزت الثلث، وعلى ذلك يعتبر الورثة من الغير بالنسبة لتصرف المريض مرض الموت فيما يجاوز ثلث التركة ([54]).

ثانياً : أثر العقد بالنسبة للخلف الخاص:

الخلف الخاص هو من تلقى من سلفه شيئاً، فيخلفه في العقود المتصلة بذلك الشيء.

وقد يكون ما تلقاه الخلف شيئاً عينياً أو حقاً شخصياً، فالمشتري خلف خاص للبائع، وصاحب حق الانتفاع خلف خاص لمن تلقي منه الحق، والمحال له خلف خاص للمحيل في الحق المحال به.

وقد نصت ( المادة 142 / 2 ) من القانون المدني العراقي على أنه )إذا أنشأ العقد التزامات وحقوقا شخصية تتصل بشيء انتقل بعد ذلك إلى خلف خاص، فإن هذه الالتزامات والحقوق تنتقل الى هذا الخلف في الوقت الذي ينتقل فيه الشيء اذا كانت من مستلزماته وكان الخلف الخاص يعلم بها وقت انتقال الشيء اليه( يتبين من هذا النص بأن الخلف الخاص، على عكس الخلف العام، لا تنصرف إليه آثار كل العقود التي يبرمها السلف، بل تنصرف إليه فحسب آثار العقود الصادرة عن السلف، والمتعلقة بالحق الذي انتقل إلى الخلف الخاص، والأشياء التي تلقاها عنه هذا الخلف .

ولا يعتبر البائع الذي يسترد العين من المشتري بعد فسخ البيع أو إبطاله خلفاً خاصاً للمشتري، حيث أنه لم يفقد الملكية من الأساس، كما لا يعتبر الدائن خلفاً عاماً أو خاصاً للمدين فهو لا ينتقل إليه حق كان قائماً في ذمة المدين، فالدائن يعتبر من الغير بالنسبة للعقود التي يبرمها المدين. ([55])

إذن العبرة في اعتبار الشخص خلفاً خاصاً لأخر هو تلقيه حقاً عينياً أو شخصياً كان قائماً في ذمة السلف أي أن تنقل إليه الملكية عن شيء ما.

ويشترط لكى تنصرف آثار العقود التي أبرمها السلف إلى الخلف الخاص بما ترتبه من حقوق والتزامات عدة شروط ([56]) :

  1. ان يكون العقد متعلقً بمال معين هو الذي أنتقل بعد ذلك إلى الخلف الخاص، مثل التأمين على السيارة المبيعة، ولكن لا يعد عقداً متعلقاً بالشيء القرض الذي تلقاه البائع من آخر لأنه لا يتعلق بالعين المبيعة.
  2. أن يكون العقد قد أبرم قبل انتقال المال إلى الخلف الخاص، أمّا العقود التالية لذلك فإنّ الخلف يعتبر من الغير فلا تسري في مواجهته فهي صادرة ممن فقد صفته في إبْرامها، ولا يشترط أن يكون العقد الذي أبرمه السلف قبل نقل المال إلي الخلف الخاص ثابت التاريخ، ولكن يكفي علم الخلف الخاص به وقت تلقية المال، فيقوم العلم مقام ثبوت التاريخ.
  3. أن تكون الحقوق أو الالتزامات الناشئة عن العقد الذي أبرمه السلف من مستلزمات هذا الشيء الذي آل إلى الخلف، وتعتبر الحقوق من مستلزمات الشيء إذا كانت مكمله له.
  4. علم الخلف الخاص بالحقوق والالتزامات حتى تنتقل إليه، فلا تنتقل إلى الخلف الخاص الحقوق والالتزامات الناتجة عن العقد الذي أبرمه السلف بشأن الشيء الذي أنتقل إلى الخلف، إلّا إذا كان هذا الخلف عالماً وقت انتقال الشيء إليه بهذه الحقوق وتلك الالتزامات، وأساس ذلك أن انتقال الحقوق والالتزامات إلى الشخص يتطلب موافقته، ويستخلص موافقته من إقدامه على الشيء وهو يعلم بالعقود الواقعة عليه.

ثالثًا : أثر العقد بالنسبة للغير الأجنبي عن العقد:

يتحدد المقصود بالغير وفق مبدأ نسبية آثار العقد، بحسب مضمون مبدأ نسبية أثر العقد نفسه، فأثر العقد لا ينصرف الا إلى أطْرافه، أو من في حكمهما، كالخلف العام والخلف الخاص، وهو ما اشارت إليه الفقرة الاولى من المادة (142) من القانون المدني العراقي، وكما اشارت الفقرة الثانية من نفس المادة على انه: ” إذا نشا العقد التزامات وحقوق شخصية تتصل بالشيء انتقل بعد ذلك إلى الخلف الخاص، فإنّ هذه الالتزامات والحقوق تنتقل إلى هذا الخلف في الوقت الذي ينتقل فيه الشيء إذا كانت من مستلزماته وكان الخلف الخاص يعلم بهه وقت انتقال الشيء إليه “، ويشير مفهوم المخالفة للمادة اعلاه، ان من لم ينصرف إليه أثر العقد يعد من الغير، اي من لم يكن من المتعاقدين أو في حكمهما ” الخلف العام والخلف الخاص ” لا ينصرف إليه أثر العقد، فإنّه يعد من الغير.

ويعرف الغير، الشخص الاجنبي تماماً عن العقد، اي الشخص الذي لم يكن طرفاً في العقد، ولا خلفاً عاماً ولا طرف خاصاً لاحد المتعاقدين، ولا دائناً لأي منهما ([57]).

ووفقاً لهذا المفهوم، يرد عليه بأنّه الخلف الخاص لا ينصرف إليه أثر العقد الا عند توافر شروط معينة، اي انع الخلف الخاص يعد من الغير في حال عدم توافر تلك الشروط، وبالتالي فإنّ الخلف الخاص يستأثر بالعقد تارة، بهذه الحالة لا يعد من الغير، وتارة اخرى لا يتأثر بالعقد، لكنه بهذه الحالة يعد من الغير.

يقصد به أن إرادة المتعاقد لا تقيد غير نفسها، فكل فرد مستقل عن الآخر وكل إرادة مستقلة عن الآخر، وكل شخص لا ينشغل إلّا بأمور خاصة بهن ولا يستطيع تقييد غيره بها. وعلى ذلك فلا يقبل أن يتفق طرفا العقد بإرادتهما وحدهما على إنْشاء التزام يقع على عاتق شخص أجنبي، ومتى تم ذلك فإنّه يجوز للغير الأجنبي عن العقد أن يتجاهل هذا الالتزام الذى لم ينشأ عن إرادته هو، فلا أحد يلتزم إلا بإرادته.

وقد عبّر المشرع الفرنسي في التقنين المدني عن هذا المبدأ، وذلك في نص المادة ( 1165) السابقة بقوله: ” أن آثار العقد تقتصر على طرفيه، فهو لا يضر بالغير ولا يقيده إلا في حالة الاشتراط لمصلحة الغير”، كما نص في المادة (1199) من القانون الفرنسي على وفق تعديل قانون العقود الجديد لعام 2016، بقوله أنّه: “لا ينشئ العقد الالتزامات الا بين أطْرافه ” أي لا يمكن للشخص كقاعدة عامة أن يلتزم أو يتعهد باسمه إلا لنفسه، ومن ثم فلا يجوز لغير طرفي العقد أو خلفها الخاص أو العام المطالبة بالحقوق الناتجة عنه.

فالغير هنا, هو شخص أجنبي لم يكن طرفاً في العقد لا اصالة ولا نيابة ([58]). وقد أخذ المشرع المصري بمبدأ نسبية أثر العقد، فلا يرتب العقد التزامات في ذمة الغير، ولكن يجوز أن يكسبه حقاً ([59]).

ويمكن أن نتلمس تأثر الغير بالعقد، بسبب إعتبار العقد واقعة في ما يلي:

الغير ومبدأ الاحتجاج بالعقد كواقعة:

إذا كان مبدأ نسبية آثار العقد يعنى إلتزام أطراف العقد بمضمونه، وأن الغير لا يلتزم بما ورد في العقد، ولا يطالب بحق نشأ عنه، فلا يعنى ذلك أن الغير يرتب أموره على تجاهل العقد تماماً، فالعقد يمثل واقعة بين طرفيه ولا يمنع من اعتباره واقعة قانونية يجوز الاحتجاج بها في مواجهة الغير أو من جانب هذا الغير، وهو ما يطلق عليه بمبدأ الاحتجاج بالعقد تجاه الغير أو لصالحه ([60]).

وعلى ذلك يعنى مبدأ الاحتجاج بالعقد، أنه يمكن التمسك بالعقد من الغير أو الاحتجاج به على الغير، وليس للمطالبة بالالتزام أو بحق, ولكن كوقعة قانونية أحدثت أثَراً في المجتمع.

حيث نص المشرع الفرنسي في المادة (1200) على أنّه:” يجب على الغير احترام الوضع القانوني الذي انشأه العقد ويجوز للغير التمسك بالعقد من أجل اثبات واقعة ما ” فالعقد يمثل حجة مطلقة على الغير.

فان مبدأ الحجية المطلقة، حسب رأي استاذنا الفاضل الدكتور صدام كوكز المحمدي، يقول ان هذا المبدأ هو، ظاهرة عامة تهدف إلى تحقيق الاعتراف بوجود العقد من قبل الغير، وذلك ان السماح للغير بالتنكر لوجود العقد، يقود عملياً إلى الاساءة إلى للقوة الملزمة بين الفريقين, وبالتالي يفرغ العقد من محتواه، كأداة لتنظيم العلاقات القانونية بين الطرفين، فإنّ لا قيمة لحوالة الحق إذا كان المحال له لا يستطيع مقاضاة المحال عليه بوصفه من الغير([61]).

غير أنّ مبدأ حجية العقد لا يمكن ان يطغى على مبدأ نسبية أثر العقد، فكل من المبدئين له سماته وله غاليته التي نشأ من اجلها. فبالنسبة لحجية العقد اتجاه الغير ليس اعتداء على نسبية أثر العقد, كما أنها لا تتناقض مع فكرة سلطان الارادة، طالما انها تكتفي بان تفرض من حيث المبدأ احترام التعهد الاسبق تاريخاً، إذ وفق القاعدة التقليدية السابقة هو المفضل، ولا يتم الخروج عليها الا لضمان استقرار المعاملات عندما يجهل الغير، المتعاقد الثاني مع المدين، العقد الذي وقع الإخْلال به ([62]).

فان الامر المهم في الحجية المطلقة، هو عدم التمييز بين المبدأين : ما ادى إلى آثاره حفيظة بعض الفقهاء، من كان لهم دور بارز في اظهار التمييز بين مبدأ النسبية ومبدأ الحجية، إذ ميز بعض الفقهاء ذلك، وتوصلوا إلى نتيجة مفادها، ان الغير إذا كان اجنبياً بالنسبة لأثر العقد، فذلك لا يعني بالضرورة أنّ هذا الغير يعدّ أجنبيّاً بالنسبة لحجيّة العقد، فالعقد له حجية في مواجهة جميع الاشخاص الذين تتأثر مصلحتهم بالعقد ([63]).

وممّا تقدّم، يتبين لنا ان الشخص الذي يعد من الغير بالنسبة لأثر العقد لا يتناقض مع اعتبار العقد حجة عليه، حيث ينصرف إليه الأثر، كونه أجنبياً وفي حالات محددة. حيث يقوم مبدأ حجية العقد على كون العقد يمثل واقعة، وهى واقعة قانونية يحميها القانون، فلا يجوز تجاهلها وافتراض عدم قيامها، فالمتعاقدان لا ينشأن العقد بإرادتهما بمعزل عن القانون والمجتمع، بل أنّ القانون يحمي العقد ويباركه كظاهرة اجتماعية وكوسيلة لا غنى عنها لتبادل الثروات الاقتصادية ولتبادل المنافع بين الأفراد، ومن ثم فالعقد واقعة قانونية بالنسبة لطرفيه وواقعة اجتماعية يعترف بها القانون ويحميها بالنسبة إلى الغير، وينتج عن ذلك عدم جواز تجاهل العقد من جانب الغير أو إنكار وجوده في مواجهته ([64]).

وهنا يمكن القول بأنّه يجوز للغير الأجنبي أن يتمسك بوجود العقد ليكتسب حقاً في مواجهة أحد طرفيه، لم يكن ليكتسب هذا الحق لولا وجود العقد، على سبيل المثال لو أن أحد المتعاقدين أخل بالتزاماته كمتعاقد مما رتب ضرر أصاب الغير الأجنبي، كان لهذا الغير أن يطالب الطرف المخطئ بالتعويض، كأن يصاب شخصاً من فعل السيارة ويكون سبب الحادث عيباً في صناعتها فيكون للمضرور – الغير – أن يرجع بالتعويض على صاحب السيارة طبقاً لقواعد المسؤولية التقصيرية.

كما ويجوز للغير الأجنبي أن يتخلص من التزام، ما كان ليستطيع التخلص منه لولا وجود العقد، مثل إذا سرقت البضائع نتيجة لإهمال السارق وحصل كلاً من المرسل والمرسل إليه على تعويض من شركة التأمين فيجوز للناقل التمسك بعقد التأمين، وبالتالي يرفع عنه الالتزام بالتعويض قبلهم.

يجوز لأي من طرفي العقد أن يحتج قبل الغير الأجنبي بالعقد، فالعقود الناقلة للملكية أو المنشئة للحقوق العينية يترتب عليها قيام وضع قانوني له حجيته قبل الكافة، فالمشتري يمكنه الاحتجاج على الغير بحقه العيني الذي أنتقل إليه بموجب عقد البيع. ([65])

يجوز التمسك قبل الغير بالعقد كدليل إثبات، فإذا أشترى شخص أشياء تبيع أنها مقلدة فقاضاه صاحب براءة الاختراع ثم تراضيا صلحاً على مبلغ من المال ومن بعد رجع المشتري على البائع بضمان التعرض المنصوص عليه في عقد البيع، أمكنه أن يستند إلى عقد الصلح الذي لم يكن طرفاً فيه.

يجوز لأحد طرفي العقد أن يتمسك بالعقد قبل الغير الذي حرض المتعاقد الآخر على عدم التنفيذ ليطالبه بالتعويض، مثل إغراء مهندس ليترك عمله في المصنع المنافس.

يستطيع أحد المتعاقدين أن يتمسك بالعقد في مواجهة الغير كسبب مشروع يدفع به دعوى الإثْراء بلا سبب.

يجوز للمتعاقد أن يتمسك بالعقد كسبب صحيح في مواجهة المالك الحقيقي لكسب ملكية العقار بالحيازة للمدة التقصيرية.

المطلب الثاني

امتداد العقد إلى الغير بإرادة الطرفين

يعتبر مبدأ نسبيّة أثر العقد (Le principe de l effet relatif du contract ) من الاصول الثابتة، في القوانين المدنية بشكل عام ومن اهم المبادئ، التي يتم الاستناد إليها لتنظيم العلاقات العقدية وتحديد المراكز القانونية، التي يشغلها أطْرافها ومفاد هذا المبدأ هو انحسار آثار العقد فيما بين طرفيه ولا يتعداهما إلى الغير، سواء فيما تكسبهما من حقوق أو ما تحملهما من التزامات، لأنه يمثل شريعتهما التي اتفقا عليها وترتب عليه عدم إمكانية انشغال ذمة الفرد بالتزام لم تتجه إرادته الي أحداثه، ويعد مبدأ نسبيّة أثر العقد من نتاج نشأته الاتّفاقية التي تستلزم احترام مبدأ سلطان الإرادة، وهذا المبدأ الأخير يعد انعكاساً للمذهب الفردي الذي يعلي من شأن الفرد ويضع مصلحته فوق كل اعتبار، فالأثر الملزم ليس في الواقع سوى مضمون داخلي للإرادة، التي نشأت التَّصرّف ومن ثم فإنّ الأثر يظل حبيس العلاقة بين الأطْراف المتعاقدة ومن في حكمهم، أمّا الغير فيظل خارج دائرة إطار العلاقة العقدية وينفذ العقد في مواجهة باعتباره مجرد واقعة قانونية.

وقد أخذت التشريعات المدنية المقارنة بمبدأ نسبية أثر العقد، كالتشريع المدني الفرنسي، عندما نصّ على أنّه ” ليس للاتّفاقات إثر إلا بين عاقديها فهي لا يمكن أن تضر بالغير ولا يمكن ان تفيدهم ([66]) “، وبموجب هذه المادة لا يكون الاتّفاق ملزما للغير الذي لم يكن طرفاً فيه مما يعني أن آثار هذا الاتّفاق تكون قاصرة على أطْرافه فقط وهذا ما يمثل مضمون مبدأ نسبيّة أثر العقد ([67]).

اما في الفرنسي الجديد حيث اخذ بنفس المبدأ السابق لنسبية الاثر, إذ نصت المادة (1199) “لا ينشئ العقد الالتزامات الا بين أطْرافه “

أما المشرع المدني المصري فقد تبني هذا المبدأ حينما نص على” ينصرف أثر العقد إلى المتعاقدين… ” ([68]) وهذا يعني أن العقد لا يتناول أثره بوجه عام إلا عاقديه فهما دون غيرهما يقع عليهما واجب تنفيذ ما إلتزم به بمناسبة العقد. ([69])

وقد زاد المشرع المصري موقفه هذا تأكيداً عندما أورد في المادة ( ١٥٢) منه حكما يقضي بأن ” لا يرتب العقد التزاماً في ذمة الغير.. “، وهو ما دفع بعض الفقه في مصر إلى القول ان المشرع المصري قد أرسى قاعدة عامة مقتضاها عدم انصراف أثر العقد إلى الغير.([70])

أما بالنسبة لموقف المشرع العراقي فقد تبنّى مبدأ نسبيّة أثر العقد، وذهب إلى عدم إلزام الغير بالعقد، وذلك بحسب المفهوم المخالف لنص المادة (١٤٢/١) التي تقضي بأن” ينصرف أثر العقد إلى المتعاقدين..” هو أن أثر العقد لا يمكن أن ينصرف إلى الغير وهو ما يمثل مضمون مبدأ نسبيّة أثر العقد.([71])

فالغير يعتبر أجنبيّاً عن العقد، ما دام لم يكن طرفاً فيه أو خلفاً خاصاً أو دائناً. وأجنبية الغير يفرضها مبدأ نسبيّة أثر العقد، فلا يجوز بموجب هذا المبدأ أن يلزم الغير بالعقد، ولا ان يكسب بموجبه حقا. إذا كان مبدأ النسبية يحصر آثار العقد في نطاق أطْرافه، فليس معنى ذلك أن الاحتجاج بالعقد يظل حبيس نفس النطاق، بل على عكس من ذلك فإنّ دائرة الاحتجاج بالعقد قد تتسع لتشمل الكافة في بعض الأحيان. صحيح لا يمكن للغير كمبدأ عام ان يكسب حقا ً من العقد أو يتحمل بإلزام ناشئ عنه بحسبانه لم يكن طرفاً فيه، ولكن في نفس الوقت فإنّ هذا العقد قد يكون ذا تأثير على لغير. على انه قاعدة عدم سريان العقد في حق الغير غير مطلقة، إذ ترد عليها بعض الاستثناءات، وهذه الاستثناءات أمّا قانونية تقرر بناء على نص قانوني، واما انها إراديّة تنبني على اتّفاق طرفي العقد، باكتساب الغير الحقوق الناشئة عن عقد ليس طرفاً فيه بمقتضى الاشتراط لمصلحة. إذ يجوز الخروج على مبدأ نسبية آثار العقد كواقعة بإرادة الطرفين في الشق الإيجابي، بالاتّفاق على إنْشاء حق لصالح الغير، ولكن لا يجوز لهما أن يرتبا باتّفاقهما التزاماً في ذمة الغير. لكن تجدر الاشارة إلى انه وفقاً للمادة (152) من القانون المدني المصري على انه ” لا يرتب العقد التزاماً في ذمة الغير ولكن يجوز ان يكسبه حقا ” ووهنا يثار التساؤل على مدى توافق التعهد عن الغير مع هذه القاعدة، فإذا كان هناك تعهد عن الغير فلا يلتزم الغير إلا بإرادته، وإذا كان هناك اشتراط لمصلحة الغير نشأ للمنتفع حقاً مباشراً من عقد لم يكن طرفاً فيه. كما في التعهد عن الغير، وبعض الاستثناءات القانونية، والاستثناءات الاتّفاقية على المبدأ، والتي يمكن أ نبيّنها في الآتي:

أولاً : تأثر الغير بالعقد في التعهد عن الغير:

التعهد عن الغير اتّفاق يلتزم فيه أحد الطرفين بأن يجعل شخصاً ثالثاً يلتزم بأمر معين قبل الطرف الثاني ([72]).

يكون التعهد عن الغير إذا تعهد شخص نحو آخر بأن يجعل شخصاً ثالثاً يقبل القيام بعمل أو عدم القيام بعمل، وإلا عوضه عن ذلك ويراد من التعهد عن الغير في الغالب تسهيل إبْرام عقد في إجراء معامله لا يستطيع احد أطْرافها إعطاء رضائه لقصر أو غيبه أو حجر فيجري غيره العقد ويتعهد لمن تعاقد معه بأن أي الغير الذي تعهد عنه سيقر العقد عند بلوغه أو رجوعه أو رفع الحجر عنه ([73]).

مثال ذلك أن يكون احد الشركاء غائباً عن مجلس العقد ويخشي الأخرون ضياع الثقة فيتعاقدون ويتعهدون عن زميلهم الغائب بأن يلتزم بالعقد، وكذلك الشركاء على الشيوع يبيعون وفيهم قاصر فيتعهدون بأنّه سيقر البيع عند بلوغه سن الرشد كما لو كان ثمة اخوان يملكان في الشيوع ارضاً أو داراً فجاء أحدهما وباعها كلها اصيلاً عن نفسه بالنسبة إلى حصته ومتعهداً عن أخيه بأن يجعله يقبل البيع بدوره بالنسبة إلى حصة هذا الأخ أمّا حالاً أو بعد فوات وقت معين كما لو كان هذا الأخ قاصراً والتزام أخوه بأن يجعله يقبل البيع بعد بلوغه سن الرشد. في هذا المثال يعتبر من ابرم البيع بائعاً بالنسبة إلى نصيبه ومتعهداً عن الغير وهو هنا أخوه بالنسبة إلى نصيب هذا الاخير. ([74])

فالتعهد عن الغير هو عقد مبرم بين شخصين المتعهد والمعهد له ويعتبر هذا العقد صحيحاً متى توافرت أركانه من حيث المحل والسبب والرضا وغير ذلك من أركان العقد الصحيح، لذلك التعهد عن الغير ليس فيه خروج على نسبية أثر العقد لأنّ هذه القاعدة تمنع من إن يلتزم شخص بمقتضى عقد لم يكن طرفاً فيه والغير المتعهد عنه لا يلتزم بمقتضى التعهد الذي لم يكن طرفاً فيه واذا قبل التعهد فإنّه يلتزم بناء على هذا القبول وليس بناء على التعهد الذي لم يكن طرفاً فيه فالغير تبقى له الحرية في إن يقبل التعهد أو لا يقبله ([75]).

وفي هذا الصدد، يمكن أن نبيّن ان نظام التعهد عن الغير يوجد به ثلاثة أطْراف، منهم طرفان ملتزمان بموجب العقد، وطرف ثالث من الغير الالتزام بموجب العقد، الا ان التزامه يترتب على قبوله للتعهد فيكون هذا القبول هو أساس الالتزام وليس العقد الخاص بتعهد طرفي العقد. ويمكن تسمية هؤلاء الأشخاص في نظام التعهد عن الغير إلى ([76]) :

المتعهد : وهو أحد طرفي عقد التعهد عن الغير وهو يتعهد في مواجهة الطرف الآخر يجعل أحداً من الغير يقبل التزاماً معينا لصالح الطرف الآخر.

المتعهد له : وهو الطرف الآخر في عقد التعهد عن الغير هو الذي يتم التعهد لمصلحته.

المتعهد عنه : وهو الذي يلتزم المتعهد وهو طرف التعاقد بأن يجعله المتعهد عنه يقبل التحمل بالالتزام لصالح طرف العقد الذي يتم التعهد لمصلحته فهو ليس طرفاً في عقد التعهد عن الغير بل هو الغير ذاته.

فالتعهد عن الغير بين طرفي العقد لا يرتب التزاماً بالنسبة للغير، ما إذا ارتضى المتعهد عن الموضوع المتعهد به فإنّ ذمة المتعهد تبرأ نهائياً ولا يغير من الوضع شيئاً في أن يتقاعس المتعهد عنه فيما بعد عن أداء ما وافق عليه لأنّ التزامه قائم على رضائه بتعهد الغير عنه وليس التزامه قائماً على العقد الذي تعهد به أحد طرفي العقد ([77])

ويجب لقيام التعهد عن الغير توافر ثلاث شروط هي ([78]) :

  • أن يتعهد الشخص باسمه لا باسم الغير الذي يتعهد عنه، فإذا تعاقد الشخص باسم الغير كان وكيلاً وانصرفت آثار العقد للأصيل، أمّا في التعهد عن الغير فإنّ المتعهد يتعاقد باسمه وينصرف أثر العقد إليه.
  • أن تتجه إرادة المتعاقد إلى إلزام نفسه بهذا التعهد لا إلزام الغير، فلو أراد إلزام الغير لا نفسه كان التعهد باطل لاستحالة المحل، فلا يمكن لشخص أن يجبر غيره على الإلتزام.
  • أن يكون التزام المتعهد هو جعل الغير الذي تعهد عنه يقبل التعهد، ويكون التزامه هنا التزام بتحقيق نتيجة وليس التزام بوسيلة، بحيث يعد التعهد مختلفاً عن التنفيذ متى رفض الغير التعهد، ولو بذل المتعهد كل جهده.

وأثر التعهد عن الغير يوازي الأثر المترتب على العقد الملزم لجانب واحد، وهو المتعهد إذا هو يحمله التزام بعمل هو أن يجعل احد من الغير المتعهد عنه يقبل الأمر المتعهد به هذا هو كل ما ينتجه عقد التعهد عن الغير من أثر ولا يوجد فيه ادنى خروج عن قاعدة نسبيّة أثر العقد إذ هو لا يولد الالتزام إلا على احد عاقديه والمصلحة العاقد الآخر أمّا الغير المتعهد عنه فهو لا يتاثر إطلاقاً بنتيجة هذا العقد فهو لا يضار به أبداً وتبقى له الحرية كاملة في أن يرتضى الأمر المتعهد به أو لا يرتضيه وأن كان سلوكه هذا الاتجاه أو ذاك يؤثر بالضرورة في مسؤولية المتعهد حيث يعتبر أنه أدّى أو لم يؤد التزامه، كون آثار التعهد عن الغير تختلف في حالة قبول المتعهد أو رفضة.

ففي حالة قبول الغير للتعهد، أي عندما يكون قبول الغير للتعهد صريحاً بأن يعبر عن إرادته بالقبول، وقد يكون قبول التعهد ضمنياً كما لو نفذ التعهد أو صدر منه ما يدل على القبول. فإذا كان القبول صريحاً فيجب أن يكون القابل كامل الأهلية – أهلية التَّصرّف – وهنا يكون قبوله إيجاب معروض عليه من جانب المتعهد المتعاقد، وبالتالي يقوم عقد جديد بين الغير والمتعهد، وهو يختلف عن العقد المبرم بين المتعهد والمتعاقد معه.

فيختلف العقدان من حيث الأطْراف ومن حيث المحل ومن حيث وقت كل منهم، وينتج عن ذلك أن العقد الجديد بين الغير القابل وبين المتعهد، لا يقوم إلا من وقت إعلان الغير قبوله للتعهد، فليس للقبول أثر رجعي، إلا إذا تبين أن الغير قصد صراحة أو ضمناً أن يستند أثر الرجعى للقبول ([79]).

ويتبين من ذلك أن العقد لم يلزم الغير, بل الغير إلتزم به بإرادته هو بعقد جديد، ففي حالة قبول الغير للتعهد والذي تترتب عليه نتيجة هامه وهو أننا نكون أمام عقد جديد ([80]). يختلف في أطْرافه وموضوعه ووقت إبْرامه عن العقد الآخر عقد التعهد فمن حيث الأطْراف فالعقد الجديد يكون بين المتعهد والغير. ومن حيث الموضوع فعقد التعهد كان موضوعه التزام المتعهد بالقيام بعمل وهو الحصول على قبول الغير في حين يكون موضوع العقد الجديد مختلفاً بحسب طبيعة هذا العقد فقد يكون التزاماً بإعطاء أو القيام بعمل. أمّا عن وقت انعقاد العقد الجديد بين المتعهد والغير فأننا نواجه احد الفرضين :

الأول: وهو الأصل طبقاً لما ورد في نصوص المواد (١٥١/ ٢) المدني العراقي والمادة (١٥٣ /٢) المدني المصري ومضمونها ان قبول الغير لا ينتج أثره إلا من وقت صدوره وفي هذه الحالة لا يعتبر التعهد عن الغير استثناء من مبدأ نسبيّة أثر العقد.

الثاني: ان المشرع قد أجاز ان يكون قبول الغير بأثر رجعي إلى وقت صدور التعهد بشرط أن يتبين قصد الغير لذلك سواء اثبت ذلك صراحة أو ضمناً. وفي هذه الحالة هناك من يرى إن التعهد في هذه الحالة يعتبر استثناء من مبدأ نسبيّة أثر العقد لأنّ من قبل العقد يلتزم في وقت لم يكن قبل فيه فعلاً فضلاً عن أنه يلتزم من وقت التعهد الذي لم يكن طرفاً فيه ([81])

أمّا إذا رفض المتعهد عنه أن يلتزم بالأمر المتعهد به، ما كان عليه هو شخصياً في ذلك جناح فوعد المتعهد ان يجعل المتعهد عنه يلتزم بالأمر لا يلزم هذا الاخير ولكن المتعهد نفسه في هذه الحالة يتحمل المسؤولية، ذا هو يعتبر انه قد اخل بالتزام فرضه عليه عقد التعهد عن الغير، فهو قد وعد ثم اخل بوعده، وترتكز مسؤولية المتعهد في تحمله بتعويض المتعهد له، عن الاضرار التي نالته بسب عدم تنفيذ تعهده, ويكون ذلك وفقاً للقواعد العامة في المسؤولية التقصيرية، ويجوز له إذا كان ذلك في مقدوره وغير ضار بالمتعهد له، ان يدرأ عن نفسه هذا التعويض بقيامه بنفسه بتنفيذ الامر الذي وعد به.([82])

ويستطيع المتعهد التخلص من المسؤولية، إذا اثبت عدم اقرار الغير للتعهد راجع إلى سبب اجنبي لا يد له فيه ولا يعتبر مجرد رفض الغير سبباً أجنبيّاً، ذلك ان محل التزام المتعهد، انما هو اقناع الغير والتغلب على ما يدعوه إلى عدم الإقرار، ويعتبر موت الغير ويقاع الحجز عليه، سبباً اجنبياً يعفي المتعهد من التزامه.([83])

وقد ركّزت النصوص المواد ( ١٥١) من القانون المدني العراقي بأنّه : ” ١- إذا وعد شخص بأن يجعل الغير يلتزم بأمر، فإنّه لا يُلزم بوعده ولكن يلزم نفسه ويجب عليه أن يعوض من تعاقد معه إذا رفض الغير أن يلتزم ويجوز له مع ذلك أن يتخلص من التعويض، بأن يقوم هو بنفسه بتنفيذ الالتزام الذي وعد به، إذا كان ذلك في استطاعته من غير أن بضر بالدائن. ٢ – أمّا إذا أقر الغير هذا الوعد فإنّ اقراره لا ينتج أثَراً إلا من وقت صدوره مالم يتبين أنه قصد صراحة أو دلالة أن يستند الإقرار إلى اليوم الذي صدر فيه الوعد “.

وكذلك نصت المادة ( ١٥٣) من القانون المدني المصري من أحكام التعهد عن الغير جاء فيها : ” ١- إذا تعهد شخص بأن يجعل الغير يلتزم بأمر فلا يلزم الغير بتعهد فإذا رفض الغير أن يلتزم وجب على المتعهد بأن بعوض من تعاقد معه. ويجوز له مع ذلك أن يلتزم وجب على المتعهد بأن يعوض من تعاقد معه ويجوز له مع ذلك أن يتخلص من التعويض بأن يقوم هو نفسه بتنفيذ الالتزام الذي تعهد به. ٢- أمّا إذا قبل الغير هذا المتعهد فإنّ قبوله لا ينتج أثَراً ألا من وقت صدوره مالم يتبين أنه قصد صراحة أو ضمناً بأن يستند أثر هذا القبول إلى الوقت الذي صدر فيه التعهد “

اما بالنسبة للتقنين المدني الفرنسي, فلا يجوز للشخص الالتزام باسمه الشخصي الا لصالح نفسه، ويجوز التعهد بان يؤدي الغير عملاً, يبرأ الواعد من أي التزام إذا انجز الغير العمل الموعود به, فاذا تبين العكس يجوز الحكم عليه بالتعويض، واذا كان موضوع التعهد تصديق الالتزام، فيعد هذا الاخير صحيحاً باثر رجعي, من التاريخ الذي تم فيه توقيع التعهد ([84]).

يخلص الموضوع في انه التعهد عن الغير، ليس استثناء لقاعدة عدم سريان العقد في حق الغير بل هو تطبيقاً لها. إذ ان التزام الغير يكون بناء على قبوله فقط.

فضلاً عن ذلك فإنّ الاستخلاف, يكون فيما يتولد عن العقد من حقوق والتزامات ويتم تمديدها إلى الخلف، وفي حال التعهد عن الغير حتى لو وافق هذا الغير, فإنّ موافقة على لا تنصب على مفردات عقد التعهد، وإنما تكون الموافقة على إبْرام عقد آخر يختلف عن عقد التعهد، إذن ليس هناك تمديد لآثار عقد واحد ابرمه السلف ويلتزم به الخلف ,وإنما نحن أمام عقدين مختلفين وبذلك نفتقد مفترضاً من الاستثناء على مبدأ نسبيّة أثر العقد، وهو وجود عقد واحد يتم تمديد آثاره إلى الخلف. ([85])

أن القواعد العامة في التعويض تقضي بأن يشمل التعويض، ما لحق الدائن من خسارة وما فاته من كسب، بشرط أن يكون هذا نتيجة طبيعية لعدم الوفاء بالالتزام، أن القواعد العامة في التعويض، تقضي بأن يشمل التعويض ما لحق الدائن من خسارة وما فاته من كسب، بشرط أن يكون هذا نتيجة طبيعية لعدم الوفاء بالالتزام. وهذا ما نصت عليه المواد ( ١٦٩) من القانون المدني العراقي (م221) من القانون المدني المصري. وفي هذا الصدد، فنحن نرى ان نصوص المواد ( ١٥١) من القانون المدني العراقي (١٥٣) من القانون المدني المصري حين نصت على وجوب ان يعوض المتعهد الطرف في حال رفض الغير الالتزام، أن القانون افترض الضرر في هذه حالة سواء كان ضرراً مادياً أو ضرراً ادبياً، بدليل أن التعويض في هذه الحالة ليس جوازياً أو مرتبطاً بالضرر, لكن وجوبه طبقاً لهذه المواد فقد افترض القانون في المواد السالفة الذكر الضرر ولذلك فإنّ التعويض في هذه الحالة هو تعويض إجباري.

لذا نجد أن الفقرة الأخيرة من البند (١) من هذه المواد تنص صراحة على أنّه: ” ويجوز له مع ذلك أن يتخلص من التعويض، بأن يقوم هو بنفسه بتنفيذ الالتزام الذي تعهد به “. إذن فلا مناص من تخلص الطرف المتعاقد من التعويض، إلا إذا قام الطرف المتعاقد بتنفيذ الالتزام الذي تعهد به. إذ انه الفقرة أعلاه تجيز المتعهد وهو الطرف في القعد ان يقوم بتنفيذ الالتزام الذي تعهد به، إلا أنه قد يكون التنفيذ في هذه الحالة مستحيلا ً وقد يكون التنفيذ غير مستحيل، كذلك قد يكون التنفيذ قد روعيت فيه شخصية الغير، وقد يكون التنفيذ لا تهم فيه شخصيه الغير.

فإذا كان التنفيذ لا تهم فيه شخصية الغير، كأن يتعاقد طرفا العقد على بناء منزل واحد للطرفين يعمل مقاولاً ولكنه تعهد بأن يجعل مقاولاً آخر يقوم بالبناء، إلا أن هذا المقاول الآخر الذي تعهد له بأن يقوم بالبناء رفض القيام بالبناء، فيستطيع الطرف الذي تعهد والذي هو في الأصل مقاول أن يقوم هو بالبناء، في هذه الحالة يستطيع الطرف الذي تعهد وهو المقاول أن يتخلص من التعويض بالنسبة للطرف الذي يبنى له البناء بأن يقوم هو بالبناء بدلاً من المقاول الآخر, وهو الغير الذي تعهد عنه في العقد. ([86])

وقد يثار تساؤل بمناسبة هذا المثال، عن أنه طالما ان أحد الطرفين مقاول فلماذا لا يتعهد هو بالبناء مباشرة ؟ نقول أنه قد يكون هذا المقاول لديه أعمال أخرى تضطره. إلى أن يستعين بمقاول آخر, إلا أن هذا المقاول وهو الغير قد رفض، فلا يمنع من أن يقوم المقاول الأصلي وهو الطرف في عقد البناء وبذلك يستطيع أن يتخلص من التعويض.

ومن جهة أخرى قد تكون شخصية الغير روعيت عند التعهد، كمن يقيم حفل في قاعة احتفال وتعهد منظم الحفل أن يحضر مطرباً بالاسم في الاحتفال إلا أن هذا المطرب لم يحضر ورفض الحضور, في هذه الحالة فإنّ شخصية المطرب قد روعيت عند التعاقد فلا يجوز أن يقوم المتعاقد بإحضار مطرب آخر أو أن يقوم هو بنفسه بالعمل مطرباً، في هذه الحالة فإنّ الالتزام بالتعويض يقع على عاتق هذا الطرف وهو الطرف المتعهد ويكون التعويض وجوبياً. ويمكن للمتعهد ان يتخلص من التعويض إذا اثبت عدم إقرار الغير هو راجع إلى سبب أجنبي لا يد فيه يعفيه من الالتزام، مثل موت الغير أو وقوع الحجر عليه. كمن يتعهد مع شخص على أن يجعل شخصاً ثالثاً يبع له ارضاً أو منزلاً وقبل ان يقع الإقرار من قبل الغير وقع عليه حجر من قبل المحكمة، أو قبل أن يقر عقد التعهد وفاه الأجل في هذه الحالة يعفى المتعهد من التزامه. ([87])

وهناك اعتبارات أخرى تقضي بسريان العقد في حق شخص لم يكن طرفاً في العقد، كما في حالة افلاس التاجر من أنه إذا اتفقت أغلبية من الدائنين تملك نسبية معينة من الديون على الصلح مع المدين المفلس فإنّ هذا الاتّفاق يلزم الاقلية التي لم ترض بهذا الصلح ولو لم تكن طرفاً فيه.

ثانياً : الاستثناءات القانونية على مبدأ نسبية أثر العقد.

أ – حق الغير في إقامة الدعوى المباشرة:

تعد الدعوى المباشرة وسيلة أتاحها القانون للدائف الذي يوجد ارتباط وثيق بين حقه وبين حق مدينه في مواجهة الغير، لذا فإن هذه الوسيلة لا تتوافر لجميع الدائنين، ولكن للدائنين الذي يتوافر في حقوقه هذا النوع من الإرتباط، فلا يشاركو باقي دائني المدين في النتائج المترتبة على إقامة الدعوى المباشرة باسمه لا بإسم المدين الأصلي .

تقتضي العدالة أحياناً، أن يكون للغير الذي هو أجنبي تماماً عن العقد دعوى مباشرة ضد أحد المتعاقدين، هي دعوى احد المتعاقدين ضد الآخر.([88])

ويقرر الدائن بمقتضى الدعوى المباشرة صفة نيابية في المطالبة بحقوق مدينه، فتترتب هذه الحقوق في ذمة مدينه ويتساوى جميع الدائنين في التنفيذ على هذه الحقوق، وعلى العكس فإنّه بناء على الدعوى المباشرة، يثبت للدائن حق يتلقاه مباشرة من العقد، الذي يربط مدينه والطرف الآخر الذي يتحمل التزاماً قبل هذا المدين، فينتقل حق المدين المستمد من العقد إلى ذمة الدائن مباشرة ولا يمر بالتالي بذمة المدين، ومن هنا يفضل الدائن في الدعوى المباشرة على سائر دائني المدين، ويعد ذلك خروجا ًعلي قاعدة المساواة بين الدائنين([89]).

ومن ذلك للمقاول من الباطن أن يرجع على رب العمل رغم عدم وجود علاقة مباشرة بينهما إذ لا يربطهما أي تعاقد فلا يطالب أيهما الآخر مباشرة بتنفيذ التزاماته، وإنما يكون للمقاول من الباطن طبقاً للقواعد العامة، الرجوع على رب العمل في خصوص المقابل المستحق له قبل المقاول الأصلي، وذلك عن طريق الدعوى غير المباشرة، لكن هذه الدعوى غير المباشرة تسمح لدائني المقاول الأصلي، أن يزاحموا المقاول من الباطن فلا يستأثر وحده بما يستخلصه من رب العمل، بل يقسم بين جميع دائني المقاول الأصلي قسمة غرماء ([90]).

من أجل هذا حمى المشرع العراقي ,المقاول من الباطن مزاحمة دائني المقاول الأصلي بإعطائه دعوى مباشرة وحق امتياز، يجانبانه مزاحمة هؤلاء الدائنين كما مد هذه الحماية إلى عمال المقاول الأصلي وعمال المقاول من الباطن، لأنّ هؤلاء العمال لا يقلون في الحاجة إلى الرعاية عن المقاول من الباطن، ويتحدد محل الامتياز بالمبالغ التي تكون واجبة على رب العمل وقت الحجز وبمقتضى عقد المقاولة الذي اشترك العمال والمقاول من الباطن في تنفيذه ([91]).

من ذلك ايضاً أن للمؤجر أن يرجع على المستأجر من المستأجر من الباطن بدعوى المستأجر الأول بأن يدفع للمؤجر ما يكون ثابتاً في ذمته للمستأجر الأول مع إن المؤجر لم يكن طرفاً في العقد المبرم بين المستأجر الأول والمستأجر الثاني.

وقد نصت على هذه الأحكام المادة (٨٨٣) من القانون المدني العراقي بقولها : ” ١- يكون للمقاول الثاني وللعمال الذين اشتغلوا لحساب المقاول الأول في تنفيذ العمل حق مطالبة رب العمل مباشرة بما لهم في ذمة المقاول بشرط أن لا يتجاوز هذا القدر الذي يكون مدينا به للمقاول الأصلي وقت رفع الدعوى ويكون للعمال المقاول الثاني مثل هذا الحق قبل كل من المقاول الأصلي ورب العمل. ٢ – ولهم في حالة توقيع الحجز من أحدهم على ما تحت يد رب العمل أو المقاول الأصلي امتياز على المبالغ المستحقة للمقاول الأصلي أو للمقاول من الثاني وقت توقيع الحجز. ويكون الامتياز لكل منهم بنسبة حقه ويجوز أداء هذه المبالغ إليهم مباشرة. ٣ – وحقوق المقاول الثاني والعمال المقررة في هذه المادة مقدمة على حقوق من يتنازل له المقاول عن حقه قبل رب العمل “

أما بالنسبة لموقف المشرع المدني المصري، قد نص على أربع حالات الدعوى المباشرة :

  1. دعوى المؤجر قبل المستأجر من الباطن، دعوى المقاول من الباطن وعمال المقاول الأصلي والمقاول من الباطن قبل رب العمل، ودعوى رب العمل قبل النائب الفضولي، ودعوى كل من الموكل ونائب الوكيل قبل الآخر([92])
  2. عقود الإدارة.

يترتب على إزالة الشرط الفاسخ زوال الملكية باثر رجعي، ومع ذلك فإنّ المادة ( ٢٦٩/٢) من القانون المدني المصري تقضي في هذا الشأن بأن أعمال الإدارة، كعقود الإيجار الصادرة من المالك تحت شرط فاسخ تظل نافذة قبل من عادت إليه الملكية، رغم ان هذا الاخير لم يكن طرفاً في عقد الايجار ويشترط مع ذلك ثبوت الغش من جانب المستأجر، وقياساً على هذا الحكم يسري في الحالات الأخرى التي يزول فيها سند ملكية المؤجر باثر رجعي، كما لو كان ذلك راجعاً إلى فسخ العقد بسبب الإخْلال بالالتزام أو أبطال العقد بسبب نقص في الأهلية أو عيب من عيوب الارادة.

  1. الأوضاع الظاهرة:

على الرغم من إن مبدأ نسبيّة أثر العقد لا يجوز المساس به بحسب الأصل كونه يشكل قوام التشريع المدني، إلا أن مقتضيات العدالة واستقرار المعاملات دعت إلى تجاوز ما يفرضه هذا المبدأ من حرمة وصرامة، لأنّ الأخذ به على اطلاقه من شأنه الأضرار بحقوق الغير حسن النية، ولعل الحالة البارزة التي تتأثر فيها مصلحة هذا الغير من مراعاة مبدأ نسبيّة أثر العقد، هي حالة الوضع الظاهر التي يمكن أن تفاجئ شخصاً لم يكن طرفاً في العقد أو ممثلاً فيه, فتسري في حقه آثار العقد المبرم فيما بين شخص ليس له سند التَّصرّف والغير حسن النية، الذي اجرى التَّصرّف اعتقاداً منه بصحة صفة المتصرف معه والوضع الظاهر بمفهومه الواسع – انه وضع مخالف للحقيقة القانونية، قد نشأ نتيجة أفعال وتصرفات محسوسة مقترنه بعوامل محيطة، من شأنها أن توقع الغير في التعامل مع هذا الوضع الظاهري كما لو كان وضعا حقيقياً يقره ويحميه القانون.([93])

ومن هنا فإنّه إلى جانب المراكز القانونية ( situation de droit ) التي تنشأ وتتكون في إطار القانون وتحظى بحماية، هناك مراكز فعلية (situation de fait ) تنشأ وتتواجد في الواقع.

والوضع الظاهر بمفهوم حسن النية – يولد لدى الغير اعتقاداً شائعاً بقانونية مركز صاحبه بسبب الظروف والمؤثرات الخارجية المحيطة به فيقدم الغير على التعاقد مع هذا الشخص بحسن نيه واضعاً ثقته بهذا الوضع الظاهري ([94])، كما في حالة الوارث الظاهر الذي يظهر أمام الكافة على أنه وارث حقيقي في حين انه ليس وارثاً لظهور وارث حقيقي آخر يحجبه. أو حالة الدائن الظاهر الذي يظهر أمام الكافة على أنه الدائن الحقيقي في حين أنه ليس دائناً ويتولى استيفاء الدين بصفته الظاهرة ثم يتضح أنه غير ذلك بظهور الدائن الحقيقي.

فالأصل أذن أن كل تصرّف صادر من الظاهر هو باطل،([95]) ولكن الواقع قد يفرض نفسه وبالتالي فقد جاءت هذه النظرية اصلاً لاستقرار المعاملات ولحماية الغير الذي يتعامل مع الظاهر بحسن نيه، مثال ذلك من اشترى عقاراً وسجله وتصرف فيه إلى الغير ثم زالت ملكيته بأثر رجعي لسبب أو لآخر فالغير الذي تلقى حقاً من صاحب الوضع الظاهر تكون إرادته مشروعة إذا كان الظاهر يوحي بالثقة المشروعة أي المقبولة موضوعياً وينخدع بها الرجل المعتاد، أمّا بالنسبة للمالك الحقيقي فالأصل أن آثار العقد لا تنصرف إليه ولا يسري التَّصرّف الصادر من المالك الظاهر في حقه لأنه أجنبي عن هذا التَّصرّف، لكن كما قلنا سابقاً ولحماية المتصرف إليه حسن النية فإنّ القانون جعل تصرّف المالك الظاهر سارياً في حق المالك الحقيقي. ويشترط لذلك أن لا يكون المالك الحقيقي، قد ساهم بإرادته في إنْشاء الوضع الظاهر، فالعقد الذي يبرمه المالك الظاهر يلزم المالك الحقيقي على الرغم من أنه ليس طرفاً ولا ممثلاً فيه.

ونتيجة لذلك، فإنّ نظرية الوضع الظاهر، تعتبر حاجزاً يحول دون اعمال الحقيقة ودون أبطال العقود التي ابرمت في ظلها، فهذه العقود ترتب جميع آثارها كما لو كان الشخص قد تعاقد مع صاحب الحق فعلاً، ولا يستطيع هذا الأخير معارضة المتصرف إليه أو رفض تنفيذ الالتزامات التي ترتبت عن العقد. فالوضع الظاهر يلزمه شخصياً بالتزامات سلبية فلا يمكنه التعرض الشخصي للمصرف إليه، الذي تعامل بحسن نيه طبقاً لنظرية الوضع الظاهر كما يلتزم بالتزامات إيجابية كوضع العين تحت تصرّف الخلف الخاص في الزمان والمكان المحددين في القعد.

وهناك اعتبارات أخرى تقضي بسريان العقد في حق شخص لم يكن طرفاً في العقد، كما في حالة افلاس التاجر من أنه إذا اتفقت أغلبية من الدائنين تملك نسبية معينة من الديون على الصلح مع المدين المفلس فإنّ هذا الاتّفاق يلزم الاقلية التي لم ترض بهذا الصلح ولو لم تكن طرفاً فيه ([96]).

ثالثاً : الاستثناءات الاتّفاقية على مبدأ نسبية أثر العقد:

يعد الاشتراط لمصلحة الغير استثناءً إتفاقيّاً على مبدأ نسبيّة أثر العقد، ويعرف الفقه الاشتراط لمصلحة الغير بأنه، عقد يتم بين شخصين هما المشترط والمتعهد، بمقتضاه يكسب شخص ثالث يسمى المنتفع حقاً مباشراً قبل المتعهد ويستطيع إن يطالبه بالوفاء به. أو هو عقد بمقتضاه يشترط أحد طرفيه ( ويسمى المشترط) على طرف آخر ( ويسمى المتعهد) أن يؤدي إلى شخص ثالث أجنبي عن العقد ( ويسمى المنتفع أو المستفيد) حقاً معيناً ([97]).

إذ نصت الفقرة الأولى من المادة ( 152) من القانون المدني العراقي على أنه )يجوز للشخص أن يتعاقد بإسمه الخاص على التزامات يشترطها لمصلحة الغير اذا كان لو في تنفيذ هذه الالتزامات مصلحة شخصية مادية كانت أو أدبية(.

كما نص المشرع اللبناني على أن ” ان الصفة النسبية في العقود تحتمل شذوذات من الوجه الايجابي فيجوز للمرء ان يعاقد باسمه لمصلحة شخص ثالث بحيث يصبح هذا الشخص دائنا للملتزم بمقتضى العقد نفسه. وان التعاقد لمصلحة الغير يكون صالحا معمولا به : 1- حينما يكون متعلقا باتفاق ينشئه العاقد في مصلحته الخاصة مالية كانت او ادبية . 2- حينما يكون شرطا أو عبئا لتبرع بين الاحياء او لتبرع في الايصاء رضي به العاقد لمصلحة شخص آخر )التبرع بشرط(. ” ([98]) .

فيكون هناك اشتراط لمصلحة الغير إذا ابرم شخصان عقداً واشترط أحدهما فيه على الآخر حقاً لشخص ثالث يتلقاه من العقد مباشرة، فلا يمر بذمة المشترط.

فالاشتراط لمصلحة الغير تصرّف قانوني ثلاثي، يتم إنشاؤه بالاتفاق بين شخصين ولكن تنفيذه يتعلق بثلاثة أشخاص، هم المتعاقدان والشخص الثالث الذي اشترط له الحق ويقال له المنتفع، أمّا المتعاقدان فأحداهما يقال له المشترط وهو الذي اشترط الحق ففي الاشتراط لمصلحة الغير نكون بصدد عقد واحد وليس عقدين, كما هو الحال في حالة التعهد عن الغير, والمنتفع يكسب حقاً من عقد لم يكن طرفاً فيه, وهو ما يمثل استثناء على مبدأ نسبية اثر العقود, ومن امثلة الاشتراط لمصلحة الغير ان يؤمن المتعاقد لمصلحة ورثه ولو لم يجد بعد التعاقد, وكذلك تأمين الناقل للبضائع لمصلحة المرسل إليه.

وهو بذلك يختلف عن التعهد عن الغير, كونه تعهد من أحد أطْراف العقد بأن يلتزم بجعل شخص ليس طرفاً في العقد بأداء معين قد يقبله وقد لا يقبله، فإذا قبله إلتزم به واذا لم يقبله لم يلتزم به. أما الاشتراط لمصلحة الغير يكسب هذا الغير حقاً ومن ثم فإنّ اكتساب هذا الحق يرجع إلى التعاقد بين طرفي العقد وعلى بنوده ولا نقول المتعهد، لأنّ التعهد قد يأتي منفرداً يستطيع الشخص والآخر يقال له المتعهد وهو الذي إلتزم بإعطاء الحق للمنتفع ([99]).

كما ويختلف الاشتراط لمصلحة الغير عن التعهد عن الغير، في أنّ التعهد عن الغير يختلف عن الاشتراط لمصلحة الغير حيث أن أحد أطْراف العقد في التعهد عن الغير هو الذي ( يتعهد) بأن يجعل الغير يفعل شيئاً.

أما الاشتراط لمصلحة الغير فهو أن يتعاقد أحد الأطْراف في العقد ويتحمل التزامات معينة على أن يشترط حقوقاً لمصلحة الغير نظير هذا الالتزام. ([100])

و الاشتراط لمصلحة الغير يضم ثلاثة أطْراف، طرفي التعاقد والغير. وكذلك التعهد عن الغير يضم ثلاثة أطْراف، طرفي التعاقد والغير. الا ان الغير في الاشتراط لمصلحة الغير يختلف عن التعهد عند الغير في التعهد عن الغير،

فالغير في الاشتراط لمصلحة الغير هو الذي تتحقق فائدة مباشرة من العقد الذي تم بين طرفيه ويتحمل الطرف الذي اشترط في العقد لمصلحة الغير الالتزامات الناشئة عن التعاقد.

بينما الغير في التعهد عن الغير فلا تعود عليه فائدة من التعاقد وقد تعود عليه الفائدة بعد قبول التعهد، والتعهد عن الغير يفترض فيه أن يكون هذا الغير حاضراً، بمعنى ليس شخصاً مستقلاً، إلا أنه قد يمتد هذا التعهد إلى فترة زمنية مثلاً لحين بلوغ القاصر من الرشد ويقوم التعهد عن الغير, على أن يقوم القاصر بالتوقيع على بيع نصيبه من المنزل عند بلوغه سن الرشد. والاشتراط لمصلحة الغير قد يكون شخصاً أو جهة مستقله لم يعينا وقت العقد. ([101])

وفي الاشتراط لمصلحة الغير قد يحل شخصاً من الغير بدلاً من المشترط لمصلحته من الغير فيجوز للمشترط أملاك شخص مكان آخر.

وفي التعهد عن الغير عادة يكون محل العقد شيئاً ما أو حقاً ما ويكون التعهد متعلقاً بهذا الحق فقط، بحيث لا يجوز إحلال آخر من الغير محل الآخر, فإذا كان التعهد في المثال السابق ان يوقع الغير عقد بيع منزل عند بلوغه سن الرشد بالنسبة لنصيبه، فإنّ هذا الحق أي (نصيبه في المنزل متعلق بهذا الغير الذي لم يبلغ سن الرشد، ولا يجوز إحلال آخر محله كما هو قائم في الاشتراط لمصلحة الغير).

هذا ولا يقتصر الاشتراط لمصلحة الغير على نوع معين من العقود, بل أنّ هذا الاشتراط يتنوع حسب نوعية العقود وطبيعتها, وحسب ظروف أطْراف التعاقد وطبيعة تعامل كل منهم، وقد كان ذلك نتيجة كفاح طويل بدأ من القانون الروماني واستمر خلال القانون الفرنسي القديم وقانون نابليون حتى أصبح مبدأ مسلماً به في معظم القوانين الحديثة ([102]).

وقد تنوعت تطبيقات الإشتراط لمصلحة الغير في كثير من العقود، حيث نجده في العقود العادية التي تتمثل بين شخصين، وعقود الشركات، وعقود المقاولات وفي عقود التأمين، وغير ذلك من العقود التي تتناول هذا الشرط وهو شرط شرعه القانون ويحميه القانون طالما في نطاق الشرعية، فلا يجوز أن يبيع شخص منزلاً لآخر ويشترط البائع على المشتري أن يؤجره إلى شخص ثالث ليديره للقمار، أو أن يبيع شخص عقاراً مرهون ويشترط على المشتري ان يدفع قيمة الرهن إلى المرتهن صاحب حق الرهن على العقار.

كما ونجده في عقد الهبة أيضاً، كأن يهب شخص لآخر قطعة أرض، ويشترط عليه أن يدفع مبلغاً من النقود لشخص ثالث، قد يكون الواهب مديناً له أو أن يبيع شخص عقاراً مرهون ويشترط على المشتري ان يدفع قيمة الرهن إلى المرتهن صاحب حق الرهن على العقار.

و للاشتراط لمصلحة الغير تطبيقات عملية كثيرة في الحياة العملية أهمها عقود التأمين والامتياز والنقل والهبة المقترنة بشرط.

فعقد التأمين له صور عديدة، أهمها التأمين على الحياة، فالشخص الذي يؤمن على حياته لمصلحة زوجته وأولاده الأحياء ومن يولد منهم إنما يشترط باسمه عقد يبرمه هو لمصلحة أشخاص اجانب عن العقد، فيكتسب هؤلاء حقاً من عقد التأمين ([103]).

ويعتبر عقد التأمين هو النظام الثابت في الاشتراط لمصلحة الغير، والأكثر تطبيقاً وأن جاز لنا القول فإنّ عقد التأمين هو ذاته الاشتراط لمصلحة الغير وقد عرف هذا العقد منذ زمن. حي أنّه بموجب عقد التأمين أن يؤمن شخص على حياته لمصلحة أولاده, بأن تتعاقد شركة التأمين مع الطرف الآخر بقيامه بدفع مبالغ محددة سنوياً أو شهرياً, ويشترط في العقد انه إذا توفى تصرّف قيمة التأمين إلى الورثة([104]).

وفي عقود الامتياز والتزام المرافق العامة, تمنح الحكومة أحد الاشخاص احتكار تقديم خدمة من الخدمات أو سلعه من السلع أو تصدير بعض الحاصلات وتشترط عليه شروطاً في مصلحة الجمهور، كاشتراط حد أعلى لأجور النقل أو لسعر الشيء الذي يبيعه. في هذه الحالة يكتسب كل فرد من أفراد الجمهور حقاً مباشراً قبل صاحب الامتياز اي المحتكر، يستطيع بمقتضاه أن يطالبه بتنفيذ الشروط التي اشترطتها الحكومة لمصلحته.

وفي عقد النقل ايضاً, يكتسب المرسل إليه حقاً مباشراً عن العقد المبرم بين المرسل والناقل ويستطيع مطالبة هذا الأخير بتنفيذ الشروط الواردة في عقد النقل.

وكذلك في الهبة المشروطة يشترط الواهب على الموهوب له القيام بعمل لمنفعة شخص ثالث، فيكتسب هذا الشخص حقاً مباشراً من عقد الهبة قبل الموهوب له، ويستطيع مطالبته بتنفيذ الشروط الواردة لمصلحته في عقد الهبة. مثل ذلك ما إذا وهب شخص مبلغاً من المال لجمعية خيرية واشترط عليها بناء مستشفى يعالج فيه الناس مجاناً([105]).

وكذلك نظام التأمينات الاجتماعية، في العصر الحالي وهو إلزام صاحب العمل بالتامين على عمالة, مما قد يصيبهم من اضرار من الغير, فالتزام واقع بحمكم القانون من هيئة التأمينات الاجتماعية, والطرف الآخر صاحب العمل والمشترط لمصلحة العامل.([106])

ويشترط لقيام الاشتراط لمصلحة الغير توافر الشروط الآتية([107]) :

  • أن يتعاقد المشترط باسمه لا باسم المنتفع، فمتى تعاقد باسم المنتفع أعتبر نائباً عنه، فالنائب – وكيلاً – ولياً – فضولياً – يتعاقد باسم الأصيل، أمّا في حالة الاشتراط لمصلحة الغير فإنّ المشترط يبرم العقد باسمه، وفي النيابة تنصرف آثار العقد إلى الأصيل، وفقاً لقواعد النيابة في التعاقد لا وفقاً لقواعد الاشتراط لمصلحة الغير.
  • المشترط يشترط حقاً مباشراً للمنتفع، يجب أن تتجه إرادة المشترط والمتعهد إلى إنْشاء حق للمنتفع، فإذا أشترط المشترط حقاً لنفسه لم يكن ذلك اشتراط لمصلحة الغير ولو عاد هذا الحق بفائدة على الغير، فإذا أمن شخص من مسؤوليته عن الضرر الذي يلحق الغير فلا يكون اشتراط لمصلحة الغير بالرغم من الفائدة التي تعود على المضرور، فبالتالي لا ينشأ حقاً مباشراً للمضرور في التأمين بل يشترك مع باقي الدائنين.
  • لا يلزم أن يكون المنتفع شخصاً موجوداً أو معيناً وقت الاشتراط، بل يجوز أن يكون شخصاً أو جهة مستقبلية، كما يجوز أن يكون شخصاً أو جهة غير معينة وقت العقد، مثل التأمين لمصلحة أطفال لم يولدوا.
  • وجود مصلحة شخصية للمشترط، يجب أن تكون للمشترط مصلحة شخصية في الاشتراط لمصلحة الغير وإلا كان فضولياً، ولا يشترط أن تكون المصلحة مادية بل يجوز أن تكون أدبية، ولا يشترط أن يكون المشترط قد إلتزم في العقد بأم ما.

وينبين من ذلك، ان الاشتراط لمصبحة الغير له شروط محددة قانوناَ وهي :

١ – أن يتعاقد المشترط بإسميه الخاص لا باسم المنتفع, هذا ما نصت عليه المادة ( ١٥٢/١) مدني عراقي (المادة ١٥٤/١) مدني مصري، فالمشترط يتعاقد بأسمه الشخصي اصيلاً عن نفسه وليس نائباً عن المنتفع، فمن يؤمن على حياته لمصلحة وأولاده، مثلاً، يتعاقد بأسمه الشخصي لا باعتباره نائباً عن أولاده. وهو الذي يعتبر طرفاً في عقد التأمين مع الشركة دون الأولاد.

ويترتب على أن المشترط يتعاقد باسمه الشخصي اصيلاً عن نفسه انه يتحمل في ذات ذمته بمقابل المنفعة المشترطة للمستفيد أن كان ثمة مقابل لها كما هو الغالب في العمل. فالأب في مثال التأمين على الحياة لمصلحة أولاده، هو الذي يلتزم شخصياً بدفع أقساط التأمين، دون الأولاد.

ويترتب كذلك على كون المشترط يتعاقد بأسمه الشخصي، اصيلاً عن نفسه، لا نائبا عن المنتفع، انه يجوز له برغم إرادة الأخير، ان ينقض المشارطة أو أن يحول نفعها إلى شخص آخر غير المستفيد الأصلي، أو يستأثر بها لخاصة نفسه، وإن لزم أن يفعل ذلك قبل أن يعلن المستفيد للمتعهد أو للمشترط رغيته في الاستفادة من الاشتراط، وهو حكم مشترك وفق المادة (١٥٣) من القانون المدني العراقي, والمادة (١٥٥/١) من القانون المدني المصري. أمّا القانون الفرنسي نصت المادة(1205) ” يجوز للشخص ان يشترط لمصلحة الغير, ويجوز لاحد المتعاقدين, المشترط، ان يجعل المتعاقد الآخر يعد, الواعد, بإنجاز اداء لصالح الغير, المستفيد ,يجوز ان يكون هذا الاخير شخصاً مستقبلياً لكن يجب ان يكون معيناً بشكل محدد أو يمكن تحديده وقت تنفيذ الوعد “.

٢- أن تكون المشترط مصلحة شخصية في تنفيذ الالتزامات التي اشترطها, لصالح المنتفع على المتعهد, سواء تكون هذه المصلحة مادية أو أدبية, حسب حكم المادة (١٥٢ /١) من القانون المدني العراقي (١٥٤/١) من القانون المدني المصري, ومثال المصلحة المادية المشترط أن يؤمن صاحب السيارة عن الأضرار التي تلحق الغير من سيارته، وأن يؤمن رب العمل لمصلحة عماله عن الأضرار التي تحدث لهم أثناء ادائهم أعمالهم، ففي هذين المثالين، مصلحة مادية للمؤمن، إذ أن شركة التأمين هي التي ستتولى دفع مبالغ التعويض للمضرورين، فيرتفع عنه عبء ادائها بنفسه. ومثال المصلحة المادية ايضاً، المشترط كذلك ان يبيع شخص ماله ويشترط على المشتري دفع الثمن لأحد دائني ( دائني البائع) وفاء لدينه عليه. أمّا المصلحة الأدبية، فمثالها الفذ والغالب تأمين الشخص على حياته لمصلحة زوجته وأولاده الأحياء. ([108])

٣- أن يشترط حقاً مباشراً للمنتفع. يتميز نظام الاشتراط لمصلحة الغير، بأن المنتفع برغم انه ليس طرفاً في العقد. الا أنه يستخلص منه حقاً مباشراً, كما نصت المادة (١٥٢/2) من القانون المدني العراقي (١٥٤/٢) من القانون المدني المصري، فالمنفعة المشترطة تثبت للمنتفع مباشرة من ذات عقد الاشتراط، فهي لا تثبت ابتداء ومباشرة من العقد. ويستطيع المنتفع، في سبيل حصوله على تلك المنفعة من المتعهد ان يطالبه مباشرة وباسمه الشخصي، اي أن يطالبه بدعوى مباشرة. وهذه اهم ميزه في الاشتراط لمصلحة الغير، بل هي لب النظام وجوهره ومعقل القوة فيه، وهي التي تمثل الاستثناء الهام الخطير الذي يرد على قاعدة العقود لا تنفع الغير. وأيْضاً المادة (1206) من الفانون الفرنسي الجديد ” للمستفيد حق مباشر في الاداء ازاء الواعد من وقت الاشتراط “.

أمّا بالنسبة لآثار الاشتراط لمصلحة الغير، فأثر الاشتراط لمصلحة الغير بالنسبة للمشترط تتحدد في العلاقة بين المشترط والمشترط عليه وفقاً لم تم بينهما من بنود في عقد الاشتراط حيث يلتزم المشترط والمشترط عليه بتنفيذ بنود العقد، طبقاً لما يوجبه القانون في تنفيذ العقد طبقاً لما اشتمل عليه وبطريقة تتفق مع ما يوجبه حسن النية([109]).

وتطبيقاً لذلك، فإنّ ما يسري على القواعد العامة، في العقود سواء عقد بيع أو هبه ام عقد إيجار إم عقداً من العقود المسماة أو العقود غير المسماة، أو أي نوع آخر من العقود تسري بالإضافة إلى بند المشترط لمصلحته.

فلا يجوز لأحد طرفي العقد المشترط والمشترط عليه أن يتحلل من التزامه في العقد، فإذا كان هذا العقد بيع إلتزم المشترط بأن يسلم المبيع وإلتزم المشترط عليه أن يدفع الثمن أو أن يدفع مبلغاً من الثمن للمشترط لمصلحته.

فلا يجوز لاحد طرفي العقد المشترط والمشترط عليه ان يتحلل من التزامه في العقد، فاذا كان هذا العقد بيع إلتزم المشترط بان يسلم المبيع وإلتزم المشترط عليه ان يدفع الثمن أو ان يدفع مبلغاً من الثمن المشترط لمصلحته.

ولكل من طرفي العقد المشترط والمشترط عليه ان يرفع الدعوى باسمه على الآخر للمطالبة بتنفيذ ما اتفق عليه, فضلاً عن ذلك يجوز للمشترط ان يطالب بتنفيذ ما اشترط لمصلحة المنتفع وهو المشترط لمصلحة, الا إذا تبين من العقد ان المنتفع (المشترط لمصلحة) وحدة هو الذي يجوز له ذلك.([110])

وكذلك يجوز للمشترط دون دائنيه أو ورثته وهم, خلفه العام والخاص ان ينقض المشارطة قبل ان يعلن المشترط لمصلحته إلى المشترط عليه رغبته, في الاستفادة بها مالم يكن مخالفاً لما نص عليه العقد. ([111])

أمّا أثر الاشتراط لمصلحة الغير بالنسبة للمشترط عليه، وهو الطرف الثاني في العقد، فإنّه يلتزم طبقاً لما يلتزم به الطرف الأول بنصوص العقد وله أن يطالب المشترط بالالتزامات الناشئة عن العقد طالما انه يوفي بالتزاماته قبله، فهو ايضاً يطالب بتن العقد طبقاً لما يوجبه حسن النية في تنفيذ العقود، فضلاً عن ذلك فهد يلتزم قبل المشترط لمصلحته بتنفيذ الاشتراط الذي وضعه المشترط لمصلحة الغير، حيث ينشأ للمشترط لمصلحته حق قبل المشترط عليه ويستطيع أن يطالبه المشترط لمصلحته بدعوى مباشرة. ومتى استطاع المشترط لمصلحته الرجوع مباشرة على المشترط عليه فهذا الأخير يستطيع أن يدفع بالدفوع التي تكون في مواجهة المشترط. ([112])

فعلى سبيل المثال، قد يدفع المشترط عليه بعدم تنفيذ المشترط لالتزاماته في العقد أو عدم الوفاء ببعض التزامات في العقد، مثلاً أن يكون المشترط قد التزام بدفع أقساط تأمين للمشترط عليه، إلّا أنّ المشترط لم يقم بدفع أي مبالغ رغم ما هو منصوص عليه في العقد بدفع الأقساط شهرياً، وإلا تم فسخ العقد مثلاً في حالة التأخر لمدة شهرين، فلا يجوز للمشترط لمصلحته المطالبة بقيمة المبلغ المؤمن عليه كما يحق للمشترط عليه أن يفسخ العقد لعدم التزام المشترط بدفع أقساط التأمين طبقاً للشرط الصريح الفاسخ في العقد.

أمّا بالنسبة لأثر الاشتراط لمصلحة الغير بالنسبة للمشترط لمصلحته :

فالمشترط لمصلحته هو المستفيد، والذي قد يقبل الاشتراط وقد لا يقبله، فكل إنسان ليس طرفاً في عقد لا يكون ملزماً به ولا ينتج أثَراً بالنسبة له، إلا إذا أقر ذلك.

فالمشترط لمصلحته في الاشتراط لمصلحة الغير يكسبه حقاً، هذا الحق يستطيع أن يقيم به الدعوى المباشرة على المشترط عليه، وذلك لتنفيذ ما اشترط لمصلحته, ولا يعتبر المشترط لمصلحته طرفاً في العقد ولا خلفاً, ولكن هذا الاشتراط يكسبه حقاً فقط ([113]).

وإذا كان المشترط لمصلحته يطالب المشترط عليه مباشرة رغم انه ليس خلفاً عاماً ولا خلفاً خاصاً، فإنّ ذلك قد يخالف نسبية آثار العقد, الا ان المشرع قد أجاز ذلك لاعتبارات عملية واقتصادية واجتماعية كاستثناء من مبدأ نسبيّة أثر العقد.

الاشتراط لمصلحة الغير نظام يستهدف تحقيق منفعة لشخص أجنبي, عن العقد ليس طرفاً فيه استثناء من الأصل التقليدي, وهو ان العقود لا تنفع الغير، وهو يتضمن مخالفة أخرى لقاعدة ثابتة تقليديه, وهي قاعدة أن يكون الدائن موجوداً ومعيناً عند نشوء حقه.

فلا يلزم في نظام الاشتراط لمصلحة الغير, أن يكون الشخص الذي يشترط لصالحه الحق وهو المستفيد أو المنتفع، محدداً ومعيناً بالذات عند انعقاد الاشتراط، طالما أنه من المستطاع تحديده, فيما بعد وقت أداء الحق المشترط، بل أنه لا يلزم حتى ان يكون المستفيد أو المنتفع موجوداً عند انعقاد الاشتراط طالما أنه سيوجد عند تنفيذه, وهكذا يسوغ الاشتراط لمصلحة الغير شخص مستقبل، كما إذا أمن رجل على حياته، لمصلحة من عساه أن ينجبهم فيما بعد من اولاد، أو لمصلحته شخص غير معين بالذات, كما إذا أمن رب العمل لمصلحة عماله، دون تحديد ذواتهم بشرط أن يوجد شرط لصالحه, أو أن يتحدد وقت أداء المنفعة المشترطة. ([114])

وفي ذلك تقضي المادة (١٥٤) من القانون المدني العراقي، المادة (١٥٦) من القانون المدني المصري ” يجوز في الاشتراط لمصلحة الغير أن يكون المنتفع شخصاً مستقلاً أو جهة مستقبله كما يجوز أن يكون شخصاً أو جهة لم يعينا بالذات وقت العقد مادام تعيينها مستطاعاً وقت أن ينتج العقد إثرة.” وأيْضاً ما نصت عليه المادة(1205) من القانون الفرنسي “…يجوز ان يكون المستفيد شخصاً مستقبلياً, لكن يجب ان يكون معيناً بشكل محدد أو يمكن تحديده وقت تنفيذ الوعد “.

وبذلك، فإنّ الاشتراط لمصلحة الغير، يفرض ثلاث علاقات بين أشخاصه، وهم المشترط والمتعهد والمنتفع، ويرتب علاقات بينهم :

أمّا بالنسبة لعلاقة بين المشترط والمتعهد، فإنّ هذه العلاقة تتمثل بالعلاقة بين المشترط والمتعهد قواعد العقد المبرم بينهم، فهو الذي يحدد حقوق والتزامات كل طرف، فعقد التأمين هو الذي يحدد الالتزامات المتقابلة بين المؤمن له وشركة التأمين ([115]).

ويحق للمشترط أن يراقب قيام المتعهد بتنفيذ العقد، فهو الطرف الذي أنشأ الالتزام، كما قد تنصرف نيته إلى أن يحتفظ لنفسه بدعوى المطالبة.

للمشترط ان يطالب المتعهد بالتعويض عن عدم تنفيذ التزامه قبل المنتفع، كما له أن يطالبه بتعويض عن إخْلاله بالعقد وبالإضرار التي لحقته شخصاً من جراء إخْلال المتعهد بالتزامه.

أمّا بالنسبة لعلاقة بين المشترط والمنتفع، فتخضع العلاقة بين المشترط والمنتفع لقواعد التبرع أو المعاوضة، فإذا كان غرض المشترط من الاشتراط هو التبرع سرت أحكام عقد الهبة، وإن كان غرضه وفاء دين سرت أحكام الوفاء، وإن كان غرضه اقراض المنتفع سرت أحكام القرض.

أمّا بالنسبة لعلاقة بين المتعهد والمنتفع ، فيكتسب المنتفع من عقد الاشتراط حقاً مباشراً قبل المتعهد، وهو ما يمثل خروج على قاعدة نسبية أثر العقد، ويكتسب المنتفع حقه بصفة مباشرة من العقد، وليس المشترط فضولياً في اشتراطه حقاً للمنتفع لأنّ للمنتفع مصلحة شخصية من الاشتراط، كما لا يعد الاشتراط لمصلحة الغير حوالة حق من المشترط، حيث أن المنتفع لا يتلقى الحق عن المشترط ولا يعتبر خلفاً له.

وينتج عنه أن للمنتفع حق شخصي فبل المتعهد، يتجسّد في الفروض الآتية:

  • إذا مات المنتفع لم يكن لدائنيه التنفيذ على الحق المشترط لصالح المنتفع بل يخلص هذا الحق للمنتفع وحدة.
  • على دائني المتعهد يشاركون المنتفع مشاركة غرماء في استيفاء حقوقهم من المتعهد.
  • على دائني المتعهد ان يشاركون المنتفع مشاركة غرماء, في استيفاء حقوقهم من المتعهد.
  • يوجد حق للمنتفع من وقت قيام عقد الاشتراط لا من وقت اعلان المنتفع رغبة في الافادة من الاشتراط.
  • يجوز للمتعهد ان يتمسك قبل المنتفع بجميع الدفوع في العقد, مثل الدفع بالبطلان والدفع بالفسخ والدفع بعدم التنفيذ.

الخاتمة

بعد الانتهاء من دراسة موضوع الغير في العقد توصلنا الى بعض النتائج وقدمنا بعض التوصيات كالتالي :

اولا : النتائج

1-ان المشرع العراقي لم يولي اهتمام كبير في دور الغير وغير المتعاقدين في العقد وجاء بنصوص قليلة عالجت دور الغير وفرق بين الغير ذي حرم محرم والغير الاجنبي حيث اعطى للأول حق في الدخول في العقد وتعديل بنودة في حال تم العقد للكراه او لعيب معين من عيوب الارادة كما جاء في نص المادة(112\3)من القانون المدني وان هذه النص فقط علاج دور الغير واعطاه دور في الدخول في العقد .

2-ان المشرع المصري اوسع من نطاق الغير في الدخول في العقد كونه لم يحدد ولم يشترط صلة القرابة لطلب ابطال العقد في حالة وقوع الاكراه على الغير جاء ذلك في نص المادة(127\3)والذي جاء بنص مطلق وقال الاكراه الواقع على المتعاقد او الغير ولم يحدد ذي حرم محرم من عدمه وبذلك يكون المشرع المصري وسع من دائرة الغير واعطاه الحق ليكون له دور وحق للمتعاقد الذي ضاعت حقوقه ان يرجع للقضاء ويطلب ابطال العقد .

3-ان المشرع اللبناني اخذ مأخذ المشرع العراقي ولم يوسع من مفهوم الغير سواء في نصوص محدده .

ثانيا :التوصيات

1-نوصي المشرع العراقي والمشرعين مدار المقارنة في التوسع من نطاق الغير ووضع قواعد ونصوص تخلص وتنقذ غير المتعاقدين من الالتزامات التي تقع على عاتقهم نتيجة عقود لم يكونوا اطراف فيها .

2-نوصي بالتوسع في الدراسات والبحوث القانونية في معالجة نقص النصوص التي تعالج موقف الغير في القوانين المدنية والعربية .

المصادر

احمد اسحاق ، اثر العقد في مواجهة الغير، جامعة المتوفية، مصر، دون ذكر السنة.

  1. احمد حسان حافظ، التحكيم في العقود الدولية للانشاءات، ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 2007.

احمد شوقي عبد الرحمن، النظرية العامة للالتزامات، بدون ناشر، 2003.

أحمد صالح على مخلوف ، اتفاق التحكيم كأسلوب لتسوية منازعات عقود التتجارة الدولية ، رسالة للدكتوراة ، كلية الحقوق ، جامعة القاهرة ، 2000.

احمد نبيل سليمان، النظام القانوني لاتفاق التحكيم، رسالة للدكتوراة ، كلية الحقوق ، جامعة عين شمس ،2011.

اسماعيل غانم، النظرية العامة للإلتزامات ، مكتبة النصر ، القاهرة ، 1991.

بلقاسم زهرة، المرجع السابق، ص 61، د. نبيلة ارسلان، النظرية العامة للعلاقات الثلاثية، جامعة طنطا، مصر، 1987.

بلقلسم زهرة، اثر نظرية الظروف الطارئة على العقود، رسالة للماستر جامعة البويرة، الجزائر، 2014.

جعفر الفضلي، الوجيز في العقود المدنية، البيع، الإيجار، المقاولة، المكتبة القانونية، بغداد، 2007.

جميل الشرقاوي، محاضرات في العقود الدولية، بدون ناشر ، 1994.

حسن غازي حمد, مسؤولية الغير عن الاخلال بالعقد, الجامعة الاسلامية, لبنان, 2017-2018.

سعد ربيع عبد الجبار، حجية العقود واثرها في استقرار العلاقات القانونية، أطروحة دكتوراه، جامعة النهرين، 2008.

سعد عبد ملحم، اثر العقد الباطل في بالنسبة للغير، مجلة الاكاديمية للبحث القانوني، جامعة عبدالرحمان ميرة، الجزائر، السنة 6، م 13، عدد 3، 2015.

سليمان براك الجميلي, الشروط التعسفية في العقود, كلية صدام , العراق, 2002.

صالح ناصر العتيبي ، فكرة الجوهرية في العلاقة العقدية ، ط 1 ، بدون مكان نشر ، 2001.

صدام فيصل كوكز المحمدي، إتفاقات الإطار, النهرين, العراق, 2005,

عبد الباسط محمد عبد الواسع، شرط التحكيم في عقد البيع التجاري الدولي، جامعة عين الشمس، مصر، 2012.

عبد الحكيم فودة، النسبية والغير في القانون المدني، دار الفكر الجامعي، القاهرة، 1996.

عبد الرزاق أحمد السنهوري، نظرية العقد، ج2، ط 2، منشورات الحلبي الحقوقية، لبنان، 1998.

عبد الرزاق السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني، مصادر الالتزام، م الأول، العقد، ط 1981.

عبد الرزاق السنهوري، نظرية العقد،، ج، ط 2، منشورات الحلبي الحقوقية، لبنان، 1998.

عبد الفتاح عبد الباقي, ، نظرية العقد والارادة المنفردة، ج 2، 1984.

عبد الفتاح عبد الباقي، أحكام الالتزام، مطبعة جامعة القاهرة، 1989.

عبد الفتاح عبد الباقي،، نظرية العقد والارادة المنفردة، ج 2، 1984.

عبد المجيد الحكيم، الوجيز في شرح القانون المدني، ج1، ط5، المكتبة القانونية، بغداد، العراق، 1977.

عبد المجيد الحكيم، عبد الباقي البكري، محمد طه البشير، نظرية الالتزام ,ج1 ,المكتبة القانونية بغداد، دون ذكر النسة.

عبدالله محمد عبدالله، الغير في التحكيم، جامعة عين الشمس، مصر، 2011.

العقد ,ج2 ,ط2، منشورات الحلبي الحقوقية، لبنان، 1998.

علي كحلون، النظرية العامة للالتزامات، مصادر و أحكام الالتزام، ط1, منشورات الاطرش للكتاب المختص، تونس، 2015.

كهينة يوسفي, . سلامة عبدالله، التمييز بين مفهوم الطرف في العقد ومفهوم الغير في ظل مبدأ نسبية اثر العقد، مجلة معالم الدراسات القانونية والسياسية، م 3، العدد 1, 2019.

لمياء بن هرة، اثار بطلان العقد على الغير، مذكرة لإستكمال شهادة الليسانس ، جامعة ورقلة، الجزائر، 2014.

محسن عبد الحميد ابراهيم البيه، النظرية العامة للالتزامات، مصادر الالتزام، ج1، مكتبة الجلاء، المنصورة، 1997.

محمد ابراهيم دسوقي، القانون المدني ” الالتزامات “، مطبعة التوني، الاسكندرية، 1999.

محمد حسين عبد العال ، التنظيم الإتفاقي للمفاوضات العقدية ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1998.

محمد لبيب شنب، شرح أحكام عقد المقاولة في ضوء الفقه والقضاء، منشأة المعارف ، الإسكندرية، 2008.

محمد محي الدين إبراهيم ، نطاق مبدأ نسبية أثر العقد ، دار المطبوعات الجماعية ، الإسكندرية ، 2007.

محمد نور شحاته، مفهوم الغير فى التحكيم دراسة تحليلية و تطبيقية لمبدأ نسبية اثر التحكيم بالنسبة للغير، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1996.

محمود جمال الدين زكي، الوجيز في النظرية العامة للالتزام، ط3، القاهرة، 1978.

محمود سمير الشرقاوي، التحكيم التجاري الدولي، دار النهضة العربية ، 2014.

نزیه المھدي ،نظرات في الاستخلاف الخاص ،مذكرات مطبوعة على الالة الكاتبة ،جامعة القاھرة.

القوانين والتشريعات:

قانون الموجبات والعقود اللبناني الصادر في 9 / 3 / 1932

القانون المدني المصري.

القانون المدني العراقي.

القانون المدني الفرنسي المعدل.

قانون العقود الفرنسي الجديد.

القانون المدني العراقي رقم 40 لسنة 1951 المعدل.

Res inter aslios acta alrisnaquenocerenaqueprodasse. Audrey Gougeon. L’intervention du tiers à la formation du contrat. THÈSE Pour obtenir le grade de Docteur en Droit. Le 9 décembre 2016.universete de lil2.france.page.14

Etat, Politiqué et arbitrage, l’affaire du plateau des Pyramides, Rev, Arb, 1986. P 3. Par Le Boulanger(PH). Cour d’Appel de paris, 12 Juillet. 1984.

Audrey Gougeon. L’intervention du tiers à la formation du contrat.op cit.p320.

Mazeaud h .La maxime error.communis.facitjus.REV.Trim.Dr civ 1929.p29.

MAZEAUD H .la maxime error.communis .ibid.p130.

SAVATIER.Rlepretendu principe de l effet relatif des contrat.R.T.D.civ 1934.p112.

ESPAGNON.LA REGLE DU NON-COMUL DE RESPONSABILITE CONTRACTUEALL.THESE PARIS .1980.P122

SAVATIERJ.lepretendu principe de l effet relatif des contrats .R.T.D.civ 1934.p60.

JOBARD-BACHELIER.M.N.droitcivil.suretes.publicite fonciere.1e Ed. Paris. 1997.p54.

WEILL(A.),Le principe de la relativite de la fraude en droit francais, These, Strasburg,Dalloz,1938.p 321 .

الهوامش:

  1. . Res inter aslios acta alrisnaquenocerenaqueprodasse. Audrey Gougeon. L’intervention du tiers à la formation du contrat. THÈSE Pour obtenir le grade de Docteur en Droit. Le 9 décembre 2016.universete de lil2.france.page.14

  2. . د. صالح ناصر العتيبي ، فكرة الجوهرية في العلاقة العقدية ، ط 1 ، بدون مكان نشر ، 2001 ،ص 141

    وراجع كذلك المادة 73 من القانون المدنى العراقي زالتى تنص على أن ” العقد هو أرتباط الإيجاب الصادر من أحد العاقدين بقبول الأخر على وجه يثبت أثره في المعقود علية “.

  3. . د. صبري حمد خاطر، الغير عن العقد، ص 20.

  4. () المادة ( 225) من قانون الموجبات والعقود اللبناني الصادر في 9 / 3 / 1932

  5. . نقض مصري في 31 مارس سنة 1985، مجموعة أحكام النقض، ص 536، مشار اليه عند د. محمود سمير الشرقاوي، التحكيم التجاري الدولي، دار النهضة العربية ، 2014 ، ص 145.

  6. . د. حسام الدين كامل الأهواني ، مصادر الإلتزام ، مرجع سابق ، 71

  7. . د. عبدالله محمد عبدالله، الغير في التحكيم، جامعة عين الشمس، مصر، 2011، ص 123.

  8. . Etat, Politiqué et arbitrage, l’affaire du plateau des Pyramides, Rev, Arb, 1986. P 3. Par Le Boulanger(PH). Cour d’Appel de paris, 12 Juillet. 1984.

  9. . د. عبد الباسط محمد عبد الواسع، شرط التحكيم في عقد البيع التجاري الدولي، جامعة عين الشمس، مصر، 2012, ص 332.

  10. . د. صبري حمد خاطر، الغير عن العقد، المرجع السابق، ص 20.

  11. . د. محمد نور شحاته، مفهوم الغير فى التحكيم دراسة تحليلية و تطبيقية لمبدأ نسبية اثر التحكيم بالنسبة للغير، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1996 ص 21.

  12. . د. محمد ابراهيم دسوقي، القانون المدني ” الالتزامات “، مطبعة التوني، الاسكندرية، 1999, ص 120 .

  13. . د. اسماعيل غانم، النظرية العامة للإلتزامات ، مكتبة النصر ، القاهرة ، 1991 ، ص 234.

  14. . د. محمد إبراهيم دسوقي ، القانون المدنى ، مرجع سابق ، ص 121

  15. . يراجع في ذلك حكم محكمة النقض المصرية الصادر في 3 مارس 1976، مجموعة أحكام محكمة النقض المصرية، ص 546.

  16. . المادة (678) من القانون المدني المصري، ساق الذكر.

  17. . المادة (1078/1) من القانون المدني العراقي، سابق الذكر.

  18. . د. محمد إبراهيم دسوقي ، القانون المدنى ، مرجع سابق ،ص 123

  19. . د. عبد الحكيم فودة، النسبية والغير في القانون المدني، دار الفكر الجامعي، القاهرة، 1996، ص 62.

  20. . د. محمد ابراهيم دسوقي، المرجع السابق، ص 122.

  21. . د. سليمان براك الجميلي, الشروط التعسفية في العقود, كلية صدام , العراق, 2002, ص57.

  22. . راجع المادة 150 من القانون المدنى المصري

  23. . د. عبد الفتاح عبد الباقي، أحكام الالتزام، مطبعة جامعة القاهرة، 1989، ص 144.

  24. . وقد نصت المادة (1157) من القانون المدني السابق على انه ” اذا تعددت معاني النص وجب اخذ المعنى الذي يؤتي أثراً”.

  25. . د. محمد ابراهيم دسوقي المرجع السابق، ص 125.

  26. () د. محمد عبد المالك محسن الحبشي ، النظام القانوني لفسخ العقد في اطار المجموعة العقدیة المرجع السابق، 149

  27. () د. نزیه المھدي ،نظرات في الاستخلاف الخاص ،مذكرات مطبوعة على الالة الكاتبة ،جامعة القاھرة ، ص 44

  28. Audrey Gougeon. L’intervention du tiers à la formation du contrat.op cit.p320.

  29. Mazeaud h .La maxime error.communis.facitjus.REV.Trim.Dr civ 1929.p29.

  30. MAZEAUD H .la maxime error.communis .ibid.p130.

  31. 10SAVATIER.Rlepretendu principe de l effet relatif des contrat.R.T.D.civ 1934.p112.

  32. () د. ھناء خیري احمد خلیفة ،المسؤولیة المدنیة في نطاق الاسرة العقدیة ، رسالة دكتوراه ،المرجع السابق ،ص 45

  33. . د. أحمد صالح على مخلوف ، اتفاق التحكيم كأسلوب لتسوية منازعات عقود التتجارة الدولية ، رسالة للدكتوراة ، كلية الحقوق ، جامعة القاهرة ، 2000 ، ص 245، د. احمد عبد الكريم سلامة، قانون التحكيم الدولي والداخلي، دار النهضة العربية ، القاهرة ، بدون سنة نشر ، 457.

  34. . د. صدام فيصل كوكز المحمدي، إتفاقات الإطار, النهرين, العراق, 2005, ص 67.

  35. . د. احمد صالح على مخلوف، المرجع السابق، ص 245.

  36. . د. جميل الشرقاوي، محاضرات في العقود الدولية، بدون ناشر ، 1994 ص 205 .

  37. . د. احمد حسان حافظ، التحكيم في العقود الدولية للانشاءات، ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 2007 ،ص 339.

  38. . د. احمد نبيل سليمان، النظام القانوني لاتفاق التحكيم، رسالة للدكتوراة ، كلية الحقوق ، جامعة عين شمس ،2011ص 407.

  39. ESPAGNON.LA REGLE DU NON-COMUL DE RESPONSABILITE CONTRACTUEALL.THESE PARIS .1980.P122

  40. SAVATIERJ.lepretendu principe de l effet relatif des contrats .R.T.D.civ 1934.p60.

  41. () د. محمود جمال الدین زكي، مشكلات المسؤولیة، ج 1 ، ص 211

  42. . JOBARD-BACHELIER.M.N.droitcivil.suretes.publicite fonciere.1e Ed. Paris. 1997.p54.

  43. . د. عبد الرزاق أحمد السنهوري، نظرية العقد، ج2، ط 2، منشورات الحلبي الحقوقية، لبنان، 1998، ص 730، د. علي كحلون، النظرية العامة للالتزامات، مصادر و أحكام الالتزام، ط1, منشورات الاطرش للكتاب المختص، تونس، 2015 ,ص 3.

  44. . لمياء بن هرة، اثار بطلان العقد على الغير، مذكرة لإستكمال شهادة الليسانس ، جامعة ورقلة، الجزائر، 2014، ص 34.

  45. . بلقلسم زهرة، اثر نظرية الظروف الطارئة على العقود، رسالة للماستر جامعة البويرة، الجزائر، 2014، ص 59.

  46. () المادة ( 222 ) من قانون العقود والموجبات اللبناني

  47. . د. محسن عبد الحميد ابراهيم البيه، النظرية العامة للالتزامات، مصادر الالتزام، ج1، مكتبة الجلاء، المنصورة، 1997، ص 312.

  48. . د. محمد حسين عبد العال ، التنظيم الإتفاقي للمفاوضات العقدية ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1998 ،ص 157

  49. . حيث نصت المادة(142/1) من القانون المدني العراقي, على انه” ينصرف اثر العقد الى المتعاقدين والخلف العام دون اخلال بالقواعد المتعلة بالميراث, مالم ينبين من العقد او من طبيعةالتعامل او من نص القانون ان هذا الاثر لا ينصرف الى الخلف العام” وتقابلها المادة(145) من القانون المدني المصري.

  50. . د. اسماعيل غانم، الحقوق العينية الاصلية، بدون ناشر، 1958، الجزء الثاني، ص 147 وما بعدها.

  51. . د. عبد المجيد الحكيم, عبد الباقي البكري, محمد طه البشير, الوجيز, المرجع السابق, ص178.

  52. . ينظر المواد (1257 – 946) من القانون المدني العراقي والمواد (993-714-626) من القانون المدني المصري.

  53. . د. محمد ابراهيم الدسوقي، المرجع السابق، ص 133.

  54. . د. احمد شوقي عبد الرحمن، النظرية العامة للالتزامات، بدون ناشر، 2003، ص 110.

  55. . بلقاسم زهرة، المرجع السابق، ص 61، د. نبيلة ارسلان، النظرية العامة للعلاقات الثلاثية، جامعة طنطا، مصر، 1987، ص 77.

  56. . د. عبد المجيد الحكيم، الوجيز في شرح القانون المدني، ج1، ط5، المكتبة القانونية، بغداد، العراق، 1977, ص 112.

  57. . د. صبري حمد خاطر الغير عن العقد، المرجع السابق، ص 26.

  58. . المادة(152) من القانون المدني المصري.

  59. . د. سعد عبد ملحم، اثر العقد الباطل في بالنسبة للغير، مجلة الاكاديمية للبحث القانوني، جامعة عبدالرحمان ميرة، الجزائر، السنة 6، م 13، عدد 3، 2015، ص 5، د. علي كحلون، المرجع السابق، ص 325.

  60. . صدّام فيصل كوكز المحمدي، اخلال الغير بالعقد، المرجع السابق، ص 19.

  61. . حسن غازي حمد, مسؤولية الغير عن الاخلال بالعقد, الجامعة الاسلامية, لبنان, 2017-2018, ص13.

  62. . د. صبري حمد خاطر، الغير عن العقد، المرجع السابق، ص 148.

  63. . WEILL(A.),Le principe de la relativite de la fraude en droit francais, These, Strasburg,Dalloz,1938.p 321 .

  64. . د. حسام الأهواني ، مرجع سابق ، ص 140

  65. . المادة (1165) السابقة من القانون المدني الفرنسي المعدل.

  66. . د. محمود جمال الدين زكي، الوجيز في النظرية العامة للالتزام، ط3، القاهرة، 1978، ص266.

  67. . المادة (145) من القانون المدني المصري.

  68. . المادة (152) من القانون المدني المصري.

  69. . د. سليمان مرقس، المصدلر السابق، ص 297.

  70. . د. سعد ربيع عبد الجبار، حجية العقود واثرها في استقرار العلاقات القانونية، أطروحة دكتوراه، جامعة النهرين، 2008، ص 15 – 16.

  71. . د. محمد محي الدين ابراهيم، نطاق مبدأ نسبية اثر العقد، دار المطبوعات الجامعية، ص 23 – 24، د. محمد ابراهيم الدسوقي، المرجع السابق، ص 137.

  72. . د. عبد المجيد الحكيم، عبد الباقي البكري، محمد طه البشير، نظرية الالتزام ,ج1 ,المكتبة القانونية بغداد، دون ذكر النسة، ص 86.

  73. . د. عبد الفتاح عبد الباقي, ، نظرية العقد والارادة المنفردة، ج 2، 1984, ص586.

  74. . د. احمد اسحاق، اثر العقد في مواجهة الغير، جامعة المتوفية، مصر، دون ذكر السنة، ص 86.

  75. . د. عبد الفتاح عبد الباقي، المرجع السابق، ص 586.

  76. . د. عبد الفتاح عبد الباقي، المرجع نفسة,587.

  77. . د. عبد الحكيم فود، المرجع السابق، ص 133.

  78. . د. عبد الرزاق السنهوري، نظرية العقد،، ج، ط 2، منشورات الحلبي الحقوقية، لبنان، 1998، ص 730.

  79. . د. عبد الحي حجازي، المرجع السابق، ج2، ص 251.

  80. . د. عبد الرزاق السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني، مصادر الالتزام، م الأول، العقد، ط ١٩٨١، ص ٧٥٤.

  81. . د. عبد الفتاح عبد الباقي،، نظرية العقد والارادة المنفردة، ج 2، 1984 ، ص 588

  82. . د. عبد المجيد الحكيم، عبد الباقي البكري، محمد طه البشير، المرجع السابق، 195.

  83. . ينظر المواد (1203 -1204) من قانون العقود الفرنسي الجديد.

  84. . محمد محي الدين إبراهيم ، نطاق مبدأ نسبية أثرالعقد ، دار المطبوعات الجماعية ، الإسكندرية ، 2007 ، ص51.

  85. . احمد اسحاق ، اثر العقد في مواجهة الغير، جامعة المتوفية، مصر، دون ذكر السنة ، ص95 .

  86. . احمد اسحاق, المرجع نفسة, ص96.

  87. . د. عبد المجيد الحكيم، عبد الباقي البكري، محمد طه البشير، المرجع السابق، ص 190.

  88. . د. عبد الفتاح عبد الباقي, المرجع السابق, ص112.

  89. () د. محمد لبيب شنب، شرح أحكام عقد المقاولة في ضوء الفقو والقضاء، منشأة المعارف ، الإسكندرية، 2008 ، ص 112 د. سعيد مبارك، د. صاحب عبيد الفتلاوي، د. طه ملا حويش، الوجيز في العقود المسماة، ص 487.

  90. () د. جعفر الفضلي، الوجيز في العقود المدنية، البيع، الإيجار، المقاولة، المكتبة القانونية، بغداد، 2007 ، ص210

  91. . د. عبد الفتاح عبد الباقي, المرجع السابق، ص120.

  92. . كهينة يوسفي, . سلامة عبدالله، التمييز بين مفهوم الطرف في العقد ومفهوم الغير في ظل مبدأ نسبية اثر العقد، مجلة معالم الدراسات القانونية والسياسية، م 3، العدد 1, 2019 ، ص191 .

  93. . كهينة يوسفي, سلامة عبد الله , المرجع نفسة, ص191.

  94. . كهينة يوسفي, سلامة عبدالله ، المرجع السابق, ص 191.

  95. . د. محمد محي الدين إبراهيم ، نطاق مبدأ نسبية أثرالعقد ، دار المطبوعات الجماعية ، الإسكندرية ، 2007 ، ص 130. د. عبد المجيد الحكيم, عبد الباقي البكري, محمد طه البشير, المرجع السابق, ص191.

  96. . د. عبد الرزاق السنهوري، نظرية العقد ,ج2 ,ط2، منشورات الحلبي الحقوقية، لبنان، 1998، ص 730، د. عبد الفتاح عبد الباقي، المرجع السابق، ص 589.

  97. () المادة ( 227 ) من قانون الموجبات والعقود اللبناني

  98. . د. عبد المجيد الحكيم، المرجع السابق، 196.

  99. . احمد اسحاق, المصدر السابق, ص 102.

  100. . احمد اسحاق, المرجع نفسة, ص103.

  101. . د. احمد اسحاق ، المرجع السابق، ص 103.

  102. . د. عبد المجيد الحكيم، د. عبد الباقي البكري ,د. محمد طه البشير، المرجع السابق، 196.

  103. . د. احمد اسحاق، المرجع السابق، ص 104.

  104. . د. عبد المجيد الحكيم، د. عبد الباقي البكري، د, محمد طه البشير، المرجع السابق، ص 197.

  105. . احمد اسحاق, المرجع نفسة, ص 105.

  106. . د. محمد محي الدين ابراهيم، نطاق مبدأ نسبية اثر العقد، دار المطبوعات الجامعية، الاسكندرية، 2007، ص 269.

  107. . د. عبد الفتاح عبد الباقي, المرجع السابق, ص 594.

  108. . المادة (150) من القانون المدني العراقي رقم 40 لسنة 1951 المعدل.

  109. . المواد (152/3) من القانون المدني العراقي (154/2) من القانون المدني المصري.

  110. . المواد (153/1) من القانون المدني العراقي (155/1) من القانون المدني المصري (1207) من القانون الفرنسي الجديد.

  111. . المواد (152/2) من القانون المدني العراقي (154/2) من القانون المدني المصري.

  112. . د. احمد اسحاق كمال، المرجع السابق، ص 117.

  113. . د. عبد الفتاح عبد الباقي, المرجع السابق, ص 602.

  114. . د. محمد ابراهيم الدسوقي، المرجع السابق، ص 166.